للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَّعْيِينِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ حُجَّةً لِلْمُكَلَّفِ وَعُذْرًا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْ ذَلِكَ إذَا كَانَ فَقِيرًا وَلَهُ أَقَارِبُ أَغْنِيَاءُ وَهُوَ فِي كُلِّ وَقْتٍ يَجُوزُ أَنْ يَمُوتَ أَحَدُهُمْ فَيَرِثَهُ فَيَنْتَقِلَ الْمَالُ إلَيْهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ بِإِغْفَالِ ذَلِكَ وَتَرْكِ السُّؤَالِ عَنْهُ إذَا كَانُوا فِي بِلَادٍ بَعِيدَةٍ عَنْهُ يُؤَدِّي إلَى تَرْكِ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ مَعَ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ، وَلَوْ فَحَصَ لَحَازَ الْمَالَ وَوَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَجِبُ الْفَحْصُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِ هَذَا، فَقَدْ يَقَعُ، وَقَدْ لَا يَقَعُ وَمِنْ ذَلِكَ تَجْوِيزُهُ لَأَنْ يَكُونَ هُنَاكَ جَائِعٌ يَجِبُ سَدُّ خَلَّتِهِ وَعُرْيَانُ يَجِبُ سَتْرُ عَوْرَتِهِ وَغَرِيقٌ يَجِبُ رَفْعُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْمُتَوَقَّعَاتِ.

وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَجِبُ الْفَحْصُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ تَقُومَ عَلَيْهِ أَمَارَةٌ دَالَّةٌ عَلَى وُقُوعِهِ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ بِخِلَافِ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَهَذَا هُوَ ضَابِطُ مَا يَجِبُ الْفَحْصُ عَنْهُ مِنْ الْأَسْبَابِ وَالشُّرُوطِ وَضَابِطُ مَا لَا يَجِبُ الْفَحْصُ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ فَاعْلَمْ ذَلِكَ وَاعْتَمِدْ عَلَيْهِ.

(الْفَرْقُ الْحَادِي وَالتِّسْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَفْضَلِيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَزِيَّةِ وَالْخَاصِّيَّةِ)

اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْعِبَادَةِ لَهَا مَزِيَّةٌ تَخْتَصُّ بِهَا أَنْ تَكُونَ أَرْجَحَ مِمَّا لَيْسَ لَهُ تِلْكَ الْمَزِيَّةُ، فَقَدْ وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ «إذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ وَلَّى الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ فَإِذَا فَرَغَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ الْأَذَانِ أَقْبَلَ فَإِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ أَدْبَرَ فَإِذَا أَحْرَمَ الْعَبْدُ بِالصَّلَاةِ جَاءَهُ الشَّيْطَانُ فَيَقُولُ لَهُ اُذْكُرْ كَذَا اُذْكُرْ كَذَا حَتَّى يَضِلَّ الرَّجُلُ فَلَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى» فَحَصَلَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنْ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَلَا يَنْفِرُ مِنْ الصَّلَاةِ، وَأَنَّهُ لَا يَهَابُهَا وَيَهَابُهُمَا فَيَكُونَانِ أَفْضَلَ مِنْهَا، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ بَلْ هُمَا وَسِيلَتَانِ إلَيْهَا، وَالْوَسَائِلُ أَخْفَضُ رُتْبَةً مِنْ الْمَقَاصِدِ وَأَيْنَ الصَّلَاةُ مِنْ الْإِقَامَةِ وَالْأَذَانِ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «أَفْضَلُ أَعْمَالِكُمْ الصَّلَاةُ» وَكَتَبَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى عُمَّالِهِ أَنَّ أَهَمَّ أُمُورِكُمْ عِنْدِي الصَّلَاةُ كَمَا جَاءَ فِي الْأَثَرِ، وَلَنَا هَاهُنَا قَاعِدَةٌ وَهِيَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَفْضَلِيَّةِ وَالْمَزِيَّةِ وَهِيَ أَنَّ الْمَفْضُولَ يَجُوزُ أَنْ يَخْتَصَّ بِمَا لَيْسَ لِلْفَاضِلِ فَيَكُونُ الْمَجْمُوعُ الْحَاصِلُ لِلْفَاضِلِ لَمْ يَحْصُلْ لِلْمَفْضُولِ، إمَّا أَنَّهُ حَصَلَ لِلْمَفْضُولِ فِي الْمَجْمُوعِ الْحَاصِلِ لَهُ خَصْلَةٌ لَيْسَتْ فِي مَجْمُوعِ الْفَاضِلِ فَقَدْ يَكُونُ فِي الْمَدِينَةِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

