للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِذِكْرِ مَسَائِلِهَا وَلْنَذْكُرْ مِنْ ذَلِكَ خَمْسَ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) الْأَسْبَابُ الْفِعْلِيَّةُ تَصِحُّ مِنْ السَّفِيهِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ دُونَ الْقَوْلِيَّةِ فَلَوْ صَادَ مَالِكُ الصَّيْدِ أَوْ احْتَشَّ مَالِكُ الْحَشِيشِ أَوْ احْتَطَبَ مَالِكُ الْحَطَبِ أَوْ اسْتَقَى مَاءَ مِلْكِهِ وَتَرَتَّبَ لَهُ الْمِلْكُ عَلَى هَذِهِ الْأَسْبَابِ بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى أَوْ قَبِلَ الْهِبَةَ أَوْ الصَّدَقَةَ أَوْ قَارَضَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ الْقَوْلِيَّةِ لَا يَتَرَتَّبُ لَهُ عَلَيْهَا مِلْكٌ بِسَبَبِ أَنَّ الْأَسْبَابَ الْفِعْلِيَّةَ غَالِبُهَا خَيْرٌ مَحْضٌ مِنْ غَيْرِ خَسَارَةٍ وَلَا غَبْنٍ وَلَا ضَرَرٍ فَلَا أَثَرَ لِسَفَهِهِ فِيهَا فَجَعَلَهَا الشَّرْعُ مُعْتَبَرَةً فِي حَقِّهِ تَحْصِيلًا لِلْمَصَالِحِ بِتِلْكَ الْأَسْبَابِ فَإِنَّهَا لَا تَقَعُ إلَّا نَافِعَةً مُفِيدَةً غَالِبًا وَأَمَّا الْقَوْلِيَّةُ فَإِنَّهَا مَوْضِعُ الْمُمَاكَسَةِ وَالْمُغَابَنَةِ وَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ آخَرَ يُنَازِعُهُ وَيُجَاذِبُهُ إلَى الْغَبْنِ، وَضَعْفُ عَقْلِهِ فِي ذَلِكَ يُخْشَى عَلَيْهِ مِنْهُ ضَيَاعُ مَصْلَحَتِهِ عَلَيْهِ فَلَمْ يَعْتَبِرْهَا الشَّرْعُ مِنْهُ لِعَدَمِ تَعَيُّنِ مَصْلَحَتِهَا بِخِلَافِ الْفِعْلِيَّةِ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) لَوْ وَطِئَ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ أَمَتَهُ صَارَتْ لَهُ بِذَلِكَ أُمَّ وَلَدٍ وَهُوَ سَبَبٌ فِعْلِيٌّ يَقْتَضِي الْعِتْقَ وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ لَمْ يَنْفُذْ عِتْقُهُ مَعَ عُلُوِّ مَنْزِلَةِ الْعِتْقِ عِنْدَ صَاحِبِ الشَّرْعِ لَا سِيَّمَا الْمُنَجَّزُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا السَّبَبِ الْفِعْلِيِّ وَهَذَا السَّبَبِ الْقَوْلِيِّ أَنَّ نَفْسَهُ تَدْعُوهُ إلَى وَطْءِ أَمَتِهِ فَلَوْ مَنَعْنَاهُ مِنْهَا لَأَدَّى ذَلِكَ إلَى وُقُوعِهِ فِي الزِّنَى وَيَطَؤُهَا وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ فَيَقَعُ فِي عَذَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا دَاعِيَةَ تَدْعُوهُ لِعِتْقِ عَبْدِهِ أَوْ أَمَتِهِ مِنْ جِهَةِ الطَّبْعِ فَإِذَا قُلْنَا لَهُ لَيْسَ لَك ذَلِكَ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ مَحْذُورٌ وَإِذَا جَوَّزْنَا لَهُ الْوَطْءَ وَجَبَ أَنْ يُقْضَى بِاسْتِحْقَاقِ الْأَمَةِ الْعِتْقَ عِنْدَ مَوْتِ سَيِّدِهَا لِأَنَّ الْوَطْءَ سَبَبٌ تَامٌّ لِلْعِتْقِ عِنْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ وَقَدْ أَبَحْنَا لَهُ الْإِقْدَامَ عَلَيْهِ وَالسَّبَبُ التَّامُّ إذَا أُذِنَ فِيهِ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَجَبَ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ مُسَبِّبُهُ لِأَنَّ وُجُودَ السَّبَبِ الْمَأْذُونِ فِيهِ دُونَ الْمُسَبِّبِ خِلَافُ الْقَوَاعِدِ وَالسَّبَبُ الْقَوْلِيُّ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ صَاحِبُ الشَّرْعِ فَكَانَ كَالْمَعْدُومِ لِأَنَّ الْمَعْدُومَ شَرْعًا كَالْمَعْدُومِ حِسًّا وَالسَّبَبُ الْمَعْدُومُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَثَرُهُ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ)

اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ الْأَسْبَابُ الْفِعْلِيَّةُ أَقْوَى أَوْ الْقَوْلِيَّةُ أَقْوَى فَقِيلَ الْفِعْلِيَّةُ أَقْوَى لِنُفُوذِهَا مِنْ الْمَحْجُورِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

الْمُشَابَهَةُ بِأَنْ رَفَضَ نِيَّةَ الطَّهَارَةِ بَعْدَمَا أَدَّى بِهَا الصَّلَاةَ وَتَمَّ حُكْمُهَا لَمْ يَصِحَّ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِئْنَافُ الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ فَكَذَلِكَ مَنْ صَلَّى ثُمَّ رَفَضَ تِلْكَ الصَّلَاةَ بَعْدَ السَّلَامِ مِنْهَا وَقَدْ كَانَ أَتَى بِهَا عَلَى مَا أَمَرَ بِهِ فَإِنْ قَالَ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الرَّفْضِ فِي مِثْلِ هَذَا فَالْقَاعِدَةُ ظَاهِرَةٌ فِي خِلَافِ مَا قَالَ. اهـ.

قُلْت وَلَمَّا لَمْ يَجْرِ هَذَانِ الْوَجْهَانِ فِي الْغُسْلِ لِمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ لُزُومَ الْوُضُوءِ لَهُ إنَّمَا هُوَ فِي الِابْتِدَاءِ فَقَطْ لِأَنَّ اللُّزُومَ بَيْنَهُمَا مَشْرُوطٌ بِعَدَمِ طَرَءَانِ النَّاقِضِ فِي أَثْنَاءِ الْغُسْلِ جَزَمَ الْفُقَهَاءُ بِعَدَمِ رَفْضِهِ بَعْدَ كَمَالِهِ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَلِكَ الِاعْتِكَافُ لَمَّا لَمْ يَجْرِ فِيهِ هَذَانِ الْوَجْهَانِ كَمَا لَا يَخْفَى قَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ الصَّفْتِيُّ الظَّاهِرُ رَفْضُهُ فِي الْأَثْنَاءِ لَا بَعْدَ الْكَمَالِ وَقَدْ اسْتَثْنَى الْفُقَهَاءُ مِنْ هَذَا الْأَصْلِ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَأَجْمَعُوا عَلَى عَدَمِ تَأْثِيرِ الرَّفْضِ فِيهِمَا مُطْلَقًا لِمَا مَرَّ عَنْ الْأَمِيرِ مِنْ مَظِنَّةِ الْمَشَقَّةِ مَعَ وُجُوبِ إتْمَامِ فَاسِدِهِمَا وَقَضَائِهِ فَافْهَمْ قَالَ عبق وَالرَّفْضُ لُغَةً التَّرْكُ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا تَقْدِيرُ مَا وُجِدَ مِنْ الْعِبَادَةِ كَالْعَدَمِ وَفِي شَرْحِ الْمَجْمُوعِ وَضَوْءِ الشُّمُوعِ وَاسْتَظْهَرَ شب جَوَازَ الرَّفْضِ كَالنَّقْضِ وَلَعَلَّ أَقَلَّهُ الْكَرَاهَةُ فَإِنَّ شَأْنَ النَّقْضِ الْحَاجَةُ وَفِي الْمُحَشِّيِّ حُمِلَ {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: ٣٣] عَلَى الْمَقَاصِدِ وَظَاهِرُهُ عُمُومُ الْمَقَاصِدِ الَّتِي هِيَ السَّبْعَةُ فِي قَوْلِ ابْنِ عَرَفَةَ فِيمَا يَجِبُ مِنْ النَّوَافِلِ بِالشُّرُوعِ

صَلَاةٌ وَصَوْمٌ ثُمَّ حَجٌّ وَعُمْرَةٌ ... طَوَافٌ عُكُوفٌ وَائْتِمَانٌ تَحَتُّمًا

وَفِي غَيْرِهَا كَالطُّهْرِ وَالْوَقْفِ خُيِّرْنَ ... فَمَنْ شَاءَ فَلْيَقْطَعْ وَمَنْ شَاءَ تَمَّمَا

