للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَرْعِيٌّ مُقَدَّرٌ فِي الْمُكَلَّفِ قَابِلٌ لِلِالْتِزَامِ وَاللُّزُومِ، وَهَذَا الْمَعْنَى جَعَلَهُ الشَّرْعُ مُسَبَّبًا عَلَى أَشْيَاءَ خَاصَّةٍ مِنْهَا الْبُلُوغُ وَمِنْهَا الرُّشْدُ فَمَنْ بَلَغَ سَفِيهًا لَا ذِمَّةَ لَهُ، وَمِنْهَا تَرْكُ الْحَجْرِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُفْلِسِ فَمَنْ اجْتَمَعَتْ لَهُ هَذِهِ الشُّرُوطُ رَتَّبَ الشَّرْعُ عَلَيْهَا تَقْدِيرَ مَعْنًى فِيهِ يَقْبَلُ إلْزَامَهُ أَرْشَ الْجِنَايَاتِ وَأَجْرَ الْإِجَارَاتِ وَأَثْمَانَ الْمُعَامَلَاتِ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ وَيَقْبَلُ الْتِزَامَهُ إذَا الْتَزَمَ أَشْيَاءَ اخْتِيَارًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ لَزِمَهُ، وَإِذَا فُقِدَ شَرْطٌ مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ لَمْ يُقَدِّرْ الشَّرْعُ هَذَا الْمَعْنَى الْقَابِلَ لِلْإِلْزَامِ وَالِالْتِزَامِ، وَهَذَا الْمَعْنَى الْمُقَدَّرُ هُوَ الَّذِي تُقَدَّرُ فِيهِ الْأَجْنَاسُ الْمُسَلَّمُ فِيهَا مُسْتَقِرَّةً حَتَّى يَصِحَّ مُقَابَلَتُهَا بِالْأَعْوَاضِ الْمَقْبُوضَةِ نَاجِزًا فِي ثَمَنِهَا، وَفِيهِ تُقَدَّرُ أَثْمَانُ الْبِيَاعَاتِ بِثَمَنٍ إلَى آجَالٍ بَعِيدَةٍ أَوْ قَرِيبَةٍ وَصَدَقَاتِ الْأَنْكِحَةِ وَالدُّيُونِ فِي الْحَوَالَاتِ وَالْحُقُوقِ فِي الضَّمَانَاتِ وَغَيْرِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

عَلَيْهَا نِصْفَ عِدَّةِ الْحُرَّةِ فَشَبَّهَهَا بِالزَّوْجَةِ الْأَمَةِ فَسَبَبُ الْخِلَافِ إنَّهَا مَسْكُوتٌ عَنْهَا وَهِيَ مُتَرَدِّدَةُ الشَّبَهِ بَيْنَ الْأَمَةِ وَالْحُرَّةِ، وَأَمَّا مَنْ شَبَّهَهَا بِالزَّوْجَةِ الْأَمَةِ فَضَعِيفٌ وَأَضْعَفُ مِنْهُ مَنْ شَبَّهَهَا بِعِدَّةِ الْحُرَّةِ الْمُطَلَّقَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبُو حَنِيفَةَ اهـ.

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْحَضَانَةِ يُقَدَّمُ فِيهَا النِّسَاءُ عَلَى الرِّجَالِ بِخِلَافِ جَمِيعِ الْوِلَايَاتِ يُقَدَّمُ فِيهَا الرِّجَالُ عَلَى النِّسَاءِ]

(الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالسَّبْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْحَضَانَةِ يُقَدَّمُ فِيهَا النِّسَاءُ عَلَى الرِّجَالِ بِخِلَافِ جَمِيعِ الْوِلَايَاتِ يُقَدَّمُ فِيهَا الرِّجَالُ عَلَى النِّسَاءِ)

وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمَّا اقْتَضَتْ حِكْمَتُهُ التَّامَّةُ الْبَالِغَةُ كَثْرَةَ بُكَاءِ الْأَطْفَالِ مَنْفَعَةً لَهُمْ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ فِي أَدْمِغَتِهِمْ رُطُوبَاتٍ لَوْ بَقِيَتْ فِيهَا لَأَحْدَثَتْ أَحْدَاثًا عَظِيمَةً وَالْبُكَاءُ يُسِيلُ ذَلِكَ وَيَحْدُرُهُ مِنْ أَدْمِغَتِهِمْ فَتَقْوَى أَدْمِغَتُهُمْ وَتَصِحُّ.

وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الْبُكَاءَ وَالْعِيَاطَ يُوَسِّعُ عَلَيْهِمْ مَجَارِي النَّفَسِ وَيَفْتَحُ الْعُرُوقَ وَيُصَلِّبُهَا وَيُقَوِّي الْأَعْصَابَ وَاقْتَضَتْ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الدَّارُ الدُّنْيَا مَمْزُوجَةً عَافِيَتُهَا بِبَلَائِهَا وَرَاحَتُهَا بِعَنَائِهَا وَلَذَّتُهَا بِآلَامِهَا وَصِحَّتُهَا بِسَقَمِهَا وَفَرَحُهَا بِغَمِّهَا وَأَنَّهَا دَارُ ابْتِلَاءٍ تَدْفَعُ بَعْضَ آفَاتِهَا بِبَعْضٍ كَمَا قَالَ الْقَائِلُ:

أَصْبَحَتْ فِي دَارِ بَلِيَّاتٍ ... أَدْفَعُ آفَاتٍ بِآفَاتِ

حَتَّى صَارَتْ آلَامُ الْأَطْفَالِ كَآلَامِ الْبَالِغِينَ مِنْ لَوَازِمِ النَّشْأَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ الَّتِي لَا يَنْفَكُّ عَنْهَا الْإِنْسَانُ وَلَا الْحَيَوَانُ كَالْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالْجُوعِ وَالْعَطَشِ وَالتَّعَبِ وَالنَّصَبِ وَالْهَمِّ وَالْغَمِّ وَالضَّعْفِ وَالْعَجْزِ بِحَيْثُ إنَّ الْإِنْسَانَ لَوْ تَجَرَّدَ عَنْهَا لَمْ يَكُنْ إنْسَانًا، بَلْ كَانَ مَلَكًا أَوْ خَلْقًا آخَرَ إلَّا أَنَّ الْبَالِغِينَ لَمَّا صَارَتْ لَهُمْ عَادَةٌ سَهُلَ مَوْقِعُهَا عِنْدَهُمْ بِخِلَافِ الْأَطْفَالِ كَمَا فِي مِفْتَاحِ السَّعَادَةِ لِابْنِ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ افْتَقَرَتْ حَضَانَتُهُمْ إلَى وُفُورِ الصَّبْرِ عَلَيْهِمْ فِي كَثْرَةِ بُكَائِهِمْ وَتَضَجُّرِهِمْ مِنْ الْهَيْئَاتِ الْعَارِضَةِ لَهُمْ وَإِلَى مَزِيدِ الشَّفَقَةِ وَالرِّقَّةِ الْبَاعِثَةِ عَلَى الرِّفْقِ بِالضُّعَفَاءِ وَالرِّفْقِ بِهِمْ وَلَمَّا كَانَتْ النِّسْوَةُ أَتَمَّ مِنْ الرِّجَالِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَنَفَاتِ الرِّجَالِ وَإِبَايَةَ نُفُوسِهِمْ وَعُلُوِّ هِمَمِهِمْ تَمْنَعُهُمْ مِنْ الِانْسِلَاكِ فِي أَطْوَارِ الصِّبْيَانِ وَمَا يَلِيقُ بِهِمْ مِنْ اللُّطْفِ وَالْمُعَامَلَاتِ وَمُلَابَسَةِ الْقَاذُورَاتِ وَتَحَمُّلِ الدَّنَاءَاتِ وَقَاعِدَةُ الشَّرْعِ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ وَكُلِّ وِلَايَةٍ تَقْدِيمُ

