للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنَّمَا يَقَعُ الْوَرَعُ مِنْ جِهَةِ قِيَامِهِ بِالْوَظِيفَةِ خَاصَّةً فَإِنَّ الْأَرْزَاقَ لَا يَجُوزُ تَنَاوُلُهَا إلَّا لِمَنْ قَامَ بِذَلِكَ الْوَجْهِ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ فِي إطْلَاقِهِ لِتِلْكَ الْأَرْزَاقِ

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ

الْإِقْطَاعَاتُ الَّتِي تُجْعَلُ لِلْأُمَرَاءِ وَالْأَجْنَادِ مِنْ الْأَرَاضِيِ الْخَرَاجِيَّةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الرِّبَاعِ وَالْعَقَارِ وَهِيَ أَرْزَاقٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَلَيْسَتْ إجَارَةً لَهُمْ وَلِذَلِكَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا مِقْدَارٌ مِنْ الْعَمَلِ وَلَا أَجَلٌ تَنْتَهِي إلَيْهِ الْإِجَارَةُ وَلَيْسَ الْإِقْطَاعُ مُقَدَّرًا كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا وَكُلَّ سَنَةٍ بِكَذَا حَتَّى تَكُونَ إجَارَةً بَلْ هُوَ إعَانَةٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ نَعَمْ لَا يَجُوزُ تَنَاوُلُهُ إلَّا بِمَا قَالَهُ الْإِمَامُ مِنْ الشَّرْطِ مِنْ التَّهَيُّؤِ لِلْحَرْبِ وَلِقَاءِ الْأَعْدَاءِ وَالْمُنَاضَلَةِ عَلَى الدِّينِ وَنُصْرَةِ كَلِمَةِ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ وَالِاسْتِعْدَادِ بِالْخَيْلِ وَالسِّلَاحِ وَالْأَعْوَانِ عَلَى ذَلِكَ.

وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا شَرَطَهُ عَلَيْهِ الْإِمَامُ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّنَاوُلُ لِأَنَّ مَالَ بَيْتِ الْمَالِ لَا يُسْتَحَقُّ إلَّا بِإِطْلَاقِ الْإِمَامِ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ الَّذِي أَطْلَقَهُ وَهُوَ لَوْ أَطْلَقَ لَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَوْقَ مَا يَسْتَحِقُّهُ عَلَى تِلْكَ الْوَظِيفَةِ إمَّا غَلَطًا مِنْ الْإِمَامِ وَإِمَّا جَوْرًا مِنْهُ فَإِنَّ ذَلِكَ الزَّائِدَ لَا يَسْتَحِقُّهُ الْمُطْلَقُ لَهُ بَلْ يَبْقَى فِي يَدِهِ أَمَانَةً شَرْعِيَّةً يَجِبُ رَدُّهَا لِبَيْتِ الْمَالِ وَلِلْإِمَامِ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَنْزِعَهُ مِنْهُ وَلِمَنْ ظَفَرَ بِهِ مِمَّنْ لَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ حَقٌّ أَنْ يَتَنَاوَلَهُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ إنْ كَانَ عَدْلًا أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ إنْ كَانَ جَائِرًا وَلَوْ كَانَ إجَارَةً لَمْ يَزُلْ مِلْكُ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَنْعَقِدُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ وَبِأَكْثَرَ مِنْهَا وَإِذَا عُقِدَتْ بِأَكْثَرَ مِنْهَا اسْتَحَقَّهَا الْمَعْقُودُ لَهُ وَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ انْتِزَاعُ الزَّائِدِ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ إذَا كَانَ الْحَالُ وَالِاجْتِهَادُ اقْتَضَى ذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِمَّنْ لَهُ حَقٌّ فِي بَيْتِ الْمَالِ أَنْ يَتَنَاوَلَ ذَلِكَ الزَّائِدَ مِنْ الْأُجْرَةِ لِكَوْنِهِ مُسْتَحَقًّا بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ لِمَنْ عُقِدَ لَهُ وَكَأَنْ يُشْتَرَطَ فِيهَا الْأَجَلُ وَمِقْدَارُ الْمَنْفَعَةِ وَنَوْعُهَا عَلَى قَوَاعِدِ الْإِجَارَةِ فَهَذَا أَيْضًا يُوَضِّحُ لَك الْفَرْقَ بَيْنَ الْأَرْزَاقِ وَالْإِجَارَاتِ.

