للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَسْبَابِ فَإِنَّ شَأْنَ السَّبَبِ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِثُبُوتِ مُسَبِّبِهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَسْبَابِ مِثَالُ الْأَوَّلِ الزَّوَالُ سَبَبُ وُجُوبِ الظُّهْرِ فَإِذَا صَلَّيْت قَبْلَ الزَّوَالِ لَمْ تُعْتَبَرْ ظُهْرًا وَمِثَالُ الثَّانِي الْجَلْدُ لَهُ ثَلَاثَةُ أَسْبَابٍ الزِّنَى وَالْقَذْفُ وَالشُّرْبُ فَمَنْ جُلِدَ قَبْلَ مُلَابَسَةِ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ لَمْ يُعْتَبَرْ ذَلِكَ حَدًّا وَلَا زَجْرًا فَهَذَانِ قِسْمَانِ مَا أَعْلَمُ فِيهِمَا خِلَافًا. الْقِسْمُ الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ لَهُ سَبَبٌ وَشَرْطٌ فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ (الْحَالَةُ الْأُولَى) أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى سَبَبِهِ وَشَرْطِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ إجْمَاعًا (الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ) أَنْ يَتَأَخَّرَ إيقَاعُهُ عَنْ سَبَبِهِ وَشَرْطِهِ فَيُعْتَبَرُ إجْمَاعًا

(الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ) أَنْ يُتَوَسَّطَ بَيْنَهُمَا فَيَخْتَلِفَ الْعُلَمَاءُ فِي كَثِيرٍ مِنْ صُوَرِهِ وَعَدَمِ اعْتِبَارِهِ وَيَتَّضِحُ ذَلِكَ بِذِكْرِ ثَمَانِ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى)

كَفَّارَةُ الْيَمِينِ لَهَا سَبَبٌ وَشَرْطٌ فَالسَّبَبُ هُوَ الْيَمِينُ وَالشَّرْطُ هُوَ الْحِنْثُ فَإِنْ قُدِّمَتْ عَلَيْهِمَا لَمْ يُعْتَبَرْ ذَلِكَ إجْمَاعًا وَإِنْ أُخِّرَتْ عَنْهُمَا أَجْزَأَتْ إجْمَاعًا وَإِنْ تَوَسَّطَتْ بَيْنَ الْيَمِينِ وَالْحِنْثِ فَقَوْلَانِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي إجْزَائِهَا وَعَدَمِ إجْزَائِهَا. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ)

الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ لَهُ سَبَبٌ وَهُوَ بَيْعُ الشَّرِيكِ وَشَرْطٌ وَهُوَ الْأَخْذُ فَتَثْبُتُ الشُّفْعَةُ حِينَئِذٍ فَإِنْ أَسْقَطَهَا قَبْلَ الْبَيْعِ لَمْ يُعْتَبَرْ إسْقَاطُهُ لِعَدَمِ اعْتِبَارِهَا حِينَئِذٍ وَاعْتِبَارِ الْإِسْقَاطِ فَرْعَ اعْتِبَارِ الْمُسْقِطِ أَوْ أَسْقَطَهَا بَعْدَ الْأَخْذِ سَقَطَتْ إجْمَاعًا وَإِنْ أَسْقَطَهَا بَعْدَ الْبَيْعِ وَقَبْلَ الْأَخْذِ سَقَطَتْ وَلَا أَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا. (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) وُجُوبُ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

وَيَتَّضِحُ ذَلِكَ بِذَكَرِ مَسَائِلَ) قُلْت مَا قَالَهُ هُنَا صَحِيحٌ ظَاهِرٌ. قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) قُلْت مَا قَالَهُ فِيهَا صَحِيحٌ. قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ لَهُ سَبَبٌ وَهُوَ بَيْعُ الشَّرِيكِ وَشَرْطٌ وَهُوَ الْأَخْذُ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ قُلْت مَا قَالَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ هُوَ الْحُكْمُ بِعَيْنِهِ أَوْ مُتَعَلِّقُهُ فَكَيْفَ يَكُونُ شَرْطًا فِي نَفْسِهِ هَذَا مِمَّا لَا يَصِحُّ بِوَجْهٍ وَإِنَّمَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ الضَّرْبِ الَّذِي لَهُ سَبَبٌ دُونَ شَرْطٍ وَلِذَلِكَ لَمْ يَقَعْ خِلَافٌ فِيمَا إذَا أَسْقَطَهَا بَعْدَ الْبَيْعِ وَقَبْلَ الْأَخْذِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَمَا قَالَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ صَحِيحٌ ظَاهِرٌ.

