للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَقْتَضِي يُمْكِنُ مَنْ يُضَافُ إلَيْهِ مِنْ انْتِفَاعِهِ بِالْمُلُوكِ وَالْعِوَضِ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ أَمَّا قَوْلُنَا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَبِالْإِجْمَاعِ؛ وَلِأَنَّهُ يَتْبَعُ الْأَسْبَابَ الشَّرْعِيَّةَ، وَأَمَّا إنَّهُ مُقَدَّرٌ فَلِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى تَعَلُّقِ إذْنِ الشَّرْعِ، وَالتَّعَلُّقُ عَدَمِيٌّ لَيْسَ وَصْفًا حَقِيقِيًّا، بَلْ يُقَدَّرُ فِي الْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْأَسْبَابِ الْمُفِيدَةِ لِلْمِلْكِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

فَاسِدٌ مِنْ وُجُوهٍ

(أَحَدُهَا) أَنَّ الْمِلْكَ مِنْ أَوْصَافِ الْمَالِكِ لَا الْمَمْلُوكِ لَكِنَّهُ وَصْفٌ مُتَعَلِّقٌ وَالْمَمْلُوكُ هُوَ مُتَعَلِّقُهُ

(وَثَانِيهَا) أَنَّهُ لَيْسَ مُقْتَضِيًا لِلتَّمْكِينِ مِنْ الِانْتِفَاعِ، بَلْ الْمُقْتَضِي لِذَلِكَ كَلَامُ الشَّارِعِ

(ثَالِثُهَا) أَنَّهُ لَا يَقْتَضِي الِانْتِفَاعَ بِالْمَمْلُوكِ وَبِالْعَرْضِ، بَلْ بِأَحَدِهِمَا

(رَابِعُهَا) أَنَّ الْمَمْلُوكَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْمِلْكِ فَلَا يُعْرَفُ إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ فَيَلْزَمُ الدَّوْرُ وَالصَّحِيحُ فِي حَدِّ الْمِلْكِ أَنَّهُ تَمَكُّنُ الْإِنْسَانِ شَرْعًا بِنَفْسِهِ أَوْ بِنِيَابَةٍ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ وَمِنْ أَخْذِ الْعِوَضِ عَنْ الْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ هَذَا إنْ قُلْنَا إنَّ الضِّيَافَةَ وَنَحْوَهَا لَا يَمْلِكُهَا مَنْ سُوِّغَتْ لَهُ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ يَمْلِكُهَا زِدْنَا فِي الْحَدِّ فَقُلْنَا إنَّهُ تَمَكُّنُ الْإِنْسَانِ شَرْعًا بِنَفْسِهِ أَوْ بِنِيَابَةٍ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ وَمِنْ أَخْذِ الْعِوَضِ أَوْ تَمَكُّنُهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ خَاصَّةً وَلَا حَاجَةَ بِنَا إلَى بَيَانِ صِحَّةِ هَذَا الْحَدِّ فَإِنَّهُ لَا يَخْفَى ذَلِكَ عَلَى الْمُتَأَمِّلِ الْمُنْصِفِ قَالَ (أَمَّا قَوْلُنَا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَبِالْإِجْمَاعِ؛ وَلِأَنَّهُ يَتْبَعُ الْأَسْبَابَ الشَّرْعِيَّةَ) قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ أَحَدُ الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ فَفِيهِ نَظَرٌ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ أَمْرٌ شَرْعِيٌّ عَلَى الْجُمْلَةِ فَذَلِكَ صَحِيحٌ قَالَ.

