للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْ يَبَسِهِ أَوْ مِنْ الرَّحِمِ فِي بَرْدِهِ أَوْ هَيْئَةٍ فِيهِ تَمْنَعُ مِنْ جَرَيَانِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فَيَقْعُدُ الْوَلَدُ إلَى اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا وَقَالَ الْفُقَهَاءُ وَالْمُتَأَخِّرُونَ هَذِهِ الْأَسْبَابُ الْعَارِضَةُ قَدْ تُؤَخِّرُ الْوَلَدَ إلَى سَنَتَيْنِ فَأَكْثَرَ وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ أَوْ إلَى أَرْبَعِ سِنِينَ وَهُوَ مَشْهُورُ قَوْلِ الشَّافِعِيَّةِ أَوْ إلَى خَمْسِ سِنِينَ وَهُوَ مَشْهُورُ الْمَالِكِيَّةِ.

وَوَقَعَ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - إلَى سَبْعَةٍ قَالَ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ وَلَدَتْ امْرَأَةٌ بِوَاسِطَ لِسَبْعِ سِنِينَ وَلَدًا لَهُ وَفْرَةٌ مِنْ الشَّعْرِ فَجَاءَ عِنْدَ الْوِلَادَةِ بِجَنْبِهِ طَائِرٌ فَقَالَ لَهُ كِشْ.

وَقَالَ مَالِكٌ إنَّ امْرَأَةَ الْعَجْلَانِيُّ دَائِمًا لَا تَضَعُ إلَّا لِخَمْسِ سِنِينَ وَهَذَا مِنْ الْعَوَارِضِ النَّادِرَةِ الْغَرِيبَةِ فِي هَذِهِ الْحَالِ وَالْغَالِبُ هُوَ الْأَوَّلُ فَقَدْ ظَهَرَ السِّرُّ وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا يُلْحَقُ الْوَلَدُ فِيهِ وَبَيْنَ مَا لَا يُلْحَقُ فِيهِ

(تَنْبِيهٌ) فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «يُجْمَعُ خَلْقُ أَحَدِكُمْ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا نُطْفَةً ثُمَّ أَرْبَعِينَ عَلَقَةً ثُمَّ أَرْبَعِينَ مُضْغَةً ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ» إشَارَةً إلَى الْأَطْوَارِ الثَّلَاثَةِ تَقْرِيبًا فَإِنَّ الْأَرْبَعِينَ تَقْرُبُ مِنْ الثَّلَاثِينَ وَالْخَمْسَةِ وَالثَّلَاثِينَ وَالْخَمْسَةِ وَالْأَرْبَعِينَ وَهِيَ بَيْنَ هَذِهِ الْأَطْوَارِ مُتَوَسِّطَةٌ تَكَادُ تَشْتَمِلُ عَلَى الْجَمِيعِ بِتَوَسُّطِهَا فَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْحَدِيثِ إلَّا أَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ فِي جَمِيعِ الْأَجِنَّةِ وَلَوْ كَانَ عَلَى ظَاهِرِهِ لَكَانَتْ الْحَرَكَةُ فِي أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَيَكُونُ الْوَضْعُ فِي اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا وَهِيَ صُورَةٌ وَاقِعَةٌ صَحِيحَةٌ غَيْرَ أَنَّهَا نَادِرَةٌ فَلَكَ أَنْ تَقُولَ إنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُجْمَعُ خَلْقُ أَحَدِكُمْ صِيغَةٌ مُطْلَقَةٌ لَا عُمُومَ فِيهَا فَيَتَأَدَّى بِصُورَةٍ وَقَدْ وَقَعَتْ فِي صُوَرٍ كَثِيرَةٍ وَحَصَلَ الْوَضْعُ فِي اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا فَحَصَلَ مُقْتَضَى الْحَدِيثِ وَصِدْقُ الْخَبَرُ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْعُدُولِ بِهِ عَنْ ظَاهِرِهِ وَلَك أَنْ تَقُولَ إنَّ حَمْلَ اللَّفْظِ عَلَى النَّادِرِ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْغَالِبِ وَيَكُونُ ذَلِكَ إشَارَةً إلَى التَّوَسُّطِ بَيْنَ الْأَطْوَارِ كَمَا تَقَدَّمَ وَحَمَلْنَا عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْمُبَاشِرَ لِصُوَرِ التَّخْلِيقِ وَالتَّحَرُّكِ وَالْوَضْعُ الْمُتَقَدِّمُ تَقْدِيرُهُ مُشَرِّحُونَ كَانُوا يُشَرِّحُونَ الْحَبَالَى وَيَشُقُّونَ أَجْوَافَهُمْ فِيمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ وَيَطَّلِعُونَ عَلَى ذَلِكَ حِسًّا وَعِيَانًا وَالْحِسُّ يُؤَوَّلُ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ

