للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى الْخَمْسِ أَوْ السَّبْعِ أَمْ لَا.

الرَّابِعُ: قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْرَ» شَبَّهَ صَوْمَ شَهْرٍ وَسِتَّةِ أَيَّامٍ بِصَوْمِ الدَّهْرِ مَعَ أَنَّ الْقَاعِدَةَ الْعَرَبِيَّةَ أَنَّ التَّشْبِيهَ يَعْتَمِدُ الْمُسَاوَاةَ أَوْ لِلتَّقْرِيبِ، وَأَيْنَ شَهْرٌ وَسِتَّةُ أَيَّامٍ مِنْ صَوْمِ الدَّهْرِ بَلْ أَيْنَ هُوَ مِنْ صَوْمِ سَنَةٍ فَإِنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَى السُّدُسِ وَنَحْنُ نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ مِنْ الشَّرِيعَةِ أَنَّ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا، وَعَمِلَ الْآخَرُ قَدْرَهُ مَرَّتَيْنِ لَا يَحْسُنُ التَّشْبِيهُ بَيْنَهُمَا فَضْلًا عَنْ أَنْ يَعْمَلَ مِثْلَهُ سِتَّ مَرَّاتٍ، وَلَا يُقَالُ: إنَّ مَنْ صَامَ يَوْمًا يُشْبِهُ مَنْ صَامَ يَوْمَيْنِ فِي الْأَجْرِ وَلَا مَنْ تَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ يُشْبِهُ مَنْ تَصَدَّقَ بِدِرْهَمَيْنِ فِي الْأَجْرِ فَضْلًا عَمَّنْ تَصَدَّقَ بِسِتَّةِ دَرَاهِمَ فَإِنَّ ذَلِكَ يُوهِمُ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ سِتَّةِ دَرَاهِمَ وَدِرْهَمٍ وَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا فَيَبْعُدُ التَّشْبِيهُ.

الْخَامِسُ: هَلْ لَنَا فَرْقٌ بَيْنَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْرَ» وَبَيْنَ قَوْلِهِ فَكَأَنَّهُ صَامَ الدَّهْرَ فَإِنَّ " مَا " هُنَا كَافَّةٌ لِكَأَنَّ عَنْ الْعَمَلِ فَدَخَلَتْ لِذَلِكَ عَلَى الْفِعْلِ وَلَوْ لَمْ تَدْخُلْ مَا لَدَخَلَ كَأَنَّ عَلَى الِاسْمِ فَهَلْ بَيْنَ ذَلِكَ فَرْقٌ أَمْ لَا.

السَّادِسُ: أَنَّ التَّشْبِيهَ بَيْنَ هَذَا الصَّوْمِ وَصَوْمِ الدَّهْرِ: كَيْفَ كَانَ صَوْمُ الدَّهْرِ أَوْ عَلَى حَالَةٍ مَخْصُوصَةٍ وَوَضْعٍ مَخْصُوصٍ،.

السَّابِعُ: هَلْ بَيْنَ هَذِهِ السِّتَّةِ الْأَيَّامِ الْوَاقِعَةِ فِي الْحَدِيثِ وَبَيْنَ السِّتَّةِ الْأَيَّامِ الْوَاقِعَةِ فِي الْآيَةِ فِي قَوْله تَعَالَى {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} [الأعراف: ٥٤] فَرْقٌ أَمْ لَا فَرْقَ، وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ وَاحِدَةٌ.

وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا قَالَ بِسِتٍّ وَلَمْ يَقُلْ بِسِتَّةٍ؛ لِأَنَّ عَادَةَ الْعَرَبِ تَغْلِيبَ اللَّيَالِي عَلَى الْأَيَّامِ فَمَتَى أَرَادُوا عَدَّ الْأَيَّامِ عَدُّوا اللَّيَالِيَ وَتَكُونُ الْأَيَّامُ هِيَ الْمُرَادَةَ وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: ٢٣٤] وَلَمْ يَقُلْ وَعَشَرَةً مَعَ أَنَّهَا عَشَرَةُ أَيَّامٍ فَذَكَرَهَا بِغَيْرِ هَاءِ التَّأْنِيثِ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَلَوْ قِيلَ عَشَرَةً لَكَانَ لَحْنًا وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا عَشْرًا} [طه: ١٠٣] {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا يَوْمًا} [طه: ١٠٤] قَالَ الْعُلَمَاءُ يَدُلُّ الْكَلَامُ الْأَخِيرُ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى إلَّا يَوْمًا عَلَى أَنَّ الْمَعْدُودَ الْأَوَّلَ أَيَّامٌ فَكَذَلِكَ هَهُنَا أَتَتْ الْعِبَارَةُ بِصِيغَةِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

لِلْحَدِيثِ كَمَا عَلِمْت، وَالنِّيَّةُ الْجَازِمَةُ لَيْسَتْ شَرْطًا إلَّا مَعَ عَدَمِ تَعَذُّرِهَا اهـ بِزِيَادَةٍ.

وَأَطْلَقَ الْمَالِكِيَّةُ وَمَنْ وَافَقَهُمْ الْقَوْلَ بِوُجُوبِ إمْسَاكِ جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ، وَأَنَّ مَنْ شَكَّ فِي الْفَجْرِ لَا يَأْكُلُ وَيَصُومُ مَعَ أَنَّ الشَّكَّ فِي الْفَجْرِ مُسَاوٍ لِلشَّكِّ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ بِوَجْهَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا شَكٌّ فِي طَرَيَان الصَّوْمِ، وَأَنَّ الْأَصْلَ كَمَا أَنَّهُ هُنَاكَ بَقَاءُ الشَّهْرِ فَلَا يُنْتَقَلُ عَنْهُ بِالشَّكِّ كَذَلِكَ هُوَ هُنَا بَقَاءُ اللَّيْلِ فَلَا يُنْتَقَلُ عَنْهُ بِالشَّكِّ.

وَأَمَّا مَنْعُ الْأَكْلِ وَالْوَطْءِ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّمَا كَانَ بَعْدَ النَّوْمِ خَاصَّةً، أَمَّا قَبْلَهُ فَلَا عَلَى أَنَّهُ قَدْ رُخِّصَ فِيهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: ١٨٧] فَأَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُفْطِرَاتِ إلَى هَذِهِ الْغَايَةِ كَمَا أَبَاحَهَا إلَى غَايَةِ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ أَوْ إكْمَالِ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا حَتَّى إنَّ اللَّخْمِيَّ خَرَّجَ وُجُوبَ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ مِنْ مَسْأَلَةِ الشَّاكِّ فِي الْفَجْرِ وَمِنْ الْحَائِضِ إذَا جَاوَزَتْ عَادَتَهَا كَمَا فِي كَلَامِ الْحَطَّابِ الْمُتَقَدِّمِ، إلَّا أَنَّهُمْ لَمْ يَذْهَبُوا فِي مَسْأَلَةِ الشَّاكِّ فِي الْفَجْرِ إلَى مُخَالَفَةِ الْآيَةِ عَمَلًا بِالِاحْتِيَاطِ حَتَّى يَصِحَّ تَخْرِيجُ اللَّخْمِيِّ مَسْأَلَةَ وُجُوبِ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ مِنْهَا بَلْ إنَّمَا ذَهَبُوا إلَى حَمْلِ الْآيَةِ عَلَى الْمُرَاقِبِ لِلْفَجْرِ، وَهُوَ قَلِيلٌ فِي مَجْرَى الْعَادَةِ فَبَنَوْا قَوْلَهُمْ بِوُجُوبِ الصَّوْمِ بِجُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ عَلَى الشَّاكِّ فِي الْفَجْرِ بِنَاءً عَلَى الْغَالِبِ، وَهُوَ عَدَمُ الْمُرَاقَبَةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الشَّاطِّ ثُمَّ إنَّ الْمَالِكِيَّةَ وَإِنْ قَالُوا فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا شَكَّ هَلْ صَلَّى ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا أَنَّهُ يُصَلِّيهَا مَعَ أَنَّهَا دَائِرَةٌ بَيْنَ الرَّابِعَةِ الْوَاجِبَةِ وَالْخَامِسَةِ الْمُحَرَّمَةِ.

