للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذَا قِيلَ لَهُمْ مَا الطَّهَارَةُ عَسِرَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ حَتَّى رَأَيْت لِبَعْضِ الْأَكَابِرِ أَنَّ الطَّهَارَةَ عِبَارَةٌ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ الطَّهُورِ فِي الْعَيْنِ الَّتِي قُضِيَ عَلَيْهَا بِالطَّهَارَةِ وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ بُطُونَ الْجِبَالِ وَتِلَالَ الرِّمَالِ وَبُطُونَ الْأَرْضِ طَاهِرَةٌ مَعَ عَدَمِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فِيهَا بَلْ النَّجَاسَةُ تَرْجِعُ إلَى تَحْرِيمِ الْمُلَابَسَةِ فِي الصَّلَوَاتِ وَالْأَغْذِيَةِ لِأَجْلٍ الِاسْتِقْذَارِ أَوْ التَّوَسُّلِ لِلْإِبْعَادِ فَقَوْلِي لِأَجْلِ الِاسْتِقْذَارِ احْتِرَازًا مِنْ السَّمُومِ فَإِنَّهَا تَحْرُمُ مُلَابَسَتُهَا فِي الْأَغْذِيَةِ، وَكَذَلِكَ الْأَغْذِيَةُ وَالْأَشْرِبَةُ الْمُوجِبَةُ لِلْأَسْقَامِ وَالْأَمْرَاضِ تَحْرُمُ مُلَابَسَتُهَا فِي الْأَغْذِيَةِ وَلَيْسَتْ نَجِسَةً وَقَوْلِي أَوْ التَّوَسُّلِ لِلْإِبْعَادِ احْتِرَازًا مِنْ الْخَمْرِ حَتَّى تَنْدَرِجَ فِي الْحَدِّ، وَلَوْ اقْتَصَرْت عَلَى قَوْلِي تَحْرُمُ مُلَابَسَتُهَا فِي الصَّلَوَاتِ لَكَانَ ذَلِكَ كَافِيًا لَكِنْ أَرَدْت بِذِكْرِ الْأَغْذِيَةِ زِيَادَةَ الْبَيَانِ وَالطَّهَارَةُ عِبَارَةٌ عَنْ إبَاحَةِ الْمُلَابَسَةِ فِي الصَّلَوَاتِ وَبِهَذَا التَّفْسِيرِ تَنْدَرِجُ بُطُونُ الْجِبَالِ وَسَائِرُ الْأَعْيَانِ فَظَهَرَ أَنَّ النَّجَاسَةَ تَرْجِعُ لِلتَّحْرِيمِ وَالطَّهَارَةُ تَرْجِعُ لِلْإِبَاحَةِ وَأَنَّ عَدَمَ عِلَّةِ التَّنْجِيسِ عِلَّةُ الطَّهَارَةِ وَأَنَّ عَدَمَ عِلَّةِ التَّحْرِيمِ عِلَّةُ الْإِبَاحَةِ.

(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) تَحْرِيمُ الْخَمْرِ مُعَلَّلٌ بِالْإِسْكَارِ فَمَتَى زَالَ الْإِسْكَارُ زَالَ التَّحْرِيمُ وَثَبَتَ الْإِذْنُ وَجَازَ أَكْلُهَا وَشُرْبُهَا وَعِلَّةُ إبَاحَةِ شُرْبِ الْعَصِيرِ مُسَالَمَتُهُ لِلْعَقْلِ وَسَلَامَتُهُ عَنْ الْمَفَاسِدِ فَعَدَمُ هَذِهِ الْمُسَالَمَةِ وَالسَّلَامَةِ عِلَّةٌ لِتَحْرِيمِهِ فَظَهَرَ أَيْضًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ عَدَمَ التَّحْرِيمِ عِلَّةُ الْإِذْنِ وَعَدَمُ عِلَّةِ الْإِذْنِ عِلَّةُ التَّحْرِيمِ.

