للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إمَامُ الْأَئِمَّةِ وَقَاضِي الْقُضَاةِ وَعَالِمُ الْعُلَمَاءِ فَجَمِيعُ الْمَنَاصِبِ الدِّينِيَّةِ فَوَّضَهَا اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ فِي رِسَالَتِهِ وَهُوَ أَعْظَمُ مِنْ كُلِّ مَنْ تَوَلَّى مَنْصِبًا مِنْهَا فِي ذَلِكَ الْمَنْصِبِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَمَا مِنْ مَنْصِبٍ دِينِيٍّ إلَّا وَهُوَ مُتَّصِفٌ بِهِ فِي أَعْلَى رُتْبَةٍ غَيْرَ أَنَّ غَالِبَ تَصَرُّفِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالتَّبْلِيغِ لِأَنَّ وَصْفَ الرِّسَالَةِ غَالِبٌ عَلَيْهِ ثُمَّ تَقَعُ تَصَرُّفَاتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهَا مَا يَكُونُ بِالتَّبْلِيغِ وَالْفَتْوَى إجْمَاعًا وَمِنْهَا مَا يُجْمِعُ النَّاسُ عَلَى أَنَّهُ بِالْقَضَاءِ وَمِنْهَا مَا يُجْمِعُ النَّاسُ عَلَى أَنَّهُ بِالْإِمَامَةِ وَمِنْهَا مَا يَخْتَلِفُ الْعُلَمَاءُ فِيهِ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ رُتْبَتَيْنِ فَصَاعِدًا فَمِنْهُمْ مَنْ يَغْلِبُ عَلَيْهِ رُتْبَةٌ وَمِنْهُمْ مَنْ يَغْلِبُ عَلَيْهِ أُخْرَى ثُمَّ تَصَرُّفَاتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَذِهِ الْأَوْصَافِ تَخْتَلِفُ آثَارُهَا فِي الشَّرِيعَةِ فَكُلُّ مَا قَالَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ فَعَلَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّبْلِيغِ كَانَ ذَلِكَ حُكْمًا عَامًّا عَلَى الثِّقْلَيْنِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَإِنْ كَانَ مَأْمُورًا بِهِ أَقْدَمَ عَلَيْهِ كُلُّ أَحَدٍ بِنَفْسِهِ وَكَذَلِكَ الْمُبَاحُ وَإِنْ كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ اجْتَنَبَهُ كُلُّ أَحَدٍ بِنَفْسِهِ وَكُلُّ مَا تَصَرَّفَ فِيهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِوَصْفِ الْإِمَامَةِ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْدَمَ عَلَيْهِ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ اقْتِدَاءً بِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلِأَنَّ سَبَبَ تَصَرُّفِهِ فِيهِ بِوَصْفِ الْإِمَامَةِ دُونَ التَّبْلِيغِ يَقْتَضِي ذَلِكَ وَمَا تَصَرَّفَ فِيهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِوَصْفِ الْقَضَاءِ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْدَمَ عَلَيْهِ إلَّا بِحُكْمِ حَاكِمٍ اقْتِدَاءً بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِأَنَّ السَّبَبَ الَّذِي لِأَجْلِهِ تَصَرَّفَ فِيهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِوَصْفِ الْقَضَاءِ يَقْتَضِي ذَلِكَ وَهَذِهِ هِيَ الْفُرُوقُ بَيْنَ هَذِهِ الْقَوَاعِدِ الثَّلَاثِ وَيَتَحَقَّقُ ذَلِكَ بِأَرْبَعِ مَسَائِلَ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

