للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ لِأَنَّ تَعْلِيقَهُ عَلَى الدُّخُولِ حَلِفٌ بِخِلَافِ إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ لَمْ يَكُنْ هَذَا حَلِفًا لِأَنَّ الْحَلِفَ مَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ مَنْعٌ وَاسْتِحْثَاثٌ قُلْت كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ مِنْ أَيْمَانِ الْفُسَّاقِ» وَنَصَّ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَلَمْ يُفَصِّلُوا وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَحْنَثَ فِي الْحَالَيْنِ.

(الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ: إذَا قَالَ: إنْ بَدَأْتُك بِالْكَلَامِ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَقَالَتْ هِيَ: إنْ بَدَأْتُك بِالْكَلَامِ فَعَبْدِي حُرٌّ فَكَلَّمَهَا وَكَلَّمَتْهُ لَمْ تَطْلُقْ وَلَمْ يَعْتِقْ الْعَبْدُ لِأَنَّ يَمِينَهُ انْحَلَّتْ بِيَمِينِهَا وَيَمِينُهَا انْحَلَّتْ بِكَلَامِهِ فَلَمْ تَبْدَأْ هِيَ وَلَا هُوَ بِكَلَامٍ.

(الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ) فِي التَّهْذِيبِ لِمَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ الْآنَ بِخِلَافِ إنْ شَاءَ هَذَا الْحَجَرُ وَنَحْوُهُ وَسَوَّى أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ فِي عَدَمِ اللُّزُومِ وَقَالَ سَحْنُونٌ: يَلْزَمُهُ فِي الْحَجَرِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّهُ يُعَدُّ نَادِمًا أَوْ هَازِلًا وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَرْبَعِ قَوَاعِدَ:

(الْقَاعِدَةُ الْأُولَى) كُلٌّ مَنْ لَهُ عُرْفٌ يُحْمَلُ كَلَامُهُ عَلَى عُرْفِهِ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طَهُورٍ» يُحْمَلُ عَلَى الصَّلَاةِ فِي عُرْفِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - دُونَ الدُّعَاءِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ حَلَفَ وَاسْتَثْنَى عَادَ كَمَنْ لَمْ يَحْلِفْ» يُحْمَلُ عَلَى الْحَلِفِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ الْحَلِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الْحَلِفَ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ جَعَلَهُمَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ أَيْمَانِ الْفُسَّاقِ فَلَا يُحْمَلُ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ عَلَيْهَا.

(الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ) كَمَا شَرَعَ اللَّهُ تَعَالَى الْأَحْكَامَ شَرَعَ مُبْطَلَاتِهَا وَدَوَافِعَهَا فَشَرَعَ الْإِسْلَامَ وَعَقْدَ الذِّمَّةِ سَبَبَيْنِ لِعِصْمَةِ الدِّمَاءِ وَالرِّدَّةُ وَالْحِرَابَةُ وَزِنَى الْمُحْصَنِ وَحِرَابَةُ الذِّمِّيِّ رَوَافِعُ وَالسَّبْيُ سَبَبُ الْمِلْكِ وَالْعِتْقُ رَافِعٌ لَهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ شَرْعِهِ رَافِعٌ لِحُكْمِ سَبَبٍ أَنْ يَرْفَعَ حُكْمَ غَيْرِهِ فَالِاسْتِثْنَاءُ بِالْمَشِيئَةِ شَرَعَهُ رَافِعًا لِحُكْمِ الْيَمِينِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَادَ كَمَنْ لَمْ يَحْلِفْ فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ رَافِعًا لِحُكْمِ الْعِتْقِ وَالتَّعْلِيقِ كَمَا أَنَّ التَّطْلِيقَ رَافِعٌ لِحُكْمِ النِّكَاحِ وَلَا يَرْفَعُ حُكْمَ الْيَمِينِ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الرَّوَافِعِ وَلَيْسَ إطْلَاقُ لَفْظِ الْيَمِينِ عَلَى الْبَابَيْنِ بِالتَّوَاطُؤِ حَتَّى يَعُمَّ الْحُكْمُ بَلْ بِالِاشْتِرَاكِ أَوْ الْمَجَازِ فِي التَّعْلِيقِ بِالطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ وَاَلَّذِي يُسَمَّى يَمِينًا

