للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ إذَا قَالَ أَنَا كَاذِبٌ فِي الْخَبَرِ الْأَخِيرِ هُوَ كَاذِبٌ لَتَأَخَّرَ الْخَبَرُ عَنْ الْمُخْبَرِ عَنْهُ بِالرُّتْبَةِ، وَتَأَخُّرُ الشَّيْءِ عَنْ نَفْسِهِ مُحَالٌ لَكِنْ الْكَذِبُ أَعَمُّ مِمَّا ادَّعَاهُ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فَلَا يَلْزَمُ مَا قَالَهُ.

(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) وَعْدُ اللَّهِ تَعَالَى وَوَعِيدُهُ وَقَعَ لِابْنِ نَبَاتَةَ فِي خُطْبَةٍ " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي إذَا وَعَدَ وَفَى وَإِذَا أَوْعَدَ تَجَاوَزَ وَعَفَا " وَحَسُنَ ذَلِكَ عِنْدَهُ مَا جَرَتْ الْعَوَائِدُ بِهِ مِنْ التَّمَدُّحِ بِالْوَفَاءِ فِي الْوَعْدِ وَالْعَفْوِ فِي الْوَعِيدِ.

قَالَ الشَّاعِرُ:

وَإِنِّي إذَا أَوْعَدْتُهُ أَوْ وَعَدْتُهُ ... لَمُخْلِفُ إيعَادِي وَمُنْجِزُ مَوْعِدِي

تَمَدَّحَ بِهِمَا، وَقَدْ أَنْكَرَ الْعُلَمَاءُ عَلَى ابْنِ نَبَاتَةَ ذَلِكَ، وَتَقْرِيرُ الْإِنْكَارِ أَنَّ كَلَامَهُ هَذَا يُشْعِرُ بِثُبُوتِ الْفَرْقِ بَيْنَ وَعْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَوَعِيدِهِ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مُحَالٌ عَقْلًا؛ لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ صُورَةَ اللَّفْظِ وَمَا دَلَّ عَلَيْهِ بِوَضْعِهِ اللُّغَوِيِّ مِنْ الْعُمُومِ فَإِنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي جَوَازِ دُخُولِ التَّخْصِيصِ فِيهِمَا، فَكَمَا دَخَلَ التَّخْصِيصُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: ٨] بِمَنْ عُفِيَ عَنْهُ تَفَضُّلًا أَوْ بِالتَّوْبَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَلَمْ يَرَ شَرًّا مَعَ عَمَلِهِ لَهُ فَكَذَلِكَ دَخَلَ التَّخْصِيصُ فِي قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: ٧] بِمَنْ حَبِطَ عَمَلُهُ بِرِدَّتِهِ وَسُوءِ خَاتِمَتِهِ أَوْ أُخِذَتْ أَعْمَالُهُ فِي الظُّلَامَاتِ بِالْقِصَاصِ وَغَيْرِهِ، فَلَمْ يَرَ خَيْرًا مَعَ أَنَّهُ عَمِلَهُ، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ إخْبَارَاتِ الْوَعِيدِ وَالْوَعْدِ يَخْرُجُ مِنْهَا مَنْ لَمْ يُرِدْ بِاللَّفْظِ وَيَبْقَى الْمُرَادُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَإِنْ أُرِيدَ بِالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ مَنْ أُرِيدَ بِالْخِطَابِ وَمَنْ قَصَدَ بِالْإِخْبَارِ عَنْهُ بِالنَّعِيمِ أَوْ الْعِقَابِ فَيَسْتَحِيلُ أَنَّ مَنْ أَرَادَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْخَبَرِ أَنْ لَا يَقَعَ مُخْبَرُهُ.

