للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَوَجَبَ الْقَضَاءُ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الْقَضَاءِ التَّمَكُّنُ مِنْ الْإِيقَاعِ أَوَّلَ الْوَقْتِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَمَا لَا يُعْتَبَرُ فِي ضَمَانِ الزَّكَاةِ تَأَخُّرُ الْجَائِحَةِ عَنْ الزَّرْعِ أَوْ الثَّمَرَةِ بَعْدَ زَمَنِ الْوُجُوبِ وَكَمَا لَوْ بَاعَ صَاعًا مِنْ صُبْرَةٍ وَتَمَكَّنَ مِنْ كَيْلِهَا ثُمَّ تَلِفَتْ الصُّبْرَةُ مِنْ غَيْرِ الْبَائِعِ فَإِنَّهُ لَا يُخَاطَبُ بِالتَّوْفِيَةِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى وَلَا يَنْتَقِلُ الصَّاعُ لِلذِّمَّةِ وَلِذَلِكَ أَجْمَعْنَا فِي الْمُسَافِرِ يُقِيمُ وَالْمُقِيمُ يُسَافِرُ عَلَى اعْتِبَارِ آخِرِ الْوَقْتِ وَهَذَا الْفَرْقُ قَدْ خَالَفْنَاهُ أَيُّهَا الْمَالِكِيَّةُ فِي صُورَتَيْنِ إحْدَاهُمَا فِي النَّقْدَيْنِ عِنْدَنَا لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ وَإِنَّمَا تَقَعُ الْمُعَامَلَةُ بِهِمَا عَلَى الذِّمَمِ.

وَإِنْ عُيِّنَتْ إلَّا أَنْ تُخَصَّ بِأَمْرٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْغَرَضُ كَشُبْهَةٍ فِي أَحَدِهِمَا أَوْ سِكَّةٍ رَائِجَةٍ دُونَ النَّقْدِ الْآخَرِ وَلَوْ غَصَبَ غَاصِبٌ دِينَارًا مُعَيَّنًا فَلَهُ أَنْ يُعْطِيَ غَيْرَهُ مِثْلَهُ فِي الْمَحَلِّ وَيَمْنَعَ رَبَّهُ مِنْ أَخْذِ ذَلِكَ الْمُعَيَّنِ الْمَغْصُوبِ وَعَلَّلَ ذَلِكَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ خُصُوصَاتِ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ لَا تَتَعَلَّقُ بِهَا الْأَغْرَاضُ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهَا فِي نَظَرِ الشَّرْعِ فَإِنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ إنَّمَا يَعْتَبِرُ مَا فِيهِ نَظَرٌ صَحِيحٌ وَلَزِمَهُمْ عَلَى ذَلِكَ سُؤَالَانِ: أَحَدُهُمَا يَلْزَمُ أَنَّ أَعْيَانَ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ لَا تُمْلَكُ أَيْضًا لِأَجْلِ أَنَّ لِلْغَاصِبِ الْمَنْعَ مِنْ الْمُعَيَّنِ وَكَذَلِكَ الْمُشْتَرِي فِي الْعُقُودِ وَلَوْ كَانَتْ الْخُصُوصَاتُ مَمْلُوكَةً لَكَانَ لِصَاحِبِ الْمُعَيَّنِ الْمُطَالَبَةُ بِمِلْكِهِ وَأَخْذِهِ الْمُعَيَّنَ مِنْ الْغَاصِبِ وَالْمُشْتَرِي فَلَا يَكُونُ الْمَمْلُوكُ عِنْدَهُمْ إلَّا الْجِنْسَ الْكُلِّيَّ دُونَ الشَّخْصِيِّ وَمَتَى شَخَصَ مِنْ الْجِنْسِ شَيْءٌ لَا يَمْلِكُ خُصُوصَهُ أَلْبَتَّةَ وَهُوَ أَمْرٌ شَنِيعٌ وَثَانِيهِمَا أَنَّا اتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّ الصِّيعَانَ الْمُسْتَوِيَةَ وَالْأَرْطَالَ الْمُسْتَوِيَةَ مِنْ الزَّيْتِ تُمْلَكُ أَعْيَانُهَا وَإِنَّمَا تَعَيَّنَ بِالتَّعْيِينِ مَعَ أَنَّ الْأَغْرَاضَ مُسْتَوِيَةٌ فِي تِلْكَ الْأَفْرَادِ فَهِيَ نَقْضٌ كَبِيرٌ عَلَيْهِمْ وَلَهُمْ الْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ بِالْتِزَامِهِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

وَوَجَبَ الْقَضَاءُ) قُلْتُ تَسْوِيَتُهُ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ لَيْسَتْ بِصَحِيحَةٍ فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقٌّ وَاجِبٌ فِي الْمَالِ الْمُعَيَّنِ فَالْحَقُّ مُتَعَيِّنٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ جُزْءٌ لِمُعَيَّنٍ وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَلَيْسَتْ كَذَلِكَ فَإِنَّهَا فِعْلٌ وَالْأَفْعَالُ لَا تَعَيُّنَ لَهَا مَا لَمْ تَقَعْ.

