للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا يَبْقَى لِلْحُكْمِ مِنَّا وَالِاجْتِهَادِ بَعْدَ ذَلِكَ مَعْنًى أَلْبَتَّةَ إلَّا فِي الصُّوَرِ الَّتِي لَمْ يَقَعْ فِيهَا إجْمَاعٌ كَالْفِيلِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَفْرَادِ الصَّيْدِ فَيَلْزَمُ التَّخْصِيصُ وَهُوَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ، وَرَابِعُهَا أَنَّهُ مُتْلَفٌ مِنْ الْمُتْلَفَاتِ فَتَجِبُ فِيهِ الْقِيمَةُ كَسَائِرِ الْمُتْلَفَاتِ، وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْوَاجِبُ فِي الصَّيْدِ مِثْلُهُ مِنْ النَّعَمِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ ثُمَّ يُقَوَّمُ الصَّيْدُ وَيَقَعُ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْمِثْلِ وَالْإِطْعَامِ وَالصَّوْمِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ.

وَالْجَوَابُ عَمَّا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا تَقَرَّرَ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَتْوَى وَالْحُكْمِ وَبَيْنَ الْمُفْتِي وَالْحَاكِمِ مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ إنْشَاءٌ لِنَفْسِ ذَلِكَ الْإِلْزَامِ إنْ كَانَ الْحُكْمُ فِيهِ أَوْ لِنَفْسِ تِلْكَ الْإِبَاحَةِ وَالْإِطْلَاقِ إنْ كَانَ الْحُكْمُ فِيهَا كَحُكْمِ الْحَاكِمِ بِأَنَّ الْمَوَاتَ إذَا بَطَلَ إحْيَاؤُهُ صَارَ مُبَاحًا لِجَمِيعِ النَّاسِ، وَالْفَتْوَى بِذَلِكَ إخْبَارٌ صِرْفٌ عَنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَأَنَّ الْحَاكِمَ مُلْزِمٌ وَالْمُفْتِي مُخْبِرٌ، وَأَنَّ نِسْبَتَهُمَا لِصَاحِبِ الشَّرْعِ كَنِسْبَةِ نَائِبِ الْحَاكِمِ وَالْمُتَرْجِمِ عَنْهُ فَنَائِبُهُ يُنْشِئُ أَحْكَامًا لَمْ تَتَقَرَّرْ عِنْدَ مُسْتَنِيبِهِ بَلْ يُنْشِئُهَا عَلَى قَوَاعِدِهِ كَمَا يُنْشِئُهَا الْأَصْلُ، وَلَا يَحْسُنُ مِنْ مُسْتَنِيبِهِ أَنْ يُصَدِّقَهُ فِيمَا حَكَمَ بِهِ وَلَا يُكَذِّبُهُ بَلْ يُخَطِّئُهُ أَوْ يُصَوِّبُهُ بِاعْتِبَارِ الْمُدْرَكِ الَّذِي اعْتَمَدَهُ، وَالْمُتَرْجِمُ يُخْبِرُ عَمَّا قَالَهُ الْحَاكِمُ لِمَنْ لَا يَعْرِفُ كَلَامَ الْحَاكِمِ لِعُجْمَةٍ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَوَانِعِ الْفَهْمِ فَلِلْحَاكِمِ أَنْ يُصَدِّقَهُ إنْ صَدَقَ، وَيُكَذِّبَهُ إنْ كَذَبَ، وَهَذَا الْمُتَرْجِمُ لَا يُنْشِئُ حُكْمًا بَلْ يُخْبِرُ عَنْ الْحَاكِمِ فَقَطْ وَقَدْ وَضَعْتُ فِي هَذَا الْفَرْقِ كِتَابًا سَمَّيْته بِالْأَحْكَامِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَتَاوَى وَالْأَحْكَامِ وَتَصَرُّفِ الْقَاضِي وَالْإِمَامِ وَفِيهِ أَرْبَعُونَ مَسْأَلَةً تَتَعَلَّقُ بِتَحْقِيقِ هَذَا الْفَرْقِ وَهُوَ كِتَابٌ نَفِيسٌ إذَا تَقَرَّرَ مَعْنَى الْحُكْمِ، فَالْحَكَمَانِ فِي زَمَانِنَا يُنْشِئَانِ الْإِلْزَامَ عَلَى قَاتِلِ الصَّيْدِ فَإِنْ كَانَتْ الصُّورَةُ مُجْمَعًا عَلَيْهَا كَانَ الْإِجْمَاعُ مُدْرَكًا لَهُ وَمَعَ ذَلِكَ فَهُمْ مُنْشِئُونَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا إجْمَاعٌ فَهُوَ أَظْهَرُ وَيَعْتَمِدُونَ عَلَى النُّصُوصِ وَالْأَقْيِسَةِ، فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّخْصِيصِ بَلْ يَبْقَى النَّصُّ عَلَى عُمُومِهِ، وَالْحُكْمُ فِي زَمَانِنَا عَامٌّ فِي الْجَمِيعِ، وَالْجَوَابُ عَمَّا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ أَنَّ الْآيَةَ قُرِئَتْ {فَجَزَاءٌ} [المائدة: ٩٥] بِالتَّنْوِينِ فَيَكُونُ الْجَزَاءُ لِلصَّيْدِ وَ {مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: ٩٥] نَعْتٌ لَهُ.