وَإِلَّا لَحَصَلَ الْخُلْفُ الْمُسْتَحِيلُ عَقْلًا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بَلْ يَجِبُ حُصُولُ النَّعِيمِ لِمَنْ أَرَادَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْإِخْبَارِ عَنْ نَعِيمِهِ وَحُصُولِ الْعِقَابِ لِمَنْ أَرَادَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْإِخْبَارِ عَنْ عِقَابِهِ لِئَلَّا يَلْزَمَ الْخُلْفُ فَحِينَئِذٍ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا أَيْضًا فَإِنَّ قُلْتَ إنْ أُرِيدَ بِالْوَعِيدِ صُورَةُ الْعُمُومِ وَهُوَ قَابِلٌ لِلتَّخْصِيصِ وَبِالْوَعْدِ مَنْ أُرِيدَ بِالْخِطَابِ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ فِيهِ الْوَفَاءُ بِذَلِكَ الْمَوْعُودِ يَنْدَفِعُ الْمُحَالُ، وَتَصِحُّ هَذِهِ الْعِبَارَةُ قُلْتُ هَذَا يُمْكِنُ غَيْرَ أَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَعْفُو عَمَّنْ أُرِيدَ بِالْوَعِيدِ وَلَا يَقْتَصِرُ الْمَفْهُومُ عَلَى التَّخْصِيصِ فَقَطْ كَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ التَّمَدُّحِ بِالْعَفْوِ وَإِنْ أَكْذَبَ أَحَدُنَا نَفْسَهُ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

فَإِنَّ الْكَذِبَ جَائِزٌ عَلَيْنَا ... وَنَمْدَحُ بِهِ وَيَحْسُنُ مِنَّا فِي مَوَاطِنَ

وَهُوَ مُحَالٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَإِذَا أَوْهَمَ مِثْلَ هَذَا حَرُمَ إطْلَاقُهُ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ مَا يُوهِمُ مُحَالًا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى حَرَامٌ.

(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا فَرَضْنَا رَجُلًا صَادِقًا عَلَى الْإِطْلَاقِ وَهُوَ زَيْدٌ فَقُلْنَا

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ شِهَابُ الدِّينِ: (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ وَعْدُ اللَّهِ تَعَالَى وَوَعِيدُهُ وَقَعَ لِابْنِ نَبَاتَةَ فِي خُطْبَةٍ " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي إذَا وَعَدَ وَفَى، وَإِذَا أَوْعَدَ تَجَاوَزَ وَعَفَا إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْتُ: جَزَمَ الشِّهَابُ بِخَطَأِ ابْنِ نَبَاتَةَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُخَرَّجَ لِكَلَامِهِ وَجْهٌ، وَهُوَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخَصِّصُهُ إلَّا الرِّدَّةُ لَا غَيْرُ وَوَعِيدُهُ يُخَصِّصُهُ الْإِيمَانُ، وَهُوَ نَظِيرُ الرِّدَّةِ وَالتَّوْبَةِ وَالشَّفَاعَةِ وَالْمَغْفِرَةِ وَلَا مُقَابِلَ لَهَا فِي جِهَةِ الْوَعْدِ فَلَمَّا كَانَ الْوَعْدُ مُخَصِّصَاتُهُ أَقَلُّ مِنْ مُخَصِّصَاتِ الْوَعِيدِ صَحَّ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ إيهَامِ الْعَفْوِ عَمَّنْ أُرِيدَ بِالْوَعِيدِ لَيْسَ مِنْ الْإِيهَامِ الْمَمْنُوعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ شِهَابُ الدِّينِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ إذَا فَرَضْنَا رَجُلًا صَادِقًا عَلَى الْإِطْلَاقِ وَهُوَ زَيْدٌ فَقُلْنَا

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

[الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ كَذِبُ نَتِيجَةِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ الصَّادِقَتَيْنِ]

