للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيَظْهَرُ لَك بِاعْتِبَارِ هَذَا التَّقْرِيرِ أَنَّ التَّقْدِيمَ فِي الصَّلَاةِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ تَقْدِيمٌ فِي الصَّلَاةِ التَّقْدِيمُ فِي الْإِمَامَةِ الْعُظْمَى؛ لِأَنَّ الْإِمَامَةَ الْعُظْمَى مُشْتَمِلَةٌ عَلَى سِيَاسَةِ الْأُمَّةِ وَمَعْرِفَةِ مُعَاقَدِ الشَّرِيعَةِ وَضَبْطِ الْجُيُوشِ وَوِلَايَةِ الْأَكْفَاءِ وَعَزْلِ الضُّعَفَاءِ وَمُكَافَحَةِ الْأَضْدَادِ وَالْأَعْدَاءِ وَتَصْرِيفِ الْأَمْوَالِ وَأَخْذِهَا مِنْ مَظَانِّهَا وَصَرْفِهَا فِي مُسْتَحَقَّاتِهَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَعْرُوفٌ بِالْإِمَامَةِ الْكُبْرَى.

وَعَلَى هَذَا وَرَدَ سُؤَالٌ عَنْ قَوْلِ عُمَرَ لِأَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي أَمْرِ الْإِمَامَةِ رَضِيَك رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِدِينِنَا أَفَلَا نَرْضَاك لِدُنْيَانَا إشَارَةٌ لِتَقْدِيمِهِ فِي الصَّلَاةِ فَجَعَلَ عُمَرُ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

بِهَا فَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ، وَالْأَظْهَرُ عِنْدَ التَّأَمُّلِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ وُجُوبَ حَتْمٍ تَقْدِيمُ الْأَقْوَمِ بِتِلْكَ الْمَصَالِحِ، بَلْ يَجُوزُ تَقْدِيمُ غَيْرِ الْأَقْوَمِ بِهَا وَتَقْدِيمُ الْأَقْوَمِ أَوْلَى، وَدَلِيلُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ تِلْكَ الْمَصَالِحِ حَاصِلٌ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ مُتَّصِفٌ بِالْأَهْلِيَّةِ لِذَلِكَ فَلَا وَجْهَ لِتَعَيُّنِ الْأَقْوَمِ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْأَوْلَوِيَّةِ خَاصَّةً، وَلَا يَصِحُّ الِاعْتِرَاضُ عَلَى هَذَا بِتَعْيِينِ تَقْدِيمِ النِّسَاءِ عَلَى الرِّجَالِ فِي بَابِ الْحَضَانَةِ فَإِنَّ الرِّجَالَ لَيْسُوا كَالنِّسَاءِ فِي الْقِيَامِ بِمَصَالِحِ أُمُورِ الْحَضَانَةِ فَتَعَيَّنَ تَقْدِيمُهُنَّ عَلَيْهِمْ لِذَلِكَ، وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيمَا هَذَا سَبِيلُهُ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي مِثْلِ رَجُلَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَهْلِيَّةُ وِلَايَةِ الْقَضَاءِ غَيْرَ أَنَّ أَحَدَهُمَا أَصْلَحُ لَهَا مَعَ أَنَّ الْأَدْنَى صَالِحٌ لَهَا أَيْضًا.

قَالَ: (وَيَظْهَرُ لَك بِاعْتِبَارِ هَذَا التَّقْرِيرِ أَنَّ التَّقْدِيمَ فِي الصَّلَاةِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ تَقْدِيمٌ فِي الصَّلَاةِ التَّقْدِيمُ فِي الْإِمَامَةِ الْعُظْمَى إلَى قَوْلِهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَعْرُوفٌ بِالْإِمَامَةِ الْكُبْرَى) . قُلْت: مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ أَهْلِيَّةَ الْقِيَامِ بِإِمَامَةِ الصَّلَاةِ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَهْلِيَّةُ الْقِيَامِ بِإِمَامَةِ الْخِلَافَةِ صَحِيحٌ.

قَالَ: (وَعَلَى هَذَا وَرَدَ سُؤَالٌ عَنْ قَوْلِ عُمَرَ لِأَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي أَمْرِ الْإِمَامَةِ رَضِيَك رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِدِينِنَا أَفَلَا نَرْضَاك لِدُنْيَانَا إشَارَةً لِتَقْدِيمِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الصَّلَاةِ فَجَعَلَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

فِيهِ الزَّكَاةُ يُؤَدِّي إلَى تَرْكِ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ مَعَ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ التَّعْيِينِ وَكَوْنَ الْأَصْلِ عَدَمُ وُقُوعِهِ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ حُجَّةً لِلْمُكَلَّفِ وَعُذْرًا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى هَذَا هُوَ ضَابِطُ مَا يَجِبُ الْفَحْصُ عَنْهُ مِنْ الْأَسْبَابِ وَالشُّرُوطِ، وَضَابِطُ مَا لَا يَجِبُ الْفَحْصُ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ فَاعْلَمْهُ وَاعْتَمِدْ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَفْضَلِيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَزِيَّةِ وَالْخَاصِّيَّةِ]

الْفَرْقُ الْحَادِي وَالتِّسْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَفْضَلِيَّةِ وَبَيْن قَاعِدَةِ الْمَزِيَّةِ وَالْخَاصِّيَّةِ)

