للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَغَيْرَهُ غَيْرُ نَاطِقٍ هَذَا هُوَ مَدْلُولُ وَحْدَهُ لُغَةً فَإِنْ جَعَلْنَا مُقَدِّمَةَ الدَّلِيلِ هِيَ الْمُوجِبَةُ وَحْدَهَا صَحَّ الْكَلَامُ فَإِنَّهُ يَصِيرُ الْإِنْسَانُ نَاطِقًا، وَكُلُّ نَاطِقٍ حَيَوَانٌ فَيَنْتِجُ كُلُّ إنْسَانٍ حَيَوَانٌ وَلَا مُحَالَ فِي هَذَا.

وَإِنْ جَعَلْنَا مُقَدِّمَةَ الْقِيَاسِ هِيَ السَّالِبَةُ لَمْ يَصِحَّ الْإِنْتَاجُ لِفَوَاتِ شَرْطِهِ وَهُوَ أَنَّ الشَّكْلَ الْأَوَّلَ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ تَكُونَ صُغْرَاهُ مُوجَبَةً وَهَذِهِ سَالِبَةٌ فَلَا يَصِحُّ أَلَا تَرَى أَنَّكَ إذَا قُلْتَ لَا شَيْءَ مِنْ الْإِنْسَانِ بِحَجَرٍ، وَكُلُّ حَجَرٍ جِسْمٌ كَانَتْ النَّتِيجَةُ لَا شَيْءَ مِنْ الْإِنْسَانِ بِجِسْمٍ وَهُوَ بَاطِلٌ فَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مُقَدِّمَةُ الْقِيَاسِ فِي هَذَا الشَّكْلِ مُوجَبَةً إذَا كَانَتْ صُغْرَى وَهَذَا الْكَلَامُ قَدْ جُعِلَتْ فِيهِ سَالِبَةً فَلِذَلِكَ حَصَلَ فِيهِ أَمْرٌ مُحَالٌ، وَإِنْ جَعَلْنَا مَجْمُوعَ الْمُقَدِّمَتَيْنِ مُقَدِّمَةً وَاحِدَةً امْتَنَعَ أَيْضًا فَإِنَّهُ لَا قِيَاسَ عَنْ ثَلَاثِ مُقَدِّمَاتٍ، وَيَلْزَمُ الْفَسَادُ مِنْ كَوْنِ إحْدَاهُمَا سَالِبَةً كَمَا تَقَدَّمَ.

(الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) نَقُولُ الْفُولُ يَغْذُو الْحَمَامَ وَالْحَمَامُ يَغْذُو الْبَازِيَ فَالْفُولُ يَغْذُو الْبَازِيَ الْمُقَدِّمَتَانِ صَادِقَتَانِ وَالْخَبَرُ الَّذِي أَنْتَجَتَاهُ كَاذِبٌ وَهُوَ قَوْلُنَا الْفُولُ يَغْذُو الْبَازِيَ فَإِنَّهُ لَا يَأْكُلُ إلَّا اللَّحْمَ فَكَيْفَ يُنْتِجُ الصَّادِقُ الْكَاذِبَ؟ وَذَلِكَ يُخِلُّ بِنِظَامِ الِاسْتِدْلَالِ.

وَالْجَوَابُ أَنَّ الْفَسَادَ جَاءَ مِنْ جِهَةِ عَدَمِ اتِّحَادِ الْوَسَطِ فَإِنْ قُلْنَا الْفُولُ يَغْذُو الْحَمَامَ الْأَصْلُ أَنْ نَقُولَ وَكُلُّ مَا يَغْذُو الْحَمَامَ يَغْذُو الْبَازِيَ وَلَمْ نَأْخُذْهُ بَلْ أَخَذْنَا مَفْعُولَ الْمَحْمُولِ وَضَابِطُ اتِّحَادِ الْوَسَطِ الَّذِي هُوَ شَرْطُ الْإِنْتَاجِ أَنْ تَأْخُذَ عَيْنَ الْخَبَرِ فِي الْمُقَدِّمَةِ الْأُولَى فَنَجْعَلُهُ مُبْتَدَأً فِي الثَّانِيَةِ، وَهُنَا لَمْ تَأْخُذْهُ بَلْ أَخَذْتَ مَفْعُولَهُ وَجَعَلْتَهُ مُبْتَدَأً فِي الثَّانِيَةِ فَلَمْ يَتَّحِدْ الْوَسَطُ وَإِذَا لَمْ يَتَّحِدْ الْوَسَطُ لَمْ يَحْصُلْ الْإِنْتَاجُ، وَنَظِيرُهُ أَنْ تَقُولَ زَيْدٌ مُكْرِمٌ خَالِدًا وَخَالِدٌ مُكْرِمٌ عَمْرًا يَنْتِجُ زَيْدٌ مُكْرِمٌ عَمْرًا، وَذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ زَيْدٌ عَدُوًّا لِعَمْرٍو فَلَمْ يُكْرِمْهُ، وَعَلَى هَذَا السُّؤَالِ مَتَى أَخَذْتَ مَفْعُولَ الْوَسَطِ بَطَلَ الْإِنْتَاجُ، وَمَتَى أَخَذْتَهُ نَفْسَهُ فَهُوَ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْإِنْتَاجُ، وَيَصْدُقُ مَعَهُ الْخَبَرُ فَتَأَمَّلْ

(الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ) تَقُولُ كُلُّ زَوْجٍ عَدَدٌ وَالْعَدَدُ إمَّا زَوْجٌ أَوْ فَرْدٌ يَنْتِجُ الزَّوْجُ إمَّا زَوْجٌ أَوْ فَرْدٌ، وَالْإِخْبَارُ عَنْ كَوْنِ الزَّوْجِ مُنْقَسِمًا إلَى الزَّوْجِ وَالْفَرْدِ كَاذِبٌ فَإِنَّ الْمُنْقَسِمَ إلَى شَيْئَيْنِ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا وَالزَّوْجُ لَيْسَ مُشْتَرَكًا فِيهِ بَيْنَ الزَّوْجِ وَالْفَرْدِ فَالْمُقَدِّمَاتُ صَادِقَةٌ وَالْخَبَرُ الَّذِي أَنْتَجَتْهُ كَاذِبٌ فَيَلْزَمُ الْمُحَالُ كَمَا تَقَدَّمَ.

وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُحَالَ إنَّمَا نَشَأَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمُقَدِّمَةَ الثَّانِيَةَ فِي هَذَا الشَّكْلِ مِنْ شَرْطِهَا أَنْ تَكُونَ كُلِّيَّةً، وَقَوْلُنَا الْعَدَدُ إمَّا زَوْجٌ أَوْ فَرْدٌ قَضِيَّةٌ مُنْفَصِلَةٌ نَصَّ أَرْبَابُ الْمَنْطِقِ عَلَى أَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ كُلِّيَّةً بِأَزْمَانِهَا وَأَوْضَاعِهَا فَإِنْ لَمْ تَقَعْ الْإِشَارَةُ إلَى

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

ذَلِكَ وَهُوَ جَوَابٌ حَسَنٌ وَلِقَائِلٍ أَنْ يُجِيبَ بِأَنَّ الْمُقَدِّمَةَ الْأُولَى لَمَّا قُيِّدَ مَوْضُوعُهَا بِوَحْدِهِ كَانَ يَجِبُ أَنْ يَذْكُرَ الْمَوْضُوعَ فِي الثَّانِيَةِ مُقَيَّدًا بِقَيْدِهِ وَلَوْ ذُكِرَ كَذَلِكَ لَظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْمُقَدِّمَةِ الثَّانِيَةِ إذْ لَيْسَ الْإِنْسَانُ وَحْدَهُ حَيَوَانًا بَلْ هُوَ وَغَيْرُهُ، فَفَسَادُ النَّتِيجَةِ لِفَسَادِ إحْدَى الْمُقَدِّمَتَيْنِ، وَهَذَا الْجَوَابُ مُغْنٍ عَنْ الْجَوَابِ الْأَوَّلِ مَعَ أَنَّهُ حَسَنٌ.

قَالَ شِهَابُ الدِّينِ (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ)

تَقُولُ الْفُولُ يَغْذُو الْحَمَامَ، وَالْحَمَامُ يَغْذُو الْبَازِيَ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ قُلْتُ: جَوَابُهُ ظَاهِرٌ صَحِيحٌ

قَالَ (الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ)

تَقُولُ كُلُّ زَوْجٍ عَدَدٌ وَالْعَدَدُ إمَّا زَوْجٌ أَوْ فَرْدٌ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ قُلْتُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْجَوَابِ صَحِيحٌ ظَاهِرٌ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

