للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْجُلُوسُ إذَا أَضَرَّ بِهِ الْقِيَامُ فِي الصَّلَاةِ وَيُقَارِضُ وَيُسَاقِي وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الرُّخَصِ وَلَا تَمْنَعُ الْمَعَاصِي مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَسْبَابَ هَذِهِ الْأُمُورِ غَيْرُ مَعْصِيَةٍ بَلْ هِيَ عَجْزُهُ عَنْ الصَّوْمِ وَنَحْوُهُ وَالْعَجْزُ لَيْسَ مَعْصِيَةً فَالْمَعْصِيَةُ هَاهُنَا مُقَارَنَةٌ لِلسَّبَبِ لَا سَبَبٌ وَبِهَذَا الْفَرْقِ يَبْطُلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّ الْعَاصِيَ بِسَفَرِهِ لَا يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ إذَا اضْطَرَّ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ سَبَبَ أَكْلِهِ خَوْفُهُ عَلَى نَفْسِهِ لَا سَفَرُهُ فَالْمَعْصِيَةُ مُقَارِنَةٌ لِسَبَبِ الرُّخْصَةِ لَا أَنَّهَا هِيَ السَّبَبُ وَيَلْزَمُ هَذَا الْقَائِلَ أَنْ لَا يُبِيحَ لِلْعَاصِي جَمِيعَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ فَتَأَمَّلْ هَذَا الْفَرْقَ فَهُوَ جَلِيلٌ حَسَنٌ فِي الْفِقْهِ وَيَلْزَمُ هَذَا الْقَائِلَ أَنْ يَجْعَلَ السَّفَرَ هُوَ سَبَبُ عَدَمِ الطَّعَامِ الْمُبَاحِ حَتَّى احْتَاجَ إلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ أَنَّ مَنْ خَرَجَ لِيَسْرِقَ فَوَقَعَ فَانْكَسَرَتْ يَدُهُ أَنْ لَا يَمْسَحَ عَلَى الْجَبِيرَةِ وَلَا يُفْطِرَ إذَا خَافَ مِنْ الصَّوْمِ وَمِنْ الْكَسْرِ الْهَلَاكَ وَأَنْ لَا يَتَيَمَّمَ إذَا عَجَزَ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ حَتَّى يَتُوبَ كَمَا قَالَ فِي الْأَكْلِ فِي السَّفَرِ فَيَلْزَمُ بَقَاءُ الْمُصِرِّ عَلَى مَعْصِيَتِهِ بِلَا صَلَاةٍ لِعَدَمِ الطَّهَارَةِ وَتَتَعَطَّلُ عَلَيْهِ أُمُورٌ كَثِيرَةٌ مِنْ الْأَحْكَامِ وَلَا قَائِلَ بِهَا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ.

(الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالْخَمْسُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ عَدَمِ عِلَّةِ الْإِذْنِ أَوْ التَّحْرِيمِ وَبَيْنَ عَدَمِ عِلَّةِ غَيْرِهِمَا مِنْ الْعِلَلِ)

اعْلَمْ أَنَّ عَدَمَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَاتَيْنِ الْعِلَّتَيْنِ عِلَّةٌ لِلْحُكْمِ الْآخَرِ بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا مِنْ الْعِلَلِ فَعَدَمُ عِلَّةِ الْإِذْنِ عِلَّةُ التَّحْرِيمِ وَعَدَمُ عِلَّةِ التَّحْرِيمِ عِلَّةُ الْإِذْنِ.

وَأَمَّا عَدَمُ عِلَّةِ الْوُجُوبِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ شَيْءٌ فَقَدْ يَكُونُ غَيْرُ الْوَاجِبِ مُحَرَّمًا وَقَدْ يَكُونُ مُبَاحًا أَوْ مَنْدُوبًا أَوْ مَكْرُوهًا، وَكَذَلِكَ عَدَمُ عِلَّةِ النَّدْبِ أَوْ الْكَرَاهَةِ قَدْ يَكُونُ الْفِعْلُ بَعْدَ ذَلِكَ وَاجِبًا أَوْ مُحَرَّمًا أَوْ مُبَاحًا أَوْ مَتَى عُدِمَتْ عِلَّةُ الْإِذْنِ تَعَيَّنَ التَّحْرِيمُ وَمَتَى عُدِمَتْ عِلَّةُ التَّحْرِيمِ تَعَيَّنَ الْإِذْنُ وَيَتَّضِحُ ذَلِكَ بِذِكْرِ ثَلَاثِ مَسَائِلَ.

(الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) عِلَّةُ النَّجَاسَةِ الِاسْتِقْذَارُ فَمَتَى كَانَتْ الْعَيْنُ لَيْسَتْ بِمُسْتَقْذَرَةٍ فَحُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى فِي تِلْكَ الْعَيْنِ عَدَمُ النَّجَاسَةِ وَأَنْ تَكُونَ طَاهِرَةً فَعِلَّةُ الطَّهَارَةِ عَدَمُ عِلَّةِ النَّجَاسَةِ فَهَذَا هُوَ شَأْنُ هَذَا الْمَقَامِ إلَّا أَنْ يَحْدُثَ مُعَارِضٌ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى يُعَارِضُنَا عِنْدَ عَدَمِ الْعِلَّةِ كَمَا فِي الْخَمْرِ، فَإِنَّ الْخَمْرَ لَيْسَتْ بِمُسْتَقْذَرَةٍ وَإِنَّمَا قُضِيَ بِتَنْجِيسِهَا؛ لِأَنَّهَا مَطْلُوبَةُ الْإِبْعَادِ وَالْقَوْلُ بِتَنْجِيسِهَا يُفْضِي إلَى إبْعَادِهَا وَمَا يُفْضِي إلَى الْمَطْلُوبِ مَطْلُوبٌ فَتَنْجِيسُهَا مَطْلُوبٌ فَتَكُونُ نَجِسَةً فَهَذِهِ عِلَّةٌ أُخْرَى غَيْرُ الِاسْتِقْذَارِ وُجِدَتْ عِنْدَ عَدَمِهِ فَقَامَتْ مَقَامَهُ وَإِلَّا فَالْحُكْمُ مَا ذَكَرَ عِنْدَ عَدَمِ الْمُعَارِضِ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ يُمْكِنُهُ أَنْ يُعَلِّلَ النَّجَاسَةَ وَإِذَا سَأَلَتْهُ عَنْ عِلَّةِ الطَّهَارَةِ لَا يَعْلَمُهَا وَهِيَ عَدَمُ عِلَّةِ النَّجَاسَةِ وَإِذَا سُئِلَ أَيْضًا أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ عَنْ النَّجَاسَةِ إلَى أَيِّ الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ تَرْجِعُ رُبَّمَا عَسِرَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَظَنَّ أَنَّهَا حُكْمٌ آخَرُ مِنْ أَحْكَامِ الْوَضْعِ أَوْ غَيْرِهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هِيَ تَرْجِعُ إلَى أَحَدِ الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ وَهُوَ التَّحْرِيمُ وَكَذَلِكَ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

وَثَلَاثُونَ مَسْأَلَةً فَقَطْ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْقَرَافِيِّ وَعَلَيْهِ جَرَى عَمَلُ جَدِّ عج أَنَّهُ يَنْتَقِلُ فِي تِلْكَ الْمَنْزِلَةِ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ تِلْمِيذُ الْإِمَامِ كَمَا فِي حَاشِيَةِ الْخَرَشِيِّ لِلشَّيْخِ عَلِيٍّ الْعَدَوِيِّ وَإِذَا قَلَّدَ جَازَ لَهُ الْأَكْلُ مِنْ الْهَدْيِ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ التَّلْفِيقِ فِي الْعِبَادَةِ الْوَاحِدَةِ مِنْ مَذْهَبَيْنِ؛ لِأَنَّهُ فُسْحَةٌ فِي الدِّينِ وَدِينُ اللَّهِ يُسْرٌ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ عَلِيٌّ الْعَدَوِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْخَرَشِيِّ فَافْهَمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مِلْكِ الْقَرِيبِ مِلْكًا مُحَقَّقًا يَقْتَضِي الْعِتْقَ عَلَى الْمَالِكِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مِلْكِ الْقَرِيبِ مِلْكًا مُقَدَّرًا]

(الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالْخَمْسُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مِلْكِ الْقَرِيبِ مِلْكًا مُحَقَّقًا يَقْتَضِي الْعِتْقَ عَلَى الْمَالِكِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مِلْكِ الْقَرِيبِ مِلْكًا مُقَدَّرًا لَا يَقْتَضِي الْعِتْقَ عَلَى الْمَالِكِ)