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) تَمَسَّكَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِالْإِطْلَاقِ فِي قَوْله تَعَالَى {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: ٦٥] فَقَالَ مَنْ ارْتَدَّ حَبَطَ عَمَلُهُ بِمُجَرَّدِ رِدَّتِهِ وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَحْمِلُ إطْلَاقَهُ عَلَى التَّقْيِيدِ فِي قَوْله تَعَالَى فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: ٢١٧] فَقَالَ لَا يَحْبَطُ عَمَلُهُ إلَّا بِالْوَفَاةِ عَلَى الْكُفْرِ وَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ هُوَ الْأَصَحُّ وَإِنْ ادَّعَى الْأَصْلُ أَنَّ الْآيَةَ الثَّانِيَةَ لَيْسَتْ مُقَيِّدَةً لِلْآيَةِ الْأُولَى وَذَلِكَ لِأَنَّا وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْآيَةَ الثَّانِيَةَ رُتِّبَ فِيهَا مَشْرُوطَانِ هُمَا الْحُبُوطُ وَالْخُلُودُ عَلَى شَرْطَيْنِ هُمَا الرِّدَّةُ وَالْوَفَاةُ عَلَى الْكُفْرِ وَأَنَّهُ إذَا رُتِّبَ مَشْرُوطَانِ عَلَى شَرْطَيْنِ أَمْكَنَ التَّوْزِيعُ إلَّا أَنَّا لَا نُسَلِّمُ إمْكَانَ التَّوْزِيعِ حِينَئِذٍ مُطْلَقًا وَلَوْ لَمْ يَصِحَّ اسْتِقْلَالُ كُلٍّ مِنْ الْمَشْرُوطَيْنِ بِدُونِ الْآخَرِ كَمَا هُنَا لِأَنَّهُمَا سَبَبٌ وَمُسَبَّبٌ وَالسَّبَبُ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ مُسَبَّبِهِ وَبِالْعَكْسِ حَتَّى يَتَأَتَّى التَّوْزِيعُ هُنَا بِجَعْلِ الْحُبُوطِ لِمُطْلَقِ الرِّدَّةِ وَالْخُلُودِ لِأَجْلِ الْوَفَاةِ عَلَى الْكُفْرِ فَيَبْقَى الْمُطْلَقُ عَلَى إطْلَاقِهِ وَلَا يَتَعَيَّنُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرْطَيْنِ شَرْطٌ فِي الْإِحْبَاطِ فَلَا تَكُونُ الْآيَتَانِ مِنْ بَابِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ بَلْ إنَّمَا يُمْكِنُ التَّوْزِيعُ حِينَئِذٍ بِشَرْطِ أَنْ يَصِحَّ اسْتِقْلَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَشْرُوطَيْنِ عَنْ الْآخَرِ فَلَيْسَ الْأَمْرُ فِي دَعْوَاهُ كَمَا زَعَمَ فَافْهَمْ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِغَيْرِ التُّرَابِ تَمَسُّكًا بِأَنَّهُ وَرَدَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَوَرَدَ وَتُرَابُهَا طَهُورًا» لَا يَصِحُّ سَوَاءٌ كَانَ مُدْرَكُهُ أَنَّهُ مِنْ بَابِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ أَوْ أَنَّهُ مِنْ بَابِ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ بِذِكْرِ بَعْضِهِ أَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَلِأَنَّ الْأَرْضَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى عَامٌّ كُلِّيَّةً لَا مُطْلَقٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ حَمْلَ الْإِطْلَاقِ عَلَى التَّقْيِيدِ إنَّمَا يَصِحُّ فِي الْمُطْلَقِ لَا فِي الْعَامِّ وَأَمَّا عَلَى الثَّانِي فَقَدْ مَرَّ أَنَّ تَخْصِيصَ الْعُمُومِ بِذِكْرِ بَعْضِهِ بَاطِلٌ فَأَصَابَ الشَّافِعِيُّ مِنْ الْإِشْكَالِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا أَصَابَ أَصْحَابُنَا فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ حَرْفًا بِحَرْفٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[الْفَرْق بَيْن قَاعِدَةِ الْإِذْنِ الْعَام مِنْ قِبَل صَاحِب الشَّرْعِ فِي التَّصَرُّفَاتِ وَبَيْنَ إذْنِ الْمَالِكِ الْآدَمِيِّ فِي التَّصَرُّفَات]

