للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالثَّمَانُونَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ وُجُودِ السَّبَبِ الشَّرْعِيِّ سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ مِنْ غَيْرِ تَخْيِيرٍ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مُسَبَّبُهُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ وُجُودِ السَّبَبِ الشَّرْعِيِّ سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ مَعَ التَّخْيِيرِ فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مُسَبَّبُهُ وَلَمْ يُمَيَّزْ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ إلَّا بِالتَّخْيِيرِ وَعَدَمِهِ مَعَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي الْوُجُودِ وَالسَّلَامَةِ عَنْ الْمُعَارِضِ) وَهَذَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ فِيهِ صُعُوبَةٌ وَغُمُوضٌ وَيَظْهَرُ لَك الْغُمُوضُ وَالصُّعُوبَةُ بِمَا وَرَدَ عَلَى الْمَالِكِيَّةِ لَمَّا خَالَفُوا الشَّافِعِيَّةَ فَقَالُوا الْمُعْتَبَرُ مِنْ الْأَوْقَاتِ فِي الصَّلَوَاتِ أَوَاخِرُهَا دُونَ أَوَائِلِهَا فَإِنْ وُجِدَ الْعُذْرُ الْمُسْقِطُ لِلصَّلَاةِ آخِرَ الْوَقْتِ سَقَطَتْ الصَّلَاةُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ فُعِلَتْ قَبْلَ طَرَيَان الْعُذْرِ.

وَلَا عِبْرَةَ بِمَا وُجِدَ مِنْ الْوَقْتِ فِي أَوَّلِهِ أَوْ وَسَطِهِ سَالِمًا مِنْ الْعُذْرِ وَكَذَلِكَ إذَا ذَهَبَ الْعُذْرُ آخِرَ الْوَقْتِ فَطَهُرَتْ الْحَائِضُ حِينَئِذٍ وَجَبَتْ الصَّلَاةُ وَلَا عِبْرَةَ بِوُجُودِ الْعُذْرِ أَوَّلَ الْوَقْتِ أَوْ وَسَطَهُ وَالشَّافِعِيَّةُ سَلَّمُوا الْقِسْمَ الثَّانِيَ وَإِنَّمَا نَازَعُوا فِي الْأَوَّلِ فَقَالُوا أَجْمَعْتُمْ مَعَنَا عَلَى أَنَّ الْوُجُوبَ فِي الصَّلَاةِ وُجُوبٌ مُوَسَّعٌ مُتَعَلِّقٌ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ أَجْزَاءِ الْقَامَةِ وَإِذَا وُجِدَ أَوَّلُ الْوَقْتِ فَقَدْ وُجِدَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ فِي ضِمْنِهِ وَهُوَ مُتَعَلِّقُ الْوُجُوبِ وَسَبَبُهُ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ كَالْحَيْضِ وَغَيْرِهِ وَقَدْ وُجِدَ السَّبَبُ الْمُوجِبُ لِلصَّلَاةِ أَوَّلَ الْوَقْتِ سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْوُجُوبُ فَإِذَا حَاضَتْ بَعْدَ ذَلِكَ حَاضَتْ بَعْدَ تَرَتُّبِ الْوُجُوبِ عَلَيْهَا فَتُقْضَى بَعْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ وَانْقِضَاءِ مُدَّةِ الْحَيْضِ وَأَنْتُمْ إذَا قُلْتُمْ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا بِذَلِكَ شَيْءٌ بَلْ إنَّمَا يُعْتَبَرُ آخِرُ الْوَقْتِ فِي طَرَيَان الْعُذْرِ وَزَوَالِهِ فَهَذَا مِنْ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقْتَضِي أَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْوُجُوبَ مُتَعَلِّقٌ بِآخِرِ الْوَقْتِ كَمَا قَالَهُ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ لَا تُسَاعِدُ عَلَى ذَلِكَ فَيَبْقَى مَذْهَبُ مَالِكٍ مُشْكِلًا جِدًّا أَمَّا مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ فِي اعْتِبَارِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ السَّالِمِ عَنْ الْمُعَارِضِ فَهُوَ الْقِيَاسُ وَجَرَى عَلَى أَصْلِهِ فِي الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ أَمَّا مَالِكٌ فَلَا وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَعْرِفَةِ الْفَرْقِ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ وَذَلِكَ أَنَّ السَّبَبَ السَّالِمَ عَنْ الْمُعَارِضِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَخْيِيرٌ هُوَ الَّذِي يَلْزَمُ فِيهِ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ.

