للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ الْمَذَاهِبِ مَعَ أَنَّهُ قَدْ أَوْصَلَ الِاجْتِهَادَ حَدَّهُ.

وَصَارَ الْجَهْلُ لَهُ ضَرُورِيًّا لَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ عَنْ نَفْسِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَمْ يُعْذَرْ بِهِ حَتَّى صَارَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ فِيمَا يُعْتَقَدُ أَنَّهَا مِنْ بَابِ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ فَإِنَّ تَكْلِيفَ الْمَرْأَةِ الْبَلْهَاءِ الْمَفْسُودَةِ الْمِزَاجِ النَّاشِئَةِ فِي الْأَقَالِيمِ الْمُنْحَرِفَةِ عَمَّا يُوجِبُ اسْتِقَامَةَ الْعَقْلِ كَأَقَاصِي بِلَادِ السُّودَانِ وَأَقَاصِي بِلَادِ الْأَتْرَاكِ فَإِنَّ هَذِهِ الْأَقَالِيمَ لَا يَكُونُ لِلْعَقْلِ فِيهَا كَبِيرُ رَوْنَقٍ، وَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بِلَادِ الْأَتْرَاكِ عِنْدَ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ {وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلا} [الكهف: ٩٣] وَمَنْ لَا يَفْهَمُ الْقَوْلَ وَبَعُدَتْ أَهْلِيَّتُهُ لِهَذِهِ الْغَايَةِ مَعَ أَنَّهُ مُكَلَّفٌ بِأَدِلَّةِ الْوَحْدَانِيَّةِ وَدَقَائِقِ أُصُولِ الدِّينِ أَنَّهُ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ، فَتَكْلِيفُ هَذَا الْجِنْسِ كُلِّهِ مِنْ هَذَا النَّوْعِ مَعَ أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْيَأْسِ بِسَبَبِ الْكُفْرَانِ وَقَعُوا لِلْجَهْلِ.

وَأَمَّا الْفُرُوعُ دُونَ الْأُصُولِ فَقَدْ عَفَا صَاحِبُ الشَّرْعِ عَنْ ذَلِكَ، وَمَنْ بَذَلَ جَهْدَهُ فِي الْفُرُوعِ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ وَمَنْ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَيَلْحَقُ بِأُصُولِ الدِّينِ أُصُولُ الْفِقْهِ قَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ فِي كِتَابِ الْمُعْتَمَدِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ إنَّ أُصُولَ الْفِقْهِ اخْتَصَّ بِثَلَاثَةِ أَحْكَامٍ عَنْ الْفِقْهِ أَنَّ الْمُصِيبَ فِيهِ وَاحِدٌ وَالْمُخْطِئَ فِيهِ آثِمٌ، وَلَا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِيهِ وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ الَّتِي حَكَاهَا هِيَ فِي أُصُولِ الدِّينِ بِعَيْنِهَا فَظَهَرَ لَك الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَكُونُ الْجَهْلُ فِيهِ عُذْرًا وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَكُونُ الْجَهْلُ فِيهِ عُذْرًا.

(الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالتِّسْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ اسْتِقْبَالِ الْجِهَةِ فِي الصَّلَاةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ اسْتِقْبَالِ السَّمْتِ)

اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي الْمَذَاهِبِ عَامَّةً قَوْلُهُمْ إنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ اسْتِقْبَالَ الْجِهَةِ يَكْفِي وَآخَرُونَ يَقُولُونَ بَلْ الْقَاعِدَةُ أَنَّ اسْتِقْبَالَ سَمْتِ الْكَعْبَةِ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَهَذِهِ الْمَقَالَاتُ وَالْإِطْلَاقَاتُ فِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ بِسَبَبِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ: (الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالتِّسْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ اسْتِقْبَالِ الْجِهَةِ فِي الصَّلَاةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ اسْتِقْبَالِ السَّمْتِ إلَى قَوْلِهِ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

ثَوَابًا كَتَفْصِيلِ الْقَصْرِ عَلَى الْإِتْمَامِ مَعَ اشْتِمَالِ الْإِتْمَامِ عَلَى مَزِيدِ الْخُشُوعِ وَالْإِجْلَالِ وَأَنْوَاعِ التَّقَرُّبِ وَكَتَفْضِيلِ الصُّبْحِ عَلَى سَائِرِ الصَّلَوَاتِ عِنْدَنَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا الصَّلَاةُ الْوُسْطَى وَكَتَفْضِيلِ الْعَصْرِ عَلَى رَأْيِ أَبِي حَنِيفَةَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا الصَّلَاةُ الْوُسْطَى مَعَ تَقْصِيرِ الْقِرَاءَةِ فِيهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الظُّهْرِ وَكَتَفْضِيلِ رَكْعَةِ الْوِتْرِ عَلَى رَكْعَتِي الْفَجْرِ وَمِنْ ذَلِكَ مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ «مَنْ قَتَلَ الْوَزَغَةَ فِي الضَّرْبَةِ الْأُولَى فَلَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ وَمَنْ قَتَلَهَا فِي الثَّانِيَةِ فَلَهُ سَبْعُونَ حَسَنَةً» فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ كُلَّمَا كَثُرَ الْفِعْلُ كَانَ الثَّوَابُ أَقَلَّ وَمَا ذَلِكَ إلَّا لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَقْتُلْهَا فِي الضَّرْبَةِ وَهِيَ حَيَوَانٌ لَطِيفٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى كَثْرَةِ مُتُونَةٍ فِي الضَّرْبِ دَلَّ عَلَى ضَعْفِ عَزْمِهِ وَقِلَّةِ اهْتِمَامِهِ بِأَمْرِ صَاحِبِ الشَّرْعِ فَنَقَصَ أَجْرُهُ عَنْ الْمِائَةِ إلَى السَّبْعِينَ وَإِنْ كَثُرَ فِعْلُهُ عَلَى خِلَافِ الْقَاعِدَةِ إذْ لِلَّهِ تَعَالَى أَنْ يَفْعَلَ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمَ مَا يُرِيدُ لَا رَادَّ لِحُكْمِهِ وَلَا مُعَقِّبَ لِصُنْعِهِ قُلْتُ وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْإِمَامُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ تَفْضِيلِ الْمَدِينَةِ عَلَى مَكَّةَ إذْ لَا مَعْنَى لِتَفْضِيلِ مَكَّةَ عَلَيْهَا عِنْدَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ إلَّا أَنَّ ثَوَابَ الْعَمَلِ فِي مَكَّةَ أَكْثَرُ مِنْ ثَوَابِ الْعَمَلِ فِيهَا.

وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ إنَّ أَسْبَابَ التَّفْضِيلِ لَا تَنْحَصِرُ فِي مَزِيدِ الْمُضَاعَفَةِ فَالصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ بِمِنًى عِنْدَ التَّوَجُّهِ لِعَرَفَةَ أَفْضَلُ مِنْهَا بِمَسْجِدِ مَكَّةَ وَإِنْ انْتَفَتْ عَنْهَا الْمُضَاعَفَةُ فَافْهَمْ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ مَا حَاصِلُهُ وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الشَّرِيعَةِ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا عَلَى تَفْضِيلِ اللَّهِ تَعَالَى أَحَدَ الْفِعْلَيْنِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْمَصْلَحَةِ عَلَى الْآخَرِ وَقَاعِدَةُ مُرَاعَاةِ الْمَصَالِحِ وَإِنَّهَا إذَا بَلَغَتْ إلَى حَدِّهَا فِي الْكَثْرَةِ لَزِمَ الْوُجُوبُ وَإِذَا لَمْ تَبْلُغْ فَلَا بُدَّ مِنْ الثَّوَابِ وَالنَّدْبِ تَقْتَضِي لُزُومَ الْوُجُوبِ فِي الْمُتَسَاوِيَيْنِ مَعًا إنْ بَلَغَتْ مَصْلَحَتُهُمَا إلَى رُتْبَةِ الْوَاجِبَاتِ أَوْ النَّدْبِ فِيهِمَا مَعًا وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ مَصْلَحَتُهُمَا إلَى تِلْكَ الرُّتْبَةِ فَوَجَبَ حَمْلُ الْمُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْمَصْلَحَةِ حِينَئِذٍ عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ فَتَأَمَّلْ اهـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَمِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَثْبُتُ فِيهَا]

(الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالثَّمَانُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَمِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَثْبُتُ فِيهَا) الَّذِي لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَمِ هُوَ الْمُعَيَّنَاتُ الْمُشَخَّصَاتُ فِي الْخَارِجِ الْمَرْئِيَّةُ بِالْحِسِّ وَاَلَّذِي يَثْبُتُ فِيهَا هُوَ مَا عَدَاهَا وَيَظْهَرُ أَثَرُ ذَلِكَ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَفِي الصَّلَوَاتِ وَالزَّكَوَاتِ أَمَّا فِي الْمُعَامَلَاتِ فَفِي قَاعِدَتَيْنِ إحْدَاهُمَا قَاعِدَةُ الِاسْتِحْقَاقِ أَوْ الْمَوْتِ لِمَا وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ يُوجِبُ فِي الْمُعَيَّنِ انْفِسَاخَ الْعَقْدِ وَفِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ لَا يُوجِبُهُ فَإِذَا اشْتَرَى سِلْعَةً مُعَيَّنَةً فَاسْتُحِقَّتْ انْفَسَخَ الْعَقْدُ أَوْ مَا فِي الذِّمَّةِ كَمَا فِي السَّلَمِ فَأَعْطَاهُ ذَلِكَ وَعَيَّنَهُ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ لَمْ يَنْفَسِخْ الْعَقْدُ بَلْ يَرْجِعُ إلَى غَيْرِ مَا اُسْتُحِقَّ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ مَا فِي الذِّمَّةِ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا وَإِذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً مُعَيَّنَةً لِلْحَمْلِ أَوْ غَيْرِهِ كَالرُّكُوبِ فَاسْتُحِقَّتْ أَوْ مَاتَتْ انْفَسَخَ الْعَقْدُ أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ لِذَلِكَ فَعَطِبَتْ أَوْ اُسْتُحِقَّتْ لَمْ يَنْفَسِخْ الْعَقْدُ بَلْ يُطَالِبُهُ بِغَيْرِهَا لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ غَيْرُ مُعَيَّنٍ بَلْ فِي الذِّمَّةِ فَيَجِبُ الْخُرُوجُ مِنْهُ بِكُلِّ مُعَيَّنٍ شَاءَ الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ قَاعِدَةُ التَّخْيِيرِ فِي تَسْلِيمِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَعَدَمِهِ فَمَتَى كَانَ فِي الذِّمَّةِ كَانَ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَخَيَّرَ بَيْنَ الْأَمْثَالِ وَيُعْطِي أَيَّ مِثْلٍ شَاءَ وَمَتَى كَانَ مُعَيَّنًا مِنْ تِلْكَ الْأَمْثَالِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الِانْتِقَالُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ فَلَوْ اكْتَالَ رِطْلَ زَيْتٍ مِنْ خَابِيَةٍ وَعَقَدَ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ غَيْرَهُ مِنْ الْخَابِيَةِ وَإِذَا فَرَّقَ صُبْرَتَهُ صِيعَانًا فَعَقَدَ عَلَى صَاعٍ مِنْهَا بِعَيْنِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الِانْتِقَالُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>