وَنُحَقِّقُ ذَلِكَ بِأَرْبَعِ مَسَائِلَ) قُلْت لَمْ يُجَوِّدْ التَّعْرِيفَ بِهَذِهِ الْمَسَائِلِ وَلَا أَوْضَحَهَا كُلَّ الْإِيضَاحِ وَالْقَوْلُ الَّذِي يُوَضِّحُهَا هُوَ أَنَّ الْمُتَصَرِّفَ فِي الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ إمَّا أَنْ يَكُونَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ بِتَعْرِيفِهِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِتَنْفِيذِهِ فَإِنْ كَانَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ بِتَعْرِيفِهِ فَذَلِكَ هُوَ الرَّسُولُ إنْ كَانَ هُوَ الْمُبْلِغَ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى وَتَصَرُّفُهُ هُوَ الرِّسَالَةُ وَإِلَّا فَهُوَ الْمُفْتِي وَتَصَرُّفُهُ هُوَ الْفَتْوَى وَإِنْ كَانَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ بِتَنْفِيذِهِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ تَنْفِيذُهُ ذَلِكَ بِفَصْلٍ وَقَضَاءٍ وَإِبْرَامٍ وَإِمْضَاءٍ وَإِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ كَذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَذَلِكَ هُوَ الْإِمَامُ وَتَصَرُّفُهُ هُوَ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

عَلَى الْأَعَمِّ وَمِنْهَا الْمُحْرِمُ لَا يَجِدُ مَا يَقُوتُهُ إلَّا مَيْتَةً أَوْ صَيْدًا تُبَاحُ لَهُ الْمَيْتَةُ فَقَطْ فَيُقَدَّمُ الصَّيْدُ فِي الِاجْتِنَابِ عَلَى الْمَيْتَةِ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الصَّيْدِ أَخَصُّ بِالْإِحْرَامِ مِنْ الْمَيْتَةِ إذْ تَحْرِيمُ الْمَيْتَةِ يَشْمَلُ الْحَاجَّ وَغَيْرَهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَصَرُّفِهِ بِالْقَضَاءِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَصَرُّفِهِ بِالْفَتْوَى]

(الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَصَرُّفِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْقَضَاءِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَصَرُّفِهِ بِالْفَتْوَى وَهِيَ التَّبْلِيغُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَصَرُّفِهِ بِالْإِمَامَةِ) لَمَّا كَانَ سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْرَ الْمُرْسَلِينَ وَإِمَامَ الْأَئِمَّةِ وَقَاضِيَ الْقُضَاةِ وَعَالِمَ الْعُلَمَاءِ وَقَدْ فَوَّضَ اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ فِي رِسَالَتِهِ جَمِيعَ الْمَنَاصِبِ الدِّينِيَّةِ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْظَمَ مِنْ كُلِّ مَنْ تَوَلَّى مَنْصِبًا مِنْهَا فِي ذَلِكَ الْمَنْصِبِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَمَا مِنْ مَنْصِبٍ دِينِيٍّ إلَّا وَهُوَ مُتَّصِفٌ بِهِ فِي أَعْلَى رُتْبَةٍ نَعَمْ غَالِبُ تَصَرُّفِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالتَّبْلِيغِ لِأَنَّ وَصْفَ الرِّسَالَةِ غَالِبٌ عَلَيْهِ ثُمَّ إنَّ تَصَرُّفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهَا مَا يُجْمِعُ النَّاسُ عَلَى أَنَّهُ بِالتَّبْلِيغِ وَالْفَتْوَى وَمِنْهَا مَا يُجْمِعُ النَّاسُ عَلَى أَنَّهُ بِالْقَضَاءِ وَمِنْهَا مَا يُجْمِعُ النَّاسُ عَلَى أَنَّهُ بِالْإِمَامَةِ وَمِنْهَا مَا يَخْتَلِفُ النَّاسُ فِيهِ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ رُتْبَتَيْنِ فَأَكْثَرَ فَمِنْهُمْ مَنْ يَغْلِبُ عَلَيْهِ رُتْبَةٌ وَمِنْهُمْ مَنْ يَغْلِبُ عَلَيْهِ أُخْرَى وَتَحْرِيرُ الْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الْقَوَاعِدِ الثَّلَاثِ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الرِّسَالَةِ هُوَ أَنَّ الْمُتَصَرِّفَ فِي الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ إمَّا أَنْ يَكُونَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ بِتَعْرِيفِهِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِتَنْفِيذِهِ فَإِنْ كَانَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ بِتَعَرُّفِهِ فَذَلِكَ هُوَ الرَّسُولُ إنْ كَانَ هُوَ الْمُبَلِّغَ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى وَتَصَرُّفُهُ هُوَ الرِّسَالَةُ وَإِلَّا فَهُوَ الْمُفْتِي وَتَصَرُّفُهُ هُوَ الْفَتْوَى وَإِنْ كَانَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ بِتَنْفِيذِهِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ تَنْفِيذُهُ ذَلِكَ بِفَضْلِ قَضَاءٍ وَإِبْرَامٍ وَإِمْضَاءٍ فَذَلِكَ هُوَ الْقَاضِي وَتَصَرُّفُهُ هُوَ الْقَضَاءُ وَإِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ تَنْفِيذُهُ بِفَصْلِ قَضَاءٍ وَإِبْرَامٍ وَإِمْضَاءٍ فَذَلِكَ هُوَ الْإِمَامُ وَتَصَرُّفُهُ هُوَ الْإِمَامَةُ

