للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالسَّبْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْخِلَافُ يَتَقَرَّرُ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ قَبْلَ حُكْمِ الْحَاكِمِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَسَائِلُ الِاجْتِهَادِ يَبْطُلُ الْخِلَافُ فِيهَا وَيَتَعَيَّنُ قَوْلُ وَاحِدٍ بَعْدَ حُكْمِ الْحَاكِمِ) وَذَلِكَ الْقَوْلُ هُوَ مَا حَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ عَلَى الْأَوْضَاعِ الشَّرْعِيَّةِ اعْلَمْ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ يَرْفَعُ الْخِلَافَ وَيَرْجِعُ الْمُخَالِفُ عَنْ مَذْهَبِهِ لِمَذْهَبِ الْحَاكِمِ وَتَتَغَيَّرُ فُتْيَاهُ بَعْدَ الْحُكْمِ عَمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ عَلَى الْقَوْلِ الصَّحِيحِ مِنْ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فَمَنْ لَا يَرَى وَقْفَ الْمُشَاعِ إذَا حَكَمَ حَاكِمٌ بِصِحَّةِ وَقْفِهِ ثُمَّ رُفِعَتْ الْوَاقِعَةُ لِمَنْ كَانَ يُفْتِي بِبُطْلَانِهِ نَفَّذَهُ وَأَمْضَاهُ وَلَا يَحِلُّ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُفْتِيَ بِبُطْلَانِهِ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَهَا وَحَكَمَ حَاكِمٌ بِصِحَّةِ هَذَا النِّكَاحِ فَاَلَّذِي كَانَ يَرَى لُزُومَ الطَّلَاقِ لَهُ يُنْفِذُ هَذَا النِّكَاحَ وَلَا يَحِلُّ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُفْتِيَ بِالطَّلَاقِ هَذَا هُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَلِذَلِكَ وَقَعَ لَهُ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ وَغَيْرِهِ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ لَا يُرَدُّ وَلَا يُنْقَضُ وَأَفْتَى مَالِكٌ فِي السَّاعِي إذَا أَخَذَ مِنْ الْأَرْبَعِينَ شَاةً لِرَجُلَيْنِ خَلِيطَيْنِ فِي الْغَنَمِ شَاةً أَنَّهُمَا يَقْتَسِمَانِهَا بَيْنَهُمَا وَلَا يَخْتَصُّ بِهَا مَنْ أُخِذَتْ مِنْهُ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ مَعَ أَنَّهُ يُفْتِي إذَا أَخَذَهَا السَّاعِي الْمَالِكِيُّ أَنَّهَا

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ (الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالسَّبْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْخِلَافُ يَتَقَرَّرُ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ قَبْلَ حُكْمِ الْحَاكِمِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَسَائِلُ الِاجْتِهَادِ يَبْطُلُ الْخِلَافُ فِيهَا وَيَتَعَيَّنُ قَوْلٌ وَاحِدٌ بَعْدَ حُكْمِ الْحَاكِمِ وَذَلِكَ الْقَوْلُ هُوَ مَا حَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ عَلَى الْأَوْضَاعِ الشَّرْعِيَّةِ) قُلْتُ مَا قَالَهُ يُوهِمُ أَنَّ الْخِلَافَ يَبْطُلُ مُطْلَقًا فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي تَعَلَّقَ بِهَا حُكْمُ الْحَاكِمِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ بَلْ الْخِلَافُ يَبْقَى عَلَى حَالِهِ إلَّا أَنَّهُ إذَا اسْتَفْتَى الْمُخَالِفُ فِي عَيْنِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي وَقَعَ حُكْمٌ فِيهَا لَا تَسُوغُ الْفَتْوَى فِيهَا بِعَيْنِهَا لِأَنَّهُ قَدْ نَفَذَ فِيهَا الْحُكْمُ بِقَوْلَةِ قَائِلٍ وَمَضَى الْعَمَلُ بِهَا فَإِذَا اسْتَفْتَى فِي مِثْلِهَا قَبْلَ أَنْ يَقَعَ الْحُكْمُ فِيهَا أَفْتَى بِمَذْهَبِهِ عَلَى أَصْلِهِ فَكَيْفَ يَقُولُ يَبْطُلُ الْخِلَافُ وَلَوْ بَطَلَ الْخِلَافُ لَمَا سَاغَ ذَلِكَ نَعَمْ يَبْطُلُ الْخِلَافُ بِالنَّظَرِ إلَى الْمَسْأَلَةِ الْمُعَيَّنَةِ خَاصَّةً.

