للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَسْبَابِ التَّفْضِيلِ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ وُجُوبُ الصَّلَاةِ فِيهَا إذَا نُذِرَتْ لِأَجْلِ الرُّجْحَانِ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ قُلْت سُؤَالٌ جَلِيلٌ وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الْقَاعِدَةَ الشَّرْعِيَّةَ أَنَّ الْفِعْلَ قَدْ يَكُونُ رَاجِحًا فِي نَفْسِهِ وَلَا يَكُونُ ضَمُّهُ لِرَاجِحٍ آخَرَ فِي نَفْسِهِ رَاجِحًا فِي نَظَرِ الشَّرْعِ وَقَدْ يَكُونُ ضَمُّهُ رَاجِحًا فَمِنْ الْأَوَّلِ الصَّلَاةُ وَالْحَجُّ رَاجِحَانِ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نَفْسِهِ وَلَيْسَ ضَمُّهُمَا رَاجِحًا فِي نَظَرِ الشَّرْعِ وَالصَّوْمُ وَالزَّكَاةُ رَاجِحَانِ مُنْفَرِدَيْنِ وَلَيْسَ ضَمُّهُمَا رَاجِحًا فِي نَظَرِ الشَّرْعِ بَلْ قَدْ يَكُونُ الْفِعْلَانِ رَاجِحَيْنِ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ وَضَمُّهُمَا مَرْجُوحٌ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ كَالصَّوْمِ وَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَالتَّنَفُّلُ فِي الْمُصَلَّى مَعَ صَلَاةِ الْعِيدِ وَالرُّكُوعِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نُهِيت أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا وَسَاجِدًا» وَالدُّعَاءُ فِي بَعْضِ أَجْزَاءِ الصَّلَاةِ كَمَا قَبْلَ التَّشَهُّدِ وَنَحْوِهِ وَمِمَّا رُجِّحَ مُنْفَرِدًا وَمُجْتَمِعًا الصَّوْمُ وَالِاعْتِكَافُ وَالتَّسْبِيحُ وَالرُّكُوعُ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فَاعْتِقَادُ رُجْحَانِ الْمَسَاجِدِ عَلَى غَيْرِهِمَا أَوْ رُجْحَانِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ لَا يُوجِبُ اعْتِقَادَ ضَمِّ الصَّلَاةِ إلَيْهَا لِأَنَّ اعْتِقَادَ الرُّجْحَانِ الشَّرْعِيِّ يَتَوَقَّفُ عَلَى مُدْرَكٍ شَرْعِيٍّ وَلَمْ يَرِدْ بَلْ وَرَدَ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَيْسَ لَك أَنْ تَقُولَ إنَّ رُجْحَانَهَا إنَّمَا ثَبَتَ بِاعْتِبَارِ الصَّلَاةِ فِيهَا فَإِنِّي أَمْنَعُ ذَلِكَ بَلْ مَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى رُجْحَانِهَا بِاعْتِبَارِ الصَّلَاةِ إلَّا بِاعْتِبَارِ صَلَاةِ الْفَرْضِ دُونَ النَّفْلِ مِنْ الصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «خَيْرُ صَلَاةِ أَحَدِكُمْ فِي بَيْتِهِ إلَّا الْمَكْتُوبَةُ» مَعَ أَنَّ الْمَسَاجِدَ مِنْ حَيْثُ هِيَ مَسَاجِدُ مُسْتَوِيَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَكْتُوبَةِ أَيْضًا حَتَّى يَرِدَ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ يَقْتَضِي رُجْحَانَ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ بِاعْتِبَارِ فَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ فَإِنَّ الرُّجْحَانَ الشَّرْعِيَّ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ يَتَوَقَّفُ عَلَى مُدْرَكٍ شَرْعِيٍّ وَالْحَدِيثُ السَّابِقُ اقْتَضَى عَكْسَ ذَلِكَ فَلَا يَجِبُ السَّعْيُ حِينَئِذٍ إلَى مَسْجِدٍ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

الْمَعْلُومِ مِنْ الدَّيْنِ ضَرُورَةٌ أَنَّ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ مِنْهَا فِي غَيْرِهِ وَقَوْلُهُ بَلْ وَرَدَ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ بِعَدَمِ ذَلِكَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ وَرَدَ بِعَدَمِ إعْمَالِ الْمَطِيِّ لَا بِعَدَمِ الْمَشْيِ جُمْلَةً فَإِنَّ إعْمَالَ الْمَطِيِّ أَخَصُّ مِنْ الْمَشْيِ مُطْلَقًا وَنَفْيُ الْأَخَصِّ لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْأَعَمِّ.

قَالَ (وَلَيْسَ لَك أَنْ تَقُولَ إنَّ رُجْحَانَهَا إنَّمَا ثَبَتَ بِاعْتِبَارِ الصَّلَاةِ إلَى قَوْلِهِ فَلَا يَجِبُ السَّعْيُ حِينَئِذٍ إلَى مَسْجِدٍ غَيْرِ الثَّلَاثَةِ وَإِنْ نَذَرَهُ) قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْمَسَاجِدَ مُسْتَوِيَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَكْتُوبَةِ مَعَ تَسْلِيمِهِ قَبْلَ هَذَا أَنَّ بَعْضَهَا أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ لَا يَتَبَيَّنُ لِي مَعْنَاهُ وَإِذَا لَمْ تَكُنْ الْأَعْمَالُ فِي بَعْضِ الْمَسَاجِدِ أَفْضَلَ مِنْ الْأَعْمَالِ فِي غَيْرِهِ فَمَا الْمُرَادُ بِفَضْلِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ يَتَوَقَّفُ عَلَى مُدْرَكٍ شَرْعِيٍّ صَحِيحٌ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْحَدِيثَ السَّابِقَ يَقْتَضِي عَكْسَ ذَلِكَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