(فَائِدَةٌ) الرَّسُولُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَطْلُبَ الْجَاهِلَ لِيُعْلِمَهُ بِخِلَافِ الْعَالِمِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ بَلْ الْوَاجِبُ عَلَى الْجَاهِلِ أَنْ يَطْلُبَ الْعَالِمَ لِيُعْلِمَهُ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ يُقَرِّرُهَا الرَّسُولُ عَلَى النَّاسِ فَلْيَبْحَثُوا بَعْدُ عَمَّنْ يُعْلِمُهُمْ نَعَمْ يَجِبُ عَلَى الْعَالِمِ الْإِجَابَةُ بَعْدَ الطَّلَبِ وَكُلُّ هَذَا مَا لَمْ يُشَاهِدْ مُنْكَرًا مِنْ الْجَاهِلِ فَيَجِبْ حِينَئِذٍ الْمُبَادَرَةُ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّغْيِيرِ حَسْبَ الْإِمْكَانِ أَفَادَهُ الْأَمِيرُ عَلِيٌّ عَبْدُ السَّلَامِ عَلِيٌّ الْجَوْهَرِيُّ

(وَصْلٌ) فِي زِيَادَةِ تَوْضِيحِ هَذَا الْفَرْقِ بِأَرْبَعِ مَسَائِلَ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى كُلُّ مَا تَصَرَّفَ فِيهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِوَصْفِ الْإِمَامَةِ الَّذِي هُوَ التَّنْفِيذُ لَا عَلَى وَجْهِ فَصْلِ الْقَضَاءِ وَالْإِبْرَامِ وَالْإِمْضَاءِ كَبَعْثِ الْجُيُوشِ لِقِتَالِ الْكُفَّارِ وَالْخَوَارِجِ وَمَنْ تَعَيَّنَ قِتَالُهُ وَصَرْفِ أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ فِي جِهَاتِهَا وَجَمْعِهَا مِنْ مَحَالِّهَا وَتَوْلِيَةِ الْقُضَاةِ وَالْوُلَاةِ الْعَامَّةِ وَقِسْمَةِ الْغَنَائِمِ وَعَقْدُ الْعُهُودِ لِلْكُفَّارِ ذِمَّةً وَصُلْحًا لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْدَمَ عَلَيْهِ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ اقْتِدَاءً بِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلِأَنَّ سَبَبَ تَصَرُّفِهِ فِيهِ بِوَصْفِ الْإِمَامَةِ دُونَ وَصْفِ التَّبْلِيغِ الَّذِي هُوَ التَّعْرِيفُ يَقْتَضِي ذَلِكَ وَكُلُّ مَا تَصَرَّفَ فِيهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِوَصْفِ الْقَضَاءِ الَّذِي هُوَ التَّنْفِيذُ عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ وَالْإِبْرَامِ وَالْإِمْضَاءِ كَفَصْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي دَعَاوَى الْأَمْوَالِ وَأَحْكَامِ الْأَبَدَانِ وَنَحْوِهَا بِالْبَيِّنَاتِ أَوْ الْأَيْمَانِ وَالنُّكُولَاتِ وَنَحْوِهَا لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُقْدِمَ عَلَيْهِ إلَّا بِحُكْمِ حَاكِمٍ اقْتِدَاءً بِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِأَنَّ السَّبَبَ الَّذِي لِأَجْلِهِ تَصَرَّفَ فِيهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>