للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَظْهَرُ فِي بَادِي الرَّأْيِ أَنَّ التَّفْرِيقَ مَتَى حَصَلَ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَأَنْ وَجَبَ ابْتِدَاءً الصَّوْمُ كَمَا قُلْنَاهُ فِي جَمِيعِ النَّظَائِرِ الْمُتَقَدِّمَةِ لِأَنَّ الصَّوْمَ بِوَصْفِ التَّتَابُعِ لَمْ يَحْصُلْ وَمَتَى لَمْ يَحْصُلْ الْمَطْلُوبُ الشَّرْعِيُّ مَعَ إمْكَانِ الْإِتْيَانِ بِهِ وَجَبَ الْإِتْيَانُ بِهِ هَذَا هُوَ الْقَاعِدَةُ

(وَالْجَوَابُ) عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ بِبَيَانِ قَاعِدَةٍ وَهِيَ أَنَّ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ عَلَى قِسْمَيْنِ خِطَابُ وَضْعٍ وَخِطَابُ تَكْلِيفٍ فَخِطَابُ الْوَضْعِ هُوَ نَصْبُ الْأَسْبَابِ وَالشُّرُوطِ وَالْمَوَانِعِ وَالتَّقْدِيرَاتِ الشَّرْعِيَّةِ وَخِطَابُ التَّكْلِيفِ هُوَ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ الْوُجُوبُ وَالتَّحْرِيمُ وَالنَّدْبُ وَالْكَرَاهَةُ وَالْإِبَاحَةُ فَأَمَّا خِطَابُ الْوَضْعِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ عِلْمُ الْمُكَلَّفِ وَلَا قُدْرَتُهُ وَلَا إرَادَتُهُ كَالتَّوْرِيثِ بِالْأَنْسَابِ وَالْإِنْسَانُ لَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ وَلَا هُوَ مِنْ قُدْرَتِهِ وَلَا إرَادَتِهِ فَيَدْخُلُ الْمِيرَاثُ فِي مِلْكِهِ وَإِنْ لَمْ يَشْعُرْ بِهِ وَلِذَلِكَ نُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ وَالْغَافِلِينَ وَنُطَلِّقُ بِالْإِضْرَارِ وَنُوجِبُ الظُّهْرَ بِالزَّوَالِ وَالصَّوْمَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ وَخِطَابُ التَّكْلِيفِ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعِلْمُ وَالْقُدْرَةُ وَالْإِرَادَةُ فَمَا لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَيْهِ لَا يُكَلَّفُ بِهِ، وَكَذَلِكَ مَا لَمْ يَبْلُغْهُ لَا يَلْزَمُهُ حَتَّى يَعْلَمَ بِهِ غَيْرَ أَنَّ التَّمَكُّنَ مِنْ الْعِلْمِ يَقُومُ مَقَامَ الْعِلْمِ فِي التَّكْلِيفِ.

وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مَبْسُوطَةً فَإِذَا وَضَحَتْ فَنَقُولُ الْمُتَابَعَةُ مِنْ بَابِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ مُكَلَّفٌ بِهِ وَصِفَةُ الْمُكَلَّفِ بِهِ مُكَلَّفٌ بِهَا وَالتَّتَابُعُ صِفَةُ الصَّوْمِ فَتَكُونُ مُكَلَّفًا بِهَا، فَيَكُونُ مِنْ بَابِ التَّكْلِيفِ فَلِذَلِكَ يَسْقُطُ التَّكْلِيفُ بِهَا فِي تِلْكَ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

