للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَّوَارِيخِ حِكَايَاتٍ وَأُمُورًا كَثِيرَةً وَلَا يَقْضِي بِصِحَّتِهَا فَكَذَلِكَ هُنَا وَإِذَا كَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَكَمَ بِالْوَحْيِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ حُجَّةً عَلَيْنَا هَهُنَا فَإِنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ لَيْسَ فِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى الْوَحْيِ بَلْ ظَاهِرُ الْأَمْرِ خِلَافُهُ فَظَهَرَ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ هَذَا مُدْرَكٌ صَحِيحٌ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ وَلَيْسَ مِنْ بَابِ الْحَزْرِ الْبَاطِلِ كَمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ

(سُؤَالٌ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ الْعَجَبُ مِنْ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَوْنُهُمَا لَمْ يَسْتَدِلَّا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي ثُبُوتِ الْقِيَافَةِ إلَّا بِحَدِيثِ مُجَزِّزٍ الْمُدْلِجِيِّ وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ آحَادِ النَّاسِ مُعَرَّضٌ لِلصَّوَابِ وَالْخَطَأِ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ صَرَّحَ بِالْقِيَافَةِ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَكَانَ الِاعْتِمَادُ عَلَى مَا صَدَرَ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَوْلًا وَفِعْلًا وَهُوَ مَعْصُومٌ مِنْ الْخَطَأِ أَوْلَى مِمَّا أَقَرَّ عَلَيْهِ فَإِنَّ حَدِيثَ الْمُدْلِجِيِّ إنَّمَا وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ مِنْهُ بِطَرِيقِ الْإِقْرَارِ عَلَى مَا قَالَهُ وَأَيْنَ إقْرَارُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّا فَعَلَهُ هُوَ بِنَفْسِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَكَرَّرَ مِنْهُ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ لِأَحَدٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ اسْتِدْلَالٌ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ عَلَى صِحَّةِ الْقِيَافَةِ وَهَذَا عَجَبٌ عَظِيمٌ فِي عُدُولِهِمْ عَنْ مُدْرَكٍ فِي غَايَةِ الْقُوَّةِ وَالشُّهْرَةِ إلَى مَا هُوَ أَضْعَفُ مِنْهُ بِكَثِيرٍ وَلَمْ يُعَرِّجْ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى الْقَوِيِّ أَلْبَتَّةَ

