للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى الْأَعَمِّ غَيْرُ دَالٍّ عَلَى الْأَخَصِّ وَحَالَةُ التَّغَيُّرِ أَخَصُّ مِمَّا فُهِمَ مِنْ اللَّفْظِ مِنْ وَصْفَيْ الْمُجْتَمِعَيْنِ

(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) اسْتَدَلَّتْ الْمُعْتَزِلَةُ عَلَى أَنَّ الشَّرَّ مِنْ الْعَبْدِ لَا مِنْ اللَّهِ «بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْحَجِّ الْخَيْرُ كُلُّهُ بِيَدَيْك وَالشَّرُّ لَيْسَ إلَيْك» وَهَذَا سَلْبٌ عَامٌّ تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ عَلَى الْأَشْعَرِيَّةِ فَجَوَابُهُ أَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَيْسَ إلَيْك هَذَا الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ عَامِلٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ فَالْمُعْتَزِلَةُ يُقَدِّرُونَهُ وَالشَّرُّ لَيْسَ مَنْسُوبًا إلَيْك حَتَّى يَكُونَ مِنْ الْعَبْدِ عَلَى زَعْمِهِمْ وَنَحْنُ نُقَدِّرُهُ وَالشَّرُّ لَيْسَ قُرْبَةً إلَيْك لِأَنَّ الْمُلُوكَ كُلَّهُمْ يُتَقَرَّبُ إلَيْهِمْ بِالشَّرِّ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى لَا يُتَقَرَّبُ إلَيْهِ إلَّا بِالْخَيْرِ وَهَذَا مَعْنًى حَسَنٌ جَمِيلٌ يُحْمَلُ اللَّفْظُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ هَذَا يَكُونُ لَفْظُ صَاحِبِ الشَّرْعِ مُحْتَمِلًا لِمَا قُلْنَاهُ وَلِمَا قَالُوهُ وَلَيْسَ اللَّفْظُ ظَاهِرًا فِي أَحَدِهِمَا مِنْ حَيْثُ الْوَضْعُ بَلْ الِاحْتِمَالَانِ مُسْتَوِيَانِ فَيَسْقُطُ اسْتِدْلَالُ الْمُعْتَزِلَةِ بِهِ لِحُصُولِ الْإِجْمَالِ فِيهِ

(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) «قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي وَقَصَتْ بِهِ نَاقَتُهُ لَا تَمَسُّوهُ بِطِيبٍ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» هَذِهِ وَاقِعَةُ عَيْنٍ فِي هَذَا الْمُحْرِمِ وَلَيْسَ فِي اللَّفْظِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ ثَابِتٌ لِكُلِّ مُحْرِمٍ أَوْ لَيْسَ بِثَابِتٍ وَإِذَا تَسَاوَتْ الِاحْتِمَالَاتُ بِالنِّسْبَةِ إلَى بَقِيَّةِ الْمُحْرِمِينَ سَقَطَ اسْتِدْلَالُ الشَّافِعِيَّةِ بِهِ عَلَى أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا مَاتَ لَا يُغَسَّلُ وَلَمْ يَقُلْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

