للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْ الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ وَاعْتَبَرَ مَا وُضِعَ فِي الْعُرْفِ لِإِزَالَةِ الْعِصْمَةِ وَإِلَيْهِ جَنَحَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَكِنْ يُرَدُّ عَلَى الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُرُودِ شَيْءٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَصِيرَ مَوْضُوعًا لِذَلِكَ الْمَعْنَى فِي الشَّرْعِ أَوْ الْعُرْفِ فَإِنَّ الْكِتَابَ الْعَزِيزَ يَرِدُ بِالْكِنَايَاتِ الْقَرِيبَةِ وَالْبَعِيدَةِ كَمَا يَرِدُ بِالْحَقَائِقِ وَالْمَجَازِ كَثِيرٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى جِدًّا وَيُعْتَمَدُ فِي حُكْمِهِ عَلَى الْقَرَائِنِ وَالتَّصْرِيحُ بِالْمُرَادِ وَحِينَئِذٍ لَا يَلِيقُ أَنْ يُجْعَلَ مَا وَرَدَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى كَيْفَ كَانَ مَوْضُوعًا لِذَلِكَ الْمَعْنَى الَّذِي وَرَدَ فِيهِ وَلَا يَحْسُنُ الِاسْتِدْلَال بِمُجَرَّدِ الْوُرُودِ عَلَى الصَّرَاحَةِ وَالْوَضْعِ نَعَمْ يَحْسُنُ الِاسْتِدْلَال بِالْوُرُودِ عَلَى الْمَشْرُوعِيَّةِ.

أَمَّا الْوَضْعُ فَلَا فَإِذَا فَرَّعْنَا عَلَى أَنَّ الْمُدْرَكَ هُوَ الِاشْتِهَارُ الْعُرْفِيُّ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ الِانْطِلَاقُ صَرِيحًا.

وَإِنْ كَانَ فِيهِ الطَّاءُ وَاللَّامُ وَالْقَافُ وَفِيهِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

الشَّأْنُ فَإِنَّ اللَّفْظَ إذَا كَانَ مَوْضُوعًا فِي اللُّغَةِ لِمَعْنًى وَكَانَ لَفْظٌ آخَرُ فِيهَا مَوْضُوعًا فِيهَا لِغَيْرِ ذَلِكَ الْمَعْنَى، ثُمَّ صَارَ فِي الْعُرْفِ مَنْقُولًا لَهُ فَلَا فَرْقَ فَإِنَّ النَّقْلَ الْعُرْفِيَّ كَالْوَضْعِ الْأَصْلِيِّ وَيَصِيرُ إذْ ذَاكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ اللَّفْظَيْنِ صَرِيحًا فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى وَإِنْ لَمْ يَصِرْ اللَّفْظُ الثَّانِي مَنْقُولًا لِذَلِكَ الْمَعْنَى وَلَكِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِيهِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعَارَةِ وَالتَّجَوُّزِ فَهَا هُنَا يَكُونُ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ فَرْقٌ يَكُونُ الْأَوَّلُ صَرِيحًا وَالثَّانِي كِنَايَةً فَيَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ الْمُعَيِّنَةِ لَهُ لِذَلِكَ الْمَعْنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ (وَإِلَيْهِ جَنَحَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَكِنْ يَرُدُّ عَلَى الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُرُودِ شَيْءٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَصِيرَ مَوْضُوعًا لِذَلِكَ الْمَعْنَى فِي الشَّرْعِ أَوْ الْعُرْفِ) ، قُلْت بَلْ إذَا وَرَدَ شَيْءٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ كَذَلِكَ فِي الشَّرْعِ أَوْ الْعُرْفِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْأَصْلُ.

قَالَ (فَإِنَّ الْكِتَابَ الْعَزِيزَ يَرِدُ بِالْكِنَايَاتِ إلَى قَوْلِهِ نَعَمْ يَحْصُلُ الِاسْتِدْلَال بِالْوُرُودِ عَلَى الْمَشْرُوعِيَّةِ أَمَّا الْوَضْعُ فَلَا) ، قُلْت لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ يَرِدُ بِالْكِنَايَاتِ وَالْمَجَازَاتِ أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ اللَّفْظُ مَوْضُوعًا لِذَلِكَ الْمَعْنَى أَصْلًا أَوْ عُرْفًا، بَلْ مَجَازًا حَتَّى لَا يُسْتَدَلَّ بِوُرُودِهِ عَلَى أَنَّهُ كَذَلِكَ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ أَوْ عُرْفِهَا أَوْ عُرْفِ الشَّرْعِ فَإِنَّ الْكِتَابَ الْعَزِيزَ كَمَا يَرِدُ بِالْكِنَايَاتِ وَالْمَجَازَاتِ يَرِدُ أَيْضًا بِالْحَقَائِقِ وَهِيَ الْأَصْلُ حَتَّى يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى التَّجَوُّزِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ (فَإِذَا فَرَّعْنَا عَلَى أَنَّ الْمُدْرَكَ هُوَ الِاشْتِهَارُ الْعُرْفِيُّ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ الِانْطِلَاقُ صَرِيحًا وَإِنْ كَانَ فِيهِ الطَّاءُ وَاللَّامُ وَالْقَافُ إلَى قَوْلِهِ انْطَلِقِي مِنِّي وَأَنْتِ مُنْطَلِقَةٌ)