(جَوَابُهُ) أَنَّ لِذَلِكَ مُوجِبًا حَسَنًا وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَاهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ وُفُورِ الْعَقْلِ وَصَفَاءِ الذِّهْنِ وَجَوْدَةِ الْفِرَاسَةِ أَمْرًا عَظِيمًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِنْ أُمَّتِهِ فِي ذَلِكَ فَرْقٌ لَا يُدَانَى وَلَا يُقَارَبُ وَكَذَلِكَ فِي حَوَاسِّهِ وَقُوَى جَسَدِهِ وَجَمِيعِ أَحْوَالِهِ فَكَانَ يَرَى مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ وَيَرَى فِي الثُّرَيَّا أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَنَحْنُ لَا نَرَى فِيهَا إلَّا سِتَّةً فَلَوْ اسْتَدَلَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ بِقِيَافَتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ تَقُمْ الْحُجَّةُ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ إذْ كَانَ لَهُ أَنْ يَقُولَ إذَا صَحَّتْ الْقِيَافَةُ مِنْ تِلْكَ الْفِرَاسَةِ. النَّبَوِيَّةِ الْقَوِيَّةِ الْمَعْصُومَةِ عَنْ الْخَطَأِ فَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ أَنَّ فِرَاسَةَ الْخَلْقِ الضَّعِيفَةَ تُدْرِكُ مِنْ الْخَلْقِ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْأَنْسَابِ وَلَعَلَّهَا عَمْيَاءُ عَنْ ذَلِكَ بِالْكُلِّيَّةِ لِقُصُورِهَا وَلَمْ يَبْقَ فِيهَا إلَّا حَزْرٌ وَتَخْمِينٌ بَاطِلٌ كَمَا أَنَّا عَمِينَا فِي بَقِيَّةِ كَوَاكِبِ الثُّرَيَّا لَا نُدْرِكُهَا أَلْبَتَّةَ لِضَعْفِنَا وَالْبَصَرُ كَالْبَصَرِ وَأَنْتُمْ تَقْصِدُونَ بِهَذَا الِاسْتِدْلَالِ ثُبُوتَ حُكْمِ الْقِيَافَةِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا يَتَأَتَّى لَكُمْ ذَلِكَ وَإِذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ذَلِكَ تَعَذَّرَ جَوَابُهُ وَبَطَلَ الِاسْتِدْلَال عَلَيْهِ أَلْبَتَّةَ أَمَّا إذَا اسْتَدَلَّ الْفُقَهَاءُ عَلَيْهِ بِقَضِيَّةِ مُجَزِّزٍ الْمُدْلِجِيِّ فَقَدْ اسْتَوْلَوْا بِشَيْءٍ يُمْكِنُ وُجُودُهُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَإِنَّ الْأُمَّةَ يُمْكِنُ فِيهَا ذَلِكَ لَا سِيَّمَا فِي هَذِهِ الْقَبِيلَةِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ ابْنَهَا أَنْ يُنْكِحَهَا إيَّاهُ» وَلِأَنَّهُمْ اتَّفَقُوا أَعْنِي مَالِكًا وَالشَّافِعِيَّ عَلَى أَنَّ الِابْنَ يَرِثُ الْوَلَاءَ الْوَاجِبَ لِلْأُمِّ، وَالْوَلَاءُ لِلْعَصَبَةِ اهـ. فَافْهَمْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[الفرق بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَجْدَادِ فِي الْمَوَارِيثِ يُسَوُّونَ بِالْإِخْوَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَتِهِمْ فِي النِّكَاحِ وَمِيرَاثِ الْوَلَاءِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ تُقَدِّمُ الْإِخْوَةُ عَلَيْهِمْ]

(الْفَرْقُ الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَجْدَادِ فِي الْمَوَارِيثِ يُسَوُّونَ بِالْإِخْوَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَتِهِمْ فِي النِّكَاحِ وَمِيرَاثِ الْوَلَاءِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ تَقَدَّمَ الْإِخْوَةُ عَلَيْهِمْ)

مَشْهُورُ الْمَذْهَبِ أَنَّ تَرْتِيبَ الْعَصَبَةِ فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ وَفِيمَا إذَا وَصَّى لِأَقْرَبِ عَصَبَةٍ وَفِي مِيرَاثِ الْوَلَاءِ وَفِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَفِي النِّكَاحِ وَفِي تَكْمِيلِ عَدَدِ الْعَاقِلَةِ هَكَذَا ابْنٌ وَإِنْ سَفَلَ فَأَبٌ فَأَخٌ فَابْنُهُ فَجَدٌّ أَدْنَى فَعَمٌّ أَدْنَى فَابْنُهُ فَأَبُو الْجَدِّ فَعَمُّ الْأَبِ وَهَكَذَا يُقَدَّمُ الْأَصْلُ عَلَى فَرْعِهِ وَالْفَرْعُ عَلَى أَصْلِ أَصْلِهِ وَابْنُ الْأَخِ الشَّقِيقِ عَلَى ابْنِ الْأَخِ لِلْأَبِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ كَمَا فِي ضَوْءِ الشُّمُوعِ قَوْلُ الْمُغِيرَةِ يُقَدَّمُ الْجَدُّ عَلَى الْأَخِ لِأَنَّهُ أَبٌ. اهـ

وَفِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْأَبَ أَوْلَى مِنْ الِابْنِ وَهُوَ أَحْسَنُ وَقَالَ أَيْضًا الْجَدُّ أَوْلَى مِنْ الْأَخِ وَبِهِ قَالَ الْمُغِيرَةُ وَخَالَفَ الشَّافِعِيُّ مَالِكًا فِي وِلَايَةِ الْبُنُوَّةِ فَلَمْ يُجِزْهَا أَصْلًا بَلْ قَالَ لَا وِلَايَةَ لِلِابْنِ وَفِي تَقْدِيمِ الْإِخْوَةِ عَلَى الْجَدِّ اهـ.