أَمَّا مَعَ التَّخْيِيرِ فَلَا لِسَبَبِ مَا نَذْكُرُهُ مِنْ الْفُرُوقِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قُلْتُ مَا قَالَهُ صَحِيحٌ وَكَذَا مَا قَالَهُ فِي الْفَرْقِ بَعْدَهُ.

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

لِمَا اقْتَضَاهُ الْإِجْمَاعُ مِنْ عَدَمِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ بِغَيْرِ مُقْتَضَى وَإِنْ لَزِمَهُ مُخَالَفَةُ الِاحْتِيَاطِ لِلْفُرُوجِ هُوَ أَنَّ اسْتِلْزَامَ الطَّلَاقِ لِلتَّحْرِيمِ لِخُصُوصِ الْوَطْءِ مُطَّرِدٌ إذْ لَا يَكُونُ غَيْرَ مُسْتَلْزِمٍ لَهُ بِخِلَافِ الْعِتْقِ فَافْهَمْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِزَالَةِ فِي النَّجَاسَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِحَالَةِ فِيهَا]

(الْفَرْقُ الثَّمَانُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِزَالَةِ لِلنَّجَاسَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِحَالَةِ فِيهَا) تَقَعُ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ فِي الشَّرِيعَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ إزَالَةٌ فَقَطْ وَإِحَالَةٌ فَقَطْ وَإِزَالَةٌ وَإِحَالَةٌ مَعًا فَالْإِزَالَةُ فَقَطْ بِالْمَاءِ فِي الثَّوْبِ وَالْجَسَدِ وَالْمَكَانِ وَخَاصِّيَّتُهَا الَّتِي تَمْتَازُ بِهَا أَرْبَعٌ أَحَدُهَا اشْتِرَاطُ الْمَاءِ الطَّهُورِ وَثَانِيهَا اشْتِرَاطُ النِّيَّةِ عَلَى الْخِلَافِ وَثَالِثُهَا وُصُولُ الْغُسْلِ إلَى حَدِّ أَنْ يَنْفَصِلَ الْمَاءُ غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ وَرَابِعُهَا أَنَّ السَّبَبَ الِاسْتِقْذَارُ وَالْإِحَالَةُ فَقَطْ فِي الْخَمْرِ تَصِيرُ خَلًّا وَخَاصِّيَّتُهَا الَّتِي تَمْتَازُ بِهَا ثَلَاثٌ أَحَدُهَا عَدَمُ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ إجْمَاعًا وَفِي كَوْنِ الْقَصْدِ إلَى تَخْلِيلِ الْخَمْرِ مَانِعًا مِنْ تَطْهِيرِهَا وَهُوَ الْمَذْهَبُ أَوْ غَيْرَ مَانِعٍ مِنْ تَطْهِيرِهَا خِلَافٌ فَقَوْلُ الْفُقَهَاءِ فِي كُتُبِهِمْ النِّيَّةُ شَرْطٌ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ إنَّمَا يُرِيدُونَ أَحَدَ أَقْسَامِهَا وَهِيَ الْإِزَالَةُ فَقَطْ وَثَانِيهَا أَنَّ الْمَاءَ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ فِيهَا بَلْ قَدْ تُوجَدُ مَعَ عَدَمِهِ وَقَدْ يُلْقِي فِي الْخَمْرِ مَاءً فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِإِحَالَتِهَا بِخِلَافِ الْإِزَالَةِ وَثَالِثُهَا عَدَمُ الِاسْتِقْذَارِ بَلْ سَبَبُ تَنْجِيسِهَا طَلَبُ إبْعَادِهَا وَالْإِزَالَةُ وَالْإِحَالَةُ مَعًا فِي الدِّبَاغِ فَإِنَّهُ إزَالَةٌ لِلْفَضَلَاتِ الْمُتَنَجِّسَةِ الَّتِي تُوجِبُ الْعَصْرَ فَيَخْرُجُ مَا فِي الْجُلُودِ مِنْ ذَلِكَ وَإِحَالَةً لِصِفَةِ الْجُلُودِ بِتَغَيُّرِ هَيْئَتِهَا إلَى هَيْئَةٍ أُخْرَى وَخَاصِّيَّتُهَا الَّتِي تَمْتَازُ بِهَا ثَلَاثٌ أَيْضًا أَحَدُهَا عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْمَاءِ وَثَانِيهَا عَدَمُ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ إجْمَاعًا وَلَيْسَ الْقَصْدُ إلَى الدَّبْغِ مَانِعًا مِنْ تَطْهِيرِ الْجِلْدِ إجْمَاعًا بِخِلَافِ الْإِحَالَةِ فَقَطْ وَثَالِثُهَا أَنَّ الِاسْتِقْذَارَ وَالِاسْتِحْبَابَ سَبَبُ التَّنْجِيسِ (وَصْلٌ) قَدْ وَقَعَ فِي هَذِهِ الْقَوَاعِدِ الثَّلَاثِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا قَاعِدَةٌ تُعْرَفُ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ بِجَمْعِ الْفُرُوقِ أَيْ جَمْعُ الْمُتَفَرِّقَاتِ مِنْ الْأَضْدَادِ فِي مَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ قَلِيلٌ فِي الشَّرِيعَةِ وَلَهُ مُثُلٌ أَحَدُهَا مَا هُنَا فَإِنَّ الْقَصْدَ مُنَاسِبٌ لِلتَّطْهِيرِ فَاشْتَرَطَهُ مَنْ اشْتَرَطَ الْمُنَاسِبَ فِي الْإِزَالَةِ وَجَعَلَهُ مَانِعًا فِي الْإِحَالَةِ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ فَإِنَّا إذَا جَوَّزْنَا الْقَصْدَ لِلتَّخْلِيلِ فَقَدْ جَوَّزْنَا إبْقَاءَهَا فِي الْمِلْكِ زَمَانًا وَفِي ذَلِكَ الزَّمَانِ رُبَّمَا انْبَعَثَتْ الدَّوَاعِي لِشُرْبِهَا فَقَدْ رَتَّبَ عَلَى الْمَعْنَى الْوَاحِدِ كَوْنَ الْقَصْدِ إلَيْهِ يَقْتَضِي فِي الْإِحَالَةِ الْمَنْعَ وَفِي الْإِزَالَةِ الْإِبَاحَةَ فِي الصَّلَاةِ بِذَلِكَ الثَّوْبِ الْمُزَالِ عَنْهُ النَّجَاسَةُ وَالْمَعْنَى الْوَاحِدُ هُوَ التَّطْهِيرُ وَالضِّدَّانِ هُمَا الْمَنْعُ وَالْإِبَاحَةُ الْمِثَالُ الثَّانِي قَالَ الْعُلَمَاءُ تَرِدُ تَصَرُّفَاتُ السَّفِيهِ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ صَوْنًا لِمَالِهِ عَلَى مَصَالِحِهِ لِئَلَّا يَضِيعَ مَالُهُ بِتَصَرُّفَاتٍ رَدِيئَةٍ وَتَنْفُذُ تَصَرُّفَاتُهُ فِي الْوَصَايَا عِنْدَ الْمَوْتِ

صَوْنًا لِمَالِهِ عَلَى مَصَالِحِهِ

فَإِنَّا لَوْ رَدَدْنَا وَصَايَاهُ لَأَخَذَ مَالَهُ وَارِثُهُ وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ مِنْ مَالِهِ مَصْلَحَةٌ فَصَوْنُ مَالِهِ عَلَى مَصَالِحِهِ وَصْفٌ وَاحِدٌ نَاسَبَ الضِّدَّيْنِ الْمُتَنَافِيَيْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>