للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَكَانَ الِاسْتِدْلَال بِذَلِكَ عَلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْقِيَافَةِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ اسْتِلَالًا صَحِيحًا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ لِتَعَذُّرِ وُجُودِ مِثْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِثْلِ فِرَاسَتِهِ الْقَوِيَّةِ وَهَذَا سَبَبٌ عَظِيمٌ يُوجِبُ الْعُدُولَ عَنْ قِيَافَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى قِيَافَةِ غَيْرِهِ مِنْ الْآحَادِ وَهَذَا الْمَوْضِعُ سُؤَالًا وَجَوَابًا هُوَ الْمَقْصُودُ بِذِكْرِ هَذَا الْفَرْقِ لِأَجْلِ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ الْغَرَابَةِ وَصُعُوبَةِ الْجَوَابِ فَذَكَرْته لِلتَّنْبِيهِ عَلَيْهِ سُؤَالًا وَجَوَابًا.

(الْفَرْقُ الْخَمْسُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُنَّ مِنْ النِّسَاءِ وَقَاعِدَةُ مَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُنَّ)

وَهُوَ أَنَّ كُلَّ امْرَأَتَيْنِ بَيْنَهُمَا مِنْ النَّسَبِ أَوْ الرَّضَاعِ مَا يَمْنَعُ تَنَاكُحَهُمَا لَوْ قُدِّرَ إحْدَاهُمَا رَجُلًا وَالْأُخْرَى أُنْثَى لَا يَجُوزُ بَيْنَهُمَا فِي الْوَطْءِ بِعَقْدٍ وَلَا مِلْكٍ قَالَهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - وَقَدْ خَرَجَ بِقَيْدَيْ النَّسَبِ وَالرَّضَاعِ الْمَرْأَةُ وَابْنَةُ زَوْجِهَا وَالْمَرْأَةُ وَأُمُّ زَوْجِهَا فَإِنَّهُ لَوْ فُرِضَ إحْدَاهُمَا رَجُلًا وَالْأُخْرَى امْرَأَةً لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بِسَبَبِ أَنَّ الْمَرْأَةَ حِينَئِذٍ إمَّا أُمُّ امْرَأَةِ الرَّجُلِ أَوْ رَبِيبَتُهُ فَتَحْرُمُ عَلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ وَمَعَ ذَلِكَ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فَإِذَا قُلْنَا مِنْ النَّسَبِ أَوْ الرَّضَاعِ مَا يَمْنَعُ التَّنَاكُحَ خَرَجَا مِنْ الضَّابِطِ وَبَقِيَ جَيِّدًا وَقَبْلَ خُرُوجِهِمَا كَانَ الضَّابِطُ غَيْرَ مَانِعٍ لِانْدِرَاجِهِمَا فِيهِ فَيَكُونُ بَاطِلًا وَفِي الضَّابِطِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ (الْفَرْقُ الْخَمْسُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُنَّ مِنْ النِّسَاءِ وَقَاعِدَةِ مَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُنَّ)

قُلْت مَا قَالَهُ فِيهِ صَحِيحٌ غَيْرُ مَا عَلَّلَ بِهِ مِنْ قَوْلِهِ بِسَبَبِ أَنَّ الْمَرْأَةَ حِينَئِذٍ إمَّا أُمُّ امْرَأَةِ الرَّجُلِ أَوْ رَبِيبَتُهُ فَإِنَّ قَوْلَهُ إمَّا أُمُّ امْرَأَةِ الرَّجُلِ لَا يَصِحُّ إلَّا عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ الْمَرْأَةَ رَجُلٌ وَأَنَّ أُمَّ زَوْجِهَا أُمُّ زَوْجَتِهِ فَيَتَعَيَّنُ الْمُعَرَّفُ وَهُوَ الْمُضَافُ إلَيْهِ وَحَقُّهُ أَنْ لَا يَتَعَيَّنَ لِأَنَّهُ إذًا تَعَيَّنَ بِتَعَيُّنِ فَرْضِ الْمَسْأَلَةِ وَهَذَا الِاعْتِرَاضُ مُخْتَصٌّ بِالْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَأَمَّا الْأُولَى فَيَسْقُطُ عَنْهَا مِثْلُ هَذَا الِاعْتِرَاضِ لِلِاشْتِرَاكِ فِي لَفْظِ رَبِيبَتِهِ فَإِنَّهُ يُقَالُ عَلَى زَوْجَةِ الْأَبِ فِي الْعُرْفِ الْجَارِي الْآنَ وَعَلَى بِنْتِ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ وَمَا قَالَهُ فِي الْفَرْقِ بَعْدَهُ صَحِيحٌ غَيْرُ مَا قَالَهُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْإِبَاحَةِ الْمُطْلَقَةِ وَمُطْلَقِ الْإِبَاحَةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ عِنْدِي بِصَحِيحٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ مَعَهُ فِيهِ وَجَمِيعُ مَا قَالَهُ فِي الْفُرُوقِ السَّبْعَةِ بَعْدَ هَذَا صَحِيحٌ.