قُلْت أَوْ عَلَى مَا يَعُمُّ الْوَسَائِلَ مَعَ رَفْعِ الْمَقَاصِدِ بِغَيْرِ هَذَا كَالرِّيَاءِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُفَسِّرُونَ فَجَعَلُوهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى} [البقرة: ٢٦٤] ثُمَّ إنَّ الرَّفْضَ الْمُضِرَّ الْإِفْسَادُ الْمُطْلَقُ أَمَّا إنْ أَرَادَ حَدَثًا أَثْنَاءَ الْوُضُوءِ فَلَمْ يَفْعَلْ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَرَفْعِ نِيَّةِ الصَّائِمِ لِأَكْلِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ فَلَمْ يَجِدْهُ وَيَأْتِي أَنَّهُ لَا يَضُرُّ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ عَزَمَ عَلَى إفْسَادٍ لَمْ يَحْصُلْ لَا إفْسَادٍ بِالْفِعْلِ اهـ كَلَامُ الْأَمِيرِ قُلْت.

وَهَذَا يُخَالِفُ مَا مَرَّ فِي كَلَامِ الْحَطَّابِ مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ مَنْ تَصَنَّعَ لِنَوْمٍ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَإِنْ لَمْ يَنَمْ نَعَمْ فِي شَرْحِ الْمَوَّاقِ عَلَى الْمُخْتَصَرِ وَضَعَّفَ الْمَازِرِيُّ وَاللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَوْلَ مَالِكٍ مَنْ تَصَنَّعَ لِنَوْمٍ فَلَمْ يَنَمْ تَوَضَّأَ قَالَ اللَّخْمِيُّ عَلَى هَذَا يَجِبُ الْغُسْلُ عَلَى مَنْ أَرَادَ الْوَطْءَ فَكَفُّ ابْنُ عَرَفَةَ يُشَبِّهُ إرَادَةَ الْفِطْرِ أَثْنَاءَ الصَّوْمِ الرَّفْضَ أَثْنَاءَ الْوُضُوءِ لَا بَعْدَهُ اهـ بِلَفْظِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَسْبَابِ الْفِعْلِيَّةِ وَقَاعِدَةِ الْأَسْبَابِ الْقَوْلِيَّةِ]

(الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَسْبَابِ الْفِعْلِيَّةِ وَقَاعِدَةِ الْأَسْبَابِ الْقَوْلِيَّةِ) وَالْأَسْبَابُ الْفِعْلِيَّةُ كَالِاحْتِطَابِ وَالِاحْتِشَاشِ وَالِاصْطِيَادِ وَالْأَسْبَابُ الْقَوْلِيَّةُ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْقِرَاضِ وَكُلِّ مَا هُوَ فِي الشَّرْعِ مِنْ الْأَقْوَالِ سَبَبُ انْتِقَالِ الْمِلْكِ وَافْتَرَقَتْ هَاتَانِ الْقَاعِدَتَانِ مِنْ وُجُوهٍ

أَحَدُهَا أَنَّ الْفِعْلِيَّةَ تَصِحُّ مِنْ السَّفِيهِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ دُونَ الْقَوْلِيَّةِ الثَّانِي أَنَّ الْفِعْلِيَّةَ لَا تَقَعُ إلَّا نَافِعَةً مُفِيدَةً غَالِبًا بِخِلَافِ الْقَوْلِيَّةِ الثَّالِثُ أَنَّ الْفِعْلِيَّةَ قَدْ تَكُونُ لَهَا دَاعِيَةٌ تَدْعُو لَهَا مِنْ جِهَةِ الطَّبْعِ بِخِلَافِ الْقَوْلِيَّةِ الرَّابِعُ أَنَّ الْفِعْلِيَّةَ لَا تَسْتَعْقِبُ مُسَبِّبَاتِهَا وَالْقَوْلِيَّةَ تَسْتَعْقِبُهَا

الْخَامِسُ أَنَّ الْمِلْكَ بِالْفِعْلِيَّةِ عَلَى أَصْلِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ضَعِيفٌ يَزُولُ بِمُجَرَّدِ زَوَالِ ذَلِكَ الْفِعْلِ وَفِي الْقَوْلِيَّةِ قَوِيٌّ لَا يَزُولُ إلَّا بِسَبَبٍ نَاقِلٍ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ عَلَى أَصْلِ الشَّافِعِيِّ السَّادِسُ أَنَّ قَاعِدَةَ تَقْدِيمِ الْأَخَصِّ عَلَى الْأَعَمِّ إنَّمَا تَأَتَّى فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>