(الْفَرْقُ الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِذْنِ الْعَامِّ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الشَّرْعِ فِي التَّصَرُّفَاتِ وَبَيْنَ إذْنِ الْمَالِكِ الْآدَمِيِّ فِي التَّصَرُّفَاتِ فِي إسْقَاطِ الثَّانِي الضَّمَانَ دُونَ الْأَوَّلِ) وَسِرُّ الْفَرْقِ هُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَفَضَّلَ عَلَى عِبَادِهِ فَجَعَلَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقُّ الْآدَمِيِّينَ مَوْكُولٌ لِمَنْ هُوَ مَنْسُوبٌ لَهُ ثُبُوتًا وَإِسْقَاطًا فَمَا هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى صَرْفٌ لَا يَتَمَكَّنُ الْعِبَادُ مِنْ إسْقَاطِهِ وَالْإِبْرَاءِ مِنْهُ بَلْ ذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى صَاحِبِ الشَّرْعِ وَمَا هُوَ حَقٌّ لِلْآدَمِيِّينَ بِتَسْوِيغِهِ وَتَمَلُّكِهِ وَتَفَضُّلِهِ لَا يُنْقَلُ الْمِلْكُ فِيهِ إلَّا بِرِضَاهُمْ وَلَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ مِنْهُ إلَّا بِإِسْقَاطِهِمْ وَلِذَلِكَ لَا يَسْقُطُ الضَّمَانُ فِي إتْلَافِهِ إلَّا بِإِذْنِهِمْ فِي إتْلَافِهِ أَوْ بِالْإِذْنِ فِي مُبَاشَرَتِهِ عَلَى سَبِيلِ الْأَمَانَةِ

(وَصْلٌ) فِي تَوْضِيحِ هَذَا الْفَرْقِ بِمَسْأَلَةٍ فِيهَا تَوَارُدُ الْإِذْنَيْنِ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ وَهِيَ أَنَّ الْمُكَلَّفَ إذَا اُضْطُرَّ إلَى طَعَامِ غَيْرِهِ فَأَكَلَهُ فِي الْمَخْمَصَةِ جَازَ وَهَلْ يَضْمَنُ لَهُ الْقِيمَةَ أَوْ لَا قَوْلَانِ أَمَّا الْقَوْلُ بِوُجُوبِ الضَّمَانِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَالْأَشْهُرُ فَلِأَنَّ إذْنَ الْمَالِكِ لَمْ يُوجَدْ وَإِنَّمَا وُجِدَ إذْنُ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَهُوَ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ الضَّمَانِ وَإِنَّمَا يَنْفِي الْإِثْمَ.

وَالْمُؤَاخَذَةَ بِالْعِقَابِ وَلِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْمِلْكَ إذَا دَار زَوَالُهُ بَيْنَ الْمَرْتَبَةِ الدُّنْيَا وَالْمَرْتَبَةِ الْعُلْيَا حُمِلَ عَلَى الدُّنْيَا اسْتِصْحَابًا بِالْمِلْكِ بِحَسْبِ الْإِمْكَانِ وَانْتِقَالُ الْمِلْكِ بِعِوَضٍ هُوَ أَدْنَى رُتَبِ الِانْتِقَالِ وَهُوَ أَقْرَبُ لِمُوَافَقَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>