للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَغَرَائِبِ مُخْتَرَعَاتِهِ وَيَنْدَرِجُ فِي الثَّانِي جَمِيعُ السُّلُوبِ لِلنَّقَائِصِ فَيَصْدُقُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَلَّ عَنْ الشَّرِيكِ وَعَنْ الْحَيِّزِ وَالْجِهَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلَمَّا كَانَ لَفْظُ الْجَلَالِ وَالْعَظَمَةِ يَحْتَمِلُ جَلَّ بِكَذَا وَجَلَّ عَنْ كَذَا وَعَظُمَ بِكَذَا وَعَظُمَ عَنْ كَذَا انْدَرَجَ الْجَمِيعُ فِي اللَّفْظِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَكَانَتْ هَذِهِ الصِّفَاتُ شَامِلَةً لِجَمِيعِ الصِّفَاتِ الثُّبُوتِيَّةِ وَالسَّلْبِيَّةِ وَالْقَدِيمَةِ وَالْمُحْدَثَةِ فَيَكُونُ الْحَلِفُ بِهَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْمُوجِبِ لِلْكَفَّارَةِ وَهُوَ الصِّفَاتُ الْقَدِيمَةُ وَغَيْرُ الْمُوجِبِ وَهُوَ الصِّفَاتُ الْمُحْدَثَةُ وَإِذَا اجْتَمَعَ الْمُوجِبُ وَغَيْرُ الْمُوجِبِ كَانَ اللَّازِمُ الْإِيجَابَ عَمَلًا بِالْمُوجِبِ وَالْقِسْمُ الْآخَرُ كَمَا أَنَّهُ لَا يَقْتَضِي كَفَّارَةً لَا يَمْنَعُ الْمُوجِبَ لِلْكَفَّارَةِ مِنْ إيجَابِهِ لِلْكَفَّارَةِ وَهَاهُنَا ثَلَاثُ مَسَائِلُ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) إذَا قَالَ الْقَائِلُ سُبْحَانَ مَنْ تَوَاضَعَ كُلُّ شَيْءٍ لِعَظَمَتِهِ هَلْ يَجُوزُ هَذَا الْإِطْلَاقُ أَمْ لَا فَقَالَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْعَصْرِ لَا يَجُوزُ هَذَا الْإِطْلَاقُ لِأَنَّ عَظَمَةَ اللَّهِ تَعَالَى صِفَتُهُ وَالتَّوَاضُعُ لِلصِّفَةِ عِبَادَةٌ لَهَا وَعِبَادَةُ الصِّفَةِ كُفْرٌ بَلْ لَا يُعْبَدُ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ عَبَدَ عَابِدٌ عِلْمَ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ إرَادَتَهُ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِهِ كَفَرَ بَلْ الْمَعْبُودُ وَاحِدٌ وَهُوَ ذَاتُ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ الذَّاتُ الْمَوْصُوفَةُ بِصِفَاتِ الْجَلَالِ وَنُعُوتِ الْكَمَالِ وَالْمُرَادُ بِالْعِبَارَتَيْنِ وَاحِدٌ.

وَقَالَ قَوْمٌ يَجُوزُ هَذَا الْإِطْلَاقُ وَهُوَ الصَّحِيحُ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

وَغَرَائِبِ مُخْتَرَعَاتِهِ) .