وَإِذَا قَطَعَ الْأَمِيرُ أَوْ الْجُنْدِيُّ أَرْضًا خَرَاجِيَّةً أَوْ غَيْرَ خَرَاجِيَّةٍ فَآجَرَهَا ثُمَّ مَاتَ فِي أَثْنَاءِ الْعَقْدِ قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ فَلِلْإِمَامِ أَنْ يُقِرّ وَرَثَتَهُ عَلَى تِلْكَ الْأُجْرَةِ وَيُمْضِيَ لَهُمْ تِلْكَ الْإِجَارَةَ إلَى حَلِّ أَجَلِهَا وَلَهُ دَفْعُ جَمِيعِ تِلْكَ الْأُجْرَةِ لِلْمُقْطِعِ الثَّانِي إذَا كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ لِلْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ وَلَا تَسْتَقِرُّ الْأُجْرَةُ الْأُولَى لِلْأَوَّلِ إلَّا بِمُضِيِّ الْعَقْدِ وَانْقِضَاءِ أَجَلِ الْإِجَارَةِ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى ذَلِكَ الْإِقْطَاعِ وَلَوْ كَانَتْ إجَارَةً مِنْ الْإِمَامِ لَهُ بِذَلِكَ الْإِقْطَاعِ لَاسْتَحَقَّهَا وَرَثَتُهُ وَلَتَعَذَّرَ عَلَى الْإِمَامِ انْتِزَاعُهَا مِنْهُمْ فِي مُدَّةِ عَقْدِ الْإِجَارَةِ وَيُمْكِنُ تَخْرِيجُ هَذِهِ الْإِجَارَةِ مِنْ الْمُقْطَعِ عَلَى قَاعِدَةِ الْوَقْفِ إذَا آجَرَ الْبَطْنَ الْأَوَّلَ زَمَانَ اسْتِحْقَاقِهِ وَغَيْرَ زَمَانِ اسْتِحْقَاقِهِ فَإِنَّهُ هَلْ يَبْطُلُ فِي غَيْرِ زَمَانِ اسْتِحْقَاقِهِ أَمْ لَا خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَهَذَا الْمُقْطِعُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ الزَّمَانَ الَّذِي هُوَ فِيهِ مُقْطِعٌ لِتِلْكَ الْأَرْضِ فَإِذَا مَاتَ أَوْ حُوِّلَ عَنْهَا لِغَيْرِهَا فَقَدْ آلَ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

وَلِئَلَّا تَدْخُلَ التُّهْمَةُ فِي الْحُكْمِ بِمُعَاوَضَةِ صَاحِبِ الْعِوَضِ فَيَكُونَ الْقَاضِي كَالْوَكِيلِ يَأْخُذُ عَلَى الْوَكَالَةِ عِوَضًا لِيَكُونَ عَاضِدًا وَنَاصِرًا لِمَنْ بَذَلَ لَهُ الْعِوَضَ.

[الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ أَرْزَاقُ الْمَسَاجِدِ وَالْجَوَامِعِ]

(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ)

