للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالسِّتُّونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ حَصْرِ الْمُبْتَدَأِ فِي خَبَرِهِ: وَهُوَ مَعْرِفَةٌ أَوْ ظَرْفٌ أَوْ مَجْرُورٌ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ حَصْرِ الْمُبْتَدَأِ فِي خَبَرِهِ وَهُوَ نَكِرَةٌ.

اعْلَمْ أَنَّ الْمُبْتَدَأَ يَجِبُ انْحِصَارُهُ فِي خَبَرِهِ مُطْلَقًا كَانَ مَعْرِفَةً أَوْ نَكِرَةً بِسَبَبِ أَنَّ خَبَرَ الْمُبْتَدَأِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَخَصَّ بَلْ مُسَاوِيًا أَوْ أَعَمَّ فَالْمُسَاوِي نَحْوُ: الْإِنْسَانُ نَاطِقٌ، وَالْأَعَمُّ نَحْوُ: الْإِنْسَانُ حَيَوَانٌ، وَالْعَشَرَةُ عَدَدٌ أَوْ زَوْجٌ هَذَا شَأْنُ الْخَبَرِ وَلَوْ قُلْت الْحَيَوَانُ إنْسَانٌ أَوْ الْعَدَدُ عَشَرَةٌ لَمْ يَصِحَّ وَالْمُبْتَدَأُ عَلَى هَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُسَاوِيًا إنْ كَانَ الْخَبَرُ مُسَاوِيًا أَوْ أَخَصَّ إنْ كَانَ الْخَبَرُ أَعَمَّ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ (الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالسِّتُّونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ حَصْرِ الْمُبْتَدَأِ فِي خَبَرِهِ وَهُوَ مَعْرِفَةٌ أَوْ ظَرْفٌ أَوْ مَجْرُورٌ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ حَصْرِ الْمُبْتَدَأِ فِي خَبَرِهِ وَهُوَ نَكِرَةٌ، اعْلَمْ أَنَّ الْمُبْتَدَأَ يَجِبُ انْحِصَارُهُ فِي خَبَرِهِ مُطْلَقًا كَانَ مَعْرِفَةً أَوْ نَكِرَةً بِسَبَبِ أَنَّ خَبَرَ الْمُبْتَدَأِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَخَصَّ بَلْ مُسَاوِيًا أَوْ أَعَمَّ) قُلْت: مَا قَالَهُ هُنَا مِنْ أَنَّ الْمُبْتَدَأَ يَجِبُ انْحِصَارُهُ فِي الْخَبَرِ مُطْلَقًا بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُوجَدُ إلَّا فِيهِ وَمَعَهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ ذَلِكَ لَا مُطْلَقًا وَلَا مُقَيَّدًا وَقَوْلُهُ بِسَبَبِ أَنَّ خَبَرَ الْمُبْتَدَأِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَخَصَّ بَلْ مُسَاوِيًا أَوْ أَعَمَّ لَيْسَ بِصَحِيحٍ أَيْضًا بَلْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ إلَّا مُسَاوِيًا لِلْمُبْتَدَأِ لَا أَخَصَّ مِنْهُ وَلَا أَعَمَّ، فَإِنَّهُ إذَا أَخْبَرَ بِشَيْءٍ عَنْ شَيْءٍ فَلَيْسَ الْمُرَادُ إلَّا أَنَّ الَّذِي هُوَ الْمُبْتَدَأُ هُوَ بِعَيْنِهِ الْخَبَرُ وَلَوْ صَحَّ مَا قَالَهُ لَكَانَ قَوْلُنَا الْإِنْسَانُ حَيَوَانٌ مَعْنَاهُ أَنَّ الْإِنْسَانَ الْخَاصَّ هُوَ الْحَيَوَانُ الْعَامُّ لَهُ وَلِغَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ، فَيَكُونُ مِنْ مَضْمُونِ ذَلِكَ أَنَّ الْإِنْسَانَ حِمَارٌ وَثَوْرٌ وَكَلْبٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَصْنَافِ الْحَيَوَانِ وَذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ مَعْنَى قَوْلِنَا الْإِنْسَانُ حَيَوَانٌ الْإِنْسَانُ حَيَوَانٌ مَا.

قَالَ (فَالْمُسَاوِي نَحْوُ الْإِنْسَانُ نَاطِقٌ وَالْأَعَمُّ نَحْوُ الْإِنْسَانُ حَيَوَانٌ إلَى قَوْلِهِ هَذَا شَأْنُ الْخَبَرِ) قُلْتُ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِ الْقَائِلِ الْإِنْسَانُ نَاطِقٌ وَالْإِنْسَانُ حَيَوَانٌ مِنْ حَيْثُ الْقَصْدُ بِالْخَبَرِ نَعَمْ بَيْنَهُمَا الْفَرْقُ فِي اللَّفْظِ مِنْ حَيْثُ إنَّ لَفْظَ النَّاطِقِ يَخْتَصُّ بِالْإِنْسَانِ وَلَفْظُ الْحَيَوَانِ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِهِ أَيْ يَصْدُقُ فِي غَيْرِ هَذَا الْقَوْلِ عَلَى غَيْرِ الْإِنْسَانِ وَأَمَّا فِي هَذَا الْقَوْلِ فَلَا يَصِحُّ أَلْبَتَّةَ أَنْ يُرَادَ بِهِ إلَّا الْإِنْسَانُ لَا غَيْرُهُ وَلَا هُوَ وَغَيْرُهُ.