بِنَاءً عَلَى مَا زَعَمَهُ الْأَصْلُ مِنْ لُزُومِ تَقْدِيرِ الْمِلْكِ لِلْقَرِيبِ كَالْأَبِ إذَا طَلَبَ قَرِيبُهُ كَابْنِهِ مِنْ غَيْرِهِ أَنْ يَعْتِقَ عَنْ كَفَّارَةٍ عَلَيْهِ عَبْدًا مِنْ عَبِيدِهِ فَأَعْتَقَ الْمَطْلُوبُ عَنْ الطَّالِبِ أَبَاهُ فِي الْكَفَّارَةِ الَّتِي عَلَيْهِ وَأَنَّ بَرَاءَةَ ذِمَّةِ الِابْنِ مِنْ الْكَفَّارَةِ الَّتِي عَلَيْهِ وَصَيْرُورَةَ وَلَاءِ أَبِيهِ لَهُ بِعِتْقِ مَالِكِهِ لَهُ عَنْهُ فِي كَفَّارَتِهِ يَتَوَقَّفَانِ عَلَى تَقْدِيرِ الْمِلْكِ لِلِابْنِ الْمُعْتَقِ عَنْهُ قَبْلَ صُدُورِ الْعِتْقِ فِي الزَّمَنِ الْفَرْدِ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الشَّرْعِ لِضَرُورَةِ ثُبُوتِ الْأَحْكَامِ وَأَنَّ هَذَا الْمِلْكَ الْمُقَدَّرَ بِضَرُورَةِ ثُبُوتِ الْأَحْكَامِ يُفَارِقُ الْمِلْكَ الْمُحَقَّقَ الْحَاصِلَ بِنَحْوِ الشِّرَاءِ لِلْآبَاءِ أَوْ لِلْأَبْنَاءِ أَوْ لِنَحْوِهِمْ فِي اقْتِضَاءِ الْمُحَقَّقِ الْعِتْقَ دُونَ الْمُقَدَّرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْمِلْكِ الْمُقَدَّرِ هُوَ أَنَّ بِالْمَمْلُوكِ مِنْ جِهَةِ مَنْ قُدِّرَ الْمِلْكُ لَهُ حَتَّى يُنَافِيَ الْإِجْلَالَ لِلْآبَاءِ وَالِاحْتِرَامَ لِلْأَبْنَاءِ وَنَحْوَهُمْ الْمَطْلُوبُ شَرْعًا كَمَا فِي الْمُحَقَّقِ فَإِنَّ الْوَاقِعَ أَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ وَإِنَّمَا الشَّرْعُ أَعْطَى هَذَا الْمِلْكَ الْمَعْدُومَ حُكْمَ الْمَوْجُودِ لِمَا ذَكَرَ وَالْوَاقِعُ الْمُحَقَّقُ عَدَمُ الْمِلْكِ فَلَا جَرَمَ لَا يَلْزَمُ بِهَذَا الْمِلْكِ الْمُقَدَّرِ عِتْقٌ بَلْ يَقَعُ عِتْقُ وَالِدِهِ عَنْ كَفَّارَتِهِ وَتُجْزِئُ عَنْهُ إذْ لَوْ قُلْنَا: إنَّهُ عِتْقٌ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ لَمْ يَجُزْ عَنْ الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ عِتْقَهُ بِسَبَبٍ غَيْرِ الْعَتَاقِ عَنْ الْكَفَّارَةِ لَا يُجْزِئُ عِتْقُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ اهـ.

وَالْحَقُّ أَنَّ تَقْدِيرَ الْمِلْكِ فِي ذَلِكَ لَيْسَ بِاللَّازِمِ بَلْ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ إذْ لَا مَانِعَ مِنْ إجْزَاءِ الْعِتْقِ عَنْ الْمُعْتَقِ عَنْهُ وَثُبُوتِ الْوَلَاءِ لَهُ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرِ مِلْكِهِ لِمَنْ أَعْتَقَ عَنْهُ فَفِي شَرْحِ الْمَوَّاقِ عَلَى خَلِيلِ: ابْنُ رُشْدٍ إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ عَنْ الْمُسْلِمِينَ وَوَلَاؤُك لِي لَمْ يَخْتَلِفْ الْمَذْهَبُ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَالْوَلَاءُ لِلْمُسْلِمِينَ اهـ.

وَلَا دَلِيلَ يَدُلُّ عَلَيْهِ بَلْ الدَّلِيلُ عَلَى خِلَافِهِ وَهُوَ صِحَّةُ الْعِتْقِ عَنْ الْمَيِّتِ وَهُوَ لَا يَصِحُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>