للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَصَلَ فِيهِ أَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ حَنْبَلٍ مِنْ غَيْرِ ذِمَّةٍ لَهُ عِنْدَ الْجَمِيعِ وَتُوجَدُ الذِّمَّةُ بِدُونِ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ كَالْعَبِيدِ فَإِنَّهُمْ مَحْجُورٌ عَلَيْهِمْ لِحَقِّ السَّادَاتِ.

وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُمْ يَمْلِكُونَ فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ التَّصَرُّفُ إلَّا بِإِذْنِ السَّادَاتِ سَدًّا لِذَرِيعَةِ إفْسَادِ مَا لَهُمْ وَحَقُّ السَّادَاتِ مُتَعَلِّقٌ بِهِ، وَلَوْ جَنَوْا جِنَايَةً وَلَمْ يَقَعْ الْحَدِيثُ فِيهَا وَلَا الْحُكْمُ كَانَتْ مُتَعَلِّقَةً بِذِمَّتِهِ إذَا عَتَقَ طُولِبَ بِهَا بِخِلَافِ الصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ لَا يُطَالَبُ بِمَا تَقَرَّرَ فِي ذِمَّتِهِ قَبْلَ الْبُلُوغِ لَكِنْ بِمَا تَقَدَّمَ سَبَبُهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَيُطَالَبُ بِهِ الْآنَ.

وَأَمَّا الْعَبْدُ يُطَالَبُ بِمَا تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ قَبْلَ الْعِتْقِ، فَيَكُونُ قَدْ تَقَدَّمَ فِي حَقِّ الْعَبْدِ السَّبَبُ وَالْمَلْزُومُ وَفِي حَقِّ الصَّبِيِّ السَّبَبُ دُونَ اللُّزُومِ، وَكَذَلِكَ إذَا تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَفُسِخَ نِكَاحُهُ بَقِيَ الصَّدَاقُ فِي ذِمَّتِهِ يُطَالَبُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ فَاللُّزُومُ سَابِقٌ وَالْمُطَالَبَةُ مُتَأَخِّرَةٌ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

الْقَضَاءُ لِانْدِرَاجِ هَذِهِ الْحَالَةِ فِي التَّكْلِيفِ نَعَمْ لَمَّا كَانَ الْمَشْهُورُ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ أَنَّ الْقَضَاءَ إنَّمَا يَجِبُ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ فَيَتْبَعُ ذَلِكَ الْأَمْرَ عَلَى حَسَبِ وُرُودِهِ، وَقَدْ وَرَدَ الْأَمْرُ بِالْقَضَاءِ مَعَ الْعُذْرِ وَعَدَمِهِ فِي الْوَاجِبِ الْمُتَّصِلِ كَالصَّوْمِ فِي رَمَضَانَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: ١٨٤] ، فَإِنَّهُ أَوْجَبَ الْقَضَاءَ مَعَ الْمَرَضِ وَهُوَ عُذْرٌ وَلَمْ يَرِدْ لَنَا فِي التَّطَوُّعَاتِ الَّتِي تَجِبُ بِالشُّرُوعِ مِثْلُ ذَلِكَ، بَلْ إنَّمَا وَرَدَ فِيهَا الْأَمْرُ بِالْقَضَاءِ فِي صُورَةِ عَدَمِ الْعُذْرِ خَاصَّةً لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ «اقْضِيَا يَوْمًا مَكَانَهُ» وَكَانَتَا عَامِدَتَيْنِ لِإِفْسَادِ ذَلِكَ الْيَوْمِ فِي حَالَةٍ يَثْبُتُ فِيهَا التَّكْلِيفُ عَلَى مُقْتَضَى الْأَصْلِ أَوْجَبْنَا الْقَضَاءَ فِي الْوَاجِبِ الْمُتَّصِلِ مُطْلَقًا وَاقْتَصَرْنَا عَلَى الْقَضَاءِ بِصُورَةِ عَدَمِ الْعُذْرِ خَاصَّةً فِي التَّطَوُّعَاتِ الَّتِي تَجِبُ بِالشُّرُوعِ فَهَذَا هُوَ تَلْخِيصُ الْفَرْقِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُبْطِلُ التَّتَابُعَ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يُبْطِلُهُ وَشَرْطُ قَاعِدَةِ خِطَابِ الْوَضْعِ وَقَاعِدَةِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ مَعَ تَنْقِيحِ كَلَامِ الْأَصْلِ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ الشَّاطِّ وَمَا فِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ وَمَا فِي الْإِقْنَاعِ وَشَرْحِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[الفرق بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُطَلَّقَاتِ يَقْضِي قَبْلَ عِلْمِهِنَّ بِالطَّلَاقِ وَأَمَدِ الْعِدَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُرْتَابَاتِ يَتَأَخَّرُ الْحَيْضُ وَلَا يُعْلَمُ لِتَأَخُّرِهِ سَبَبٌ]

(الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالسَّبْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُطَلَّقَاتِ يَقْضِي بِالطَّلَاقِ وَأَمَدِ الْعِدَّةِ قَبْلَ عِلْمِهِنَّ بِذَلِكَ فَيَكْتَفِينَ بِمَا تَقَدَّمَ عَلَى عِلْمِهِنَّ مِنْ أَمَدِهَا وَلَا يَلْزَمُهُنَّ اسْتِئْنَافُهُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُرْتَابَاتِ يَتَأَخَّرُ الْحَيْضُ وَلَا يُعْلَمُ لِتَأْخِيرِهِ سَبَبٌ فَيَمْكُثْنَ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ غَالِبَ مُدَّةِ الْحَمْلِ اسْتِبْرَاءً)

