للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غَيْرِهَا مِنْ الْمَسَاجِدِ صَلَّى بِمَوْضِعِهِ وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ قَالَ الْقَاضِي إسْمَاعِيلُ نَاذِرُ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لَا يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ إذَا نَذَرَهُ قَالَ وَالْمَشْيُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ أَفْضَلُ لِأَنَّ الْمَشْيَ فِي الْقُرَبِ أَفْضَلُ وَهُوَ قُرْبَةٌ قَالَ وَمُقْتَضَى أَصْلِ مَالِكٍ أَنْ يَأْتِيَ الْمَكِّيُّ الْمَدِينَةَ لِأَنَّهَا أَفْضَلُ فَإِتْيَانُهَا مِنْ مَكَّةَ قُرْبَةٌ بِخِلَافِ الْإِتْيَانِ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى مَكَّةَ وَقَدَّمَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ عَلَيْهَا قَالَ ابْنُ يُونُسَ يَمْشِي إلَى غَيْرِ الثَّلَاثَةِ الْمَسَاجِدِ مِنْ الْمَسَاجِدِ إنْ كَانَ قَرِيبًا كَالْأَمْيَالِ الْيَسِيرَةِ مَاشِيًا وَيُصَلِّي فِيهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إذَا كَانَ بِمَوْضِعِهِ مَسْجِدُ جُمُعَةٍ لَزِمَهُ الْمَشْيُ إلَيْهِ وَقَالَ مَالِكٌ وَبِهِ أَفْتَى ابْنُ عَبَّاسٍ مَنْ بِمَسْجِدِ قُبَاءَ وَهُوَ مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ وَفِي الْجَوَاهِرِ النَّاذِرُ إنْ كَانَ بِمَكَّةَ أَوْ الْمَدِينَةِ وَنَذَرَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ يُصَلِّي فِي مَسْجِدِ مَوْضِعِهِ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ وَإِنْ كَانَ بِالْأَقْصَى مَضَى إلَيْهِمَا وَيَمْشِي الْمَكِّيُّ إلَى الْمَدِينَةِ وَالْمَدَنِيُّ إلَى مَكَّةَ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ وَأَصْلُ الْبَابِ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُعْمَلُ الْمَطِيُّ إلَّا لِثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ مَسْجِدِي هَذَا وَمَسْجِدِ إيلِيَاءَ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ» فَاقْتَضَى ذَلِكَ عَدَمَ لُزُومِ الْمَشْيِ إلَى غَيْرِهَا فَإِنَّ كُلَّ مَا وَجَبَ الْمَشْيُ إلَيْهِ وَجَبَ إعْمَالُ الرِّكَابِ إلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا وَسِرُّ الْفَرْقِ أَنَّ النَّذْرَ لَا يُؤَثِّرُ إلَّا فِي مَنْدُوبٍ فَمَا لَا رُجْحَانَ فِي فِعْلِهِ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ النَّذْرُ وَسَائِرُ الْمَسَاجِدِ مُسْتَوِيَةٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا بُيُوتُ الْقُرَبِ وَالتَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالصَّلَاةِ فِيهَا فَلَا يَجِبُ الْإِتْيَانُ إلَى شَيْءٍ مِنْهَا لِعَدَمِ الرُّجْحَانِ فَإِنْ قُلْت إنَّ الْمَسَاجِدَ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهَا إجْمَاعًا.

وَبَعْضُهَا أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ إمَّا لِكَثْرَةِ طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهَا وَإِمَّا لَقِدَمِ هِجْرَتِهِ أَوْ لِكَثْرَةِ جَمَاعَتِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

الْمَطِيِّ إلَّا لِهَذِهِ الْمَسَاجِدِ فَيَبْقَى السَّفَرُ الَّذِي لَا يُحْوِجُ إلَى إعْمَالِ الْمَطِيِّ وَمَا دُونَ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ بِسَفَرٍ مَسْكُوتًا عَنْهُ فِي الْحَدِيثِ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ كُلَّ مَا وَجَبَ الْمَشْيُ إلَيْهِ وَجَبَ إعْمَالُ الرِّكَابِ إلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا دَعْوَى لَا حُجَّةَ فِيمَا ذَكَرَ عَلَيْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ (وَسِرُّ الْفَرْقِ أَنَّ النَّذْرَ لَا يُؤَثِّرُ إلَّا فِي مَنْدُوبٍ إلَى قَوْلِهِ فَلَا يَجِبُ الْإِتْيَانُ إلَى شَيْءٍ مِنْهَا لِعَدَمِ الرُّجْحَانِ) قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ اسْتِوَاءِ الْمَسَاجِدِ وَعَدَمِ الرُّجْحَانِ فِيهَا دَعْوَى لَمْ يَأْتِ عَلَيْهَا بِحُجَّةٍ.

قَالَ (فَإِنْ قُلْت إنَّ الْمَسَاجِدَ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهَا إجْمَاعًا وَبَعْضُهَا أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ إلَى قَوْلِهِ بَلْ وَرَدَ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ بِعَدَمِ ذَلِكَ) قُلْت مَا قَرَّرَهُ مِنْ الْقَاعِدَةِ صَحِيحٌ نَقُولُ بِمُوجَبِهِ وَلَا يَلْزَمُ عَنْهُ مَقْصُودُهُ وَمَا قَالَهُ مِنْ اعْتِقَادِ رُجْحَانِ الْمَسَاجِدِ عَلَى غَيْرِهَا أَوْ رُجْحَانِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ لَا يُوجِبُ اعْتِقَادَ ضَمِّ الصَّلَاةِ إلَيْهَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَا مَعْنَى لِفَضْلِهَا عَلَى غَيْرِهَا أَوْ فَضْلِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ إلَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الصَّلَاةِ فِيهَا لَا بِاعْتِبَارِهَا فِي أَنْفُسِهَا وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الرُّجْحَانَ الشَّرْعِيَّ يَتَوَقَّفُ عَلَى مُدْرَكٍ شَرْعِيٍّ صَحِيحٌ وَالْمُدْرَكُ الشَّرْعِيُّ فِي ذَلِكَ الْأَمْرِ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