وَالْمُحَرَّمُ يُقَدَّمُ عَلَى الْوَاجِبِ عِنْدَ تَعَارُضِهِمَا كَمَا يُقَدَّمُ عَلَى الْمَنْدُوبِ عِنْدَ تَعَارُضِهِمَا لِاتِّحَادِ عِلَّةِ تَقْدِيمِهِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا ضَرُورَةَ أَنَّ اعْتِمَادَ الْمَصَالِحِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْمَنْدُوبِ وَالْوَاجِبِ نَعَمْ التَّرْكُ لِلْمَنْدُوبِ أَظْهَرُ لِكَوْنِهِ أَخْفَضَ رُتْبَةً مِنْ الْوَاجِبِ، وَقَالُوا فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا شَكَّ فِي وُضُوئِهِ هَلْ هِيَ ثَانِيَةٌ أَوْ ثَالِثَةٌ أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ ثَالِثَةً مَعَ دَوَرَانِهَا بَيْنَ الثَّالِثَةِ الْمَنْدُوبَةِ وَالرَّابِعَةِ الْمُحَرَّمَةِ إلَّا أَنَّهُمْ إنَّمَا قَالُوا بِذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ فِي الْخَامِسَةِ مَشْرُوطٌ فِي الصَّلَاةِ بِتَيَقُّنِ الرَّابِعَةِ أَوْ ظَنِّهَا، وَلَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ فَلَمْ يَحْصُلْ التَّحْرِيمُ بَلْ اُسْتُصْحِبَ الْوُجُوبُ مِنْ الدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى وُجُوبِ الْأَرْبَعِ وَهُوَ الْإِجْمَاعُ وَالنُّصُوصُ، وَالتَّحْرِيمُ فِي الرَّابِعَةِ مَشْرُوطٌ فِي الْوُضُوءِ أَيْضًا بِتَيَقُّنِ الثَّالِثَةِ أَوْ ظَنِّهَا وَلَمْ يَحْصُلْ فَاسْتُصْحِبَ النَّدْبُ النَّاشِئُ عَنْ الدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى الثَّلَاثِ وَهُوَ فِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَوْلُهُ فِي ذَلِكَ فَلَمْ يَكُنْ فِي قَوْلِهِمْ بِذَلِكَ فِيهِمَا مُخَالَفَةٌ لِقَاعِدَةِ تَعَارُضُ الْوُجُوبِ أَوْ النَّدْبِ مَعَ التَّحْرِيمِ فَافْهَمْ. فَهَذِهِ قَوَاعِدُ فِي الْعِبَادَاتِ يَنْبَغِي الْإِحَاطَةُ بِهَا لِئَلَّا تَضْطَرِبَ الْقَوَاعِدُ وَتُظْلِمَ عَلَى طَالِبِ الْعِلْمِ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ صَوْمِ رَمَضَانَ وَسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ صَوْمِهِ وَصَوْمِ خَمْسٍ أَوْ سَبْعٍ مِنْ شَوَّالٍ.]

الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ صَوْمِ رَمَضَانَ وَسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ صَوْمِهِ وَصَوْمِ خَمْسٍ، أَوْ سَبْعٍ مِنْ شَوَّالٍ) وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْرَ» هُوَ أَنَّ مَنْ صَامَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ رَمَضَانَ وَسِتَّةَ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ يُشْبِهُ مَنْ صَامَ سَنَةً مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، خَمْسَةُ أَسْدَاسِهَا فَرْضٌ وَسُدُسُهَا نَفْلٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: ١٦٠] فَإِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ جَاءَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِحَسَنَةٍ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِ الْمَثُوبَةِ الَّتِي كَانَتْ تَحْصُلُ لِمَنْ كَانَ قَبْلَهَا مِنْ الْأُمَمِ فَإِنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>