للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحُكْمِ فِي الْفُتْيَا. التَّنْبِيهُ الثَّانِي أَنَّ قَوْلَهُ كَفَالَةُ اللَّهِ تَعَالَى كَفَالَةٌ مُضَافَةٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْإِضَافَةَ يَكْفِي فِيهَا أَدْنَى مُلَابَسَةِ حَقِيقَةٍ لُغَوِيَّةٍ كَقَوْلِ أَحَدِ حَامِلِي الْخَشَبَةِ شِلْ طَرَفَك وَقَوْلِنَا حِجُّ الْبَيْتِ وَصَوْمُ رَمَضَانَ وَهَذِهِ الْكَفَالَةُ الْمُضَافَةُ تَحْتَمِلُ ثَلَاثَةَ أَنْوَاعٍ مِنْ الْكَفَالَةِ أَحَدُهَا الْكَلَامُ الْقَدِيمُ وَالْوَعْدُ الَّذِي هُوَ الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ وَثَانِيهَا كَفَالَةُ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي هِيَ الْتِزَامُهُ اللَّفْظِيُّ الْمُنَزَّلُ فِي الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْكُتُبِ الدَّالُّ عَلَى الْكَلَامِ الْقَدِيمِ فَهُوَ كَفَالَةٌ حَادِثَةٌ دَالَّةٌ عَلَى تِلْكَ الْكَفَالَةِ الْقَدِيمَةِ كَمَا أَنَّ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّفْظِيَّ الَّذِي هُوَ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ دَلِيلُ أَمْرِهِ النَّفْسِيِّ الْقَائِمِ بِذَاتِهِ وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْأَحْكَامِ وَالْأَخْبَارِ وَهَذِهِ الْكَفَالَةُ الْحَادِثَةُ لَا يُوجِبُ الْحَلِفُ بِهَا كَفَّارَةً وَثَالِثُهَا كَفَالَةُ خَلْقِهِ الَّتِي هِيَ ضَمَانُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ الَّتِي هِيَ مِنْ فِعْلِنَا وَقَوْلِنَا وَهِيَ مَنْدُوبَةٌ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الشَّرْعِ فَهِيَ تُضَافُ إلَيْهِ تَعَالَى إضَافَةَ الْمَشْرُوعِيَّةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ} [المائدة: ١٠٦] تَعَالَى أَيْ الَّتِي شَرَعَهَا وَأَوْجَبَ عَلَيْنَا أَدَاءَهَا فَأَضَافَهَا إلَيْهِ تَعَالَى إضَافَةَ الْمَشْرُوعِيَّةِ لِأَنَّهُ تَعَالَى شَاهِدٌ وَلَا شُهُودَ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ هَذِهِ الْكَفَالَةُ الْمَنْدُوبُ إلَيْهَا تَصِحُّ إضَافَتُهَا إلَيْهِ تَعَالَى إضَافَةَ الْمَشْرُوعِيَّةِ إذَا كَانَتْ الْكَفَالَةُ الَّتِي يُمْكِنُ إضَافَتُهَا إلَيْهِ تَعَالَى ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ مُتَبَايِنَةٍ قَدِيمَةٍ وَحَادِثَتَانِ.