وَاسْتِثْنَاءُ جُمْلَةِ مَا نَطَقْت بِهِ مَمْنُوعٌ وَلِأَنَّ مَا قُصِدَ بِالْعَطْفِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا وَالِاسْتِثْنَاءُ إنَّمَا جُعِلَ لِإِخْرَاجِ مَا الْتَفَّ فِي الْكَلَامِ وَهُوَ غَيْرُ مُرَادٍ فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي الْمَعْطُوفِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مُرَادًا وَغَيْرَ مُرَادٍ وَهُوَ جَمْعٌ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ، وَيَجُوزُ فِي الْمَعْطُوفَاتِ الْمَجَازُ إمَّا فِي نَفْسِ حَرْفِ الْعَطْفِ بِأَنْ تَعْطِفَ بِهِ الشَّيْءَ عَلَى نَفْسِهِ اكْتِفَاءً بِاخْتِلَافِ اللَّفْظِ كَمَا فِي الْمُتَرَادِفَيْنِ فِي نَحْوِ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف: ٨٦] وَالْحُزْنُ هُوَ الْبَثُّ وَقَوْلِكَ أَعْطِهِ بُرًّا وَحِنْطَةً نَصَّ عَلَى ذَلِكَ النُّحَاةُ وَإِمَّا فِي نَفْسِ الْمَعْطُوفِ مَعَ حَرْفِ الْعَطْفِ بِأَنْ تَعْطِفَ الْأَلْفَاظَ الْمُتَبَايِنَةَ مُرِيدًا بِالثَّانِي الْأَوَّلَ مَجَازًا كَقَوْلِك رَأَيْت زَيْدًا وَالْأَسَدَ تُرِيدُ بِالْأَسَدِ زَيْدًا لِشَجَاعَتِهِ فَأَتَيْت بِاللَّفْظِ لِقَصْدِ الْمُبَالَغَةِ بِالْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ فَإِنَّ قَوْلَك لِزَيْدٍ: أَسَدٌ أَبْلَغُ مِنْ قَوْلِك لَهُ شُجَاعٌ لِأَنَّ الْمَجَازَ أَبْلَغُ مِنْ الْحَقِيقَةِ وَإِذَا كَانَ هَذَا الْمَعْنَى مَقْصُودًا لِلْعُقَلَاءِ فِي مُخَاطَبَاتِهِمْ فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ وَإِذْ قَدْ ظَهَرَ لَك أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يُوجَدُ فِي صُورَةٍ لَا يُوجَدُ فِيهَا الْمَجَازُ وَأَنَّ الْمَجَازَ يُوجَدُ فِي صُورَةٍ لَا يُوجَدُ فِيهَا الِاسْتِثْنَاءُ وَأَنَّهُمَا يَجْتَمِعَانِ فِي صُورَةٍ فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَعَمَّ مِنْ الْآخَرِ مِنْ وَجْهٍ وَأَخَصَّ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ وَعَلِمْت فِي أَيِّ صُورَةٍ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَفِي أَيِّ صُورَةٍ يَمْتَنِعُ ظَهَرَ لَك الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْهِمَا وَأَفَادَك ذَلِكَ نَفْعًا عَظِيمًا فِي الْأَيْمَانِ وَالطَّلَاقِ وَغَيْرِهِمَا فَإِنَّ مَنْ اسْتَعْمَلَ وَاحِدًا مِنْهُمَا فِي مَكَان لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ بَطَلَ اسْتِعْمَالُهُ لَهُ وَلَزِمَهُ أَصْلُ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ بِمُقْتَضَى وَضْعِ اللُّغَةِ فَاعْلَمْ ذَلِكَ فَهِيَ قَاعِدَةُ الْفِقْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تَكْفِي فِيهِ النِّيَّةُ فِي الْأَيْمَانِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا تَكْفِي فِيهِ النِّيَّةُ]

[الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى تَقْيِيدُ الْمُطْلَقَاتِ إذَا حَلَفَ لَيُكْرِمَنَّ رَجُلًا وَنَوَى بِهِ زَيْدًا]

الْفَرْقُ الثَّلَاثُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تَكْفِي فِيهِ النِّيَّةُ فِي الْأَيْمَانِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا تَكْفِي فِيهِ النِّيَّةُ)

النِّيَّةُ تَكْفِي فِي تَقْيِيدِ الْمُطْلَقَاتِ وَتَخْصِيصِ الْعُمُومَاتِ وَتَعْمِيمِ الْمُطْلَقَاتِ وَتَعْيِينِ أَحَدِ مُسَمَّيَاتِ الْأَلْفَاظِ الْمُشْتَرِكَاتِ وَصَرْفِ اللَّفْظِ عَنْ الْحَقَائِقِ إلَى الْمَجَازَاتِ وَلَا تَكْفِي عَنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي هِيَ أَسْبَابُ ارْتِفَاعِ حُكْمِ الْيَمِينِ شَرْعًا كَالِاسْتِثْنَاءِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا عَنْ لَفْظٍ مَقْصُودٍ لِلْحَالِفِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَبَبًا شَرْعِيًّا كَلَفْظِ الِاسْتِثْنَاءِ فَتَكْفِي فِي خَمْسَةِ أَنْوَاعٍ وَتُؤَثِّرُ فِيهَا وَلَا تَكْفِي

<<  <  ج: ص:  >  >>