(وَأَمَّا أَنَّهُ مَقْدُورٌ فَلِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى تَعَلُّقِ إذْنِ الشَّرْعِ إلَى قَوْلِهِ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْأَسْبَابِ الْمُفِيدَةِ لِلْمِلْكِ) قُلْت قَوْلُهُ إنَّهُ عَدَمِيٌّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّسَبَ أُمُورٌ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

وَالشُّفْعَةِ لِمَا فِي الْفِرَاقِ مِنْ الصُّعُوبَةِ وَسَيَأْتِي الْفَرْقُ بَيْنَ التَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ فَتَرَقَّبْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ خِيَارِ التَّمْلِيكِ فِي الزَّوْجَاتِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَخْيِيرِ الْإِمَاءِ فِي الْعِتْقِ]

(الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ خِيَارِ التَّمْلِيكِ فِي الزَّوْجَاتِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَخْيِيرِ الْإِمَاءِ فِي الْعِتْقِ)

مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَجُوزُ فِي الْأَوَّلِ أَنْ يَقُولَ الزَّوْجُ لِامْرَأَتِهِ إذَا غِبْت عَنْك فَأَمْرُك بِيَدِك فَتَقُولُ الْمَرْأَةُ مَتَى غِبْت عَنِّي فَقَدْ اخْتَرْت نَفْسِي فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ فِي الثَّانِي أَنْ يَحْلِفَ سَيِّدُ الْأَمَةِ بِحُرِّيَّتِهَا بِأَنْ يَقُولَ إنْ لَمْ أَصُمْ فَأَنْتِ حُرَّةٌ أَوْ إنْ زَنَيْت فَتَقُولُ إنْ فَعَلْت فَقَدْ اخْتَرْت نَفْسِي فَإِذَا قَالَتْ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ وَذَلِكَ أَنَّ الْقَاعِدَةَ الَّتِي تَقَدَّمَتْ مَبْسُوطَةٌ هِيَ أَنَّ كُلَّ حُكْمٍ وَقَعَ قَبْلَ سَبَبِهِ وَشَرْطِهِ لَا يَنْعَقِدُ إجْمَاعًا وَبَعْدَهُمَا يَنْعَقِدُ إجْمَاعًا وَبَيْنَهُمَا فِي النُّفُوذِ قَوْلَانِ وَالْحُرَّةُ وُجِدَ فِي حَقِّهَا سَبَبٌ وَهُوَ قَوْلُ الزَّوْجِ الْمُقْتَضِي إذْنَهَا فِي الْقَضَاءِ الْآنَ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ مَعَ إذْنِ الشَّرْعِ الْمُقَدَّرِ فَلَمْ يَقَعْ قَضَاؤُهَا إلَّا بَعْدَ سَبَبِهِ وَشَرْطِهِ وَالْأَمَةُ انْفَرَدَ فِي حَقِّهَا الْإِذْنُ الْمُقَدَّرُ فَقَطْ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذِنَ لَهَا فِي الْقَضَاءِ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ وَهُوَ الْعِتْقُ الْمُتَوَقِّفُ عَلَى حُصُولِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ وَلَمْ يَحْصُلْ فَوَقَعَ قَضَاؤُهَا بَعْدَ شَرْطِهِ وَقَبْلَ سَبَبِهِ ضَرُورَةَ أَنَّ الْحَالِفَ بِحُرِّيَّتِهَا لَمْ يَأْذَنْ وَإِنَّمَا قَصَدَ حَثَّ نَفْسِهِ بِالْيَمِينِ عَلَى الْفِعْلِ أَوْ زَجْرَهَا عَنْهُ.

وَأَمَّا الزَّوْجُ فَأَذِنَ لِلْحُرَّةِ الْقَضَاءَ الْآنَ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ وَهُوَ غَيْبَتُهُ عَنْهَا وَالْقَاعِدَةُ الَّتِي تَقَدَّمَتْ أَيْضًا أَنَّ حُقُوقَ الْعِبَادِ إنَّمَا تَسْقُطُ بِإِذْنِ الْعِبَادِ فَلِذَا جَرَى الْخِلَافُ فِي نُفُوذِ قَضَائِهَا كَالزَّوْجَاتِ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَسَوَّى أَصْبَغُ الْإِمَاءَ بِالزَّوْجَاتِ وَعَدَمُ نُفُوذِهِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ الْمَبْنِيُّ عَلَيْهِ الْفَرْقُ، وَقَدْ سَأَلَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ مَالِكًا عَنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْبَابَيْنِ فَقَالَ لَهُ مَالِكٌ أَتَعْرِفُ دَارَ قُدَامَةَ؟ وَدَارُ قُدَامَةَ يُلْعَبُ فِيهَا بِالْحَمَامِ بِالْمَدِينَةِ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ نَعَمْ سَوَّى أَشْهَبُ الزَّوْجَاتِ بِالْإِمَاءِ لِعَدَمِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الِاخْتِيَارُ فَافْهَمْ وَلَا يَسْتَوِيَانِ عِنْدَ مَالِكٍ إلَّا إذَا قَالَتْ الْحُرَّةُ إنْ مَلَكْتنِي فَقَدْ اخْتَرْت نَفْسِي هَذَا تَهْذِيبُ مَا فِي الْأَصْلِ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَمَا قَالَهُ فِي هَذَا الْفَرْقِ فِيهِ نَظَرٌ اهـ.

