للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالشَّنَاعَةُ لَا عِبْرَةَ بِهَا مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ.

وَقَدْ تَمَسَّكُوا بِدَلِيلٍ صَحِيحٍ وَهُوَ أَنَّ الشَّرْعَ لَا يَعْتَبِرُ مَا لَا غَرَضَ فِيهِ وَهَذَا كَلَامٌ حَقٌّ، وَعَنْ الثَّانِي الْفَرْقُ بَيْنَ النَّقْدَيْنِ وَغَيْرِهِمَا فَإِنَّهُمَا وَسَائِلُ لِتَحْصِيلِ الْأَغْرَاضِ مِنْ السِّلَعِ وَالْمَقَاصِدُ إنَّمَا هِيَ السِّلَعُ وَإِذَا كَانَتْ السِّلَعُ مَقَاصِدَ وَقَعَتْ الْمُشَاحَنَةُ مِنْ تَعْيِينَاتِهَا بِخِلَافِ الْوَسَائِلِ اجْتَمَعَ فِيهَا أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا وَسَائِلُ وَالثَّانِي عَدَمُ تَعَلُّقِ الْأَغْرَاضِ بِخِلَافِ الْمَقَاصِدِ فِيهَا حَيْثِيَّةٌ وَاحِدَةٌ فَظَهَرَ الْفَرْقُ وَانْدَفَعَ النَّقْضُ. الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي خَالَفَ فِيهَا الْمَالِكِيَّةُ الْفَرْقُ إذَا كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ فَأَخَذَ مِنْهُ مَا يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ كَدَارٍ يَسْكُنُهَا أَوْ ثَمَرَةٍ يَتَأَخَّرُ جُذَاذُهَا أَوْ عَبْدٍ يَسْتَخْدِمُهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ فَسْخُ دَيْنٍ مِنْ دَيْنٍ لِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ لَمَّا كَانَتْ يَتَأَخَّرُ قَبْضُهَا أَشْبَهَتْ الدَّيْنَ وَفِيهَا مَفْسَدَةُ الدَّيْنِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ فِيهَا الْمُطَالَبَةَ وَقَالَ أَشْهَبُ يَجُوزُ ذَلِكَ وَلَيْسَ هَذَا فَسْخَ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ بَلْ دَيْنٌ مُعَيَّنٌ فِي مُعَيَّنٍ وَعَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ يَطَّرِدُ الْفَرْقُ إنَّمَا مُخَالَفَتُهُ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

فَظَهَرَ الْفَرْقُ وَانْدَفَعَ النَّقْضُ) قُلْتُ السُّؤَالَانِ وَارِدَانِ وَالْجَوَابُ عَنْهُمَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلَا خَفَاءَ بِبُطْلَانِهِ وَكَيْفَ يَسُوغُ لِعَاقِلٍ الْتِزَامُ مَا لَا يَصِحّ وَلَا يُعْقَلُ وَمَا يَشُكُّ أَحَدٌ مِنْ أَنَّ مَنْ مَلَكَ دِينَارًا مَلَكَ عَيْنَهُ وَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَمْلِكَ الْجِنْسَ الْكُلِّيَّ وَهُوَ ذِهْنِيٌّ عِنْدَ مُثْبِتِيهِ ثُمَّ عَلَى قَوْلِ نَافِيهِ يَلْزَمُ أَنَّ مَنْ مَلَكَ دِينَارًا لَمْ يَمْلِكْ عَيْنَهُ وَلَا جِنْسَهُ لِبُطْلَانِ الْقَوْلِ بِهِ فَيَلْزَمُ أَنَّ مَنْ مَلَكَ دِينَارًا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ النُّقُودِ لَمْ يَمْلِكْ شَيْئًا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَوْ يَقَعُ لِلشَّكِّ فِي أَنَّهُ مَلَكَهُ أَوْ لَمْ يَمْلِكْهُ عِنْدَ مَنْ يَشُكُّ فِي الْأَجْنَاسِ وَهَذَا كُلُّهُ خُرُوجٌ عَنْ الْمَعْقُولِ لَا شَكَّ فِيهِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلَا أَثَرَ لِلْفَرْقِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لِصَاحِبِ ذَلِكَ الْمُعَيَّنِ غَرَضٌ فِيهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْغَرَضُ مِنْ الْأَغْرَاضِ الْمُعْتَادَةِ فَالصَّحِيحُ تَعَيُّنُ النَّقْدَيْنِ بِالتَّعْيِينِ وَلُزُومُ رَدِّ الْمَغْصُوبِ مِنْهُمَا بِعَيْنِهِ إلَّا أَنْ يَفُوتَ فَيَلْزَمُ الْبَدَلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ الصُّورَةُ (الثَّانِيَةُ الَّتِي خَالَفَ فِيهَا الْمَالِكِيَّةُ الْفَرْقُ إذَا كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ فَأَخَذَ مِنْهُ مَا تَأَخَّرَ قَبْضُهُ كَدَارٍ يَسْكُنُهَا أَوْ ثَمَرَةٍ يَتَأَخَّرُ جِذَاذُهَا أَوْ عَبْدٍ يَسْتَخْدِمُهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ لِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ لَمَّا كَانَتْ يَتَأَخَّرُ قَبْضُهَا أَشْبَهَتْ الدَّيْنَ وَفِيهَا مَفْسَدَةُ الدَّيْنِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ فِيهَا الْمُطَالَبَةَ وَقَالَ أَشْهَبُ يَجُوزُ ذَلِكَ وَلَيْسَ هَذَا فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ بَلْ دَيْنٌ مُعَيَّنٌ فِي مُعَيَّنٍ وَعَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ يَطَّرِدُ الْفَرْقُ إنَّمَا مُخَالَفَتُهُ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ)