قَالَ (وَلَوْ قُلْتُ: الْحَيَوَانُ إنْسَانٌ أَوْ الْعَدَدُ عَشَرَةٌ لَمْ يَصِحَّ) قُلْتُ: إنْ أُرِيدَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ اللَّتَيْنِ فِي الْحَيَوَانِ وَالْعَدَدِ الْعَهْدُ فِي الْإِنْسَانِ وَفِي الْعَشَرَةِ صَحَّ وَإِنْ أُرِيدَ الْعَهْدُ فِي الْحَقِيقَةِ أَوْ الْعُمُومِ لَمْ يَصِحَّ لِلُزُومِ مُسَاوَاةُ الْمُبْتَدَأِ لِلْخَبَرِ وَأَنَّهُ هُوَ بِعَيْنِهِ.

قَالَ (وَالْمُبْتَدَأُ عَلَى هَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُسَاوِيًا إنْ كَانَ الْخَبَرُ مُسَاوِيًا أَوْ أَخَصَّ إنْ كَانَ الْخَبَرُ أَعَمَّ) قُلْتُ قَوْلُهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُسَاوِيًا إنْ كَانَ الْخَبَرُ مُسَاوِيًا كَلَامٌ لَا حَاصِلَ لَهُ فَإِنَّهُ يُوهِمُ أَنْ يَكُونَ مُسَاوِيًا مَعَ أَنَّ الْخَبَرَ غَيْرُ مُسَاوٍ وَقَوْلُهُ وَأَخَصُّ قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ أَخَصَّ بَلْ مُسَاوِيًا مِنْ حَيْثُ الْقَصْدُ وَالْمُرَادُ وَإِنْ كَانَ أَعَمَّ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

بِلَفْظٍ وَاحِدٍ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ يَتَعَدَّدُ لَهُ الْمُوصَى بِهِ عَلَى الْخِلَافِ وَمِنْهَا الْقَذَفَاتُ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ أَوْ رَجُلَيْنِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ أَوْ مُخْتَلِفٍ فَإِنَّهُ يُوجِبُ تَعَدُّدَ التَّعْزِيرِ وَالْمُؤَاخَذَةِ وَمِنْهَا مَا إذَا اسْتَأْجَرَ مِنْهُ شَهْرًا ثُمَّ اسْتَأْجَرَ مِنْهُ شَهْرًا وَلَمْ يُعَيِّنْ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى شَهْرَيْنِ وَمِنْهَا مَا إذَا اشْتَرَى مِنْهُ صَاعًا مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ ثُمَّ اشْتَرَى مِنْهُ صَاعًا مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى صَاعَيْنِ وَمِنْهَا غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ كَثِيرٌ جِدًّا فِي الشَّرِيعَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَقَاصِدِ وَقَاعِدَةِ الْوَسَائِلِ]

(الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالْخَمْسُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَقَاصِدِ وَقَاعِدَةِ الْوَسَائِلِ)

وَكَذَا بَيْنَ قَاعِدَةِ كَوْنِ الْمَعَاصِي أَسْبَابًا لِلرُّخَصِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مُقَارَنَةِ الْمَعَاصِي لِأَسْبَابِ الرُّخَصِ.

أَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَقَاصِدِ وَالْوَسَائِلِ فَهُوَ أَنَّ مَوَارِدَ الْأَحْكَامِ عَلَى قِسْمَيْنِ:

الْأُولَى الْمَقَاصِدُ وَهِيَ الْمُتَضَمِّنَةُ لِلْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ فِي أَنْفُسِهَا قَالَ الْإِمَامُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي مُوَافَقَاتِهِ وَقَوْلُ الرَّازِيّ إنَّ أَحْكَامَ اللَّهِ لَيْسَتْ مُعَلَّلَةً بِعِلَّةٍ أَلْبَتَّةَ كَمَا أَنَّ أَفْعَالَهُ كَذَلِكَ خِلَافُ الْمُعْتَمَدِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّا اسْتَقْرَيْنَا مِنْ الشَّرِيعَةِ أَنَّهَا وُضِعَتْ لِمَصَالِح الْعِبَادِ اسْتِقْرَاءً لَا يُنَازِعُ فِيهِ الرَّازِيّ وَلَا غَيْرُهُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي بَعْثَةِ الرُّسُلِ وَهِيَ الْأَصْلُ {رُسُلا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: ١٦٥] {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: ١٠٧] وَقَالَ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا} [هود: ٧] {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: ٥٦] {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا} [الملك: ٢] .

وَأَمَّا التَّعَالِيلُ لِتَفَاصِيلِ الْأَحْكَامِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَأَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى كَقَوْلِهِ بَعْدَ آيَةِ الْوُضُوءِ {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ} [المائدة: ٦] وَقَالَ فِي الصِّيَامِ {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: ١٨٣] وَفِي الصَّلَاةِ {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: ٤٥] .

وَقَالَ فِي الْقِبْلَةِ {فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ} [البقرة: ١٥٠] وَفِي الْجِهَادِ {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} [الحج: ٣٩] وَفِي الْقِصَاصِ {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ} [البقرة: ١٧٩] وَفِي التَّقْرِيرِ عَلَى التَّوْحِيدِ بِ {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} [الأعراف: ١٧٢] وَالْمَقْصُودُ التَّنْبِيهُ وَإِذَا دَلَّ الِاسْتِقْرَاءُ عَلَى هَذَا وَكَانَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ مُفِيدًا لِلْعِلْمِ فَنَحْنُ نَقْطَعُ بِأَنَّ الْأَمْرَ مُسْتَمِرٌّ فِي جَمِيعِ تَفَاصِيلِ الشَّرِيعَةِ وَمِنْ هَذِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>