وَيَاقُوتٌ وَحَيَوَانٌ، وَكَذَا عَلَى قَوْلِنَا هَذَا الْجَبَلُ ذَهَبٌ بِنَحْوِ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ قَالَ إنَّهُ ذَهَبٌ قَالَ إنَّهُ جِسْمٌ، وَكُلَّ مَنْ قَالَ إنَّهُ جِسْمٌ صَادِقٌ يَنْتِجُ أَنَّ كُلَّ مَنْ قَالَ إنَّهُ ذَهَبٌ صَادِقٌ، فَلَمْ يَلْزَمْ بِكَذِبِهَا الْمُحَالُ، وَهُوَ إنْتَاجُ الصَّادِقِ الْخَبَرَ الْكَاذِبَ الْمُؤَدِّيَ لِبُطْلَانِ بَابِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى أَنَّا لَوْ قُلْنَا فِي الِاسْتِدْلَالِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّ الْقَائِلَ بِأَنَّهُ ذَهَبٌ قَائِلٌ بِأَنَّهُ جِسْمٌ صَادِقٌ يَنْتِجُ أَنَّ كُلَّ قَائِلٍ بِأَنَّهُ ذَهَبٌ صَادِقٌ وَسَلَّمْنَا عَدَمَ فَوَاتِ شَرْطِ الْإِنْتَاجِ الْمَذْكُورِ حِينَئِذٍ، أُجِيبُ بِوُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ: أَحَدُهَا أَنَّ الْكَلَامَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّقْدِيرِ لَا عَلَى نَفْسِ الْأَمْرِ وَلَا مَحْذُورَ فِي الْتِزَامِ أَنَّ الْجَبَلَ ذَهَبٌ عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِ وَلَا فِي كَوْنِ الْمُحَالِ فِي النَّتِيجَةِ نَشَأَ عَنْهُ

وَثَانِيهَا أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْقَائِلَ بِأَنَّهُ ذَهَبٌ قَائِلٌ بِأَنَّهُ جِسْمٌ إذْ يَجُوزُ فِي الْمُحَالِ أَنْ يَلْزَمَهُ الْمُحَالُ، وَهُوَ كَوْنُ الذَّهَبِ لَيْسَ بِجِسْمٍ فَتَبْطُلُ الْمُقَدِّمَةُ الْأُولَى فَلَا تَلْزَمُ النَّتِيجَةُ. وَثَالِثُهَا أَنَّا وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ صَادِقٌ إلَّا أَنَّا لَا نُسَلِّمُ صِحَّةَ الْمُقَدِّمَاتِ ضَرُورَةَ أَنَّهُ لَيْسَ بِصَادِقٍ فِي كُلٍّ مِنْ قَوْلِهِ أَنَّهُ ذَهَبٌ وَقَوْلِهِ أَنَّهُ جِسْمٌ بَلْ هُوَ صَادِقٌ فِي الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ فَلَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُ السَّائِلِ مِنْ أَنَّهُ صَادِقٌ فِي قَوْلِهِ إنَّهُ ذَهَبٌ لَا سِيَّمَا، وَقَوْلُنَا صَادِقٌ لَفْظٌ مُطْلَقٌ يَصْدُقُ بِفَرْدٍ وَصُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ قَوْلُهُ إنَّهُ جِسْمٌ فَانْدَفَعَ الْإِشْكَالُ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَم.

[الْفَرْقُ بَيْنَ الشَّرْطِ اللُّغَوِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الشُّرُوطِ الْعَقْلِيَّةِ وَالشَّرْعِيَّةِ وَالْعَادِيَّةِ]

(الْفَرْقُ الثَّالِثُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الشُّرُوطِ اللُّغَوِيَّةِ وَقَاعِدَةِ غَيْرِهَا) مِنْ الشُّرُوطِ الْعَقْلِيَّةِ وَالشَّرْعِيَّةِ وَالْعَادِيَةِ وَبَيْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا مَعَ الْآخَرِ مِنْهَا فَالْمَقْصُودُ هُنَا جِهَتَانِ: الْجِهَةُ الْأُولَى الْفَرْقُ بَيْنَ سَائِرِ الشُّرُوطِ وَهُوَ أَنَّ ارْتِبَاطَ الشَّرْطِ بِالْمَشْرُوطِ إنْ كَانَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ مِنْ حَقِيقَةِ الْمَشْرُوطِ ارْتِبَاطُ ذَلِكَ الشَّرْطِ بِهِ فَهُوَ الشَّرْطُ الْعَقْلِيُّ كَالْحَيَاةِ مَعَ الْعِلْمِ أَوْ أَنَّ اللَّهَ رَبَطَ هَذَا الشَّرْطَ وَمَشْرُوطَهُ بِكَلَامِهِ الَّذِي نُسَمِّيهِ خِطَابَ الْوَضْعِ فَهُوَ الشَّرْطُ الشَّرْعِيُّ كَالطَّهَارَةِ مَعَ الصَّلَاةِ أَوْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَبَطَ هَذَا الشَّرْطَ بِمَشْرُوطِهِ بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ فَهُوَ الشَّرْطُ الْعَادِي كَالسُّلَّمِ مَعَ صُعُودِ السَّطْحِ أَوْ أَنَّ وَاضِعَ اللُّغَةِ رَبَطَ هَذَا الشَّرْطَ بِمَشْرُوطِهِ أَيْ جَعَلَ هَذَا الرَّبْطَ اللَّفْظِيَّ دَالًّا عَلَى ارْتِبَاطِ مَعْنَى اللَّفْظِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ فَهُوَ الشَّرْطُ اللُّغَوِيُّ كَالدُّخُولِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ فِي نَحْوِ إنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>