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ لِأَنَّ تَعْلِيقَهُ عَلَى الدُّخُولِ حَلِفٌ بِخِلَافِ إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ لَمْ يَكُنْ هَذَا حَلِفًا لِأَنَّ الْحَلِفَ مَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ مَنْعٌ وَاسْتِحْثَاثٌ قَالَ: قُلْتُ: كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ مِنْ أَيْمَانِ الْفُسَّاقِ» وَنَصَّ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَلَمْ يُفَصِّلُوا وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَحْنَثَ فِي الْحَالَيْنِ) قُلْتُ: إنْ صَحَّ الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ فَمَا قَالَهُ مِنْ لُزُومِ الْحِنْثِ فِي الْحَالَيْنِ صَحِيحٌ وَإِلَّا فَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ: (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ قَالَ: الشَّافِعِيَّةُ إذَا قَالَ: إنْ بَدَأْتُك بِالْكَلَامِ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَقَالَتْ: إنْ بَدَأْتُك بِالْكَلَامِ فَعَبْدِي حُرٌّ فَكَلَّمَهَا وَكَلَّمَتْهُ لَمْ تَطْلُقْ وَلَمْ يُعْتَقْ لِأَنَّ يَمِينَهُ انْحَلَّتْ بِيَمِينِهَا وَيَمِينُهَا انْحَلَّتْ بِكَلَامِهِ فَلَمْ تَبْدَأْ بِشَيْءٍ وَلَا هُوَ بِكَلَامٍ) قُلْتُ: سَكَتَ عَنْ الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِمْ وَهُوَ دَلِيلُ قَبُولِهِ لِمَا قَالُوهُ وَقَوْلُهُمْ صَحِيحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ: (الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ فِي التَّهْذِيبِ لِمَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ الْآنَ بِخِلَافِ إنْ شَاءَ هَذَا الْحَجَرُ وَنَحْوُهُ وَسَوَّى أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ فِي عَدَمِ اللُّزُومِ وَقَالَ سَحْنُونٌ: يَلْزَمُ فِي الْحَجَرِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّهُ يُعَدُّ نَادِمًا أَوْ هَازِلًا وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَرْبَعِ قَوَاعِدَ إلَى آخِرِ قَوْلِهِ فِي الْقَاعِدَتَيْنِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ) قُلْتُ:

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

مِنْ الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ الْقُدُومُ وَمِنْ لَفْظِ التَّعْلِيقِ تَقَدُّمًا تَقْدِيرِيًّا لَا تَحْقِيقِيًّا حَتَّى يُنَافِيَ الْعَقْدَ وَيُعَارِضَهُ فِي اقْتِضَائِهِ الْإِبَاحَةَ مَعَ قَوْلِنَا الْعِدَّةُ الَّتِي أَجْمَعْنَا عَلَيْهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تَتْبَعُ الْمُحَقَّقَ لَا الْمُقَدَّرَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ مِنْ يَوْمِ الْقُدُومِ لِأَنَّهُ يَوْمُ لُزُومِ الطَّلَاقِ وَتَحْرِيمُ الْفَرْجِ أَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَالْإِبَاحَةُ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى مَا فِيهِ وَكَيْفَ يُنْكِرُونَ ذَلِكَ وَهُمْ يَقُولُونَ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ نَقْضٌ لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ مَعَ أَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ سَبَبٌ لِلنَّقْضِ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَبْلَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّقْدِيرِ وَإِذَا عَقَلُوا ذَلِكَ فِي مَوَاطِنَ فَلْيَعْقِلُوهُ فِي الْبَقِيَّةِ وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى قَوْلِهِ أَنْتَ طَالِقٌ مُنْذُ شَهْرٍ فَالْفَرْقُ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ لَيْسَ تَعْلِيقًا حَتَّى يَكُونَ مِمَّا وَكَّلَهُ الشَّارِعُ إلَى خِيرَةِ الْمُكَلَّفِ كَالْمَقِيسِ وَلَكِنَّهُ مِمَّا وَضَعَهُ الشَّارِعُ سَبَبًا وَمَا وَضَعَهُ الشَّارِعُ لَمْ يَقَعْ مُسَبَّبُهُ إلَّا مُتَأَخِّرًا عَنْهُ كَمَا عَلِمْت عَلَى أَنَّهُمْ نَقَضُوا أَصْلَهُمْ فِي الْمَسْأَلَةِ نَفْسِهَا بِتَقْدِيمِ الطَّلَاقِ عَلَى الْقُدُومِ وَالْقُدُومُ سَبَبٌ أَوْ شَرْطٌ قَرِيبٌ لَهُ فَمَا وَجْهُ مَنْعِهِمْ مَعَ ذَلِكَ تَقْدِيمُهُ عَلَى سَبَبِهِ الْبَعِيدِ الَّذِي هُوَ لَفْظُ التَّعْلِيقِ فَتَأَمَّلْ بِإِنْصَافٍ.

[الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ قَالَ إنْ وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا فَطَلَّقَهَا]

(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا: إذَا قَالَ إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا وَطَلَّقَ دُونَ الثَّلَاثِ لَزِمَهُ الثَّلَاثُ أَيْ عَدَدُ طَلَاقِهِ مُنَجَّزًا إلْغَاءً لِلْقَبْلِيَّةِ كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ وَلَمْ يَلْتَفِتُوا لِلدَّوْرِ الْحُكْمِيِّ الَّذِي قَاعِدَتُهُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ تَضَمَّنَ إثْبَاتُهُ نَفْيَهُ انْتَفَى مِنْ أَصْلِهِ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي وَسِيطِهِ: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ عِنْدَ ابْنِ الْحَدَّادِ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ لَوَقَعَ مَشْرُوطُهُ وَهُوَ تَقَدُّمُ الثَّلَاثِ وَلَوْ وَقَعَ مَشْرُوطُهُ لَمَنَعَ وُقُوعَهُ لِأَنَّ الثَّلَاثَ تَمْنَعُ مَا بَعْدَهَا فَيُؤَدِّي إثْبَاتُهُ إلَى نَفْيِهِ فَلَا يَقَعُ وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ: يَقَعُ الْمُنَجَّزُ وَلَا يَقَعُ الْمُعَلَّقُ لِأَنَّهُ عَلَّقَ مُحَالًا وَقِيلَ: يَقَعُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا الثَّلَاثُ أَيُّ شَيْءٍ نَجَّزَهُ تَنَجَّزَ وَكَمَّلَ مِنْ الْمُعَلَّقِ قَالَ: وَمِنْ صُوَرِ الدَّوْرِ أَنْ يَقُولَ: إنْ طَلَّقْتُك طَلْقَةً أَمْلِكُ بِهَا الرَّجْعَةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ طَلْقَتَيْنِ، وَإِنْ وَطِئْتُك وَطْئًا مُبَاحًا فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا.

وَإِنْ أَبَنْتُك أَوْ ظَاهَرْت مِنْك أَوْ فَسَخْت نِكَاحَك أَوْ رَاجَعْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا، أَوْ يَقُولُ لِأَمَتِهِ: إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ حُرَّةٌ قَبْلَهُ لِأَنَّهُ يَخَافُ أَنْ يَعْتِقَهَا فَلَا يَتَزَوَّجُ بِهَا وَلَا تُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ فَتُعَلَّقُ الْحُرِّيَّةُ عَلَى الْعَقْدِ مَعَ

<<  <  ج: ص:  >  >>