وَيَكُونُ الْوَاجِبُ هُوَ الْمِثْلَ مِنْ النَّعَمِ وَالْقِرَاءَتَانِ مُنَزَّلَتَانِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرَ أَنَّ قِرَاءَةَ التَّنْوِينِ صَرِيحَةٌ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ وَقِرَاءَةَ الْإِضَافَةِ مُحْتَمِلَةٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَلِمَا ذَكَرْتُمُوهُ فَيَجِبُ حَمْلُهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ جَمْعًا بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ التَّعَارُضِ، وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَهُ} [المائدة: ٩٥] يُحْمَلُ عَلَى الْخُصُوصِ وَيَبْقَى الظَّاهِرُ عَلَى عُمُومِهِ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {إِلا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: ٢٣٧] خَاصٌّ بِالرَّشِيدَاتِ وَالْمُطَلَّقَاتِ عَلَى عُمُومِهِ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ، وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: ٢٢٨] خَاصٌّ بِالرَّجْعِيَّاتِ مَعَ بَقَاءِ الْمُطَلَّقَاتِ عَلَى عُمُومِهِ وَعَنْ الثَّالِثِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْحَكَمَيْنِ يُنْشِئَانِ الْإِلْزَامَ، وَأَنَّهُ لَا يُنَافِي حُكْمَ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَ حُكْمُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - رَدًّا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَكَمَ فِي الضَّبُعِ بِشَاةٍ وَقَدْ حَكَمَ فِيهَا الصَّحَابَةُ أَيْضًا فَلَوْلَا مَا ذَكَرْنَاهُ لَامْتَنَعَ حُكْمُهُمْ، وَعَنْ الرَّابِعِ أَنَّ جَزَاءَ الصَّيْدِ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْجَوَابِرِ بَلْ مِنْ بَابِ الْكَفَّارَاتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ} [المائدة: ٩٥] فَسَمَّاهُ كَفَّارَةً فَبَطَلَ الْقِيَاسُ إذَا تَقَرَّرَتْ الْمَذَاهِبُ وَالْمَدَارِكُ وَأَجْوِبَتُهَا، وَتَعَيَّنَ فِيهَا الْحَقُّ وَأَنَّهُ إنْشَاءٌ فِي الْجَمِيعِ كَانَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