ِ فِي الشَّكْلِ الْأَوَّلِ الْمُنْتَظِمِ بِنَحْوِ قَوْلِكَ الْفُولُ يَغْذُو الْحَمَامَ وَالْحَمَامُ يَغْذُو الْبَازِيَ يَنْتِجُ الْفُولُ يَغْذُو الْبَازِيَ وَهَذَا خَبَرٌ كَاذِبٌ إذْ الْبَازِي لَا يَأْكُلُ إلَّا اللَّحْمَ إنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ فَوَاتِ شَرْطِ الْإِنْتَاجِ الَّذِي هُوَ اتِّحَادُ الْوَسَطِ فَإِنَّ ضَابِطَ اتِّحَادِهِ فِي الشَّكْلِ الْأَوَّلِ أَنْ تَأْخُذَ عَيْنَ خَبَرِ الْمُقَدِّمَةِ الْأُولَى فَتَجْعَلَهُ مُبْتَدَأً فِي الثَّانِيَةِ، وَهُنَا لَمْ تَأْخُذْهُ بَلْ أَخَذْتَ مَفْعُولَهُ وَجَعَلْتَهُ مُبْتَدَأً فِي الثَّانِيَةِ، وَنَظِيرُهُ أَنْ تَقُولَ زَيْدٌ مُكْرِمٌ خَالِدًا وَخَالِدٌ مُكْرِمٌ عَمْرًا يَنْتِجُ زَيْدٌ مُكْرِمٌ عَمْرًا، وَذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ زَيْدٌ عَدُوًّا لِعَمْرٍو فَلَمْ يُكْرِمْهُ فَظَهَرَ أَنَّهُ مَتَى أَخَذْتَ مَفْعُولَ الْوَسَطِ بَطَلَ الْإِنْتَاجُ، وَمَتَى أَخَذْتَهُ نَفْسَهُ فَهُوَ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْإِنْتَاجُ وَيَصْدُقُ مَعَهُ الْخَبَرُ النَّاشِئُ مِنْ الْقِيَاسِ.

[الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ الْمُنْقَسِمَ إلَى شَيْئَيْنِ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا]

(الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ) كَذِبُ نَتِيجَةِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ الصَّادِقَتَيْنِ فِي الشَّكْلِ الْأَوَّلِ الْمُنْتَظِمِ بِنَحْوِ قَوْلِكَ كُلُّ زَوْجٍ عَدَدٌ، وَالْعَدَدُ إمَّا زَوْجٌ أَوْ فَرْدٌ يَنْتِجُ الزَّوْجُ إمَّا زَوْجٌ أَوْ فَرْدٌ، وَهَذَا خَبَرٌ كَاذِبٌ إذْ الشَّيْءُ لَا يَنْقَسِمُ إلَى نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ إنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ أَنَّكَ إنْ أَرَدْتَ بِلَفْظِ الْعَدَدِ فِي الْمُقَدِّمَةِ الثَّانِيَةِ الْعَدَدَ فِي أَيِّ حَالَةٍ كَانَ مَعْنَى كَلَامِكَ الْعَدَدُ حَالَةَ كَوْنِهِ زَوْجًا أَوْ حَالَةَ كَوْنِهِ فَرْدًا هُوَ مُنْقَسِمٌ إلَى الزَّوْجِ وَالْفَرْدِ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الشَّيْءَ لَا يَنْقَسِمُ إلَى نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ فَهَذِهِ الْمُقَدِّمَةُ كَاذِبَةٌ ضَرُورَةً عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ، وَإِنْ أَرَدْتَ بِلَفْظِ الْعَدَدِ الْعَدَدَ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ كَانَ إشَارَةً إلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ جَمِيعِ الْأَعْدَادِ، وَانْقِسَامُ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ إلَى أَنْوَاعٍ صَادِقٌ فَصَدَقَتْ الْمُقَدِّمَةُ الثَّانِيَةُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ إلَّا أَنَّهَا جُزْئِيَّةٌ فَإِنَّ الْمُشْتَرَكَ يَكْفِي فِي تَحَقُّقِهِ صُورَةً وَاحِدَةً، وَلِأَنَّ كُلِّيَّةَ الْمُنْفَصِلَةِ إنَّمَا تَكُونُ عِنْدَ أَرْبَابِ الْمَنْطِقِ إذَا سُوِّرَتْ بِمَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ ثَابِتٌ لِذَلِكَ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَعَلَى جَمِيعِ التَّقَادِيرِ، وَشَرْطُ الْإِنْتَاجِ كُلِّيَّةُ الْمُقَدِّمَةِ الثَّانِيَةِ فَظَهَرَ أَنَّ كَذِبَ النَّتِيجَةِ إمَّا لِكَذِبِ الْمُقَدِّمَةِ الثَّانِيَةِ، وَإِمَّا لِفَوَاتِ شَرْطِ الْإِنْتَاجِ الَّذِي هُوَ كُلِّيَّتُهَا

[الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ الْوَتَدُ فِي الْحَائِطِ وَالْحَائِطُ فِي الْأَرْضِ يَنْتِجُ قَوْلُهُ الْوَتَدُ فِي الْأَرْضِ]

(الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ) إذَا قُلْنَا إنَّ مَعْنَى تَسْمِيَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>