عَلَى الْأَعَمِّ غَيْرُ دَالٍّ عَلَى الْأَخَصِّ وَحَالَةُ التَّغَيُّرِ أَخَصُّ مِمَّا فُهِمَ مِنْ اللَّفْظِ مِنْ وَصْفَيْ الْمُجْتَمِعَيْنِ) قُلْتُ السُّؤَالُ وَارِدٌ لَازِمٌ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقُلْ لِلسَّائِلِ تَوَضَّأْ وَلَا لَا تَوَضَّأْ لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ قَالَ تَوَضَّأْ لَكِنْ لَا بِاللَّفْظِ وَلَكِنْ بِاقْتِضَاءِ الْمُسَاقِ وَضَرُورَةِ حَمْلِ كَلَامِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْفَائِدَةِ وَعَلَى الْجَوَابِ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ وَصْفَيْ الْمُجْتَمِعَيْنِ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَمْ يَقْتَصِرْ لِضَرُورَةِ الْمُسَاقِ وَحَمْلِ كَلَامِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْجَوَابِ وَعَلَى الْفَائِدَةِ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلتَّغَيُّرِ وَلَا لِعَدَمِهِ لَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ لِأَنَّهُ عَنْ النَّبِيذِ سُئِلَ وَهُوَ الْمُتَغَيِّرُ عَلَى مَا سَبَقَ بَيَانُهُ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ لَمَّا تَسَاوَتْ الِاحْتِمَالَاتُ سَقَطَ الِاسْتِدْلَال عَلَى الْجَوَازِ بَعْدَ التَّغَيُّرِ لَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ لَمْ تَتَسَاوَ الِاحْتِمَالَاتُ وَلَا سَقَطَ الِاسْتِدْلَال وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الدَّالَّ عَلَى الْأَعَمِّ غَيْرُ دَالٍّ عَلَى الْأَخَصِّ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ صَحِيحٌ لَكِنْ لَيْسَ الْأَمْرُ فِي الْمَسْأَلَةِ مِنْ ذَلِكَ بَلْ مِنْ الدَّالِّ عَلَى الْأَخَصِّ بَلْ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ إنَّمَا سُئِلَ عَنْ النَّبِيذِ وَلَيْسَ النَّبِيذُ إلَّا الْمُتَغَيِّرَ. .

[الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ الشَّرَّ مِنْ الْعَبْدِ لَا مِنْ اللَّهِ]

قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ اسْتَدَلَّتْ الْمُعْتَزِلَةُ عَلَى أَنَّ الشَّرَّ مِنْ الْعَبْدِ لَا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى «بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْحَجِّ الْخَيْرُ كُلُّهُ بِيَدِك وَالشَّرُّ لَيْسَ إلَيْك» إلَى آخِرِهِ مَا قَالَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ) قُلْتُ الْأَظْهَرُ أَنَّ مَا قَدَّرَتْهُ الْمُعْتَزِلَةُ أَظْهَرُ وَلَكِنَّ الْمَسْأَلَةَ قَطْعِيَّةٌ لَا يُكْتَفَى فِيهَا بِالظَّوَاهِرِ مَعَ أَنَّ الدَّلِيلَ الْعَقْلِيَّ الْقَطْعِيَّ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ الشَّرَّ بِقُدْرَتِهِ كَمَا أَنَّ الْخَيْرَ كَذَلِكَ فَبَطَلَ مُقْتَضَى ذَلِكَ الظَّاهِرِ وَتَعَيَّنَ التَّأْوِيلُ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ صَحِيحٌ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

كَانَ نَفْلًا يَسُدُّ مَسَدَّ الْفَرْضِ وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ إجْرَاءَ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَنْ الْوَاجِبِ خِلَافُ الْقَوَاعِدِ.

(الْمَذْهَبُ الثَّالِثُ) لِلْكَرْخِيِّ أَنَّ مُتَعَلِّقَهُ آخِرُ الْوَقْتِ أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ بِطَرِيقَةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ الْمُكَلَّفَ إذَا عَجَّلَ الْفِعْلَ فَإِنْ جَاءَ آخِرُ الْوَقْتِ وَهُوَ مَوْصُوفٌ بِصِفَاتِ الْمُكَلَّفِينَ كَانَ فِعْلُهُ وَاجِبًا فَمَا أَجْزَأَ عَنْ الْوَاجِبِ إلَّا وَاجِبٌ وَإِنْ جَاءَ آخِرُ الْوَقْتِ وَهُوَ غَيْرُ مَوْصُوفٍ بِهَا كَانَ نَفْلًا؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ قَبْلَ وَقْتِ الْوُجُوبِ وَسَبَبُ اخْتِيَارِهِ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ الْخُرُوجُ مِنْ عُهْدَةِ مَا أَوْرَدَ عَلَى مَنْ قَالَ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ بِتَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِآخِرِ الْوَقْتِ مِنْ إجْزَاءِ النَّفْلِ عَنْ الْفَرْضِ كَمَا عَلِمْتَ مَعَ أَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ كَوْنَ الْفِعْلِ حَالَةَ الْإِيقَاعِ لَا يُوصَفُ بِكَوْنِهِ فَرْضًا وَلَا نَفْلًا وَلَا تَتَعَيَّنُ فِيهِ نِيَّةٌ لِأَحَدِهِمَا خِلَافُ الْمَعْهُودِ فِي الْقَوَاعِدِ.

(الْمَذْهَبُ الرَّابِعُ) لِبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ أَيْضًا أَنَّ مُتَعَلِّقَهُ آخِرُ الْوَقْتِ حَيْثُ لَمْ يُعَجِّلْ الْمُكَلَّفُ الْفِعْلَ بَعْدَ فِعْلِهِ آخِرَ الْوَقْتِ فَصَارَ آخِرُ الْوَقْتِ مَوْصُوفًا بِالْوُجُوبِ فَإِنْ عَجَّلَ الْمُكَلَّفُ الْفِعْلَ لَمْ يَكُنْ آخِرُ الْوَقْتِ مَوْصُوفًا بِصِفَةِ الْوُجُوبِ فَالتَّعْجِيلُ مَانِعٌ مِنْ تَعْلِيقِ الْوُجُوبِ بِآخِرِ الْوَقْتِ فَلَمْ يُجْزِ نَفْلٌ عَنْ فَرْضٍ وَلَمْ يَكُنْ الْفِعْلُ الْمُعَجَّلُ مَوْقُوفًا بَلْ يَنْوِي بِهِ النَّفَلَ نَعَمْ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَمْ يُطِيعُوا اللَّهَ تَعَالَى بِصَلَاةٍ وَاجِبَةٍ وَلَا أَثِيبُوا ثَوَابَ الْوَاجِبِ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا وَذَلِكَ حَظٌّ عَظِيمٌ يَفُوتُ عَلَيْهِمْ لَا سِيَّمَا وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ «مَا تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدٌ أَوْ أَحَدٌ بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ وَلَا يَزَالُ يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ» الْحَدِيثَ الْمَشْهُورَ وَبِالْجُمْلَةِ فَثَوَابُ الْوَاجِبَاتِ هُوَ أَفْضَلُ الْمَثُوبَاتِ وَالْقَوْلُ بِفَوَاتِهِ عَلَيْهِمْ مَحْذُورٌ كَبِيرٌ.

(الْمَذْهَبُ الْخَامِسُ) حَكَاهُ سَيْفُ الدِّينِ فِي الْأَحْكَامِ أَنَّ مُتَعَلِّقَهُ وَقْتُ الْإِيقَاعِ أَيُّ وَقْتٍ كَانَ أَوَّلُهُ أَوْ وَسَطُهُ أَوْ آخِرُهُ فَلَا يَلْزَمُ شَيْءٌ مِنْ الْإِشْكَالَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْقَوَاعِدَ تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْوُجُوبُ مُتَقَدِّمًا عَلَى الْفِعْلِ وَالْفِعْلُ مُتَأَخِّرًا عَنْهُ وَتَابِعًا لَهُ وَهَذَا الْمَذْهَبُ جَعَلَ تَحَتُّمَ الْإِيقَاعِ فِي الْوَقْتِ تَابِعًا لِلْفِعْلِ عَلَى خِلَافِ الْقَوَاعِدِ فَظَهَرَ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْ الْأَقْوَالِ الْخَمْسَةِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى جَحْدِ التَّوْسِعَةِ مُخَالِفَاتٍ لِلْقَوَاعِدِ وَلَمْ يَبْقَ غَيْرُ مُخَالِفٍ لِقَاعِدَةٍ مَا بَلْ تَجْتَمِعُ أَسْبَابُ الْقَوَاعِدِ كُلِّهَا فِيهِ إلَّا الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ الْمَبْنِيَّةَ عَلَى التَّوْسِعَةِ وَأَنَّ الْوُجُوبَ مُتَعَلِّقٌ بِالْمُطْلَقِ

<<  <  ج: ص:  >  >>