(تَنْبِيهٌ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يُجْمَعُ خَلْقُ أَحَدِكُمْ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا نُطْفَةً ثُمَّ أَرْبَعِينَ عَلَقَةً ثُمَّ أَرْبَعِينَ مُضْغَةً ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ» إشَارَةً إلَى الْأَطْوَارِ الثَّلَاثَةِ تَقْرِيبًا إلَى قَوْلِهِ وَالْحِسُّ مُؤَوَّلٌ لِأَجْلِهِ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ) قُلْت لَا حَاجَةَ إلَى تَأْوِيلِ الْحَدِيثِ فَإِنَّ مَا ذَكَرَهُ الْأَطِبَّاءُ مِنْ ذَلِكَ لَا تَتَحَقَّقُ صِحَّتُهُ وَالْأَصَحُّ إبْطَالُ مَا ذُكِرَ لِمُخَالَفَتِهِ الْحَدِيثَ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

الْآلِهِيَّةَ وَالرُّسُلَ الرَّبَّانِيَّةَ فَاهْتُضِمُوا إلَى حَيْثُ جُعِلُوا كَالْبَهَائِمِ وَمَيَّزَ أَهْلَ الْكِتَابِ عَلَيْهِمْ لِتَعْظِيمِهِمْ الرُّسُلَ وَالرَّسَائِلَ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ

(التَّنْبِيهُ الثَّانِي) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْحَفِيدُ فِي الْبِدَايَةِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الذَّكَاةَ فِي بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ نَحْرٌ وَذَبْحٌ وَأَنَّ مِنْ سُنَّةِ الْغَنَمِ وَالطَّيْرِ الذَّبْحُ وَأَنَّ مِنْ سُنَّةِ الْإِبِلِ النَّحْرُ وَأَنَّ الْبَقَرَ يَجُوزُ فِيهَا الذَّبْحُ وَالنَّحْرُ وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَجُوزُ النَّحْرُ فِي الْغَنَمِ وَالطَّيْرِ وَالذَّبْحُ فِي الْإِبِلِ فَذَهَبَ مَالِكٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ النَّحْرُ فِي الْغَنَمِ وَالطَّيْرِ وَلَا الذَّبْحُ فِي الْإِبِلِ إلَّا فِي مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ وَقَالَ قَوْمٌ يَجُوزُ جَمِيعُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَجَمَاعَةُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ أَشْهَبُ إنْ نُحِرَ مَا يُذْبَحُ أَوْ ذُبِحَ مَا يُنْحَرُ أُكِلَ وَلَكِنَّهُ يُكْرَهُ وَفَرَّقَ ابْنُ بِكِيرٍ بَيْنَ الْغَنَمِ وَالْإِبِلِ فَقَالَ يُؤْكَلُ الْبَعِيرُ بِالذَّبْحِ وَلَا تُؤْكَلُ الشَّاةُ بِالنَّحْرِ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي جَوَازِ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ مُعَارَضَةُ الْفِعْلِ لِلْعُمُومِ فَأَمَّا الْعُمُومُ فَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلُوا» وَأَمَّا الْفِعْلُ فَإِنَّهُ ثَبَتَ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحَرَ الْإِبِلَ وَالْبَقَرَ وَذَبَحَ الْغَنَمَ» وَإِنَّمَا اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ ذَبْحِ الْبَقَرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: ٦٧] وَعَلَى ذَبْحِ الْغَنَمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْكَبْشِ {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: ١٠٧] اهـ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ أَنْكِحَةِ الصَّبِيَّانِ تَنْعَقِدُ إذَا كَانُوا مُطِيقِينَ لِلْوَطْءِ وَلِلْوَلِيِّ الْإِجَازَةُ وَالْفَسْخُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ طَلَاقِهِمْ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ]

