للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّجِسَ لِأَنَّ مَفْسَدَةَ النَّجَاسَةِ خَاصَّةٌ بِالصَّلَاةِ بِخِلَافِ مَفْسَدَةِ الْحَرِيرِ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِخُصُوصِ الصَّلَاةِ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا وَإِنْ كَانَتْ الْمَفْسَدَةُ وَالْمُنَافَاةُ حَاصِلَةً لَكِنْ لِأَمْرٍ عَامٍّ يَتَعَلَّقُ بِحَقِيقَةِ الْحَرِيرِ لَا بِخُصُوصِ الصَّلَاةِ فَإِنْ قُلْت إذَا كَانَتْ مَفْسَدَةُ الشَّيْءِ تَثْبُتُ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَمَفْسَدَةُ غَيْرِهِ لَا تَثْبُتُ إلَّا فِي حَالَةٍ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ اعْتِنَاءَ صَاحِبِ الشَّرْعِ بِمَا تَعُمُّ مَفْسَدَتُهُ جَمِيعَ الْأَحْوَالِ أَقْوَى وَأَنَّ الْمَفْسَدَةَ أَعْظَمُ وَالْقَاعِدَةُ إذَا تَعَارَضَتْ الْمَفْسَدَةُ الدُّنْيَا وَالْمَفْسَدَةُ الْعُلْيَا فَإِنَّا نَدْفَعُ الْعُلْيَا بِالْتِزَامِ الدُّنْيَا كَمَا نَقْطَعُ الْيَدَ الْمُتَآكِلَةَ لِبَقَاءِ النَّفْسِ لِأَنَّ مَفْسَدَتَهَا أَعْظَمُ وَأَشْمَلُ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا مَفْسَدَةُ الْحَرِيرِ أَعْظَمُ وَأَشْمَلُ فَكَانَ اجْتِنَابُهُ أَوْلَى مِنْ اجْتِنَابِ النَّجِسِ قُلْت نُسَلِّمُ أَنَّ الْمَفْسَدَةَ إذَا كَانَتْ أَعْظَمَ وَأَشْمَلَ تَكُونُ أَوْلَى بِالِاجْتِنَابِ لَكِنَّ ذَلِكَ حَيْثُ تَكُونُ الْمَفْسَدَةُ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِخُصُوصِ الْحَالِ بَلْ هِيَ فِي تِلْكَ الْحَقَائِقِ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ أَمَّا إذَا كَانَ لَهَا تَعَلُّقٌ بِخُصُوصِ الْحَالِ فَنَمْنَعُ تَقْدِيمَ الْأَعَمِّ وَالْأَشْمَلِ عَلَيْهَا.

(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) وَقَعَ فِي الْمَذْهَبِ مَسْأَلَةٌ مُشْكِلَةٌ وَهِيَ أَنَّ مَنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى بَلَدٍ مُعَيَّنٍ فَتَجَاوَزَ بِهَا تِلْكَ الْبَلْدَةَ مُتَعَدِّيًا فَإِنَّ لِرَبِّهَا تَضْمِينَهُ الدَّابَّةَ وَإِنْ رَدَّهَا سَالِمَةً وَالْغَاصِبُ إذَا تَعَدَّى بِالْغَصْبِ فِي الدَّابَّةِ وَرَدَّهَا سَالِمَةً لَا يَكُونُ لِرَبِّهَا تَضْمِينَهُ إجْمَاعًا وَغَايَةُ هَذَا الْمُتَعَدِّي أَنْ يَكُونَ كَالْغَاصِبِ وَالْغَاصِبُ إذَا رَدَّ الْمَغْصُوبَ لَا يَضْمَنُ فَكَذَلِكَ هَذَا الْمُتَعَدِّي وَرَامَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ تَخْرِيجَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ بِأَنْ قَالَ النَّهْيُ عَنْ الْغَصْبِ نَهْيٌ عَامٌّ لَا يَخْتَصُّ بِحَالَةٍ وَلَا بِعَيْنٍ دُونَ عَيْنٍ وَهَاهُنَا فِي هَذَا الْمُتَعَدِّي وُجِدَ نَهْيٌ خَاصٌّ بِطَرِيقِ اللُّزُومِ لِأَنَّهُ لَمَّا آجَرَهُ إلَى الْغَايَةِ الْمُعَيَّنَةِ وَحَدَّدَ لَهُ الْغَايَةَ فَقَدْ نَهَاهُ أَنْ يُجَاوِزَهَا فَالزَّائِدُ عَلَى هَذِهِ الْغَايَةِ فِيهِ نَهْيٌ يَخُصُّهُ وَيَتَعَلَّقُ بِخُصُوصِ هَذِهِ الدَّابَّةِ دُونَ غَيْرِهَا وَبِهَذِهِ الْغَايَةِ دُونَ غَيْرِهَا وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ النَّهْيَ الْخَاصَّ بِالْحَالَةِ الْمُعَيَّنَةِ أَقْوَى مِمَّا هُوَ عَامٌّ لَا يَتَعَلَّقُ بِخُصُوصِ تِلْكَ الْحَالَةِ فَهَذَا فَرْقٌ بَيْنَ الْغَاصِبِ وَالْمُتَعَدِّي فَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ تَضْمِينِ الْغَاصِبِ مَعَ الرَّدِّ أَنْ لَا يَضْمَنَ الْمُتَعَدِّي مَعَ الرَّدِّ لِقُوَّةِ النَّهْيِ فِي حَقِّهِ وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَسْئِلَةٌ أَحَدُهَا أَنَّ الْقَاعِدَةَ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

