للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلْنُوَضِّحْ ذَلِكَ بِذِكْرِ ثَمَانِ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا سُئِلَ عَنْ الْوُضُوءِ بِنَبِيذِ التَّمْرِ قَالَ تَمْرَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ لَيْسَ فِي اللَّفْظِ إلَّا أَنَّ التَّمْرَةَ طَاهِرَةٌ طَيِّبَةٌ وَالْمَاءُ طَهُورٌ فَيَبْقَى إذَا جَمَعَ بَيْنَ التَّمْرَةِ وَالْمَاءِ الطَّهُورِ كَيْفَ يَكُونُ الْحَالُ هَلْ يُسْلَبُ الطَّهُورِيَّةُ أَمْ لَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لِذَلِكَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَقِيَ عَلَى حَالِهِ لَمْ يَتَغَيَّرْ عَنْ وَصْفِهِ فَلِذَلِكَ وَصَفَهُمَا بِمَا كَانَا عَلَيْهِ قَبْلَ الِاجْتِمَاعِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمَا تَغَيَّرَا عَنْ حَالَتِهِمَا الْأُولَى فَتَفَتَّتَتْ التَّمْرَةُ وَاحْمَرَّ الْمَاءُ وَحَلَا وَمَعَ ذَلِكَ فَالْمَاءُ طَهُورٌ عَلَى حَالِهِ وَهُوَ مُرَادُ الْحَنَفِيَّةِ وَلَيْسَ فِي اللَّفْظِ إشْعَارٌ بِالتَّفَتُّتِ وَلَا بِعَدَمِهِ فَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «تَمْرَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ» لَمْ يَتَعَرَّضْ فِي ذَلِكَ لِمَا قَبْلَ التَّغَيُّرِ وَلَا لِمَا بَعْدَهُ فَإِنْ قُلْت لَوْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِمَا بَعْدَ التَّغَيُّرِ لَمْ يَكُنْ الْجَوَابُ حَاصِلًا فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنَّمَا سُئِلَ عَنْهُمَا بَعْدَ اجْتِمَاعِهِمَا قُلْتُ مُسَلَّمٌ إنَّهُ سُئِلَ عَنْهُمَا بَعْدَ اجْتِمَاعِهِمَا وَلَكِنَّهُ لَمْ يَقُلْ لِلسَّائِلِ تَوَضَّأْ وَلَا لَا تَتَوَضَّأْ بَلْ اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ وَصْفَيْ الْمُجْتَمِعَيْنِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلتَّغَيُّرِ وَلَا لِعَدَمِهِ فَلَا جَرَمَ لَمَّا تَسَاوَتْ الِاحْتِمَالَاتُ فِي ذَلِكَ سَقَطَ الِاسْتِدْلَال بِالْحَدِيثِ عَلَى الْجَوَازِ بَعْدَ التَّغَيُّرِ فَإِنَّ الدَّالَّ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ (وَلْنُوَضِّحْ ذَلِكَ بِذِكْرِ ثَمَانِ مَسَائِلَ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَمَّا سُئِلَ عَنْ الْوُضُوءِ بِنَبِيذِ التَّمْرِ قَالَ تَمْرَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ» لَيْسَ فِي اللَّفْظِ إلَّا أَنَّ التَّمْرَةَ طَاهِرَةٌ طَيِّبَةٌ وَالْمَاءُ طَهُورٌ فَيَبْقَى إذَا جَمَعَ بَيْنَ التَّمْرَةِ وَالْمَاءِ الطَّهُورِ كَيْفَ يَكُونُ الْحَالُ هَلْ يُسْلَبُ الطَّهُورِيَّةُ أَمْ لَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لِذَلِكَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَقِيَ عَلَى حَالِهِ لَمْ يَتَغَيَّرْ عَنْ وَصْفِهِ فَلِذَلِكَ وَصَفَهُمَا بِمَا كَانَا عَلَيْهِ قَبْلَ الِاجْتِمَاعِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمَا تَغَيَّرَا عَنْ حَالَتِهِمَا الْأُولَى فَتَفَتَّتَتْ التَّمْرَةُ وَاحْمَرَّ الْمَاءُ وَحَلَا وَمَعَ ذَلِكَ فَالْمَاءُ طَهُورٌ عَلَى حَالِهِ وَهُوَ مُرَادُ الْحَنَفِيَّةِ وَلَيْسَ فِي اللَّفْظِ إشْعَارٌ بِالتَّفَتُّتِ وَلَا بِعَدَمِهِ فَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تَمْرَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ لَمْ يَتَعَرَّضْ فِي ذَلِكَ لِمَا قَبْلَ التَّغَيُّرِ وَلَا لِمَا بَعْدَهُ) قُلْتُ لَا يَجُوزُ عَلَى الشَّارِعِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - أَنْ يُسْأَلَ عَنْ شَيْءٍ ثُمَّ لَا يُجِيبُ عَنْهُ وَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِ أَنْ يُخْبِرَ بِمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا سُئِلَ عَنْ الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ وَالنَّبِيذُ اسْمُ الْمَاءِ الْمُسْتَنْقَعِ فِيهِ التَّمْرُ حَتَّى يَتَغَيَّرَ حَقِيقَةً أَمَّا قَبْلَ التَّغَيُّرِ فَلَا يُسَمَّى بِنَبِيذٍ إلَّا مَجَازًا بِمَعْنَى أَنَّهُ يَئُولُ إلَى ذَلِكَ فَلَا شَكَّ أَنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ أَنَّهُ أَرَادَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ أَصْلَ النَّبِيذِ تَمْرَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ وَأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ مِنْ الطِّيبِ وَالطَّهُورِيَّةِ.