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

حِكَايَاتٍ وَأُمُورًا كَثِيرَةً وَلَا يَقْضِي بِصِحَّتِهَا فَكَذَلِكَ هُنَا وَإِذَا كَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَكَمَ بِالْوَحْيِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ حُجَّةً عَلَيْنَا هَاهُنَا فَإِنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ لَيْسَ فِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى الْوَحْيِ بَلْ ظَاهِرُ الْأَمْرِ خِلَافُهُ فَظَهَرَ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ هَذَا مُدْرَكٌ صَحِيحٌ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ وَلَيْسَ مِنْ بَابِ الْحَزْرِ الْبَاطِلِ كَمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُنَّ مِنْ النِّسَاءِ وَقَاعِدَةُ مَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُنَّ]

(الْفَرْقُ الْخَمْسُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُنَّ مِنْ النِّسَاءِ وَقَاعِدَةِ مَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُنَّ)

فِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ لِابْنِ رُشْدٍ الْحَفِيدِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ بِعَقْدِ نِكَاحٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء: ٢٣] وَكَذَلِكَ اتَّفَقُوا فِيمَا أَعْلَمُ عَلَى تَحْرِيمِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا لِثُبُوتِ ذَلِكَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَتَوَاتُرِهِ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ أَنَّهُ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَلَا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا» وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْعَمَّةَ هَاهُنَا هِيَ كُلُّ أُنْثَى هِيَ أُخْتٌ لِذَكَرٍ لَهُ عَلَيْك وِلَادَةٌ إمَّا بِنَفْسِهِ وَإِمَّا بِوَاسِطَةِ ذَكَرٍ آخَرَ وَأَنَّ الْخَالَةَ هِيَ كُلُّ أُنْثَى هِيَ أُخْتٌ لِكُلِّ أُنْثَى لَهَا عَلَيْك وِلَادَةٌ إمَّا بِنَفْسِهَا وَإِمَّا بِتَوَسُّطِ أُنْثَى غَيْرِهَا وَهُنَّ الْحُرَّاتُ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ وَاخْتَلَفُوا أَوَّلًا فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَالْفُقَهَاءُ عَلَى مَنْعِهِ وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى إبَاحَةِ ذَلِكَ وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ أَنَّ عُمُومَ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء: ٢٣] مُعَارِضٌ لِعُمُومِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي آخِرِ الْآيَةِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: ٢٤] وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ لِجَمِيعِ مَا تَضَمَّنَتْهُ الْآيَةُ مِنْ التَّحْرِيمِ إلَّا مَا وَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِيهِ أَيْ: مِنْ الْمُحَرَّمِ بِالْمُصَاهَرَةِ فَيَخْرُجُ مِنْ عُمُومِ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء: ٢٣] مِلْكُ الْيَمِينِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَعُودَ إلَّا إلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ فَيَبْقَى قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء: ٢٣] عَلَى عُمُومِهِ وَلَا سِيَّمَا إنْ عَلَّلْنَا ذَلِكَ بِعِلَّةِ الْأُخُوَّةِ أَوْ بِسَبَبٍ مَوْجُودٍ فِيهِمَا وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِهَذَا الْقَوْلِ أَعْنِي مَنْعَ الْجَمْعِ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ وَبَقَاءِ {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء: ٢٣] عَلَى عُمُومِهِ فِيمَا إذَا كَانَتْ إحْدَى الْأُخْتَيْنِ بِنِكَاحٍ وَالْأُخْرَى بِمِلْكِ يَمِينِ فَمَنَعَهُ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَجَازَهُ الشَّافِعِيُّ.

وَاخْتَلَفُوا ثَانِيًا فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ هَلْ هُوَ خَاصٌّ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ فَقَطْ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ وَعَلَيْهِ فَالتَّحْرِيمُ لَا يَتَعَدَّى إلَى مَنْ نَصَّ عَلَيْهِ أَوْ هُوَ خَاصٌّ وَالْمُرَادُ بِهِ الْعُمُومُ وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِهَذَا فِي تَفْسِيرِ الْعُمُومِ فَقَالَ قَوْمٌ يُفَسَّرُ الْعُمُومُ بِالْجَمْعِ بَيْنَ كُلِّ امْرَأَتَيْنِ بَيْنَهُمَا رَحِمٌ مُحَرَّمَةٌ أَوْ غَيْرُ مُحَرَّمَةٍ فَعِنْدَ هَؤُلَاءِ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ ابْنَتِي عَمٍّ أَوْ عَمَّةٍ وَلَا بَيْنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>