قَالَ (اعْلَمْ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ يَرْفَعُ الْخِلَافَ إلَى قَوْلِهِ وَلِذَلِكَ وَقَعَ لَهُ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ وَغَيْرِهِ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ لَا يُرَدُّ وَلَا يُنْقَضُ) قُلْتُ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ إذَا حَكَمَ حَاكِمٌ بِصِحَّةِ وَقْفِ الْمُشَاعِ ثُمَّ رُفِعَتْ الْوَاقِعَةُ لِمَنْ كَانَ يُفْتِي بِبُطْلَانِهِ نَفَّذَهُ وَأَمْضَاهُ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا يُنَفِّذُهُ وَلَا يُمْضِيهِ وَلَكِنَّهُ لَا يَرُدُّهُ وَلَا يَنْقُضُهُ وَفَرَّقَ بَيْنَ كَوْنِهِ يُنَفِّذُهُ وَيُمْضِيهِ وَكَوْنِهِ لَا يَرُدُّهُ وَلَا يَنْقُضُهُ.

قَالَ (وَأَفْتَى مَالِكٌ فِي السَّاعِي إذَا أَخَذَ مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً لِرَجُلَيْنِ خَلِيطَيْنِ فِي الْغَنَمِ شَاةً أَنَّهُمَا يَقْتَسِمَانِهَا بَيْنَهُمَا وَلَا يَخْتَصُّ بِهَا مَنْ أُخِذَتْ مِنْهُ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَعَ أَنَّهُ يُفْتِي إذَا أَخَذَهَا لِلسَّاعِي الْمَالِكِيُّ أَنَّهَا

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

اسْتِدْلَالِ الْمُعْتَزِلَةِ بِهِ عَلَى زَعْمِهِمْ مِنْ أَنَّ الشَّرَّ مِنْ الْعَبْدِ لِحُصُولِ الْإِجْمَالِ فِي نَفْسِ الدَّلِيلِ بَلْ مَا قَدَّرَتْهُ الْمُعْتَزِلَةُ هُوَ الْأَظْهَرُ وَلَكِنَّ الْمَسْأَلَةَ قَطْعِيَّةٌ لَا يُكْتَفَى فِيهَا بِالظَّوَاهِرِ مَعَ أَنَّ الدَّلِيلَ الْعَقْلِيَّ الْقَطْعِيَّ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ الشَّرَّ بِقُدْرَتِهِ تَعَالَى كَمَا أَنَّ الْخَيْرَ كَذَلِكَ فَبَطَلَ مُقْتَضَى ذَلِكَ الظَّاهِرِ وَتَعَيَّنَ التَّأْوِيلُ قَالَهُ ابْنُ الشَّاطِّ.

[الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ وُجُوبِ الْإِعْتَاقِ لَا إجْمَالَ فِيهِ مَعَ احْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ الرَّقَبَةُ الْمَأْمُورُ بِهَا سَوْدَاءَ أَوْ بَيْضَاءَ لِلْمُفْطِرِ فِي رَمَضَان]

(التَّنْبِيهُ الثَّالِثُ) «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمُفْطِرِ فِي رَمَضَانَ أَعْتِقْ رَقَبَةً» وَإِنْ احْتَمَلَ عَلَى السَّوَاءِ فِي مَحَلِّ الْحُكْمِ لَا فِي دَلِيلِهِ أَنْ تَكُونُ الرَّقَبَةُ سَوْدَاءَ أَوْ بَيْضَاءَ أَوْ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى أَوْ طَوِيلَةً أَوْ قَصِيرَةً أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ.

[الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ شَهَادَةِ الْعَدْلَيْنِ]

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا شَهِدَ عَدْلَانِ فَصُومُوا وَأَفْطِرُوا وَانْسُكُوا» وَإِنْ احْتَمَلَ عَلَى السَّوَاءِ فِي مَحَلِّ الْحُكْمِ لَا فِي دَلِيلِهِ أَنْ يَكُونَ الْعَدْلَانِ عَرَبِيَّيْنِ أَوْ عَجَمِيَّيْنِ شَيْخَيْنِ أَوْ كَهْلَيْنِ أَبْيَضَيْنِ أَوْ أَسْوَدَيْنِ وَنَحْوَ ذَلِكَ.

[الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ الدَّلِيلِ يَكُونُ نَصًّا وَالِاحْتِمَالَاتُ مُسْتَوِيَةٌ فِي مَحَلِّ الْحُكْمِ]

وقَوْله تَعَالَى {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: ١٩٦] وَإِنْ احْتَمَلَ عَلَى السَّوَاءِ فِي مَحَلِّ الْحُكْمِ لَا فِي دَلِيلِهِ أَنْ يَكُونَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَرْجِعُ إلَيْهِ غَرْبًا أَوْ شَرْقًا أَوْ شَمَالًا أَوْ جَنُوبًا أَوْ مَدِينَةً أَوْ بَرِّيَّةً أَوْ قَرْيَةً لَيْسَتْ مِنْ مَسَائِلِ مَا يَجْرِي مَجْرَى الْعُمُومِ لِتَرْكِ الِاسْتِفْصَالِ كَمَا قِيلَ بَلْ هِيَ مِنْ مَسَائِلِ الْإِطْلَاقِ الْمُقْتَضِي تَخْيِيرَ الْمُكَلَّفِ فِي مُخْتَلِفَاتِ الْأَشْخَاصِ وَالصِّفَاتِ وَالْأَحْوَالِ فَافْهَمْ قَالَهُ ابْنُ الشَّاطِّ فَظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ حِكَايَةُ الْحَالِ إذَا تَطَرَّقَ إلَيْهَا الِاحْتِمَالُ كَسَاهَا ثَوْبَ الْإِجْمَالِ وَسَقَطَ بِهَا الِاسْتِدْلَال إنَّمَا هُوَ فِي الِاحْتِمَالَاتِ الثَّابِتَةِ فِي نَفْسِ دَلِيلِ الْحُكْمِ لَا فِي مَحَلِّ الْحُكْمِ عَكْسُ قَوْلِهِ إنَّ تَرْكَ الِاسْتِفْصَالِ فِي حِكَايَةِ الْحَالِ تَقُومُ مَقَامَ الْعُمُومِ فِي الْمَقَالِ فَإِنَّهُ فِي الِاحْتِمَالَاتِ الثَّابِتَةِ فِي مَحَلِّ الْحُكْمِ لَا فِي دَلِيلِهِ فَكِلَا قَوْلَيْهِ لَمْ يَتَنَاقَضَا وَلَمْ يَخْتَلِفَا بَلْ كُلُّ قَوْلٍ لَهُ مَوْضِعٌ يَخُصُّهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ فِي غَيْرِ الْأَيْمَانِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّفْيِ لَيْسَ بِإِثْبَاتٍ فِي الْأَيْمَانِ]

[الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا إلَّا كَتَّانًا فِي هَذَا الْيَوْمِ وَقَعَدَ عُرْيَانًا]

(الْفَرْقُ الثَّانِي وَالسَّبْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ فِي غَيْرِ الْأَيْمَانِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّفْيِ لَيْسَ بِإِثْبَاتٍ فِي الْأَيْمَانِ) مَذْهَبُ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ جَرْيًا عَلَى الْقَاعِدَةِ الْأُصُولِيَّةِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ كَمَا أَنَّهُ مِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ مَذْهَبُ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ جَرْيًا عَلَى الْقَاعِدَةِ الْأُصُولِيَّةِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ كَمَا أَنَّهُ مِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ فِي الْأَيْمَانِ وَغَيْرِهَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ قَاعِدَةَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ إنَّمَا هِيَ فِي غَيْرِ الْأَيْمَانِ كَالْأَقَارِيرِ.

وَأَمَّا الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْأَيْمَانِ فَقَاعِدَتُهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِإِثْبَاتٍ لَا إثْبَاتٍ أَيْضًا كَمَا فِي الْأُصُولِ لِوُجُوهٍ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَنَّ إلَّا كَمَا تُسْتَعْمَلُ لِلْإِخْرَاجِ

<<  <  ج: ص:  >  >>