للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ الْكُلُّ يَدْخُلُهُ الْكَذِبُ، وَإِنَّمَا سُومِحَ فِي الْوَعْدِ تَكْثِيرًا لِلْعِدَةِ بِالْمَعْرُوفِ فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْكَذِبِ وَالْوَعْدِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي ظَهَرَ لِي لِعَدَمِ تَعَيُّنِ الْمُطَابَقَةِ وَعَدَمِهَا اللَّذَيْنِ هُمَا ضَابِطَا الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ، وَعَلَى ذَلِكَ يَقَعُ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَذِبِ وَبَيْنَ الصِّدْقِ فَلَا يُوصَفُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَيَخْتَصُّ بِالْمَاضِي وَالْحَاضِرِ فَإِنْ قُلْت يَلْزَمُ ذَلِكَ فِي وَعْدِ الشَّرَائِعِ وَوَعِيدِهَا فَلَا يُوصَفَانِ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ} [إبراهيم: ٢٢] ، وَصَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ} [الزمر: ٧٤] {فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا} [الأعراف: ٤٤] إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى دُخُولِ الصِّدْقِ فِي وَعْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَوَعِيدِهِ، وَالْأَصْلُ فِي الِاسْتِعْمَالِ الْحَقِيقَةُ (قُلْت) اللَّهُ تَعَالَى يُخْبِرُ عَنْ مَعْلُومٍ، وَكُلُّ مَا تَعَلَّقَ بِهِ الْعِلْمُ تَجِبُ مُطَابَقَتُهُ بِخِلَافِ وَاحِدٍ مِنْ الْبَشَرِ إنَّمَا أَلْزَمَ نَفْسَهُ أَنْ يَفْعَلَ مَعَ تَجْوِيزِ أَنْ يَقَعَ ذَلِكَ مِنْهُ، وَأَنْ لَا يَقَعَ فَلَا تَكُونُ الْمُطَابَقَةُ وَعَدَمُهَا مَعْلُومَيْنِ، وَلَا وَاقِعَيْنِ فَانْتَفَيَا بِالْكُلِّيَّةِ وَقْتَ الْإِخْبَارِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْفُقَهَاءَ اخْتَلَفُوا فِي الْوَعْدِ هَلْ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ شَرْعًا أَمْ لَا قَالَ مَالِكٌ إذَا سَأَلَك أَنْ تَهَبَ لَهُ دِينَارًا فَقُلْت نَعَمْ ثُمَّ بَدَا لَك

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

لَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ تَكُونَ الْأَوْصَافُ فِيهَا بِالْفِعْلِ بَطَلَ كُلُّ مَا قَالَهُ هَؤُلَاءِ مِنْ أَنَّ الْوَعْدَ لَا يَدْخُلُهُ الْكَذِبُ لِأَنَّهُ مُسْتَقْبَلٌ، وَصَحَّ قَوْلُ مَنْ يَقُولُ يَدْخُلُهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ قَابِلٌ لِذَلِكَ، وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الَّذِي لَا يَصِحُّ سِوَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ الْكُلُّ يَدْخُلُهُ الْكَذِبُ، وَإِنَّمَا سُومِحَ فِي الْوَعْدِ تَكْثِيرًا لِلْعِدَةِ بِالْمَعْرُوفِ فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْكَذِبِ وَالْوَعْدِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي ظَهَرَ لِي لِعَدَمِ تَعَيُّنِ الْمُطَابَقَةِ وَعَدَمِهَا اللَّذَيْنِ هُمَا ضَابِطَا الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ، وَعَلَى ذَلِكَ يَقَعُ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَذِبِ وَبَيْنَ الصِّدْقِ فَلَا يُوصَفُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَيَخْتَصُّ بِالْمَاضِي وَالْحَاضِرِ) قُلْت الصَّحِيحُ نَقِيضُ مُخْتَارِهِ، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ هُنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ (فَإِنْ قُلْت يَلْزَمُ ذَلِكَ فِي وَعْدِ الشَّرَائِعِ وَوَعِيدِهَا فَلَا يُوصَفَانِ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إلَى قَوْلِهِ فَانْتَفَيَا بِالْكُلِّيَّةِ وَقْتَ الْإِخْبَارِ) قُلْت السُّؤَالُ، وَارِدٌ لَازِمٌ، وَالْجَوَابُ سَاقِطٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْحَقَائِقَ لَا تَتَغَيَّرُ بِحَسَبِ الْأَحْوَالِ الْمُخْبَرِ بِهَا عَنْهَا، وَلَا بِحَسَبِ حَالٍ دُونَ حَالٍ فَالْخَبَرُ الْقَابِلُ لِلصِّدْقِ أَوْ الْكَذِبِ قَابِلٌ لَهُمَا، وَالْخَبَرُ الْقَابِلُ لِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ كَذَلِكَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

