للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْمِلَّةِ فَإِذَا تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ كَانَ كَصَائِمِ جَمِيعِ الْعُمُرِ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْمِلَّةِ فَهَذَا تَشْبِيهٌ حَسَنٌ، وَمَا شَبَّهَ إلَّا الْمِثْلَ بِالْمِثْلِ لَا الْمُخَالِفَ بِالْمُخَالِفِ بَلْ الْمِثْلَ الْمُحَقَّقَ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ فَانْدَفَعَ الْإِشْكَالُ.

وَعَنْ الْخَامِسِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَأَنَّهُ صَامَ الدَّهْرَ لَكَانَ بَعِيدًا عَنْ الْمَقْصُودِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ تَشْبِيهُ الصِّيَامِ فِي هَذِهِ الْمِلَّةِ إذَا وَقَعَ عَلَى الْوَضْعِ الْمَخْصُوصِ بِالصِّيَامِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْمِلَّةِ لَا تَشْبِيهُ الصَّائِمِ بِغَيْرِهِ فَلَوْ قَالَ فَكَأَنَّهُ لَكَانَتْ أَدَاةُ التَّشْبِيهِ دَاخِلَةً عَلَى الصَّائِمِ وَكَانَ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ هُوَ مَحَلَّ التَّشْبِيهِ لَا الصَّوْمُ.

وَالْمَقْصُودُ تَشْبِيهُ الْفِعْلِ بِالْفِعْلِ لَا الْفَاعِلِ بِالْفَاعِلِ، وَإِذَا قَالَ فَكَأَنَّمَا، وَكُفَّتْ " مَا " دَخَلَتْ أَدَاةُ التَّشْبِيهِ عَلَى الْفِعْلِ نَفْسِهِ وَوَقَعَ التَّشْبِيهُ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالْفِعْلِ بِاعْتِبَارِ الْمِلَّتَيْنِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالتَّشْبِيهِ لِتَنْبِيهِ السَّامِعِ لِقَدْرِ الْفِعْلِ وَعَظَمَتِهِ فَتَتَوَفَّرُ رَغْبَتُهُ فِيهِ فَهَذَا هُوَ الْمُرَجِّحُ لِقَوْلِهِ " فَكَأَنَّمَا " عَلَى " فَكَأَنَّهُ ".

وَعَنْ السَّادِسِ أَنَّ الْمُرَادَ صَوْمُ الدَّهْرِ عَلَى حَالَةٍ مَخْصُوصَةٍ لَا الدَّهْرُ كَيْفَ كَانَ وَذَلِكَ أَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ وَاجِبٌ، وَصَوْمَ السِّتِّ مَنْدُوبٌ فَيَكُونُ نِسْبَةُ السِّتَّةِ الْمُقَدَّرَةِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْمِلَّةِ، خَمْسَةُ أَسْدَاسِهَا فَرْضٌ وَسُدُسُهَا وَهُوَ الشَّهْرَانِ النَّاشِئَانِ عَنْ السِّتَّةِ الْأَيَّامِ مَنْدُوبَةٌ وَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْرَ، خَمْسَةُ أَسْدَاسِهِ فَرْضٌ وَسُدُسُهُ نَفْلٌ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ صَوْمُ الدَّهْرِ كُلِّهِ فَرْضٌ وَلَا كُلِّهِ نَفْلٌ وَلَا الْبَعْضِ فَرْضٌ وَالْبَعْضِ نَفْلٌ عَلَى غَيْرِ النِّسْبَةِ الَّتِي ذَكَرْتهَا بَلْ يَتَعَيَّنُ مَا ذَكَرْته تَحْقِيقًا لِلتَّشْبِيهِ وَلِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ مِنْ فَرْضِيَّةِ رَمَضَانَ وَنَدْبِيَّةِ السِّتِّ فَلَوْ كَانَ الْجَمِيعُ مَنْدُوبًا لَقُلْنَا الْمُرَادُ بِالدَّهْرِ صَوْمُهُ مَنْدُوبًا وَلَوْ كَانَ الْجَمِيعُ فَرْضًا لَقُلْنَا الْمُرَادُ بِالدَّهْرِ جَمِيعُهُ فَرْضًا وَلَوْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ صَامَ سِتَّةَ أَيَّامٍ بَعْدَ رَمَضَانَ فَكَأَنَّمَا صَامَ شَهْرَيْنِ لَقُلْنَا هُمَا شَهْرَانِ مَنْدُوبَانِ وَكَذَلِكَ نَقُولُ فِي قَوْله تَعَالَى {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: ١٦٠] أَيْ مَنْ جَاءَ بِالْمَنْدُوبَاتِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِ هَذَا الْمَنْدُوبِ أَنْ لَوْ فَعَلَهُ أَحَدٌ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْمِلَّةِ وَمَنْ جَاءَ بِالْفَرْضِ مِنْ هَذِهِ الْمِلَّةِ فَلَهُ مَثُوبَاتٌ عَشْرٌ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

