للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ حَصَلَ لَهُ أَيْضًا تَعَلُّقٌ فِي مَسْأَلَةِ الرَّجْعَةِ وَالْمَفْقُودِ وَغَيْرِهِمَا فَلِمَ كَانَ دَفْعُ ضَرَرِ الثَّانِي أَوْلَى مِنْ الْأَوَّلِ لَا سِيَّمَا وَصُحْبَةُ الْأَوَّلِ أَطْوَلُ وَمُعَاهَدٌ قَضَاءُ الْأَوْطَارِ بَيْنَهُمَا أَكْثَرُ قَالَ الشَّاعِرُ:

" مَا الْحُبُّ إلَّا لِلْحَبِيبِ الْأَوَّلِ

" قُلْت بَلْ ضَرَرُ الثَّانِي هُوَ الْأَوْلَى بِالْمُرَاعَاةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَوَّلَ أَعْرَضُ بِالطَّلَاقِ، وَتَوَحُّشُ الْعِصْمَةِ إمَّا بِالطَّلَاقِ وَإِمَّا بِالْفِرَاقِ مِنْ غَيْرِ طَلَاقٍ وَإِمَّا بِحُصُولِ السَّآمَةِ مِنْ طُولِ الْمُبَاشَرَةِ وَقَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ أَنَّ طُولَ صُحْبَةِ الْمَرْأَةِ تُوجِبُ قِلَّةَ وَقْعِهَا فِي النَّفْسِ وَأَنَّ جِدَّتَهَا تُوجِبُ شِدَّةَ وَقْعِهَا فِي النَّفْسِ وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَنَّ ضَرَرَ الثَّانِي أَقْوَى وَأَوْلَى بِالْمُرَاعَاةِ فَهَذَا هُوَ سِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَنْكِحَةِ فِي هَذَا الْبَابِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْوَكَالَاتِ فِي السِّلَعِ وَالْإِجَارَاتِ فَإِنْ قُلْت قَدْ سَرَدْت ثِنْتَيْ عَشَرَةَ مَسْأَلَةً مِنْهَا ثَمَانِيَةٌ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَمِنْهَا أَرْبَعٌ تُعَارِضُهَا وَهِيَ نَقْضٌ عَلَى مَا ذَكَرْته مِنْ الْفَرْقِ وَالنَّقْضُ مُوجِبٌ لِعَدَمِ الِاعْتِبَارِ فَيُلْغَى مَا ذَكَرْتَهُ مِنْ الْفَرْقِ مَا لَمْ تُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا قُلْت مَا ذَكَرْتَهُ سُؤَالٌ حَسَنٌ مَسْمُوعٌ وَبَيَانُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْأَرْبَعَةِ وَالثَّمَانِيَةِ يَتَّضِحُ بِأَنْ تُعَيِّنَ أَقْرَبَ الثَّمَانِيَةِ لِلْأَرْبَعَةِ وَتُبَيِّنَ الْفَرْقَ بَيْنَ تِلْكَ الصُّورَةِ وَتِلْكَ الْأَرْبَعَةِ فَيَحْصُلَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَرْبَعَةِ وَالثَّمَانِيَةِ أَوْ تَعَيَّنَ أَقْرَبُ الصُّوَرِ الثَّمَانِيَةِ لِعَدَمِ الْفَوَاتِ بِالدُّخُولِ وَأَقْرَبُ الْأَرْبَعَةِ لِلْفَوَاتِ بِالدُّخُولِ وَتُفَرِّقُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ فَيَكُونُ الْفَرْقُ قَدْ حَصَلَ بَيْنَ الْجَمِيعِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى فَإِنَّهُ إذَا حَصَلَ بِاعْتِبَارٍ الْأَبْعَدِ حَصَلَ بِاعْتِبَارِ الْأَقْرَبِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى فَنَقُولُ: كُلُّ مَسْأَلَةٍ دَخَلَ فِيهَا حُكْمُ حَاكِمٍ مِنْ هَذِهِ الثَّمَانِي فَهِيَ أَقْرَبُ إلَى التَّفْوِيتِ بِالدُّخُولِ مِنْ الصُّورَةِ الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ فِيهَا حُكْمُ حَاكِمٍ بِسَبَبِ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ فَسْخِ النِّكَاحِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ إنَّ الْحَاكِمَ إذَا حَكَمَ بِالطَّلَاقِ بِشَهَادَةِ زُورٍ نَفَذَ الطَّلَاقُ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ وَكَذَلِكَ إذَا حَكَمَ بِالنِّكَاحِ وَالزَّوْجِيَّةِ بِشُهُودِ زُورٍ ثَبَتَ النِّكَاحُ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ وَجَازَ لِأَحَدِ تِلْكَ الشُّهُودِ الزُّورِ أَنْ يَتَزَوَّجَ تِلْكَ الْمَرْأَةَ الَّتِي شَهِدَ بِطَلَاقِهَا مَعَ عِلْمِهِ بِكَذِبِ نَفْسِهِ وَأُبِيحَتْ الزَّوْجَةُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُخْرَى فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَإِنْ لَمْ يُصَادِفْ عَقْدًا وَلَا طَلَاقًا لَكِنَّ حُكْمَهُ نَفْسَهُ يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الطَّلَاقِ وَالنِّكَاحِ وَلِهَذَا الْمُدْرَكِ عَمَّمَ نُفُوذَ الْأَحْكَامِ بِشَهَادَةِ الزُّورِ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ دُونَ الدُّيُونِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْقَضَايَا فَإِنَّ الدَّيْنَ وَنَحْوَهُ لَا يَدْخُلُ حُكْمَ الْحَاكِمِ فَتَسْتَقِلُّ الذِّمَّةُ بِهِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