(الْفَرْقُ الْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ أَنْكِحَةِ الصِّبْيَانِ تَنْعَقِدُ إذَا كَانُوا مُطِيقِينَ لِلْوَطْءِ وَلِلْوَلِيِّ الْإِجَازَةُ وَالْفَسْخُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ طَلَاقِهِمْ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ) مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْ النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ سَبَبٌ لِشَيْءٍ فَالنِّكَاحُ سَبَبٌ لِلْإِبَاحَةِ وَالطَّلَاقُ سَبَبٌ لِلْبَيْنُونَةِ فَهُمَا مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ لَا مِنْ خِطَابِ التَّكْلِيفِ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ خِطَابَ الْوَضْعِ هُوَ الْخِطَابُ بِالْأَسْبَابِ وَالشُّرُوطِ وَالْمَوَانِعِ وَالتَّقَادِيرِ الشَّرْعِيَّةِ وَتَقَدَّمَ بَسْطُهَا وَأَنَّهَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّكْلِيفُ وَلَا الْعِلْمُ وَلِذَلِكَ نُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ وَنُطَلِّقُ بِالْإِعْسَارِ وَإِنْ كَانَ مَعْجُوزًا عَنْهُ وَغَيْرَ مَشْعُورٍ بِهِ وَكَذَلِكَ بِالْإِضْرَارِ بِالْأَنْسَابِ وَإِنْ لَمْ يَشْعُرْ بِهِ الْوَارِثُ وَلَا هُوَ مِنْ مَقْدُورِهِ فَإِنَّ مَعْنَى خِطَابِ الْوَضْعِ أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ قَالَ إذَا وَقَعَ هَذَا فِي الْوُجُودِ فَاعْلَمُوا أَنِّي قَدْ حَكَمْت بِهَذَا فَكَانَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَنْعَقِدَ طَلَاقُ الصِّبْيَانِ كَمَا انْعَقَدَتْ أَنْكِحَتُهُمْ إذَا كَانُوا مُطِيقِينَ لِلْوَطْءِ وَلِلْوَلِيِّ الْإِجَازَةُ وَالْفَسْخُ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا كَمَا أَنَّهُمْ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ كَوْنِ إتْلَافِ الصَّبِيِّ سَبَبًا لِضَمَانِهِ وَعَقْدِ الْبَيْعِ سَبَبًا لِلُزُومِ الْبَيْعِ وَلَا بَيْنَ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ الْفِعْلِيَّةِ وَالْقَوْلِيَّةِ إلَّا أَنَّ الْعَلَّامَةَ الْأَمِيرَ فِي ضَوْءِ الشُّمُوعِ ذَكَرَ سِرَّ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا بِقَوْلِهِ إنَّمَا صَحَّ نِكَاحُ الصَّغِيرِ وَتَوَقَّفَ عَلَى النَّظَرِ وَلَمْ يَصِحَّ طَلَاقُهُ أَصْلًا لِأَنَّ الطَّلَاقَ كَمَا قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ مِنْ قَبِيلِ الْحُدُودِ وَلِذَلِكَ تُشْطَرُ عَلَى الْعَبْدِ وَفِي الْقُرْآنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>