وَالْوَصَايَا وَالنُّذُورِ فِي الْإِطْلَاقَاتِ،

فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ يَظْهَرْ لَك أَنَّ الْمُتَأَخِّرِينَ إذَا وَجَدُوا الْأَئِمَّةَ الْأُوَلَ قَدْ أَفْتَوْا بِفَتَاوَى وَسَطَرُوهَا فِي كُتُبِهِمْ بِنَاءً عَلَى عَوَائِدَ لَهُمْ قَدْ زَالَتْ لَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يُفْتُوا بِتِلْكَ الْفَتَاوَى فَإِنَّ فَتْوَاهُمْ بِهَا وَقَدْ زَالَتْ تِلْكَ الْعَوَائِدُ خَطَأٌ ضَرُورَةَ أَنَّهَا فُتْيَا بِالْحُكْمِ الْمَبْنِيِّ عَلَى مُدْرَكٍ بَعْدَ زَوَالِ مُدْرَكِهِ وَالْفُتْيَا بِذَلِكَ الْحُكْمِ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ وَمِنْ ذَلِكَ فَتْوَى أَكْثَرِ الْمَالِكِيَّةِ الْيَوْمَ بِلُزُومِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ فِي لَفْظِ الْحَرَامِ وَالْخَلِيَّةِ وَالْبَرِّيَّةِ وَنَحْوِهَا بِنَاءً عَلَى عَادَةٍ كَانَتْ فِي زَمَانِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَتِلْكَ الْعَادَةُ قَدْ زَالَتْ فَإِنَّا لَا نَجِدُ الْيَوْمَ أَحَدًا يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ بِالْخَلِيَّةِ وَلَا بِالْبَرِيَّةِ وَلَا بِحَبْلِك عَلَى غَارِبِك وَلَا بِوَهَبْتُكِ لِأَهْلِك، وَلَوْ وَجَدْنَاهُ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ مَرَّاتٍ كَثِيرَةً لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ نَقْلًا عُرْفِيًّا يُوجِبُ لُزُومَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ أَلَا تَرَى أَنَّ لَفْظَ الْأَسَدِ كَثِيرُ الِاسْتِعْمَالِ فِي الرَّجُلِ الشُّجَاعِ وَلَفْظَ الشَّمْسِ وَالْبَدْرِ كَثِيرُ الِاسْتِعْمَالِ فِي ذَوَاتِ الْجَمَالِ وَلَفْظَ الْبَحْرِ وَالْغَيْثِ وَالنَّدَى كَثِيرَةُ الِاسْتِعْمَالِ فِي الْكِرَامِ الْبَاذِلِينَ الْمَالَ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ تَصِرْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ مَنْقُولَةً لِهَذِهِ الْمَعَانِي إذْ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَيْهَا ضَابِطُ الْمَنْقُولِ وَهُوَ أَنْ يَصِيرَ اللَّفْظُ يُفْهَمُ مِنْهُ الْمَعْنَى بِغَيْرِ قَرِينَةٍ فَإِنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ مَعَ كَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهَا فِي هَذِهِ الْمَعَانِي لَا تُفْهَمُ مِنْهَا هَذِهِ الْمَعَانِي إلَّا بِالْقَرِينَةِ اهـ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ مَا قَالَهُ صَحِيحٌ اهـ.

(وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الثَّالِثِ) وَالثَّانِي الْمُقَابِلَيْنِ لِلْمَشْهُورِ فِي صَرِيحِ الطَّلَاقِ فَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِيهِ وَمَا لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِيهِ هُوَ أَنَّ ابْنَ الْقَصَّارِ الْقَائِلَ بِالثَّانِي وَالشَّافِعِيَّ الْقَائِلَ بِالثَّالِثِ قَدْ أَعْرَضَا عَنْ الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ وَاعْتَبَرَا مَا وُضِعَ فِي الْعُرْفِ لِإِزَالَةِ الْعِصْمَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الشَّأْنَ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ اللُّغَةِ وَالْعُرْفِ فَإِنَّ اللَّفْظَ إذَا كَانَ مَوْضُوعًا فِي اللُّغَةِ لِمَعْنًى وَكَانَ لَفْظٌ آخَرُ مَوْضُوعًا فِيهَا لِغَيْرِ ذَلِكَ الْمَعْنَى، ثُمَّ صَارَ فِي الْعُرْفِ مَنْقُولًا لَهُ فَلَا فَرْقَ فَإِنَّ النَّقْلَ الْعُرْفِيَّ كَالْوَضْعِ الْأَصْلِيِّ وَيَصِيرُ إذْ ذَاكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ اللَّفْظَيْنِ صَرِيحًا فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى فَإِنْ لَمْ يَصِرْ اللَّفْظُ الثَّانِي مَنْقُولًا لِذَلِكَ الْمَعْنَى وَلَكِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِيهِ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ وَالِاسْتِعَارَةِ فَهَا هُنَا يَكُونُ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ فَرْقٌ وَأَنَّ الْأَوَّلَ صَرِيحٌ وَالثَّانِيَ كِنَايَةٌ فَيَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ الْمُعَيِّنَةِ لِذَلِكَ الْمَعْنَى وَإِيرَادُ الْأَصْلِ عَلَى الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُرُودِ شَيْءٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَصِيرَ مَوْضُوعًا لِذَلِكَ الْمَعْنَى فِي الشَّرْعِ أَوْ الْعُرْفِ فَإِنَّ الْكِتَابَ الْعَزِيزَ كَمَا يَرِدُ بِالْحَقَائِقِ كَذَلِكَ يَرِدُ بِالْمَجَازَاتِ وَبِالْكِنَايَاتِ الْقَرِيبَةِ وَالْبَعِيدَةِ كَثِيرًا جِدًّا وَيَعْتَمِدُ فِي حُكْمِهِ عَلَى الْقَرَائِنِ وَالتَّصْرِيحِ بِالْمُرَادِ فَلَا يَلِيقُ أَنْ يُجْعَلَ مَا وَرَدَ فِيهِ كَيْفَ كَانَ مَوْضُوعًا لِذَلِكَ الْمَعْنَى الَّذِي وَرَدَ فِيهِ وَلَا يَحْسُنُ الِاسْتِدْلَال بِمُجَرَّدِ الْوُرُودِ عَلَى الصَّرَاحَةِ وَالْوَضْعِ وَإِنَّمَا يَحْسُنُ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى الْمَشْرُوعِيَّةِ اهـ.

رَدَّهُ ابْنُ الشَّاطِّ بِأَنَّ كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى إذَا وَرَدَ فِيهِ شَيْءٌ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ كَذَلِكَ فِي الشَّرْعِ أَوْ الْعُرْفِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْأَصْلُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُرُودِهِ بِالْكِنَايَاتِ وَالْمَجَازَاتِ أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ اللَّفْظُ مَوْضُوعًا لِذَلِكَ الْمَعْنَى أَصْلًا أَوْ عُرْفًا، بَلْ مَجَازًا حَتَّى لَا يُسْتَدَلَّ بِوُرُودِهِ عَلَى أَنَّهُ كَذَلِكَ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ أَوْ عُرْفِهَا أَوْ عُرْفِ الشَّرْعِ فَإِنَّ الْكِتَابَ الْعَزِيزَ كَمَا يَرِدُ بِالْكِنَايَاتِ وَالْمَجَازَاتِ يَرِدُ أَيْضًا بِالْحَقَائِقِ وَهِيَ الْأَصْلُ حَتَّى يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى التَّجَوُّزِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ.

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الطَّلَاقِ مِنْ النِّيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُشْتَرَطُ]

(الْفَرْقُ الثَّانِي وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الطَّلَاقِ مِنْ النِّيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُشْتَرَطُ)

لِلنِّيَّةِ فِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ فِي صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَالْكِنَايَةِ الظَّاهِرَةِ ثَلَاثُ إطْلَاقَاتٍ

(الْإِطْلَاقُ الْأَوَّلُ) بِمَعْنَى الْقَصْدِ لِإِنْشَاءِ الصِّيغَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>