مَا يَدْفَعُهُ الْإِمَامُ مِنْ الْخَرَاجِ وَالطِّينِ لِمَنْ يَتَوَلَّى الْمَسَاجِدَ وَالْجَوَامِعَ بِالْقِيَامِ فِيهَا بِوَظِيفَةِ إمَامَةٍ أَوْ أَذَانٍ أَوْ خَطَابَةٍ أَوْ تَدْرِيسٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَإِنْ شَارَكَ مَا يُدْفَعُ لَهُمْ أُجْرَةٌ أَوْ وَقْفًا لِلْقِيَامِ بِتِلْكَ الْوَظَائِفِ فِي حُكْمَيْنِ أَحَدُهُمَا عَدَمُ جَوَازِ التَّنَاوُلِ إذَا لَمْ يَقُومُوا بِتِلْكَ الْوَظَائِفِ بِأَنْفُسِهِمْ عَلَى مُقْتَضَى شَرْطِ الْإِمَامِ وَالْوَاقِفِ وَمَا وَقَعَ عَلَيْهِ عَقْدُ الْإِجَارَةِ لِأَنَّهُ كَمَا لَا يَجُوزُ عَدَمُ الْوَفَاءِ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ وَشَرْطِ الْوَاقِفِ كَذَلِكَ لَا يَجُوزُ اسْتِبَاحَةُ أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ بِدُونِ أَذَانِ الْإِمَامِ فَافْهَمْ، ثَامِنُهُمَا جَوَازُ كُلٍّ مِنْ الْأَرْزَاقِ وَالْوَقْفِ فِي الْمَدَارِسِ إلَّا أَنَّهُ يُخَالِفُهُمَا فِي أَحْكَامٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَنْقُلَ مَا يَدْفَعُهُ لَهُمْ إذَا تَعَطَّلَتْ الْمَسَاجِدُ أَوْ وُجِدَتْ جِهَةٌ هِيَ أَوْلَى بِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ جِهَتِهَا بِخِلَافِ الْمَجْعُولِ لَهُمْ أُجْرَةً أَوْ وَقْفًا فَإِنَّهُ لَا يُنْقَلُ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى غَيْرِ جِهَةِ الْمَسَاجِدِ وَإِنْ كَانَتْ أَوْلَى مِنْ جِهَتِهَا لِوُجُوبِ الْوَفَاءِ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ وَشَرْطِ الْوَاقِفِ فَإِذَا وَقَفَ الْوَاقِفُ حَوَانِيتَ أَوْ دُورًا أَوْ غَيْرَهَا عَلَى مَنْ يَقُومُ بِوَظِيفَةٍ مِنْ الْوَظَائِفِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمَسَاجِدِ وَالْجَوَامِعِ لَمْ يَجُزْ لِلْإِمَامِ وَلَا غَيْرِهِ إطْلَاقُهُ لِمَنْ لَمْ يَقُمْ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ فِي اسْتِحْقَاقِهِ.

وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَنَاوَلَ مِنْ رِيعِ ذَلِكَ الْوَقْفِ شَيْئًا إلَّا إذَا قَامَ بِذَلِكَ الشَّرْطِ عَلَى مُقْتَضَاهُ بِنَفْسِهِ فَإِنْ اسْتَنَابَ عَنْهُ غَيْرَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِلَا عُذْرٍ يَمْنَعُهُ مِنْ الْقِيَامِ بِهِ بِنَفْسِهِ لَمْ يَسْتَحِقَّ هُوَ وَلَا نَائِبُهُ شَيْئًا مِنْ رِيعِ ذَلِكَ الْوَقْفِ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْإِمَامُ أَوْ غَيْرُهُ فِي ذَلِكَ أَمَّا النَّائِبُ فَلِأَنَّ صِحَّةَ وِلَايَتِهِ مَشْرُوطَةٌ بِأَنْ تَكُونَ مِمَّنْ لَهُ النَّظَرُ وَهَذَا الْمُسْتَنِيبُ لَيْسَ لَهُ نَظَرٌ إنَّمَا هُوَ إمَامٌ أَوْ مُؤَذِّنٌ أَوْ مُدَرِّسٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ فَلَا تَصِحُّ النِّيَابَةُ الصَّادِرَةُ عَنْهُ وَإِنْ كَانَتْ بِإِذْنٍ لِأَنَّهُ عَلَى خِلَافِ شَرْطِ الْوَاقِفِ وَأَمَّا الْمُسْتَنِيبُ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَقُمْ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ وَإِنْ اسْتَنَابَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِعُذْرِ أَيَّامِهِ فَقَطْ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَنَاوَلَ رِيعَ الْوَقْفِ وَأَنْ يُطْلِقَ لِنَائِبِهِ مَا أَحَبَّ مِنْ ذَلِكَ الرِّيعِ نَعَمْ فِي شَرْحِ الشَّيْخِ مَنْصُورِ بْنِ إدْرِيسَ الْحَنْبَلِيِّ كَشَّافَ الْقِنَاعِ عَلَى مَتْنِ الْإِقَنَاعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>