قَالَ (وَاعْلَمْ أَنَّ الْفُقَهَاءَ اخْتَلَفُوا فِي الْوَعْدِ هَلْ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ شَرْعًا أَمْ لَا إلَى آخِرِ الْفَرْقِ) قُلْت الصَّحِيحُ عِنْدِي الْقَوْلُ بِلُزُومِ الْوَفَاءِ بِالْوَعْدِ مُطْلَقًا

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

ابْنُ عَرَفَةَ فِي ذِي الشُّبْهَةِ، وَمَالَ إلَى يَوْمِ الْحُكْمِ إنْ كَانَتْ الْمُخَاصَمَةُ بِمَا لَهُ وَجْهٌ اُنْظُرْ الرَّهُونِيَّ اهـ.

مَعَ اقْتِصَارٍ عَلَى مَا عَوَّلَ عَلَيْهِ الْبُنَانِيُّ وَالرَّهُونِيُّ وَكَنُونِ، وَزِيَادَةٌ مِنْهُمْ نَعَمْ اُنْظُرْ ابْنَ الشَّاطِّ فِي كَلَامِ الْأَصْلِ بِأَنَّ تَقْدِيرَ بِنَاءٍ أَوْ شَجَرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَا تَكُونُ لَهُ قِيمَةٌ بَعْدَ الْقَلْعِ كَفَرْضٍ مُحَالٍ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ اهـ بِلَفْظِهِ.

(فَائِدَةٌ) قَالَ الْأَصْلُ الْقَاعِدَةُ أَنَّ الشَّرْعَ لَا يَعْتَبِرُ مِنْ الْمَقَاصِدِ إلَّا مَا تَعَلَّقَ بِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ إلَخْ أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ الْعُرُوضَ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، وَكَذَلِكَ الْحَيَوَانُ وَالطَّعَامُ لِأَنَّ لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ مِنْ الْخُصُوصِيَّاتِ وَالْأَوْصَافِ مَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَغْرَاضُ الصَّحِيحَةُ، وَتَمِيلُ إلَيْهِ الْعُقُولُ السَّلِيمَةُ وَالنُّفُوسُ الْخَالِصَةُ لِمَا فِي تِلْكَ الْمُعَيَّنَاتِ مِنْ الْمَلَاذِّ الْخَاصَّةِ فِي تِلْكَ الْأَعْيَانِ، وَمُقْتَضَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَنَّهُ إذَا عَيَّنَ صَاعًا مِنْ صُبْرَةٍ، وَبَاعَهُ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ لِأَنَّ الْأَغْرَاضَ الصَّحِيحَةَ مُسْتَوِيَةٌ فِي أَجْزَاءِ الصُّبْرَةِ غَيْرَ أَنِّي لَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِعَدَمِ التَّعْيِينِ، وَاخْتَلَفُوا فِي الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ إذَا عُيِّنَتْ هَلْ تَتَعَيَّنُ أَمْ لَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ ثَالِثُهَا إنْ عَيَّنَهَا الدَّافِعُ تَعَيَّنَتْ لِأَنَّهُ أَمْلَكُ بِهَا، وَهُوَ مَالِكُهَا، وَإِنْ عَيَّنَهَا الْقَابِضُ لَا تَتَعَيَّنُ إلَّا أَنْ تَخْتَصَّ بِصِفَةِ حُلِيٍّ أَوْ سِكَّةٍ رَائِجَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ تَعَيَّنَتْ اتِّفَاقًا، وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ عِنْدَنَا، وَبِالتَّعْيِينِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَنَا عَدَمُ التَّعْيِينِ اهـ.

وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُضْمَنُ بِالطَّرْحِ مِنْ السُّفُنِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُضْمَنُ]

(الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُضْمَنُ بِالطَّرْحِ مِنْ السُّفُنِ، وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُضْمَنُ) وَهُوَ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِضَمَانِ مَا يُطْرَحُ مِنْهَا لِلْهَوْلِ مِنْ أَمْوَالِ التِّجَارَةِ فِيمَا سَلِمَ مِنْهَا لَا فِيمَا سَلِمَ مِنْ غَيْرِهَا ضَرُورَةَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ رُكُوبِ الْبَحْرِ إنَّمَا هُوَ مَالُ التِّجَارَةِ لَا نَفْسُ الْمَرْكَبِ وَلَا صَاحِبُهُ وَلَا النَّوَاتِيَّةُ وَلَوْ عَبِيدًا أَوْ لَا مَا يُرَادُ لِلنَّفَقَةِ أَوْ لِلْقِنْيَةِ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ هَذِهِ كُلَّهَا وَسَائِلٌ، وَلَا يُرْجَعُ بِالْمَقَاصِدِ إلَّا فِي الْمَقَاصِدِ.

وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ شَأْنَ الْمَرْكَبِ أَنْ يَصِلَ بِرِجَالِهِ سَالِمًا إلَى الْبَرِّ، وَإِنَّمَا يُغْرِقُهُ مَا فِيهِ عَادَةً، وَإِزَالَةُ السَّبَبِ الْمُهْلِكِ لَا يُوجِبُ شَرِكَةً بَلْ فِعْلُ السَّبَبِ الْمُنْجِي هُوَ الَّذِي يُوجِبُهُ أَلَا تَرَى أَنَّ فَاعِلَ الضَّرَرِ شَأْنُهُ أَنْ يَضْمَنَ فَإِذَا زَالَ ضَرَرُهُ نَاسَبَ أَنْ لَا يَضْمَنَ لِعَدَمِ سَبَبِ الضَّمَانِ، وَفَاعِلُ النَّفْعِ مُحَصِّلٌ لَعَيْنِ الْمَالِ فَنَاسَبَ أَنْ يَسْتَحِقَّهُ أَوْ بَعْضَهُ لِأَنَّ مُوجِدَ الشَّيْءِ شَأْنُهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ، وَهُوَ فَرْقٌ حَسَنٌ.

وَعَلَيْهِ قَالَ مَالِكٌ إذَا طُرِحَ بَعْضُ الْحِمْلِ لِلْهَوْلِ شَارَكَ أَهْلُ الْمَطْرُوحِ مَنْ لَمْ يُطْرَحْ لَهُ شَيْءٌ فِي مَتَاعِهِمْ، وَمَا طُرِحَ وَسَلِمَ لِجَمِيعِهِمْ فِي تَمَامِهِ وَنَقْصِهِ بِثَمَنِهِ يَوْمَ الشِّرَاءِ إنْ اشْتَرَوْا مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ بِغَيْرِ مُحَابَاةٍ لِأَنَّهُمْ صَانُوا بِالْمَطْرُوحِ مَا لَهُمْ، وَالْعَدْلُ عَدَمُ اخْتِصَاصِ أَحَدِهِمْ بِالْمَطْرُوحِ إذْ لَيْسَ أَحَدُهُمْ بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ، وَهُوَ سَبَبُ سَلَامَةِ جَمِيعِهِمْ فَإِنْ اشْتَرَوْا مِنْ مَوَاضِعَ أَوْ اشْتَرَى بَعْضٌ دُونَ بَعْضٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>