وَالسِّتَّةِ أَيَّامٍ الْوَاقِعَةِ فِي قَوْله تَعَالَى {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} [الأعراف: ٥٤] هِيَ كَوْنُ الْحِكْمَةِ فِيهَا فِي الْحَدِيثِ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا كَوْنُهَا شَهْرَيْنِ فَتَكْمُلُ السِّتَّةُ بِهَا مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ بِخِلَافِ مَا فَوْقَهَا وَمَا تَحْتَهَا، وَثَانِيهِمَا كَوْنُهَا أَوَّلَ الْأَعْدَادِ التَّامَّةِ فَهُوَ لِتَمَامِهِ، وَلِأَنَّهُ أَوَّلُهَا عِنْدَهُمْ أَفْضَلُ الْأَعْدَادِ كَمَا أَنَّ الْإِنْسَانَ السَّوِيَّ الَّذِي لَا زِيَادَةَ فِي أَعْضَائِهِ وَلَا نَقْصَ أَفْضَلُ الْآدَمِيِّينَ خَلْقًا وَذَلِكَ أَنَّ بَعْضَ الْفُضَلَاءِ قَالَ:

الْأَعْدَادُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: عَدَدٌ تَامٌّ وَهُوَ الَّذِي إذَا جُمِعَتْ أَجْزَاؤُهُ الْمُنْطَقَةُ انْقَامَ مِنْهَا ذَلِكَ الْعَدَدُ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ كَالسِّتَّةِ أَجْزَاؤُهَا: النِّصْفُ ثَلَاثَةٌ، وَالثُّلُثُ اثْنَانِ، وَالسُّدُسُ وَاحِدٌ وَلَا جُزْءَ لَهَا غَيْرُ هَذِهِ وَمَجْمُوعُهَا سِتٌّ.

وَعَدَدٌ نَاقِصٌ وَهُوَ الَّذِي إذَا جُمِعَتْ أَجْزَاؤُهُ الْمُنْطَقَةُ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهَا ذَلِكَ الْعَدَدُ بَلْ أَنْقَصُ مِنْهُ كَالْأَرْبَعَةِ أَجْزَاؤُهَا: النِّصْفُ اثْنَانِ، وَالرُّبُعُ وَاحِدٌ وَلَا جُزْءَ لَهَا غَيْرُهُمَا وَمَجْمُوعُهُمَا ثَلَاثَةٌ أَقَلُّ مِنْ الْأَرْبَعَةِ.

وَعَدَدٌ زَائِدٌ وَهُوَ الَّذِي إذَا جُمِعَتْ أَجْزَاؤُهُ الْمُنْطَقَةُ حَصَلَ عَدَدٌ زَائِدٌ عَنْهُ كَالِاثْنَيْ عَشَرَ أَجْزَاؤُهَا: النِّصْفُ سِتَّةٌ، وَالثُّلُثُ أَرْبَعَةٌ، وَالسُّدُسُ اثْنَانِ، وَنِصْفُ السُّدُسِ وَاحِدٌ وَمَجْمُوعُهَا ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَهُوَ زَائِدٌ عَلَى الِاثْنَيْ عَشَرَ بِوَاحِدٍ، وَالتَّامُّ عِنْدَهُمْ أَفْضَلُ الْأَعْدَادِ كَمَا أَنَّ الْإِنْسَانَ السَّوِيَّ أَفْضَلُ الْآدَمِيِّينَ خَلْقًا، وَالنَّاقِصُ مَعِيبٌ لِأَنَّهُ كَآدَمِيٍّ خُلِقَ بِغَيْرِ يَدٍ، أَوْ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ، وَالزَّائِدُ مَعِيبٌ لِأَنَّهُ كَآدَمِيٍّ خُلِقَ بِأُصْبُعٍ زَائِدَةٍ وَلَيْسَ لِلسِّتَّةِ فِي الْآيَةِ إلَّا الْأَمْرُ الثَّانِي وَهُوَ أَنَّهَا أَوَّلُ الْأَعْدَادِ التَّامَّةِ.