قَالَ (وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الْقَضَاءِ التَّمَكُّنُ مِنْ الْإِيقَاعِ أَوَّلُ الْوَقْتِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَمَا لَا يُعْتَبَرُ فِي ضَمَانِ الزَّكَاةِ تَأَخُّرُ الْجَائِحَةِ عَنْ الزَّرْعِ أَوْ الثَّمَرَةِ إلَى قَوْلِهِ وَلِذَلِكَ أَجْمَعْنَا فِي الْمُسَافِرِ يُقِيمُ وَالْمُقِيمُ يُسَافِرُ عَلَى اعْتِبَارِ الْوَقْتِ قَالَ وَهَذَا الْفَرْقُ قَدْ خَالَفْنَاهُ أَيُّهَا الْمَالِكِيَّةُ فِي صُورَتَيْنِ إحْدَاهَا فِي النَّقْدَيْنِ عِنْدَنَا لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ وَإِنَّمَا تَقَعُ الْمُعَامَلَةُ بِهِمَا عَلَى الذِّمَمِ وَإِنْ عُيِّنَتْ إلَّا أَنْ تَخْتَصَّ بِأَمْرٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْغَرَضُ كَشُبْهَةٍ فِي أَحَدِهِمَا أَوْ سِكَّةٍ رَائِجَةٍ دُونَ النَّقْدِ الْآخَرِ إلَى قَوْلِهِ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

وَمَنْ أَخَذَ بِالرُّخْصَةِ فِي تَرْكِ الْإِنْكَارِ فَرَّ بِدِينِهِ وَاسْتَخْفَى بِنَفْسِهِ مَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ سَبَبًا لِلْإِخْلَالِ بِمَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ تَرْكِ الْإِنْكَارِ فَإِنَّ ارْتِكَابَ خَيْرِ الشَّرَّيْنِ أَوْلَى مِنْ ارْتِكَابِ شَرِّهِمَا وَهُوَ رَاجِعٌ فِي الْحَقِيقَةِ إلَى إهْمَالِ الْقَاعِدَةِ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَالْمَرَاتِبُ الثَّلَاثُ فِي هَذَا الْوَجْهِ مَذْكُورَةٌ شَوَاهِدُهَا فِي مَوَاضِعِهَا مِنْ الْكُتُبِ الْمُصَنَّفَةِ فِيهِ وَبِالْجُمْلَةِ فَمِنْ حَقِيقَةِ نَيْلِ كُلِّ مُنْتَصِبٍ لِلْفُتْيَا بِقَوْلِهِ وَفِعْلِهِ وَإِقْرَارِهِ لِرُتْبَةِ الْوِرَاثَةِ لِلْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ظُهُورُ فِعْلِهِ عَلَى مِصْدَاقِ قَوْلِهِ هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِصِحَّةِ الِانْتِصَابِ وَالِانْتِفَاعِ فِي الْوُقُوعِ وَإِلَّا فَالْوَاجِبُ عَلَى الْعَالِمِ الْمُجْتَهِدِ الِانْتِصَابُ وَالْفَتْوَى عَلَى الْإِطْلَاقِ طَابَقَ قَوْلُهُ فِعْلَهُ أَمْ لَا فَإِنْ كَانَ مُوَافِقًا قَوْلُهُ لِفِعْلِهِ حَصَلَ الِانْتِفَاعُ وَالِاقْتِدَاءُ بِهِ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ مَعًا أَوْ كَانَ مَظِنَّةً لِلْحُصُولِ لِأَنَّ الْفِعْلَ يُصَدِّقُ الْقَوْلَ أَوْ يُكَذِّبُهُ.