(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) الْحَدَثُ لَهُ مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا الْأَسْبَابُ الْمُوجِبَةُ لِلْوُضُوءِ فَلِذَلِكَ يُقَالُ أَحْدَثَ إذَا خَرَجَ مِنْهُ خَارِجٌ وَثَانِيهِمَا أَنَّهُ الْمَنْعُ الْمُرَتَّبُ عَلَى هَذَا السَّبَبِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِ الْعُلَمَاءِ يَنْوِي رَفْعَ الْحَدَثِ بِفِعْلِهِ أَيْ يَنْوِي ارْتِفَاعَ الْمَنْعِ الْمُرَتَّبِ عَلَى ذَلِكَ السَّبَبِ الْمُتَقَدِّمِ وَلَا يُمْكِنُ فِي نِيَّتِهِ رَفْعُ الْحَدَثِ إلَّا بِهَذَا فَإِنَّ تِلْكَ الْأَسْبَابَ الْمُوجِبَةَ لِلْوُضُوءِ يَسْتَحِيلُ رَفْعُهَا؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ وَاقِعَةً دَاخِلَةً فِي الْوُجُودِ وَلَا يُمْكِنُ لِعَاقِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّهُ يَرْفَعُ تِلْكَ الْأَعْيَانَ الْمُسْتَقْذَرَةَ مِنْ غَيْرِهَا بِوُضُوءٍ بَلْ الَّذِي يَنْوِي بِرَفْعِهِ هَذَا الْمَنْعَ الْمُرَتَّبَ عَلَى تِلْكَ الْأَسْبَابِ، وَالْمَنْعُ وَإِنْ كَانَ أَيْضًا وَقَعَ وَصَارَ مِنْ جُمْلَةِ الْوَاقِعَاتِ وَالْوَاقِعَاتُ يَسْتَحِيلُ رَفْعُهَا غَيْرَ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِرَفْعِهِ مَنْعُ اسْتِمْرَارِهِ كَمَا أَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ يَمْنَعُ اسْتِمْرَارَ مَنْعِ الْوَطْءِ فِي الْأَجْنَبِيَّةِ كَذَلِكَ هَاهُنَا وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ لَا يَعْرِفُ مَعْنَى الْحَدَثِ أَيْضًا وَهُوَ يَرْجِعُ إلَى تَحْرِيمِ مُلَابَسَةِ الصَّلَاةِ حَتَّى يَتَطَهَّرَ وَإِذَا كَانَ الْحَدَثُ عِبَارَةً عَنْ التَّحْرِيمِ، فَإِذَا تَطَهَّرَ الْإِنْسَانُ وَصَارَ يُبَاحُ لَهُ الْإِقْدَامُ عَلَى الْعِبَادَةِ فَالْإِبَاحَةُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مُضَافَةٌ إلَى عَدَمِ سَبَبٍ يَقْتَضِي وُجُوبَ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فِي الطَّهَارَةِ فَعِلَّةُ هَذِهِ الْإِبَاحَةِ عَدَمُ عِلَّةِ التَّحْرِيمِ الَّتِي هِيَ عِلَّةُ الْحَدَثِ الَّذِي هُوَ الْمَنْعُ فَذَلِكَ الْخَارِجُ مَثَلًا هُوَ عِلَّةُ التَّحْرِيمِ وَعَدَمُهُ عِلَّةُ الْإِبَاحَةِ بَعْدَ التَّطَهُّرِ وَاسْتِعْمَالُ الْمَاءِ سَبَبُ ارْتِفَاعِ ذَلِكَ الْمَنْعِ وَحُصُولُ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

أَنْ يَمْلِكَ ثُمَّ أَنَّ الْمُعْتِقَ عَنْ غَيْرِهِ لَمْ يَقْصِدْ إلَى ذَلِكَ الْمُقَدَّرِ وَلَوْ قَصَدَ إلَيْهِ لَمَا صَحَّ عِتْقُهُ إيَّاهُ؛ لِأَنَّهُ كَأَنْ يَكُونَ حِينَئِذٍ مُعْتِقًا مِلْكَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَذَلِكَ لَا يَصِحُّ وَمَا ذَكَرَهُ هُوَ وَغَيْرُهُ فِي ذَلِكَ مِنْ تَقَدُّمِ تَوْكِيلِ الْمُعْتَقِ عَنْهُ إنَّمَا يُتَّجَهُ إذَا كَانَ الْعِتْقُ بِإِذْنِهِ أَمَّا إذَا كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَا يُتَّجَهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُرِيدَ بِالتَّقْدِيرِ مَا يَرْجِعُ إلَى الْبَارِي تَعَالَى وَهُوَ مُحَالٌ عَلَيْهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ لَا يَقُومُ بِذَاتِهِ تَعَالَى تَقْدِيرُ أَمْرٍ مِنْ الْأُمُورِ بِالْمَعْنَى الَّذِي يُقَالُ ذَلِكَ فِي حَقِّنَا بَلْ لَا يَقُومُ بِذَاتِهِ إلَّا الْعِلْمُ بِوُجُودِ ذَلِكَ الْأَمْرِ أَوْ بِعَدَمِهِ وَإِمَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ مَا يَرْجِعُ إلَيْنَا وَهُوَ أَيْضًا مُحَالٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ سَبَبُ قِيَامِ الْخَبَرِ بِبَرَاءَةِ ذِمَّةِ الِابْنِ مِنْ الْكَفَّارَةِ وَصَيْرُورَةِ وَلَاءِ أَبِيهِ لَهُ بِعِتْقِ مَالِكِهِ لَهُ عَنْهُ فِي كَفَّارَتِهِ بِذَاتِهِ تَعَالَى تَقْدِيرُنَا نَحْنُ ذَلِكَ الْأَمْرَ وَتَقْدِيرُنَا حَادِثٌ فَيَلْزَمُ حُدُوثُ ذَلِكَ الْخَبَرِ لِضَرُورَةِ سَبْقِ السَّبَبِ لِلْمُسَبَّبِ أَوْ مَعِيَّتِه، وَبِالْجُمْلَةِ الْقَوْلُ بِتِلْكَ التَّقْدِيرَاتِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لَا يَصِحُّ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ ابْنِ الشَّاطِّ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ حَاشِيَتِهِ عَلَى الْأَصْلِ وَإِنْ أَمْكَنَ الْجَوَابُ عَنْ التَّرْدِيدِ بِاخْتِيَارِ الشِّقِّ الثَّانِي وَإِرْجَاعِ سَبَبِيَّةِ التَّقْدِيرِ لِلْمُخْبِرِ بِهِ لَا لِقِيَامِ الْخَبَرِ بِذَاتِهِ تَعَالَى فَافْهَمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ رَفْعِ الْوَاقِعَاتِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَقْدِيرِ ارْتِفَاعِهَا]

(الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالْخَمْسُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ رَفْعِ الْوَاقِعَاتِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَقْدِيرِ ارْتِفَاعِهَا) وَهُوَ أَنَّ رَفْعَ الْوَاقِعَاتِ مُسْتَحِيلٌ مُطْلَقًا وَأَنَّ تَقْدِيرَ ارْتِفَاعِهَا مُمْكِنٌ مُطْلَقًا وَقَدْ ثَبَتَ الْحُكْمُ لِلتَّقَادِيرِ الشَّرْعِيَّةِ بِإِعْطَاءِ الْمَوْجُودِ حُكْمَ الْمَعْدُومِ أَوْ الْمَعْدُومِ حُكْمَ الْمَوْجُودِ فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا تَقْدِيرُ النَّجَاسَةِ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ فِي صُوَرِ الضَّرُورَاتِ كَدَمِ الْبَرَاغِيثِ وَمَوْضِعِ الْحَدَثِ مِنْ الْمَخْرَجَيْنِ.

وَمِنْهَا تَقْدِيرُ رَفْعِ الْإِبَاحَةِ بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ ثُبُوتِهَا قَبْلَ الرَّدِّ وَنَقَلَ ارْتَفَعَ الْعَقْدُ مِنْ أَصْلِهِ لَا مِنْ حِينِهِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لِلْعُلَمَاءِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا الْعَقْدَ وَإِنْ كَانَ وَاقِعًا إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ يُعْطِيهِ الْآنَ حُكْمَ عَقْدٍ لَمْ يُوجَدْ إلَّا أَنَّهُ يُرْفَعُ بَعْدَ وُجُودِهِ حَتَّى يُقَالَ الْقَاعِدَةُ الْعَقْلِيَّةُ أَنَّ رَفْعَ الْوَاقِعِ مُحَالٌ وَإِخْرَاجُ مَا تَضَمَّنَهُ الزَّمَانُ الْمَاضِي مُحَالٌ وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي وَلَدِ الْجَارِيَةِ وَالْبَهَائِمِ الْمَبِيعَةِ لِمَنْ تَكُونُ وَكَذَلِكَ الْغَلَّاتُ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِذَلِكَ فَإِنَّهَا تَكُونُ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي لِلْبَائِعِ عَلَى الْقَوْلِ بِتَقْدِيرِ الْعَقْدِ مَعْدُومًا مِنْ أَصْلِهِ وَلِلْمُشْتَرِي عَلَى الْقَوْلِ بِتَقْدِيرِهِ مَعْدُومًا مِنْ حِينِهِ، وَمِنْهَا تَقْدِيرُ مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ مِنْ إبَاحَةِ وَطْءِ الزَّوْجَةِ الَّتِي قَالَ لَهَا: إنْ قَدِمَ زَيْدٌ آخِرَ الشَّهْرِ فَأَنْتِ طَالِقٌ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى أَنْ يُقْدِمَ زَيْدٌ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ لَا أَنَّنَا نَعْتَقِدُ أَنَّهَا ارْتَفَعَتْ

<<  <  ج: ص:  >  >>