وَذَلِكَ أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْمَفْضُولَ يَجُوزُ أَنْ يَخْتَصَّ بِخَصْلَةٍ لَيْسَتْ فِي الْمَجْمُوعِ الْحَاصِلِ لِلْفَاضِلِ مِنْ الْفَضَائِلِ، وَحِينَئِذٍ فَقَاعِدَةُ الْأَفْضَلِيَّةِ أَنْ يَكُونَ الْمَجْمُوعُ الْحَاصِلُ لِلْفَاضِلِ مِنْ الْفَضَائِلِ دُونَ الْمَجْمُوعِ الْحَاصِلِ لِلْمَفْضُولِ، وَقَاعِدَةُ الْمَزِيَّةِ وَالْخَاصِّيَّةِ أَنْ يَخْتَصَّ الْمَفْضُولُ بِخَصْلَةٍ لَمْ تَحْصُلْ فِي مَجْمُوعِ الْفَاضِلِ، وَمَنْ اسْتَقْرَى ذَلِكَ فِي الْمَخْلُوقَاتِ وَجَدَ لَهُ أَمْثِلَةً كَثِيرَةً مِنْهَا مَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ «إذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ وَلَّى الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ فَإِذَا فَرَغَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ الْأَذَانِ أَقْبَلَ فَإِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ أَدْبَرَ فَإِذَا أَحْرَمَ الْعَبْدُ بِالصَّلَاةِ جَاءَهُ الشَّيْطَانُ فَيَقُولُ لَهُ اُذْكُرْ كَذَا اُذْكُرْ كَذَا حَتَّى يَضِلَّ الرَّجُلُ فَلَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى» ، فَحَصَلَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنْ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَلَا يَنْفِرُ مِنْ الصَّلَاةِ، وَأَنَّهُ لَا يَهَابُهَا وَيَهَابُهُمَا مَعَ أَنَّهُمَا وَسِيلَتَانِ إلَيْهَا، وَالْوَسَائِلُ أَخْفَضُ رُتْبَةً مِنْ الْمَقَاصِدِ، وَأَيْضًا أَيْنَ هِيَ مِنْهُمَا وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «أَفْضَلُ أَعْمَالِكُمْ الصَّلَاةُ» وَكَتَبَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى عُمَّالِهِ أَنَّ أَهَمَّ أُمُورِكُمْ عِنْدِي الصَّلَاةُ كَمَا جَاءَ فِي الْأَثَرِ

وَمِنْهَا مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ «أَقْرَؤُكُمْ أُبَيٌّ وَأَفْرَضُكُمْ زَيْدٌ وَأَعْلَمُكُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأَقْضَاكُمْ عَلِيٌّ» إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا وَرَدَ فِي فَضْلِ الصَّحَابَةِ مَعَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَفْضَلُ مِنْ الْجَمِيعِ وَعَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَفْضَلُ مِنْ أُبَيٍّ وَزَيْدٍ، وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ فَضَلَاهُ فِي الْفَرَائِضِ وَالْقِرَاءَةِ، وَمَا سَبَبُ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَحْصُلَ لِلْمَفْضُولِ مَا لَمْ يَحْصُلْ لِلْفَاضِلِ

وَمِنْهَا «قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِعُمَرَ مَا سَلَكَ عُمَرُ وَادِيًا وَلَا فَجًّا إلَّا سَلَكَ الشَّيْطَانُ فَجًّا غَيْرَهُ» فَأَخْبَرَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنْ عُمَرَ وَلَا يُلَابِسُهُ، وَأَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ «- عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَدْ تَفَلَّتَ عَلَيَّ الشَّيْطَانُ الْبَارِحَةَ لِيُفْسِدَ عَلَيَّ صَلَاتِي فَلَوْلَا أَنِّي تَذَكَّرْتُ دَعْوَةَ أَخِي سُلَيْمَانَ لَرَبَطْته بِسَارِيَةٍ مِنْ سِوَارِي الْمَسْجِدِ حَتَّى يَلْعَبَ بِهِ صِبْيَانُ الْمَدِينَةِ» ، وَفِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ «أَنَّ شَيْطَانًا قَصَدَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِشُعْلَةٍ مِنْ نَارٍ فَأَمَرَهُ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالتَّعَوُّذِ مِنْهُ فَلَمْ يَنْفِرْ الشَّيْطَانُ مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَمَا نَفَرَ مِنْ عُمَرَ وَأَيْنَ عُمَرُ مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -» غَيْرَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَحْصُلَ لِلْمَفْضُولِ مَا لَا يَحْصُلُ لِلْفَاضِلِ.

وَمِنْهَا أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - أَفْضَلُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقَدْ حَصَلَ لِلْمَلَائِكَةِ الْمُوَاظَبَةُ عَلَى الْعِبَادَةِ مَعَ جَمِيعِ الْأَنْفَاسِ يُلْهَمُ أَحَدُهُمْ التَّسْبِيحَ كَمَا يُلْهَمُ أَحَدُنَا النَّفَسَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْفَضَائِلِ وَالْمَزَايَا الَّتِي لَمْ تَحْصُلْ لِلْبَشَرِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَالْأَنْبِيَاءُ أَفْضَلُ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ الْمَجْمُوعَ الْحَاصِلَ لِلْأَنْبِيَاءِ مِنْ الْمَزَايَا وَالْمَحَاسِنِ أَعْظَمُ مِنْ الْمَجْمُوعِ الْحَاصِلِ لِلْمَلَائِكَةِ وَمِنْهَا مَا مَرَّ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ مِنْ أَنَّ الْمَدِينَةَ أَفْضَلُ مِنْ مَكَّةَ، وَإِنْ كَانَ الْعَمَلُ فِي مَكَّةَ أَكْثَرَ مِنْ الْعَمَلِ فِيهَا؛ لِأَنَّ أَسْبَابَ التَّفْضِيلِ لَا تَنْحَصِرُ فِي مَزِيدِ الْمُضَاعَفَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>