اللَّهِ تَعَالَى وَأَمْرِهِ وَنَهْيِ الْعَبْدِ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ فِي غَايَةٍ مُعَيَّنَةٍ أَوْ فِي حَالَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَإِنْ صَحِبَهُ نَهْيُ اللَّهِ تَعَالَى فِي تِلْكَ الْغَايَةِ وَفِي تِلْكَ الْحَالَةِ كَمَا هُوَ الْمُصَرَّحُ بِهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسِهِ» فَاسْتَثْنَى حَالَةَ الطِّيبِ عَنْ النَّهْيِ الْعَامِّ وَبَقِيَ مَا عَدَا حَالَةَ طِيبِ النَّفْسِ مُنْدَرِجًا تَحْتَ النَّهْيِ الْعَامِّ إلَّا أَنَّ نَهْيَ اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَ الْغَايَةِ هُوَ عَيْنُ نَهْيِ الْغَصْبِ الَّذِي هُوَ النَّهْيُ الْعَامُّ وَهَذِهِ صُورَةٌ مِنْ صُورَةٍ فَتَخَيُّلُ تَعَارُضِ نَهْيَيْنِ شَرْعِيَّيْنِ بَاطِلٌ فَافْهَمْ

الْوَجْهُ الثَّالِثُ إنَّا إذَا قِسْنَا تَرْكَ الضَّمَانِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَلَى تَرْكِ الضَّمَانِ فِي صُورَةِ الْغَصْبِ كَانَ الْقِيَاسُ صَحِيحًا سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ وَلَوْ قِسْنَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ الْحَرِيرَ عَلَى النَّجِسِ أَوْ الْمَيْتَةَ عَلَى الصَّيْدِ فَتَرَكَ الْجَمِيعَ أَدَّى ذَلِكَ إلَى هَلَاكِ الْمُحْرِمِ بِالْجُوعِ وَبَقَاءِ الْمُصَلِّي عُرْيَانًا وَهَذِهِ مَفْسَدَةٌ تُعَارِضُنَا فِي قِيَاسِنَا وَتَمْنَعُ مِنْهُ فَكَيْفَ نُسَوِّي بَيْنَ مَوْضِعٍ لَا مُعَارِضَ لِلْقِيَاسِ فِيهِ وَبَيْنَ مَوْضِعٍ لِلْقِيَاسِ فِيهِ مُعَارِضٌ أَقْوَى مِنْهُ أَوْ قَادِحٌ فِيهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الزَّوَاجِرِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْجَوَابِر]

(الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الزَّوَاجِرِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْجَوَابِرِ)

وَتَحْرِيرُ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ الْعَظِيمَتَيْنِ أَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا مِنْ وُجُوهٍ

الْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَنَّ الزَّوَاجِرَ مَشْرُوعَةٌ لِدَرْءِ الْمَفَاسِدِ الْمُتَوَقَّعَةِ وَالْجَوَابِرُ مَشْرُوعَةٌ لِاسْتِدْرَاكِ الْمَصَالِحِ الْفَائِتَةِ

الْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ مُعْظَمَ الزَّوَاجِرِ عَلَى الْعُصَاةِ زَجْرًا لَهُمْ عَنْ الْمَعْصِيَةِ وَزَجْرًا لِمَنْ يَقْدُمُ بَعْدَهُمْ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَقَدْ تَكُونُ مَعَ عَدَمِ الْعِصْيَانِ كَمَا فِي الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ فَإِنَّا نَزْجُرُهُمْ وَنُؤَدِّبُهُمْ لَا لِعِصْيَانِهِمْ بَلْ لِدَرْءِ مَفَاسِدِهِمْ وَاسْتِصْلَاحِهِمْ وَكَمَا فِي الْبَهَائِمِ وَكَقِتَالِ الْبُغَاةِ دَرْءًا لِتَفْرِيقِ الْكَلِمَةِ مَعَ عَدَمِ التَّأْثِيمِ لِأَنَّهُمْ مُتَأَوِّلُونَ وَمُعْظَمُ الْجَوَابِرِ عَلَى مَنْ لَا يَكُونُ آثِمًا فَقَدْ شَرَعَ الْجَابِرَ مَعَ الْعَمْدِ وَالْجَهْلِ وَالْعِلْمِ وَالنِّسْيَانِ وَالذِّكْرِ وَعَلَى الْمَجَانِينِ وَالصِّبْيَانِ

الْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنَّ مُعْظَمَ الزَّوَاجِرِ إمَّا حُدُودٌ مُقَدَّرَةٌ وَإِمَّا تَعْزِيرَاتٌ غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ فَهِيَ لَيْسَتْ فِعْلًا لِلْمَزْجُورِينَ بَلْ يَفْعَلُهَا الْأَئِمَّةُ بِهِمْ وَإِنَّمَا الْجَوَابِرُ فِعْلٌ لِمَنْ خُوطِبَ بِهَا وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي بَعْضِ الْكَفَّارَاتِ هَلْ هِيَ زَوَاجِرُ لِمَا فِيهَا مِنْ مَشَاقِّ تَحَمُّلِ الْأَمْوَالِ وَغَيْرِهَا أَوْ هِيَ جَوَابِرُ لِأَنَّهَا عِبَادَاتٌ لَا تَصِحُّ إلَّا بِنِيَّاتٍ وَلَيْسَ التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى زَاجِرًا بِخِلَافِ الْحُدُودِ وَالتَّعْزِيرَاتِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ قُرُبَاتٍ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِعْلًا لِلْمَزْجُورِينَ كَمَا عَلِمْت

الْوَجْهُ الرَّابِعُ أَنَّ الْجَوَابِرَ تَقَعُ فِي النُّفُوسِ وَالْأَعْضَاءِ وَمَنَافِعُ الْأَعْضَاءِ وَالْجِرَاحِ وَالْعِبَادَاتِ وَالْأَمْوَالِ وَالْمَنَافِعِ بِخِلَافِ الزَّوَاجِرِ فَإِنَّهَا إنَّمَا تَقَعُ فِي الْجِنَايَاتِ وَالْمُخَالَفَاتِ فَفِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ لِابْنِ رُشْدٍ وَالْجِنَايَاتُ الَّتِي لَهَا حُدُودٌ مَشْرُوعَةٌ خَمْسٌ

أَحَدُهَا جِنَايَاتٌ عَلَى الْأَبْدَانِ أَوْ النُّفُوسِ وَالْأَعْضَاءِ وَهُوَ الْمُسَمَّى قَتْلًا وَجُرْحًا

وَثَانِيهَا جِنَايَاتٌ عَلَى الْفُرُوجِ وَهُوَ الْمُسَمَّى زِنًا وَسِفَاحًا

وَثَالِثُهَا جِنَايَاتٌ عَلَى الْأَمْوَالِ وَهَذِهِ مَا كَانَ مِنْهَا مَأْخُوذًا بِحِرَابٍ سُمِّيَ حِرَابَةً إذَا كَانَ بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ وَإِنْ كَانَ بِتَأْوِيلٍ سُمِّيَ بَغْيًا وَمَا كَانَ مِنْهَا مَأْخُوذًا عَلَى وَجْهِ الْمُعَافَصَةِ مِنْ حِرْزٍ يُسَمَّى سَرِقَةً وَمَا كَانَ مِنْهَا مَأْخُوذًا بِعُلُوِّ مَرْتَبَةٍ وَقُوَّةِ سُلْطَانٍ سُمِّيَ غَصْبًا وَرَابِعُهَا جِنَايَةٌ عَلَى الْأَعْرَاضِ وَهِيَ الْمُسَمَّى قَذْفًا

وَخَامِسُهَا جِنَايَاتٌ بِالتَّعَدِّي عَلَى اسْتِبَاحَةِ مَا حَرَّمَهُ الشَّرْعُ مِنْ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ وَهَذِهِ إنَّمَا يُوجَدُ فِيهَا حَدٌّ فِي هَذِهِ الشَّرِيعَةِ فِي الْخَمْرِ فَقَطْ وَهُوَ حَدٌّ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَعْدَ صَاحِبِ الشَّرْعِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>