بِالْمُضَارِعِ دُونَ الْمَاضِي وَاسْمِ الْفَاعِلِ، فَيُقْبَلُ قَوْلُ الشَّاهِدِ أَشْهَدُ بِكَذَا دُونَ قَوْلِهِ شَهِدْتُ بِكَذَا وَأَنَا شَاهِدٌ بِكَذَا، وَبَيْنَ الْبَيْعِ وَالطَّلَاقِ يَنْعَقِدُ الْأَوَّلُ بِالْمَاضِي كَبِعْتُكَ بِكَذَا وَلَا يَنْعَقِدُ بِالْمُضَارِعِ كَأَبِيعُكَ بِكَذَا أَوْ أُبَايِعُكَ بِكَذَا عِنْدَ مَنْ يَعْتَمِدُ عَلَى مُرَاعَاةِ الْأَلْفَاظِ كَالشَّافِعِيِّ لَا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِانْعِقَادِ الْبَيْعِ بِمُجَرَّدِ الْمُعَاطَاةِ، وَيَقَعُ إنْشَاءُ الثَّانِي بِالْمَاضِي نَحْوَ طَلَّقْتُكِ ثَلَاثًا وَاسْمِ الْفَاعِلِ نَحْوَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا دُونَ الْمُضَارِعِ نَحْوَ أُطَلِّقُكِ ثَلَاثًا سَبَبُهُ النَّقْلُ الْعُرْفِيُّ مِنْ الْخَبَرِ إلَى الْإِنْشَاءِ، فَأَيُّ شَيْءٍ نَقَلَتْهُ الْعَادَةُ لِمَعْنًى صَارَ صَرِيحًا فِي الْعَادَةِ لِذَلِكَ الْمَعْنَى بِالْوَضْعِ الْعُرْفِيِّ فَيَعْتَمِدُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ كَمَا يُسْتَفْتَى الْمُفْتِي عَنْ طَلَبِ النِّيَّةِ مَعَهُ لِصَرَاحَتِهِ، وَمَا لَمْ تَنْقُلْهُ الْعَادَةُ لِإِنْشَاءِ ذَلِكَ الْمَعْنَى يَتَعَذَّرُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الدَّلَالَةِ اللُّغَوِيَّةِ وَالْعُرْفِيَّةِ فَنَقَلَتْ الْعَادَةُ فِي الشَّهَادَةِ الْمُضَارِعَ وَحْدَهُ وَفِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ اسْمَ الْفَاعِلِ وَالْمَاضِيَ، فَإِنْ اتَّفَقَ تَجَدُّدُ عَادَةٍ أُخْرَى فِي وَقْتٍ آخَرَ تَقْتَضِي نَسْخَ هَذِهِ الْعَادَةِ اتَّبَعْنَا الثَّانِيَةَ، وَتَرَكْنَا الْأُولَى وَيَصِيرُ الْمَاضِي فِي الْبَيْعِ وَالْمُضَارِعُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى حَسَبِ مَا تُجَدِّدُهُ الْعَادَةُ، وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَنَّ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي قَوْلِهِ مَا عَدَّهُ النَّاسُ بَيْعًا فَهُوَ بَيْعٌ نُظِرَ إلَى أَنَّ الْمُدْرَكَ هُوَ تَجَدُّدُ الْعَادَةِ نَعَمْ لِلشَّافِعِيَّةِ أَنْ يَقُولُوا إنَّ ذَلِكَ مُسَلَّمٌ وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ وُجُودُ اللَّفْظِ الْمَنْقُولِ أَمَّا مُجَرَّدُ الْفِعْلِ وَالْمُعَاطَاةِ الَّذِي يَقْصِدُهُ مَالِكٌ فَمَمْنُوعٌ

[فَصْلٌ فِي الْخَبَرَوفيه مَسَائِل]

[الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى قَالَ كُلُّ مَا قُلْتُهُ فِي هَذَا الْبَيْتِ كَذِبٌ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا فِي ذَلِكَ الْبَيْتِ]

(فَصْلٌ فِي ثَمَانِ مَسَائِلَ مُسْتَحْسَنَةٍ فِي بَابِهَا تُوَضِّحُ الْخَبَرَ) (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الصِّدْقَ مُطَابَقَةُ النِّسْبَةِ الْكَلَامِيَّةِ لِلنِّسْبَةِ الْخَارِجِيَّةِ وَالْكَذِبَ عَدَمُهَا، وَقَدْ وَقَعَ الْخِلَافُ فِي الْمُرَادِ بِعَدَمِهَا فَذَهَبَ الْأَصْلُ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ عَدَمُ الْمُطَابَقَةِ بِالْفِعْلِ بِأَنْ يُوجَدَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ الْمُخْبَرِ عَنْهُ عَلَى خِلَافِ مَا فِي الْخَبَرِ كَمَنْ قَالَ: زَيْدٌ قَائِمٌ وَهُوَ لَيْسَ بِقَائِمٍ أَوْ بِالْقُوَّةِ بِأَنْ لَا يُوجَدَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَلْبَتَّةَ فَيَصْدُقُ أَيْضًا عَدَمُ الْمُطَابَقَةِ لَكِنْ لَا لِمُخَالَفَتِهِ لِمَا وُجِدَ كَمَا فِي الْأَوَّلِ بَلْ لِعَدَمِ مَا يُطَابِقُهُ الْخَبَرُ نَظَرًا إلَى أَنَّ السَّالِبَةَ تَصْدُقُ مَعَ عَدَمِ وُجُودِ الْمَوْضُوعِ فَافْهَمْ، وَذَهَبَ الْفَخْرُ الرَّازِيّ وَغَيْرُهُ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ عَدَمُ الْمُطَابَقَةِ بِالْفِعْلِ قَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>