قُلْت هَذَا الْكَلَامُ أَقْبَحُ وَفِي الْكُفْرِ أَوْضَحُ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي افْتِقَارَ الْبَارِي تَعَالَى إلَى بَدَائِعِ مَصْنُوعَاتِهِ وَغَرَائِبِ مُخْتَرَعَاتِهِ فَيَزْدَادُ كَمَالًا بِوُجُودِهَا وَذَلِكَ بَاطِلٌ قَطْعًا بَلْ هُوَ الْغَنِيُّ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَحَائِزُ غَايَةِ الْكَمَالِ بِالِاسْتِحْقَاقِ قَبْلَ ابْتِدَاعِ الْمُبْتَدَعَاتِ وَاخْتِرَاعِ الْمُخْتَرَعَاتِ حَتَّى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَبْتَدِعْ الْمُبْتَدَعَاتِ وَلَمْ يَخْتَرِعْ الْمُخْتَرَعَاتِ لَمَا كَانَ ذَلِكَ نَقْصًا فِي كَمَالِهِ وَلَا غَضًّا مِنْ جَلَالِهِ وَلَا حَطًّا عَنْ رُتْبَةِ انْفِرَادِهِ بِالْعَظَمَةِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَاسْتِقْلَالِهِ وَمَا ذَلِكَ الْكَلَامُ إلَّا كَلَامَ مَنْ لَمْ يُحَصِّلْ عِلْمَ الْكَلَامِ بَلْ عِلْمَ الِاعْتِقَادِ عَلَى وَجْهِ الصَّوَابِ وَالسَّدَادِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ عَلَى مَا مَنَّ بِهِ مِنْ الْهُدَى وَالْإِرْشَادِ قَالَ (وَيَنْدَرِجُ فِي الثَّانِي جَمِيعُ السُّلُوبِ لِلنَّقَائِصِ إلَى قَوْلِهِ وَهَاهُنَا ثَلَاثُ مَسَائِلُ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ إلَّا مَا فِي قَوْلِهِ الْقَدِيمَةُ وَالْمُحْدَثَةُ كَمَا تَقَدَّمَ.

قَالَ (إذَا قَالَ الْقَائِلُ سُبْحَانَ مَنْ تَوَاضَعَ كُلُّ شَيْءٍ لِعَظَمَتِهِ هَلْ يَجُوزُ هَذَا الْإِطْلَاقُ أَمْ لَا فَقَالَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْعَصْرِ لَا يَجُوزُ هَذَا الْإِطْلَاقُ إلَى قَوْلِهِ وَقَالَ قَوْمٌ يَجُوزُ هَذَا الْإِطْلَاقُ وَهُوَ الصَّحِيحُ) قُلْت مَا صَحَّحَ هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْعَظَمَةَ كَمَا سَبَقَ جَامِعَةٌ لِصِفَاتِ الْكَمَالِ وَالتَّوَاضُعُ التَّصَاغُرُ وَالتَّضَاؤُلُ وَلَا شَكَّ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مَا عَدَا الذَّاتَ الْكَرِيمَةَ وَالصِّفَاتِ الْعَظِيمَةَ مُتَصَاغِرٌ مُتَضَائِلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى تِلْكَ الصِّفَاتِ وَقَوْلُ ذَلِكَ الْفَقِيهِ الْعَصْرِيِّ إنَّ التَّوَاضُعَ عِبَادَةٌ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَهُوَ دَعْوَى عَرِيَّةٌ عَنْ الْحُجَّةِ فَلَا اعْتِبَارَ بِقَوْلِهِ قَالَ شِهَابُ الدِّينِ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

الْمَذْكُورَةِ عَلَى مَا ذَكَرُوا وَبُطْلَانَهَا رَأْسًا أَنَّ زَرُّوقًا نَفْسَهُ فِي شَرْحِهِ لِحِزْبِ الْبَحْرِ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَخْيَارِ اللَّهُمَّ إنَّا نَتَوَسَّلُ إلَيْك بِهِمْ فَإِنَّهُمْ أَحَبُّوك وَمَا أَحَبُّوك حَتَّى أَحْبَبْتهمْ فِيك إيَّاهُمْ وَصَلُوا إلَى حُبِّك وَنَحْنُ لَمْ نَصِلْ إلَى حُبِّهِمْ فِيك فَتَمِّمْ لَنَا ذَلِكَ مَعَ الْعَافِيَةِ الْكَامِلَةِ الشَّامِلَةِ حَتَّى نَلْقَاك يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ وَلَهُ فِي التَّوَسُّلِ قَصِيدَةٌ مَشْهُورَةٌ فَمِنْ هُنَا قَالَ الْعَلَّامَةُ الزَّرْقَانِيُّ عَلَى الْمَوَاهِبِ وَقَوْلُ ابْنِ تَيْمِيَّةَ: وَمَالِكٌ مِنْ أَعْظَمِ الْأَئِمَّةِ كَرَاهِيَةً لِذَلِكَ خَطَأٌ قَبِيحٌ فَإِنَّ كُتُبَ الْمَالِكِيَّةِ طَافِحَةٌ بِاسْتِحْبَابِ الدُّعَاءِ عِنْدَ الْقَبْرِ مُسْتَقْبِلًا لَهُ مُسْتَدْبَرًا لِلْقِبْلَةِ وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ أَبُو الْحَسَنِ الْقَابِسِيُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ فِي مَنْسَكِهِ وَنَقَلَهُ فِي الشِّفَاءِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ قَالَ إذَا سَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدَعَا يَقِفُ وَوَجْهُهُ إلَى الْقَبْرِ لَا إلَى الْقِبْلَةِ وَيَدْنُو وَيُسَلِّمُ وَلَا يَمَسُّ الْقَبْرَ بِيَدِهِ اهـ.

فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَهَذَا تَحْقِيقُ الْفَرْقِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجِبُ تَوْحِيدُ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ وَتَوَحُّدُهُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَجِبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا مَدْلُولُهُ قَدِيمٌ مِنْ الْأَلْفَاظِ فَيَجُوزُ الْحَلِفُ بِهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا مَدْلُولُهُ حَادِثٌ فَلَا يَجُوزُ الْحَلِفُ بِهِ وَلَا تَجِبُ بِهِ كَفَّارَةٌ]

(الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا مَدْلُولُهُ قَدِيمٌ مِنْ الْأَلْفَاظِ فَيَجُوزُ الْحَلِفُ بِهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا مَدْلُولُهُ حَادِثٌ فَلَا يَجُوزُ الْحَلِفُ بِهِ وَلَا تَجِبُ بِهِ كَفَّارَةٌ) الْأَلْفَاظُ بِاعْتِبَارِ جَوَازِ الْحَلِفِ بِهَا وَعَدَمِ جَوَازِهِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ

(الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) مَا عُلِمَ أَنَّ مَدْلُولَهُ قَدِيمٌ فَيَجُوزُ وَيَنْعَقِدُ الْقَسَمُ بِذَاتِهِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى إرَادَةٍ وَتَلْزَمُ الْكَفَّارَةُ بِالْحِنْثِ كَلَفْظِ اللَّهِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى وَإِنْ قَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ إنَّهَا أَلْفَاظٌ وَهِيَ حَادِثَةٌ وَقَسَّمَهَا الشَّمْسُ السَّمَرْقَنْدِيُّ فِي الصَّحَائِفِ إلَى قَدِيمٍ وَحَادِثٍ وَالْحَادِثُ إلَى مُشْتَقٍّ مِنْ فِعْلِهِ تَعَالَى كَالْخَلَّاقِ الرَّزَّاقِ الْمُحْيِي الْمُمِيتِ وَمُشْتَقٌّ مِنْ فِعْلِنَا كَالْمَعْبُودِ وَالْمَشْكُورِ لِأَنَّ مَعْنَى قِدَمِهَا مَا نَقَلَهُ الْعَلَّامَةُ الْمَلَوِيُّ عَنْ سَيِّدِي مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَغْرِبِيِّ مِنْ أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى الْقَدِيمِ أَسْمَاءٌ لَهُ هِيَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهَا بِالْقِدَمِ كَمَا أَنَّ مِنْهُ أَمْرًا وَنَهْيًا إلَخْ وَالْمُرَادُ بِالتَّسْمِيَةِ الْقَدِيمَةِ دَلَالَةُ الْكَلَامِ أَزَلًا عَلَى مَعَانِي الْأَسْمَاءِ وَذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَبْعِيضٍ وَلَا تَجْزِئَةٍ فِي نَفْسِ الْكَلَامِ مَعَ تَفْوِيضِ كُنْهِ ذَلِكَ لَهُ تَعَالَى وَاقْتَصَرُوا فِي أَقْسَامِ الْكَلَامِ الِاعْتِبَارِيَّةِ عَلَى الْأَهَمِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>