وَأَمَّا كَوْنُ الْمَقْصُودِ بِذِكْرِهَا التَّنْبِيهَ لِلْعِبَادِ عَلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّعْجِيلِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ أَنَاةٌ فَمَا دَخَلَ الرِّفْقُ فِي شَيْءٍ إلَّا زَانَهُ وَلَا فُقِدَ مِنْ شَيْءٍ إلَّا شَانَهُ «قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَشَجِّ عَبْدِ الْقَيْسِ إنَّ فِيكَ لَخَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ الْحِلْمُ وَالْأَنَاةُ» فَهَذَا الْمَعْنَى يَحْصُلُ بِذِكْرِ الْعَدَدِ كَيْفَ كَانَ اهـ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَهُوَ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ اهـ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْعُرُوضِ تُحْمَلُ عَلَى الْقِنْيَةِ حَتَّى يَنْوِيَ التِّجَارَةَ وَقَاعِدَةِ مَا كَانَ أَصْلُهُ مِنْهَا لِلتِّجَارَةِ]

(الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ " الْعُرُوض تُحْمَلُ عَلَى الْقِنْيَةِ حَتَّى يَنْوِيَ التِّجَارَةَ " وَقَاعِدَةِ " مَا كَانَ أَصْلُهُ مِنْهَا لِلتِّجَارَةِ ") يَتَخَرَّجُ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ عُرُوضِ الْقِنْيَةِ وَعُرُوضِ التِّجَارَةِ عَلَى الْقَاعِدَةِ الشَّرْعِيَّةِ الْعَامَّةِ فِي هَذَا الْمَوْطِنِ وَغَيْرِهِ وَهِيَ أَنَّ كُلَّ مَا لَهُ ظَاهِرٌ فَهُوَ يَنْصَرِفُ إلَى ظَاهِرِهِ إلَّا عِنْدَ قِيَامِ الْمُعَارِضِ الرَّاجِحِ لِذَلِكَ الظَّاهِرِ وَكُلُّ مَا لَيْسَ لَهُ ظَاهِرٌ لَا يَتَرَجَّحُ أَحَدُ مُحْتَمَلَاتِهِ إلَّا بِمُرَجِّحٍ شَرْعِيٍّ وَذَلِكَ أَنَّ الْعُرُوضَ لَمَّا كَانَ الْأَصْلُ فِيهَا وَالْغَالِبُ أَنْ تَكُونَ لِلْقِنْيَةِ كَانَتْ ظَاهِرَةً فِي الْقِنْيَةِ فَتُصْرَفُ إلَيْهِ إذَا لَمْ يَقُمْ مُعَارِضٌ رَاجِحٌ لِذَلِكَ الظَّاهِرِ كَمَا إذَا اشْتَرَى عُرُوضًا كَعَبْدٍ، أَوْ دَارٍ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَهِيَ لِلْقِنْيَةِ إذْ لَا مُعَارِضَ، وَتُصْرَفُ إلَى مُعَارِضِهِ الرَّاجِحِ عِنْدَ قِيَامِهِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا ابْتَاعَ عَبْدًا لِلتِّجَارَةِ فَكَاتَبَهُ فَعَجَزَ أَوْ ارْتَجَعَ مِنْ مُفْلِسٍ سِلْعَةً، أَوْ أَخَذَ مِنْ غَرِيمِهِ عَبْدًا فِي دَيْنِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>