وَالْبَدْرِ فِي الْمَرْأَةِ الْجَمِيلَةِ وَلَفْظِ الْغَيْثِ وَالْبَحْرِ وَالْغَمَامِ فِي الرَّجُلِ السَّخِيِّ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَنْصَرِفُ عَنْ حَقِيقَتِهِ إلَى الْمَجَازِ إلَّا بِقَرِينَةٍ صَارِفَةٍ إلَيْهِ فَالنَّقْلُ أَخَصُّ مِنْ التَّكَرُّرِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ التَّكَرُّرِ النَّقْلُ لِأَنَّ الْأَعَمَّ لَا يَسْتَلْزِمُ الْأَخَصَّ وَإِذَا لَمْ يَصِرْ اللَّفْظُ مَنْقُولًا بِمُجَرَّدِ التَّكَرُّرِ لَا يَجُوزُ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى شَيْءٍ تَكَرَّرَ اللَّفْظُ فِيهِ وَلَمْ يَكُنْ اللَّفْظُ مَوْضُوعًا لَهُ إلَّا بِقَرِينَةٍ وَلَا يَعْتَمِدُ عَلَى مُطْلَقِ التَّكَرُّرِ فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ وَبِهِ يَظْهَرُ بُطْلَانُ مَا وَقَعَ فِي مَذْهَبِنَا فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا أَفْعَلُ شَيْئًا حِينًا أَوْ زَمَنًا أَوْ دَهْرًا وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَذَلِكَ كُلُّهُ سَنَةٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُحْمَلُ عَلَى الْعُرْفِ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ حَنْبَلٍ ذَلِكَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} [إبراهيم: ٢٥] أَيْ فِي سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَاهُ بَلْ النَّخْلَةُ مِنْ ابْتِدَاءِ حَمْلِهَا إلَى نِهَايَتِهِ تِسْعَةُ أَشْهُرٍ تُعْطِي ثَمَرَهَا حِينَئِذٍ وَهُوَ أَحَدُ الْوُجُوهِ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ الَّتِي وَقَعَتْ الْمُشَابَهَةُ فِيهَا بَيْنَ النَّخْلَةِ وَبَيْنَ بَنَاتِ آدَمَ وَقَدْ ذُكِرَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَكْرِمُوا عَمَّتَكُمْ النَّخْلَةَ» قَالُوا لِأَنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ فَضْلَةِ طِينَةِ آدَمَ فَهِيَ عَمَّةٌ بِهَذَا الْمَعْنَى وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ تَرَدُّدًا فِي الدَّهْرِ هَلْ هُوَ سَنَةٌ أَمْ لَا وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ سَنَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} [إبراهيم: ٢٥] إشَارَةً إلَى أَنَّ النَّخْلَةَ إذَا حَمَلَتْ بِالثَّمَرَةِ فِي وَقْتِ لَا تَحْمِلُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَهَذِهِ الْإِشَارَاتُ كُلُّهَا إلَى أَصْلِ وُجُوهِ الِاسْتِعْمَالِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ حُصُولِ أَصْلِ الِاسْتِعْمَالِ أَنْ يُحْمَلَ اللَّفْظُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ صَارِفَةٍ وَالْمَنْقُولُ فِي اللُّغَةِ أَنَّ الْحِينَ اسْمٌ لِجُزْءٍ مَا مِنْ الزَّمَانِ وَإِنْ قَلَّ فَهُوَ يَصْدُقُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ مِنْ قَبِيلِ صِدْقِ الْمُتَوَاطِئِ عَلَى أَفْرَادِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ الْمُتَوَاطِئِ فِي بَعْضِ أَفْرَادِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً أَوْ مَرَّاتٍ أَنْ يُقَالَ لَهُ شَرْعِيٌّ وَلَا عُرْفِيٌّ بَلْ ذَلِكَ شَأْنُ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ الْمُتَوَاطِئِ يَنْتَقِلُ فِي أَفْرَادِهِ فَالْمُتَّجَهُ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَدْ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ كَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَقَاعِدَةِ النَّقْلِ وَظَهَرَ بِظُهُورِهِ الْحَقُّ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَعَذُّرِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ عَقْلًا وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَعَذُّرِهِ عَادَةً أَوْ شَرْعًا]

(الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَعَذُّرِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ عَقْلًا وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَعَذُّرِهِ عَادَةً أَوْ شَرْعًا)

وَهُوَ أَنَّ النَّاسَ إنَّمَا يَقْصِدُونَ بِأَيْمَانِهِمْ الْحَثَّ عَلَى الْفِعْلِ الْمُمْكِنِ لَهُمْ فَالْحَلِفُ عَلَى الشَّيْءِ مَشْرُوطٌ بِإِمْكَانِهِ وَالْمُتَعَذِّرُ عَقْلًا لَيْسَ بِمُمْكِنٍ فَلَمْ يُوضَعْ اللَّفْظُ فِي الْقِسْمِ حَاثًّا عَلَيْهِ فَلَا يُوجِبُ حِنْثًا لِأَنَّ فَوَاتَ الشَّرْطِ يُوجِبُ عَدَمَ الْمَشْرُوطِ فَإِذَا حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>