وَتَرْتِيبِهِمْ فِي الْحَضَانَةِ أَنْ يُتَوَسَّطَ الْأَجْدَادُ بَيْنَ الْإِخْوَةِ وَأَبْنَائِهِمْ وَفِي الْمَوَارِيثِ وَاسْتِيفَاءِ الدَّمِ مِنْ الْجَانِي أَنْ يُسَوَّى الْأَجْدَادُ بِالْإِخْوَةِ بِأَنْ يُقَدَّمَ الْأَخُ ثُمَّ الْجَدُّ ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ ثُمَّ الْعَمُّ ثُمَّ ابْنُ الْعَمِّ وَمَا أَحْسَنَ قَوْلِ عج - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -:

بِغُسْلٍ وَإِيصَاءٍ وَلَاءٍ جِنَازَةٍ ... نِكَاحٍ أَخًا وَابْنًا عَلَى الْجَدِّ قَدِّمْ

وَعَقْلٍ وَوَسَطِهِ بِبَابِ حَضَانَةٍ ... وَسَوِّهِ مَعَ الْأَبَاءِ فِي الْإِرْثِ وَالدَّمْ

وَمُرَادُهُ بِالْآبَاءِ الْإِخْوَةُ دُونَ أَبْنَائِهِمْ قَالَ الْأَصْلُ وَسِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَوَارِيثِ وَبَيْنَ الْأَبْوَابِ الثَّلَاثَةِ أَعْنِي النِّكَاحَ وَمِيرَاثَ الْوَلَاءِ وَمِنْهُ الْإِيصَاءُ وَتَكَمُّلُ عَدَدِ الْعَاقِلَةِ وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ وَمِنْهُ غُسْلُ الْمَيِّتِ هُوَ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَتْ الْعُمْدَةُ فِي هَذِهِ الْأَبْوَابِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ أَنَّ حُجَّةَ الْجَدِّ فِي بَابِ الْمَوَارِيثِ أَنْ يَقُولَ أَنَا أَبُو أَبِيهِ وَالْأُبُوَّةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْأُخُوَّةِ قَطْعًا وَمِنْ حُجَّةِ الْأَخِ فِي ذَلِكَ الْبَابِ أَنْ يَقُولَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُدْلِي بِالْبُنُوَّةِ عَارَضَهَا فِي بَابِ ابْنِ أَبِيهِ وَالْبُنُوَّةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْأُبُوَّةِ قَطْعًا فَقَدْ حَجَبَ الِابْنُ الْأَبَ عَنْ جُمْلَةِ الْمَالِ إلَى سُدُسِهِ إلَّا أَنَّ حُجَّةَ الْأُخُوَّةِ بِالْبُنُوَّةِ لَمَّا عَارَضَهَا فِي بَابِ مِيرَاثِ النَّسَبِ وَجْهَانِ لَمْ تَحْصُلْ مُعَارَضَتُهُمَا لَهُمَا فِي الثَّلَاثَةِ الْأَبْوَابِ الْأُخَرِ

(أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْجَدَّ يُسْقِطُ الْإِخْوَةَ لِلْأُمِّ بِهِ وَلَا تُقَدَّرُ الْإِخْوَةُ أَشِقَّاءً كَانُوا أَوْ لِأَبٍ عَلَى ذَلِكَ

(وَثَانِيهِمَا) أَنَّ الْجَدَّ يَرِثُ مَعَ الِابْنِ بِخِلَافِ الْإِخْوَةِ أَمَّا الثَّانِي فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَبِسَبَبِ أَنَّ الْإِخْوَةَ لِلْأُمِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>