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

لَا مَدْخَلَ لَهُمْ فِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ وَلَا فِي مِيرَاثِ الْوَلَاءِ وَلَا فِي صَلَاةِ الْجَنَائِزِ لِاخْتِصَاصِ هَذِهِ الْأَبْوَابِ بِالْعَصَبَةِ، وَأَخُ الْأُمِّ خَارِجٌ عَنْ الْعَصَبَةِ وَحِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِ الْجَدِّ لِلْإِخْوَةِ أَنْتُمْ عَاجِزُونَ عَنْ دَفْعِ هَؤُلَاءِ وَأَنَا لَا أَعْجِزُ عَنْ دَفْعِهِمْ وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يُعَارِضَهُمْ بِذَلِكَ بَقِيَتْ حُجَّةُ الْأُخُوَّةِ بِالْبُنُوَّةِ وَتَقْدِيمُهَا عَلَى الْأُبُوَّةِ سَالِمَةً عَنْ الْمُعَارِضِ فَقُدِّمُوا فِي الْأَبْوَابِ الثَّلَاثَةِ بِخِلَافِ مِيرَاثِ النَّسَبِ. اهـ

بِتَصَرُّفٍ وَتَوْضِيحٍ لِلْمُرَادِ وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ قُلْت وَيَبْقَى سِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَ بَابِ الْحَضَانَةِ وَبَيْنَ الْأَبْوَابِ الْأَرْبَعَةِ مُفْتَقِرًا لِلْبَيَانِ {وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ} [النحل: ٨] فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْوَكَالَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْوِلَايَةِ فِي النِّكَاحِ]

(الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْوَكَالَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْوِلَايَةِ فِي النِّكَاحِ)

وَذَلِكَ أَنَّ الْأَصْلَ قَالَ لَمْ أَجِدْ لِمَالِكٍ وَلَا لِأَصْحَابِهِ نَصًّا فِي أَنَّ الْوَكِيلَيْنِ إذَا بَاعَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْآخَرِ سِلْعَةً وَاتَّصَلَ بِالثَّانِي تَسْلِيمٌ انْعَقَدَ عَقْدُهُ وَفَاتَ عَقْدُ الْأَوَّلِ بَلْ إنَّمَا قَالُوا النَّافِذُ مِنْ الْبَيْعَيْنِ هُوَ الْأَوَّلُ مُطْلَقًا نَعَمْ وَقَعَ لِمَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْجَلَّابِ أَنَّ الْوَكِيلَ وَالْمُوَكِّلَ خَاصَّةً إذَا بَاعَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْآخَرِ انْعَقَدَ عَقْدُ السَّابِقِ إلَّا أَنْ يَتَّصِلَ بِالثَّانِي تَسْلِيمٌ فَقَالَ الْأَصْحَابُ هَذَا قِيَاسٌ عَلَى مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ تَجْعَلُ الْمَرْأَةُ أَمْرَهَا لَهُمَا فَيُزَوِّجَاهَا مِنْ رَجُلَيْنِ كُفْأَيْنِ فَالْمُعْتَبَرُ أَوَّلُهُمَا إنْ عُرِفَ إلَّا أَنْ يَدْخُلَ بِهَا الْأَخِيرُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا لِقَضَاءِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِذَلِكَ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنْ يَقُولَ: الصَّحَابِيُّ الْوَاحِدُ كَمَا يَصْلُحُ لِلتَّرْجِيحِ كَذَلِكَ يَصْلُحُ لِلِاسْتِقْلَالِ فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ الصَّحَابَةِ لِحَدِيثِ «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ وَعَلَى قَوْلِهِ الْجَدِيدِ يَصْلُحُ لِلتَّرْجِيحِ لَا لِلِاسْتِقْلَالِ فَلَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ اتِّفَاقًا وَلَا عَلَى غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ الصَّحَابَةِ كَمَا فِي شَرْحِ الْحَطَّابِ عَلَى وَرَقَاتِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ مَعَ الْمَتْنِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا عِبْرَةَ بِالتَّسْلِيمِ بَلْ إنَّمَا يَنْعَقِدُ عَقْدُ الْأَوَّلِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ فِي النِّكَاحِ وَمَسْأَلَةِ الْوَكِيلِ وَمُوَكِّلِهِ فِي الْبَيْعِ أَنَّ كَشْفَ النِّكَاحِ مَضَرَّةٌ عَظِيمَةٌ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَالتَّخْرِيجُ مَعَ قِيَامِ الْفَارِقِ بَاطِلٌ إجْمَاعًا فَلَوْ رَامَ مُخَرِّجٌ تَخْرِيجَ الْوَكِيلَيْنِ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَالْوَكِيلِ عَلَى مَا لِمَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْجَلَّابِ لَتَعَذَّرَ ذَلِكَ بِسَبَبِ الْفَرْقِ أَيْضًا وَهُوَ أَنَّ الْمُوَكِّلَ لَهُ التَّصَرُّفُ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ وَالْوَكِيلَ لَهُ التَّصَرُّفُ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ فَهُوَ فَرْعٌ فَإِنْ تَأَخَّرَ عَقْدُهُ وَوَقَعَ التَّسْلِيمُ فِي عَقْدِ الْمُوَكِّلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>