وَإِنْ خَالَفَ فِعْلُهُ قَوْلَهُ فَإِمَّا أَنْ تُؤَدِّيَهُ الْمُخَالَفَةُ إلَى الِانْحِطَاطِ عَنْ رُتْبَةِ الْعَدَالَةِ إلَى الْفِسْقِ أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَلَا إشْكَالَ فِي عَدَمِ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ وَعَدَمِ صِحَّةِ الِانْتِصَابِ شَرْعًا وَعَادَةً وَمَنْ اقْتَدَى بِهِ كَانَ مُخَالِفًا مِثْلَهُ فَلَا فَتْوَى فِي الْحَقِيقَةِ وَلَا حُكْمَ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي صَحَّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَاسْتِفْتَاؤُهُ وَفَتْوَاهُ فِيمَا وَافَقَ دُونَ مَا خَالَفَ فَإِذَا أَفْتَى بِتَرْكِ الزِّنَا وَالْخَمْرِ وَبِالْمُحَافَظَةِ عَلَى الْوَاجِبَاتِ وَهُوَ فِي فِعْلِهِ عَلَى حَسَبِ قَوْلِهِ حَصَلَ تَصْدِيقُ قَوْلِهِ بِفِعْلِهِ وَإِذَا أَفْتَاكَ بِالزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا أَوْ تَرَكَ مُخَالَطَةَ الْمُتْرَفِينَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَقْدَحُ فِي أَصْلِ الْعَدَالَةِ ثُمَّ رَأَيْته يُحَرِّضُ عَلَى الدُّنْيَا وَيُخَالِطُ مَنْ نَهَاكَ عَنْ مُخَالَطَتِهِمْ فَلَمْ يَصْدُقْ الْقَوْلُ الْفِعْلَ فَهَذَا وَإِنْ نَصَبَهُ الشَّارِعُ أَيْضًا لِيُؤْخَذَ بِقَوْلِهِ وَفِعْلِهِ لِأَنَّهُ وَارِثُ النَّبِيِّ إلَّا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ وَلَا الْفَتْوَى عَلَى كَمَالِهَا فِي الصِّحَّةِ إلَّا مَعَ مُطَابَقَةِ الْقَوْلِ الْفِعْلَ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَقَدْ قَالَ أَبُو الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيُّ:

ابْدَأْ بِنَفْسِك فَانْهَهَا عَنْ غَيِّهَا ... فَإِذَا انْتَهَتْ عَنْهُ فَأَنْتَ حَكِيمُ

فَهُنَاكَ يُسْمَعُ مَا تَقُولُ وَيُقْتَدَى ... بِالرَّأْيِ مِنْك وَيَنْفَعُ التَّعْلِيمُ

لَا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ ... عَارٌ عَلَيْك إذَا فَعَلْتَ عَظِيمُ

وَهُوَ مَعْنًى مُوَافِقٌ لِلنَّقْلِ وَالْعَقْلِ لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ اهـ كَلَامُ الشَّاطِبِيِّ مُلَخَّصًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ النَّقْلِ وَقَاعِدَةِ الْإِسْقَاطِ]

[الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى الْإِبْرَاءُ مِنْ الدَّيْنِ هَلْ يَفْتَقِرُ إلَى الْقَبُولِ]

(الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالسَّبْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ النَّقْلِ وَقَاعِدَةِ الْإِسْقَاطِ) التَّصَرُّفُ فِي الْحُقُوقِ وَالْأَمْلَاكِ يَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ الْأَوَّلُ النَّقْلُ وَهُوَ تَصَرُّفٌ يَفْتَقِرُ إلَى الْقَبُولِ وَيَنْقَسِمُ إلَى مَا هُوَ بِعِوَضٍ فِي الْأَعْيَانِ كَالْبَيْعِ وَالْقَرْضِ وَإِلَى مَا هُوَ بِعِوَضٍ فِي الْمَنَافِعِ كَالْإِجَارَةِ وَالْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ وَالْقِرَاضِ وَالْجَعَالَةِ وَإِلَى مَا هُوَ بِغَيْرِ عِوَضٍ كَالْهَدَايَا وَالْوَصَايَا وَالْعُمْرَى وَالْوَقْفِ وَالْهِبَاتِ وَالصَّدَقَاتِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالزَّكَاةِ وَالْمَسْرُوقِ مِنْ أَمْوَالِ الْكُفَّارِ وَالْغَنِيمَةِ فِي الْجِهَادِ فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ نَقْلُ مِلْكٍ فِي أَعْيَانٍ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَالْقِسْمُ الثَّانِي الْإِسْقَاطُ وَهُوَ تَصَرُّفٌ لَا يَفْتَقِرُ إلَى الْقَبُولِ وَهُوَ إمَّا بِعِوَضٍ كَالْخُلْعِ وَالْعَفْوِ عَلَى مَالٍ وَالْكِتَابَةِ وَبَيْعِ الْعَبْدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>