الْفِقْهِ فِي التَّيَمُّمِ وَبِمَاذَا يُجِيبُ فَيَظْهَرُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا «سَأَلَ مُعَاذًا لَمَّا بَعَثَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَى الْيَمَنِ بِمَ تَحْكُمُ فَقَالَ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى» الْحَدِيثُ إلَى آخِرِهِ لَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَصْدَرَ هَذَا الْكَلَامَ مَصْدَرَ الْخَبَرِ الْجَازِمِ حَتَّى يَلْزَمَ الْحُجَّةَ مِنْهُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ قَدْ خَرَجَ مَخْرَجَ الْخَبَرِ لَوَجَبَ تَأْوِيلُهُ وَحَمْلُهُ عَلَى الْمَجَازِ لِأَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ نُكْتَةٌ عَقْلِيَّةٌ قَطْعِيَّةٌ عَارَضَهَا نَصٌّ فَمَتَى عَارَضَهَا نَصٌّ وَجَبَ تَأْوِيلُهُ كَمَا هُوَ الْقَاعِدَةُ فِي تَعَارُضِ الْقَطْعِيَّاتِ مَعَ الْأَلْفَاظِ.

وَأَمَّا أَنَّ الْمُتَيَمِّمَ يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ فَلَا يَظْهَرُ فِي بَقَاءِ الْحَدَثِ وَصِحَّةُ الْقَوْلِ بِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَوْ كَانَ الْحَدَثُ ارْتَفَعَ لَكَانَتْ الْجَنَابَةُ ارْتَفَعَتْ بِالتَّيَمُّمِ وَلَمَا احْتَاجَ لِلْغُسْلِ عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ وُجُوبَ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ عِنْدَ وُجُودِهِ لَيْسَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ فَلَنَا مَنْعُهُ عَلَى ذَلِكَ الْقَوْلِ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّا لَوْ سَلَّمْنَاهُ لَكُنَّا نَقُولُ التَّيَمُّمُ يَرْفَعُ الْحَدَثَ ارْتِفَاعًا مُغَيًّا بِأَحَدِ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ إمَّا أَنْ يَطْرَأَ عَلَيْهِ الْحَدَثُ بِأَنْ يَطَأَ امْرَأَتَهُ أَوْ يُبَاشِرَ حَدَثًا مِنْ الْأَحْدَاثِ وَإِمَّا أَنْ يَفْرُغَ الصَّلَاةَ الْوَاحِدَةَ وَتَوَابِعَهَا مِنْ النَّوَافِلِ فَيَصِيرُ مُحْدِثًا حِينَئِذٍ مَمْنُوعًا مِنْ الصَّلَاةِ وَإِمَّا أَنْ يَجِدَ الْمَاءَ فَيَصِيرَ مُحْدِثًا عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ وَكَوْنُ الْحُكْمِ ثَابِتًا إلَى آخِرِ غَايَاتٍ كَثِيرَةٍ أَوْ قَلِيلَةٍ مُمْكِنٌ مَعْقُولٌ وَثُبُوتُ الْمَنْعِ مَعَ الْإِبَاحَةِ مُسْتَحِيلٌ وَغَيْرُ مَعْقُولٍ لِأَنَّهُ اجْتِمَاعُ الضِّدَّيْنِ وَإِذَا تَعَارَضَ الْمُسْتَحِيلُ وَالْمُمْكِنُ وَجَبَ الْعُدُولُ إلَى الْقَوْلِ بِمَا هُوَ مُمْكِنٌ سِيَّمَا وَقَدْ وَجَدْنَا مِثْلَ هَذَا الْمُمْكِنِ وَاقِعًا فِي الشَّرِيعَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ رَفْعَ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ الْحَدَثَ إلَى غَايَةٍ وَهِيَ طَرَيَان الْحَدَثِ وَأَنَّ الْأَجْنَبِيَّةَ مَمْنُوعَةٌ مُحَرَّمَةٌ وَالْعَقْدُ عَلَيْهَا رَافِعٌ لِهَذَا الْمَنْعِ ارْتِفَاعًا مُغَيًّا بِغَايَاتٍ أَحَدُهُمَا الطَّلَاقُ وَثَانِيهَا الْحَيْضُ وَثَالِثُهَا الصَّوْمُ وَرَابِعُهَا الْإِحْرَامُ وَخَامِسُهَا الظِّهَارُ فَمَا الْمَانِعُ هَاهُنَا أَنْ يَكُونَ رَفْعُ الْحَدَثِ مُغَيًّا بِإِحْدَى ثَلَاثِ غَايَاتٍ وَكَوْنُ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ التَّيَمُّمَ يَرْفَعُ الْحَدَثَ قَلِيلِينَ جِدًّا وَأَمَّا الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ لَا يَرْفَعُهُ فَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ وَالْحَقُّ لَا يَفُوتُ الْجُمْهُورَ غَالِبًا لَا يَقْتَضِي الْقَطْعُ بِصِحَّةِ مَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ بَلْ الْقَطْعُ إنَّمَا يَحْصُلُ فِي الْإِجْمَاعِ لِأَنَّ مَجْمُوعَ الْأُمَّةِ مَعْصُومٌ أَمَّا جُمْهُورُهُمْ فَلَا.

وَإِنَّمَا الظَّاهِرُ أَنَّ الْحَقَّ مَعَهُمْ وَهُوَ مُعَارَضٌ هُنَا بِمُسْتَحِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ وَهُوَ اجْتِمَاعُ الضِّدَّيْنِ وَالظَّاهِرُ يَقْطَعُ بِبُطْلَانِهِ إذَا عَارَضَهُ الْقَطْعُ فَوَجَبَ أَنْ يَقْطَعَ بِبُطْلَانِ الظُّهُورِ النَّاشِئِ عَنْ قَوْلِ الْجُمْهُورِ كَمَا قَطَعَ بِبُطْلَانِ الْقَوْلِ بِرَفْعِ الْحَدَثِ عَنْ كُلِّ عُضْوٍ بِانْفِرَادِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ أَوْ يُكْرَهُ]

(الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالثَّمَانُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ أَوْ يُكْرَهُ عَلَى الْخِلَافِ) الْمَاءُ الْمُطْلَقُ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ اسْمُ مَاءٍ بِلَا قَيْدٍ لَازِمٍ فَيُقَالُ هَذَا مَاءٌ وَشَرِبْت مَاءً وَخَلَقَ اللَّهُ الْمَاءَ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ وَنَحْوُ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ إمَّا بَاقِيًا عَلَى أَصْلِ خِلْقَتِهِ أَوْ مُتَغَيِّرًا بِمَا هُوَ ضَرُورِيٌّ لَهُ كَالْجَارِي عَلَى الْكِبْرِيتِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يُلَازِمُ الْمَاءَ فِي مَقَرِّهِ وَإِضَافَتِهِ فِي نَحْوِ مَاءِ الْبَحْرِ وَمَاءِ الْبِئْرِ وَإِنْ كَانَتْ

<<  <  ج: ص:  >  >>