مَنْ هُوَ أَقْوَمُ بِمَصَالِحِهَا

قَدَّمَهُنَّ الشَّرْعُ عَلَى الرِّجَالِ فِي الْحَضَانَةِ كَمَا قَدَّمَ الرِّجَالَ عَلَيْهِنَّ فِي غَيْرِهَا مِنْ جَمِيعِ الْوِلَايَاتِ عَلَى حَسَبِ أَحْوَالِهِمْ الْمُنَاسِبَةِ لِأَيِّ وِلَايَةٍ مِنْ الْوِلَايَاتِ فَقَدَّمَ فِي الْخِلَافَةِ مِنْ الرِّجَالِ مَنْ هُوَ كَامِلُ الْعِلْمِ وَالدِّينِ وَافِرُ الْعَقْلِ وَالرَّأْيِ قَوِيُّ النَّفْسِ شَدِيدُ الشُّجَاعَةِ عَارِفٌ بِأَهْلِيَّاتِ الْوِلَايَاتِ حَرِيصٌ عَلَى مَصَالِحِ الْأُمَّةِ قُرَشِيٌّ مِنْ قَبِيلَةِ النُّبُوءَةِ الْمُعَظَّمَةِ كَامِلُ الْحُرْمَةِ وَالْهَيْبَةِ فِي نُفُوسِ النَّاسِ وَقَدَّمَ فِي وِلَايَةِ الْحَرْبِ مَنْ هُوَ أَقْوَمُ بِمَصَالِحِ الْحُرُوبِ مِنْ سِيَاسَةِ الْجُيُوشِ وَمُكَائَدَةِ الْعَدُوِّ، وَقَدَّمَ فِي الْقَضَاءِ مَنْ هُوَ أَكْثَرُ تَفَطُّنًا لِحِجَاجِ الْخُصُومِ وَقَوَاعِدِ الْأَحْكَامِ وَوُجُودِ الْخُدَعِ مِنْ النَّاسِ وَقَدَّمَ فِي الْفَتْوَى مَنْ هُوَ أَنْقَلُ لِلْأَحْكَامِ وَأَشْفَقُ عَلَى الْأُمَّةِ وَأَحْرَصُهُمْ عَلَى إرْشَادِهَا لِحُدُودِ الشَّرِيعَةِ وَقَدَّمَ فِي سِعَايَةِ الْمَاشِيَةِ وَجِبَايَةِ الزَّكَاةِ وَالْعَمَلِ عَلَيْهَا مَنْ هُوَ أَعْرَفُ بِنُصُبِ الزَّكَوَاتِ وَمَقَادِيرِ الْوَاجِبِ فِيهَا وَأَحْكَامِ اخْتِلَاطِهَا وَافْتِرَاقِهَا وَضَمِّ أَجْنَاسِهَا وَقَدَّمَ فِي أَمَانَةِ الْحُكْمِ مَنْ هُوَ أَعْرَفُ بِمَقَادِيرِ النَّفَقَاتِ وَأَهْلِيَّاتِ الْكَفَّارَاتِ وَتَنْمِيَةِ أَمْوَالِ الْأَيْتَامِ وَالْمُنَاضَلَةِ عَنْهُمْ وَهَكَذَا بَقِيَّةُ الْوِلَايَاتِ فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْحَضَانَاتِ وَقَاعِدَةِ غَيْرِهَا مِنْ الْوِلَايَاتِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مُعَامَلَةِ أَهْلِ الْكُفْرِ وَقَاعِدَةِ مُعَامَلَةِ الْمُسْلِمِينَ]

(الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالسَّبْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَة مُعَامَلَةِ أَهْلِ الْكُفْرِ وَقَاعِدَةِ مُعَامَلَةِ الْمُسْلِمِينَ) وَذَلِكَ إنَّ لِمُعَامَلَةِ الْمُسْلِمِينَ حَالَتَيْنِ

(الْحَالَةُ الْأُولَى) مَا إذْ لَمْ يَظْهَرْ الرِّبَا بَيْنَهُمْ

(وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ) مَا إذَا ظَهَرَ الرِّبَا بَيْنَهُمْ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى رَجَّحَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ مُعَامَلَتَهُمْ عَلَى مُعَامَلَةِ أَهْلِ الْكُفْرِ قَالَ مَالِكٌ أَكْرَهُ الصَّيْرَفِيَّ مِنْ صَيَارِفَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ} [النساء: ١٦١] .

وَقَالَ وَأَكْرَهُ مُعَامَلَةَ الْمُسْلِمِ بِأَرْضِ الْحَرْبِ لِلْحَرْبِيِّ بِالرِّبَا أَيْ؛ لِأَنَّ الرِّبَا مَفْسَدَةٌ فِي نَفْسِهِ فَيَمْتَنِعُ مِنْ الْجَمِيعِ؛ وَلِأَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٥] وَعُمُومُ نُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ يَتَنَاوَلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>