وَمُطْلَقُ الْإِضَافَةِ هُوَ الْمَوْجُودُ وَهُوَ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ وَالدَّالُّ عَلَى الْأَعَمِّ غَيْرُ دَالٍّ عَلَى الْأَخَصِّ فَلَا يَكُونُ لِقَوْلِ الْقَائِلِ عَلَيَّ كَفَالَةُ اللَّهِ إشْعَارٌ بِالْكَفَالَةِ الْقَدِيمَةِ أَلْبَتَّةَ لِأَنَّ نَوْعَهَا أَخَصُّ مِمَّا دَلَّ عَلَيْهِ مُطْلَقُ الْإِضَافَةِ فَلَا يَكُونُ هَذَا اللَّفْظُ مُوجِبًا لِلْكَفَّارَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ حَلَفَ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى أَلْبَتَّةَ بَلْ إمَّا بِجِهَةِ النَّذْرِ أَوْ بِجِهَةٍ أُخْرَى كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ، التَّنْبِيهُ الثَّالِثُ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ إذَا لَمْ يَقُلْ عَلَيَّ كَفَالَةُ اللَّهِ، وَكَفَالَةِ اللَّهِ أَوْ أُقْسِمُ بِكَفَالَةِ اللَّهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ صِيَغِ الْقَسَمِ اللُّغَوِيِّ الَّذِي هُوَ الْقَسَمُ بِوَضْعِهِ مُسْتَغْنٍ عَنْ النِّيَّةِ وَالْعُرْفِ وَالنَّقْلِ يَلْزَمُهُ بِهِ الْكَفَّارَةُ وَيَكُونُ أَصْرَحَ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ عَلَيَّ كَفَالَةُ اللَّهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ قَسَمٌ مُسْتَغْنٍ عَنْ نِيَّةِ الْمَجَازِ وَالنَّقْلِ الْعُرْفِيِّ وَإِنْ كَانَ احْتِمَالُ الْإِضَافَةِ لِلْحَادِثِ وَالْقَدِيمِ مَوْجُودًا فِيهِ غَيْرَ أَنَّهُ احْتِمَالٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ عَلَيَّ كَفَالَةُ اللَّهِ وَأُقْسِمُ بِكَفَالَةِ اللَّهِ التَّنْبِيهُ الرَّابِعُ أَنَّ تِلْكَ الْكَلِمَاتِ السَّبْعِ يَنْبَغِي أَنْ تَسْتَوِيَ فِي لُزُومِ الْكَفَّارَةِ وَعَدَمِ لُزُومِهَا لِأَنَّهَا مُتَرَادِفَةٌ وَشَأْنُ أَحَدِ الْأَلْفَاظِ الْمُتَرَادِفَةِ أَنْ يَقُومَ مَقَامَ الْآخَرِ فِي لُزُومِ الْحُكْمِ وَسُقُوطِهِ فَلَا فَرْقَ حِينَئِذٍ بَيْنَ عَلَيَّ كَفَالَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَبَيْنَ أَذَانَتِهِ وَزَعَامَتِهِ وَضَمَانِهِ وَقَبَالَتِهِ وَجَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ فِي ذَلِكَ وَكَذَلِكَ إذَا أَتَى بِصِيغَةِ الْقَسَمِ تَشْمَلُ جَمِيعَ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ وَيَكُونُ الْحُكْمُ فِي الْجَمِيعِ وَاحِدًا لِأَنَّهَا مُتَرَادِفَةٌ فَتَأَمَّلْ هَذِهِ التَّنْبِيهَاتِ فَهِيَ يُحْتَاجُ إلَيْهَا فِي هَذِهِ الْكَلِمَاتِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

وَفِي وَاجِدِ ثَمَنِ الرَّقَبَةِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ إمَّا تَنْزِيلُ وُجُودِ الثَّمَنِ الَّذِي هُوَ وَسِيلَةُ مِلْكِهَا مَنْزِلَتَهُ وَإِمَّا عَدَمُ تَنْزِيلِهِ مَنْزِلَتَهُ وَفِي الْقَادِرِ عَلَى التَّدَاوِي مِنْ السَّلَسِ أَوْ التَّزْوِيجِ إمَّا أَنْ تُنَزَّلَ قُدْرَتُهُ عَلَى ذَلِكَ الَّتِي هِيَ وَسِيلَةُ التَّدَاوِي بِالْفِعْلِ مَنْزِلَتَهُ أَمْ لَا أَوْ يُلَاحِظُ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ النُّصُوصِ وَإِلَّا فِيهِ وَالْمُنَاسَبَاتُ الَّتِي اُشْتُهِرَ فِي الشَّرْعِ اعْتِبَارُهَا مِنْ حَيْثُ اشْتِمَالُهَا عَلَى مُوجِبِ الِاعْتِبَارِ لَا مَا لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ شَرْعًا مِمَّا لَا يَشْتَمِلُ عَلَى مُوجِبِ الِاعْتِبَارِ فَتُقَدَّمُ مُنَاسَبَتُهُ وَتَكْثُرُ النُّقُوضُ عَلَيْهِ وَيَكُونُ اعْتِبَارُهُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ خِلَافَ الْمَعْلُومِ مِنْ نَمَطِ الشَّرِيعَةِ إلَّا أَنْ يُضَافَ إلَيْهِ مَا يُوجِبُ اشْتِمَالَهُ عَلَى مُوجِبِ الِاعْتِبَارِ مِنْ الْقُيُودِ الْمُوجِبَةِ لِلْمُنَاسَبَةِ فَتَظْهَرُ مُنَاسَبَتُهُ وَتَقِلُّ النُّقُوضُ عَلَيْهِ وَيَكُونُ اعْتِبَارُ مِثْلِهِ بِلَا ضَرُورَةٍ وَهُوَ الْمَعْلُومُ مِنْ نَمَطِ الشَّرِيعَةِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَدْ كَثُرَ بَيْنَ الْمُتَأَخِّرِينَ خُصُوصًا الشَّيْخَ الطَّاهِرَ بْنَ بُشَيْرٍ فَإِنَّهُ اعْتَمَدَ عَلَيْهِ فِي كِتَابِهِ الْمَعْرُوفِ بِالتَّنْبِيهِ كَثِيرًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الرِّيَاءِ فِي الْعِبَادَاتِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ التَّشْرِيكِ فِي الْعِبَادَاتِ]

(الْفَرْقُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الرِّيَاءِ فِي الْعِبَادَاتِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ التَّشْرِيكِ فِي الْعِبَادَاتِ)

مِنْ حَيْثُ إنَّ التَّشْرِيكَ فِيهَا لَا يَحْرُمُ بِالْإِجْمَاعِ بِخِلَافِ الرِّيَاءِ فِيهَا فَيَحْرُمُ هُوَ أَنَّ التَّشْرِيكَ فِيهَا لَمَّا كَانَ بِمَا جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِلْمُكَلَّفِ فِي هَذِهِ الْعِبَادَةِ مِمَّا لَا يَرَى وَلَا يُبْصِرُ كَمَنْ جَاهَدَ لِيُحَصِّلَ طَاعَةَ اللَّهِ بِالْجِهَادِ وَلِيُحَصِّلَ السَّبَايَا وَالْكُرَاعَ وَالسِّلَاحَ مِنْ جِهَةِ أَمْوَالِ الْعَدُوِّ وَكَمَنْ حَجَّ وَشَرَّكَ فِي حَجِّهِ غَرَضَ الْمَتْجَرِ بِأَنْ يَكُونَ جُلُّ مَقْصُودِهِ أَوْ كُلُّهُ السَّفَرَ لِلتِّجَارَةِ خَاصَّةً وَيَكُونَ الْحَجُّ إمَّا مَقْصُودًا مَعَ ذَلِكَ أَوْ غَيْرَ مَقْصُودٍ وَإِنَّمَا يَقَعُ تَابِعًا اتِّفَاقًا وَكَمَنْ صَامَ لِيَصِحَّ جَسَدُهُ أَوْ لِيَحْصُلَ زَوَالُ مَرَضٍ مِنْ الْأَمْرَاضِ الَّتِي تُدَاوَى بِالصَّوْمِ بِحَيْثُ يَكُونُ التَّدَاوِي هُوَ مَقْصُودُهُ أَوْ بَعْضُ مَقْصُودِهِ وَالصَّوْمُ مَقْصُودٌ مَعَ ذَلِكَ وَكَمَنْ يَتَوَضَّأُ بِقَصْدِ التَّبَرُّدِ أَوْ التَّنْظِيفِ لَمْ يَضُرَّهُ فِي عِبَادَتِهِ وَلَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ جَمِيعَ هَذِهِ الْأَغْرَاضِ لَا يَدْخُلُ فِيهَا تَعْظِيمُ الْخَالِقِ بَلْ هِيَ تَشْرِيكُ أُمُورٍ مِنْ الْمَصَالِحِ لَيْسَ لَهَا إدْرَاكٌ وَلَا تَصْلُحُ لِلْإِدْرَاكِ وَلَا لِلتَّعْظِيمِ فَلَا تَقْدَحُ فِي الْعِبَادَاتِ إذْ كَيْفَ تَقْدَحُ وَصَاحِبُ الشَّرْعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>