قَالَ (فَإِنْ قُلْت لَوْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِمَا قَبْلَ التَّغَيُّرِ لَمْ يَكُنْ الْجَوَابُ حَاصِلًا فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّمَا سُئِلَ عَنْهُمَا بَعْدَ اجْتِمَاعِهِمَا قُلْتُ مُسَلَّمٌ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْهُمَا بَعْدَ اجْتِمَاعِهِمَا وَلَكِنَّهُ لَمْ يَقُلْ لِلسَّائِلِ تَوَضَّأْ وَلَا لَا تَتَوَضَّأْ بَلْ اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ وَصْفَيْ الْمُجْتَمِعَيْنِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلتَّغَيُّرِ وَلَا لِعَدَمِهِ فَلَا جَرَمَ لَمَّا تَسَاوَتْ الِاحْتِمَالَاتُ فِي ذَلِكَ سَقَطَ الِاسْتِدْلَال بِالْحَدِيثِ عَلَى الْجَوَازِ بَعْدَ التَّغَيُّرِ فَإِنَّ الدَّالَّ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

لَهَا الْكُلِّيَّةُ وَيَكُونُ كُلِّيًّا طَبِيعِيًّا وَيُمْكِنُ أَنْ تُلَاحِظَهَا بِشَرْطِ شَيْءٍ فَتَعْرِضُ لَهَا الْجُزْئِيَّةُ وَيَكُونُ فَرْدًا وَحِصَّةً فَالْمَاهِيَّةُ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْأَعْرَاضِ الْمَخْصُوصَةِ مَوْجُودَةٌ وَلَيْسَتْ بِمَحْسُوسَةٍ اُنْظُرْ رِسَالَتِي السَّوَانِحِ الْجَازِمَةِ فِي التَّعَارِيفِ اللَّازِمَةِ عَلَى أَنَّ الْإِطْلَاقَ نَظِيرُ الْكُلِّيَّةِ فِي كَوْنِ بَدِيهِيَّةِ الْعَقْلِ حَاكِمَةٌ بِمُنَافَاتِهَا لِلْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ فَافْهَمْ.

[الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ الْوَاجِبُ فِيهِ وَهَذَا هُوَ الْوَاجِبُ الْمُوَسَّعُ]

(الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ) الْوَاجِبُ فِيهِ هُوَ الْوَاجِبُ الْمُوَسَّعُ كَإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى الظُّهْرَ مِنْ أَوَّلِ الْقَامَةِ إلَى آخِرِهَا وَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْقَوْلِ بِهِ وَبِجَحْدِهِ وَعَلَى الْأَوَّلِ إذَا قَصَدَ التَّأْخِيرَ لِوَسَطِ الْوَقْتِ أَوْ آخِرِهِ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ بِغَيْرِ بَدَلٍ هُوَ الْعَزْمُ لِعَدَمِ دَلِيلٍ عَلَيْهِ؛ إذْ الدَّلِيلُ إنَّمَا هُوَ عَلَى الصَّلَاةِ فَوَجَبَ نَفْيُهُ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ الْعَزْمِ عَلَى الْفِعْلِ فِي بَقِيَّةِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ مَنْ أَمَرَهُ سَيِّدُهُ فَلَمْ يَفْعَلْ وَلَمْ يَعْزِمْ عَلَى الْفِعْلِ فِي مُسْتَقْبَلِ الزَّمَانِ يُعَدُّ مُعْرِضًا عَنْ أَمْرِ سَيِّدِهِ وَالْإِعْرَاضُ عَنْ الْأَمْرِ حَرَامٌ وَمَا يَنْدَفِعُ بِهِ الْحَرَامُ وَاجِبٌ فَالْعَزْمُ وَاجِبٌ قَوْلَانِ ثَالِثُهَا لِلْغَزَالِيِّ وُجُوبُ الْعَزْمِ عَلَى مَنْ خَطَرَ بِبَالِهِ الْفِعْلُ وَالتَّرْكُ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَعْزِمْ عَلَى الْفِعْلِ عَزَمَ عَلَى التَّرْكِ بِالضَّرُورَةِ بِخِلَافِ الْغَافِلِ عَنْ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَالصَّحِيحُ أَنْ لَا حَاجَةَ إلَى بَدَلٍ أَصْلًا وَعَلَى الثَّانِي فَفِي مُتَعَلِّقِ الْوُجُوبِ خَمْسَةُ مَذَاهِبَ:

(الْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ) لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ مُتَعَلِّقَهُ أَوَّلُ الْوَقْتِ مُسْتَنِدًا إلَى أَنَّ الْوُجُوبَ يُنَافِي جَوَازَ التَّأْخِيرِ وَأَنَّ الزَّوَالَ سَبَبُ الْوُجُوبِ وَالْأَصْلُ تَرَتُّبُ الْمُسَبَّبِ عَلَى سَبَبِهِ فَيَكُونُ الْوُجُوبُ أَوَّلَ الْوَقْتِ وَمَا يَقَعُ بَعْدَ ذَلِكَ قَضَاءٌ يَسُدُّ مَسَدَّ الْأَدَاءِ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْإِذْنَ فِي تَفْوِيتِ الْأَدَاءِ لِفِعْلِ الْقَضَاءِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ خِلَافُ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ وَإِنَّمَا الْمَعْهُودُ فِي قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ أَنَّ الْإِذْنَ فِي ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ لِأَجْلِ الْعُذْرِ كَضَرُورَةِ السَّفَرِ أَوْ الْمَرَضِ فِي رَمَضَانَ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ.

(الْمَذْهَبُ الثَّانِي) لِبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ مُتَعَلِّقَهُ آخِرُ الْوَقْتِ مُسْتَنِدٌ إلَى أَنَّ ثُبُوتَ خِصِّيصَةِ الشَّيْءِ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى عَدَمِ ثُبُوتِهِ وَعَدَمُ خِصِّيصَتِهِ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى عَدَمِهِ وَالْعِقَابُ عَلَى تَقْدِيرِ التَّرْكِ مِنْ خَصَائِصِ الْوُجُوبِ وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي غَيْرِ آخِرِ الْوَقْتِ وَثَابِتٌ فِي آخِرِهِ فَيُسْتَدَلُّ بِثُبُوتِهِ آخِرَ الْوَقْتِ عَلَى ثُبُوتِ الْوُجُوبِ آخِرَ الْوَقْتِ وَبِنَفْيِهِ فِي غَيْرِ آخِرِ الْوَقْتِ عَلَى نَفْيِ الْوُجُوبِ فِي غَيْرِ آخِرِ الْوَقْتِ، فَإِذَا وَقَعَ الْفِعْلُ قَبْلَ آخِرِ الْوَقْتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>