وَوَجْهُهُ مَا عَلَّلَ بِهِ أَشْهَبُ قَوْلَهُ بِتَسْوِيَةِ الزَّوْجَاتِ بِالْإِمَاءِ فَافْهَمْ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ التَّمْلِيكِ وَقَاعِدَةِ التَّخْيِيرِ]

(الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ التَّمْلِيكِ وَقَاعِدَةِ التَّخْيِيرِ)

عَلَى مَشْهُورِ مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ أَنَّ التَّمْلِيكَ جَعْلُ الزَّوْجِ الْمُسْلِمِ الْمُكَلَّفِ إنْشَاءَ الطَّلَاقِ حَقًّا لِلزَّوْجَةِ، وَكَذَا لِغَيْرِهَا رَاجِحًا فِي الثَّلَاثِ يَخُصُّ بِمَا دُونَهَا بِنِيَّةٍ وَالتَّخْيِيرُ جَعْلُهُ إنْشَاءَ الطَّلَاقِ ثَلَاثًا حُكْمًا أَوْ نَصًّا عَلَيْهَا حَقًّا لَهَا، وَكَذَا لِغَيْرِهَا كَمَا لِابْنِ عَرَفَةَ فَمَوْضُوعُ التَّمْلِيكِ عَلَى هَذَا أَصْلُ الطَّلَاقِ مِنْ غَيْرِ إشْعَارٍ بِالْبَيْنُونَةِ وَلَا بِالْعَدَدِ فَلَهَا أَنْ تَقْضِيَ بِأَيِّ ذَلِكَ شَاءَتْ وَمَوْضُوعُ التَّخْيِيرِ عَلَى هَذَا الثَّلَاثُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَبَعْدَهُ وَمَقْصُودُهُ الْبَيْنُونَةُ فَلِذَلِكَ تُقْبَلُ نِيَّةُ الزَّوْجِ فِيمَا دُونَ الثَّلَاثِ قَبْلَ الْبِنَاءِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الْبَيْنُونَةُ بِالْوَاحِدَةِ حِينَئِذٍ دُونَ مَا بَعْدَ الْبِنَاءِ؛ لِأَنَّهُ أَيْ التَّخْيِيرَ حِينَئِذٍ صَرِيحٌ فِي الْبَيْنُونَةِ لَا يَقْبَلُ الْمَجَازَ كَالثَّلَاثِ إذَا نَطَقَ بِهَا، وَلَيْسَ لَهُ عَزْلُهَا فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ لَهَا مَا كَانَ بِيَدِهِ مِنْ الْعِصْمَةِ.

وَأَخْرَجَهُ عَنْهُ بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ قَالَ الْحَطَّابُ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ يَفْعَلُ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْوَكَالَةِ عَمَّنْ وَكَّلَهُ وَالْمُمَلَّكُ وَالْمُخَيَّرُ إنَّمَا يَفْعَلَانِ ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا مَلَكَا مَا كَانَ يَمْلِكُهُ الزَّوْجُ اهـ.

قَالَ حَفِيدُ ابْنُ رُشْدٍ فِي بِدَايَتِهِ فَرَأْيُ مَالِكٍ أَنَّ قَوْلَهُ لَهَا اخْتَارِينِي أَوْ اخْتَارِي نَفْسَك أَنَّهُ ظَاهِرٌ بِعُرْفِ الشَّرْعِ فِي مَعْنَى

<<  <  ج: ص:  >  >>