فِي نَوْعَيْنِ وَلَا تُؤَثِّرُ فِيهِمَا وَتَتَّضِحُ هَذِهِ السَّبْعَةُ بِذِكْرِ عَشْرِ مَسَائِلَ، لِتَقْيِيدِ الْمُطْلَقَاتِ بِلَا خِلَافٍ مَسْأَلَةٌ، وَلِتَخْصِيصِ الْعُمُومَاتِ بِلَا خِلَافٍ مَسْأَلَةٌ، وَلِلتَّقْيِيدِ وَالتَّخْصِيصِ عَلَى الْخِلَافِ هَلْ يُؤَثِّرُ بِالنِّيَّةِ أَمْ لَا مَسْأَلَةٌ، وَلِتَعْمِيمِ الْمُطْلَقَاتِ مَسْأَلَةٌ، وَلِتَعْيِينِ مُسَمَّيَاتِ الْأَلْفَاظِ الْمُشْتَرِكَاتِ مَسْأَلَةٌ، وَلِصَرْفِ اللَّفْظِ عَنْ الْحَقَائِقِ إلَى الْمَجَازَاتِ مَسْأَلَةٌ، وَلِعَدَمِ كِفَايَتِهَا عَنْ اللَّفْظِ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ شَرْعِيٌّ مَسْأَلَةٌ، وَلِعَدَمِ كِفَايَتِهَا عَنْ لَفْظٍ مَقْصُودٍ لِلْحَالِفِ وَلَيْسَ هُوَ بِسَبَبٍ شَرْعِيٍّ ثَلَاثُ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى)

إذَا حَلَفَ لَيُكْرِمَنَّ رَجُلًا وَنَوَى بِهِ زَيْدًا لَمْ يَبَرَّ بِإِكْرَامِ غَيْرِهِ لِأَنَّ رَجُلًا مُطْلَقٌ وَقَدْ قَيَّدَهُ بِخُصُوصِ زَيْدٍ حَتَّى صَارَ مَعْنَى الْيَمِينِ لَأُكْرِمَنَّ زَيْدًا وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ لَأُكْرِمَنَّ رَجُلًا وَنَوَى بِهِ فَقِيهًا أَوْ زَاهِدًا لَمْ يَبَرَّ بِإِكْرَامِ غَيْرِ الْمَوْصُوفِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَهَذَا مَوْطِنُ إجْمَاعٍ كَمَا قَالَ الْأَصْلُ وَابْنُ الشَّاطِّ.

[الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ تَخْصِيصُ الْعُمُومَاتِ]

(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ)

إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَا لَبِسْت ثَوْبًا وَنَوَى بِهِ مَا عَدَا الْكَتَّانَ خَاصَّةً لَمْ يَحْنَثْ إذَا لَبِسَ الْكَتَّانَ وَإِنَّمَا يَحْنَثُ إذَا لَبِسَ غَيْرَ الْكَتَّانِ لِأَنَّ نِيَّتَهُ خَصَّصَتْ الثَّوْبَ الْمَحْلُوفَ بِعَدَمِ لُبْسِهِ بِمَا عَدَا الْكَتَّانَ وَهُوَ مَحَلُّ وِفَاقٍ كَمَا قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ

[الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ الْمُحَاشَاةُ]

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ)

اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الِاكْتِفَاءِ بِالنِّيَّةِ فِي تَقْيِيدِ الْمُطْلَقَاتِ وَتَخْصِيصِ الْعُمُومَاتِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِمَا بِغَيْرِ الدَّلَالَةِ الْوَضْعِيَّةِ الْمُطَابِقِيَّةِ فَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ وَلَا تُؤَثِّرُ النِّيَّةُ فِي ذَلِكَ تَقْيِيدًا وَلَا تَخْصِيصًا وَقَالَتْ بَقِيَّةُ الْفِرَقِ تُؤَثِّرُ النِّيَّةُ فِي الْمَدْلُولِ الْتِزَامًا وَتَضَمُّنًا تَقْيِيدًا وَتَخْصِيصًا كَالْمُطَابَقَةِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ وَمَثَّلُوا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِقَوْلِ الْقَائِلِ وَاَللَّهِ لَا أَكَلْت فَقَالَتْ الْفِرَقُ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ يَجُوزُ أَنْ يَنْوِيَ مَأْكُولًا مُعَيَّنًا فَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ غَيْرِهِ وَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ لَا يَجُوزُ دُخُولُ النِّيَّةِ هَا هُنَا وَإِنْ نَوَى بَطَلَتْ نِيَّتُهُ وَحَنِثَ بِأَيِّ مَأْكُولٍ أَكَلَهُ لِأَنَّ لَفْظَ الْفِعْلِ الْمُتَعَدِّي لَا يَدُلُّ عَلَى الْمَفْعُولِ الَّذِي هُوَ الْمَأْكُولُ بَلْ وَلَا عَلَى الْفَاعِلِ بِالْمُطَابِقَةِ بَلْ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ إمَّا بِالتَّضَمُّنِ وَإِمَّا بِالِالْتِزَامِ عَلَى الْخِلَافِ فِي كَوْنِ النِّسْبَةِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا دَاخِلَةً فِي مَفْهُومِ الْفِعْلِ وَهُوَ مَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الشَّاطِّ وَبِهِ صَرَّحَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ كَالْعَضُدِ وَالْعِصَامِ وَالسَّيِّدِ والفتري وَشَيْخِ الْإِسْلَامِ الْهَرَوِيِّ وَإِلَيْهِ يُشِيرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>