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

مِنْ نَفْسِهِ وَالصُّلْحُ عَلَى الدَّيْنِ وَعَلَى التَّعْزِيرِ فَجَمِيعُ هَذِهِ الصُّوَرِ يَسْقُطُ فِيهَا الثَّابِتُ وَلَا يَنْتَقِلُ إلَى الْبَاذِلِ مَا كَانَ يَمْلِكُهُ الْمَبْذُولُ مِنْ الْعِصْمَةِ وَبَيْعِ الْعَبْدِ وَنَحْوِهِمَا، وَإِمَّا بِغَيْرِ عِوَضٍ كَالْإِبْرَاءِ مِنْ الدُّيُونِ وَالْقِصَاصِ وَالتَّعْزِيرِ وَحَدِّ الْقَذْفِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَإِيقَافِ الْمَسَاجِدِ وَغَيْرِهَا فَجَمِيعُ هَذِهِ الصُّوَرِ يَسْقُطُ فِيهَا الثَّابِتُ وَلَا يَنْتَقِلُ لِغَيْرِ الْأَوَّلِ وَيُخَرَّجُ عَلَى هَذَا الْفَرْقِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) فِي افْتِقَارِ الْإِبْرَاءِ مِنْ الدَّيْنِ إلَى الْقَبُولِ فَلَا يَبْرَأُ مِنْ الدَّيْنِ إذَا أَبْرَأَهُ مِنْهُ حَتَّى يَقْبَلَ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَعَدَمُ افْتِقَارِهِ إلَى الْقَبُولِ فَيَبْرَأُ مِنْ الدَّيْنِ إذَا أَبْرَأَهُ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ مَنْشَؤُهُ هَلْ الْإِبْرَاءُ إسْقَاطٌ فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى الْقَبُولِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَإِنَّهُمَا لَا يَفْتَقِرَانِ إلَى قَبُولِ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ وَلِذَلِكَ يَنْفُذُ الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ وَإِنْ كَرِهَتْ الْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ أَوْ هُوَ نَقْلٌ وَتَمْلِيكٌ لِمَا فِي ذِمَّةِ الْمَدِينِ فَيَفْتَقِرُ إلَى الْقَبُولِ كَمَا لَوْ مَلَّكَهُ عَيْنًا بِالْهِبَةِ أَوْ غَيْرِهَا عَلَى أَنَّ الْمِنَّةَ فِي الْإِبْرَاءِ قَدْ تَعْظُمُ وَهِيَ تَضُرُّ بِذَوِي الْمُرُوآتِ وَالْأَنَفَاتِ لَا سِيَّمَا مِنْ السَّفَلَةِ فَجَعَلَ صَاحِبُ الشَّرْعِ لَهُمْ قَبُولَ ذَلِكَ أَوْ رَدَّهُ نَفْيًا لِلضَّرَرِ الْحَاصِلِ مِنْ الْمِنَنِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا أَوْ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ.

[الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ الْوَقْفُ هَلْ يَفْتَقِرُ إلَى الْقَبُولِ أَوْ لَا]

(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) فِي افْتِقَارِ الْوَقْفِ عَلَى مُعَيَّنٍ إلَى الْقَبُولِ أَوْ لَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ وَبَيْنَ الْعُلَمَاءِ مَنْشَؤُهُ هَلْ الْوَاقِفُ أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْ مَنَافِعِ الْعَيْنِ الْمَوْقُوفَةِ فَيَكُونُ كَالْعِتْقِ أَوْ أَنَّهُ نَقَلَ مِلْكَهُ لِمَنَافِعِ الْعَيْنِ الْمَوْقُوفَةِ وَمَلَّكَهَا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ الْمُعَيَّنِ فَيَفْتَقِرُ إلَى الْقَبُولِ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ أَمَّا غَيْرُ الْمُعَيَّنِ فَلَا يُشْتَرَطُ قَبُولُهُ لِتَعَذُّرِهِ.

وَأَمَّا أَصْلُ مِلْكِ الْوَاقِفِ فَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمَسَاجِدِ أَنَّهَا مِنْ بَابِ الْإِسْقَاطِ وَالْعِتْقِ لَا مِلْكَ لِأَحَدٍ فِيهَا {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: ١٨] وَلِأَنَّهَا تُقَامُ فِيهَا الْجَمَاعَاتُ وَالْجُمُعَةُ وَالْجُمُعَةُ لَا تُقَامُ فِي الْمَمْلُوكَاتِ لَا سِيَّمَا عَلَى أَصْلِ مَالِكٍ فَإِنَّهَا لَا يُصَلِّيهَا أَرْبَابُ الْحَوَانِيتِ فِي حَوَانِيتِهِمْ لِأَجْلِ الْمِلْكِ وَالْحَجْرِ وَاخْتَلَفُوا فِي غَيْرِ الْمَسَاجِدِ فَقِيلَ يَسْقُطُ أَصْلُ مِلْكِهِ فِيهَا وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ لِأَنَّ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَوْجَبَ الزَّكَاةَ فِي الْحَائِطِ الْمَوْقُوفِ عَلَى غَيْرِ الْمُعَيَّنِ كَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ إذَا كَانَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مِلْكُ الْوَاقِفِ فَيُزَكِّي عَلَى مِلْكِهِ وَأَمَّا الْحَائِطُ عَلَى الْمُعَيَّنِينَ فَيُشْتَرَطُ فِي حِصَّةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ

[الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبِيدِهِ]

(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) الْمَشْهُورُ فِي الْعِتْقِ أَنَّهُ إذَا أَعْتَقَ أَحَدَ عَبِيدِهِ يَخْتَارُ وَقِيلَ يَعُمُّ الْعِتْقُ الْجَمِيعَ وَفِي الطَّلَاقِ إذَا طَلَّقَ أَحَدَ نِسَائِهِ يَعُمُّ الطَّلَاقُ النِّسْوَةَ وَقِيلَ يَخْتَارُ وَقَدْ مَرَّ آخِرَ الْفَرْقِ الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ بَيْنَ قَاعِدَةِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْمُشْتَرَكِ وَقَاعِدَةِ النَّهْيِ عَنْ الْمُشْتَرَكِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ فِي أَنَّ كُلًّا رَافِعٌ وَحَالٌّ لِمَا يُبِيحُ الزَّوْجَةَ وَالْمَمْلُوكَةَ فَيَسْتَلْزِمُ التَّحْرِيمَ إلَّا أَنَّ الْوَجْهَ فِي نَظَرِ مَالِكٍ فِي الطَّلَاقِ لِلِاحْتِيَاطِ لِلْفُرُوجِ وَإِنْ لَزِمَهُ فَخَالَفَهُ الْإِجْمَاعُ فِي ثُبُوتِ الْحُكْمِ بِغَيْرِ مُقْتَضٍ وَفِي الْعِتْقِ

<<  <  ج: ص:  >  >>