فَإِنْ حِضْنَ فِي خِلَالِهَا احْتَسَبْنَ بِذَلِكَ الْحَيْضِ وَانْتَظَرْنَ بَقِيَّةَ الْأَقْرَاءِ إلَى تِسْعَةِ أَشْهُرٍ وَلَا يَزَلْنَ كَذَلِكَ حَتَّى يَكْمُلَ لَهُنَّ ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ أَوْ تِسْعَةُ أَشْهُرٍ فَإِذَا انْقَضَتْ تِسْعَةُ أَشْهُرٍ لَيْسَ فِي خِلَالِهَا حَيْضٌ اسْتَأْنَفْنَ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ كَمَالَ السَّنَةِ فَإِنْ حِضْنَ قَبْلَ السَّنَةِ، وَلَوْ بِلَحْظَةٍ اسْتَأْنَفْنَ الْأَقْرَاءَ حَتَّى يَنْقَضِيَ الْأَقْرَاءُ أَوْ سَنَةً لَا حَيْضَ فِيهَا قَالَ حَفِيدٌ ابْنُ رُشْدٍ فِي بِدَايَتِهِ وَاخْتُلِفَ عَنْ مَالِكٍ مِنْ مَتَى تَعْتَدُّ بِتِسْعَةِ الْأَشْهُرِ فَقِيلَ مِنْ يَوْمِ طَلُقَتْ وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْمُوَطَّإِ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْهُ مِنْ يَوْمِ رَفْعَتِهَا حَيْضَتُهَا اهـ بِلَفْظِهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى تَنْتَظِرُ الْحَيْضَ إلَى سِنِّ الْإِيَاسِ وَقَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَإِنْ كَانَتْ حُجَّتُهُمَا عَلَيْهِ بِأَمْرَيْنِ

(أَحَدُهُمَا) قَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَيُّمَا امْرَأَةٍ طَلُقَتْ فَحَاضَتْ حَيْضَةً أَوْ حَيْضَتَيْنِ، ثُمَّ رُفِعَتْ عَنْهَا حَيْضَتُهَا فَإِنَّهَا تَنْتَظِرُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ فَإِنْ بَانَ بِهَا حَمْلٌ فَذَاكَ وَإِلَّا اعْتَدَّتْ بَعْدَ التِّسْعَةِ بِثَلَاثَةٍ أَشْهُرٍ

(وَثَانِيهِمَا) أَنَّهُنَّ بَعْدَ التِّسْعَةِ يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ إذْ لَوْ كَانَ لَظَهَرَ غَالِبًا بِدَلِيلِ أَنَّ الْحَامِلَ قَدْ تَحِيضُ فَحَيْثُ لَمْ تَحِضْ فِي مُدَّةِ الْحَمْلِ كَانَتْ مُدَّةُ الْحَمْلِ كَافِيَةً فِي الْعِلْمِ بِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ الْمَقْصُودِ بِالْعِدَّةِ، بَلْ هِيَ قَاطِعَةٌ عَلَى ذَلِكَ فَيَنْدَرِجْنَ فِي {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ} [الطلاق: ٤] إلَّا أَنَّهُ يُقَالُ عَلَيْهِ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَبَيْنَ الثَّلَاثَةِ تَمْضِي قَبْلَ الْعِلْمِ وَالْمَقْصُودُ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ بِمُضِيِّ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَظْهَرْ فِيهَا حَمْلٌ، وَقَدْ حَصَلَتْ فِي كِلَا الْبَابَيْنِ وَجَوَابُهُ أَنَّ هَذِهِ النِّسْوَةَ الْمُرْتَابَاتِ وَإِنْ انْكَشَفَ الْغَيْبُ عَنْ إيَاسِهِنَّ، إلَّا أَنَّ الْعِدَّةَ لَمَّا كَانَتْ لَا تَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الْعِلْمِ بِحُصُولِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَإِلَّا لَحَصَلَتْ لِامْرَأَةِ مَنْ غَابَ عَشْرَ سِنِينَ، ثُمَّ طَلَّقَهَا بَعْدَ الْعَشَرَةِ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهَا حَيْثُ إنَّ تِلْكَ الْمُدَّةَ قَدْ دَلَّتْ عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إجْمَاعًا، بَلْ إنَّمَا تَحْصُلُ بِالْعِلْمِ بِحُصُولِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ بَعْدَ سَبَبِهَا لَا قَبْلَ سَبَبِهَا إذْ الْوَاقِعُ قَبْلَ السَّبَبِ مِنْ جَمِيعِ الْأَحْكَامِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ كَالصَّلَاةِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَالصَّوْمِ قَبْلَ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَإِخْرَاجِ الزَّكَاةِ قَبْلَ مِلْكِ النِّصَابِ فَإِذَا انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ امْرَأَةَ مَنْ غَابَ عَشْرَ سِنِينَ، ثُمَّ طَلَّقَهَا بَعْدَ الْعَشْرِ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهَا تَسْتَأْنِفُ الْعِدَّةَ بَعْدَ تِلْكَ الْمُدَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَإِنْ دَلَّتْ عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ إلَّا أَنَّهَا وَقَعَتْ قَبْلَ سَبَبِ الْعِدَّةِ الَّذِي هُوَ الطَّلَاقُ كَانَ الْوَاقِعُ لِلْمُرْتَابَاتِ مِنْ الْأَشْهُرِ قَبْلَ كَمَالِ التِّسْعَةِ وَاقِعًا قَبْلَ إيَاسِنَا وَإِيَاسِهِنَّ مِنْ الْحَيْضِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جَعَلَ الْإِيَاسَ سَبَبًا لِلْعِدَّةِ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ فَإِنَّ قَوْله تَعَالَى {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ} [الطلاق: ٤]

<<  <  ج: ص:  >  >>