للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(الْفَرْقُ الْخَامِسَ عَشَرَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَقْبَلُهَا) الَّذِي يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ مَا عُرِّيَ عَنْ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ الْغَرَرُ كَمَشْرُوعِيَّةِ الْقُرْعَةِ فِي الْمُخْتَلِفَاتِ فَإِنَّ الْغَرَرَ يَعْظُمُ، الثَّانِي الرِّبَا كَقِسْمَةِ الثِّمَارِ بِشَرْطِ التَّأْخِيرِ إلَى الطِّيبِ بِمَا يَدْخُلُهُ مِنْ بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ غَيْرِ مَعْلُومِ التَّمَاثُلِ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ بَيْعٌ فَإِنْ تَبَايَنَ الْجِنْسُ الْوَاحِدُ بِالْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ فَفِي جَوَازِهِ بِالْقُرْعَةِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا اللَّخْمِيُّ الثَّالِثُ إضَاعَةُ الْمَالِ كَالْيَاقُوتَةِ. الرَّابِعُ لِحَقِّ آدَمِيٍّ كَقَسْمِ الدَّارِ اللَّطِيفَةِ وَالْحَمَّامِ وَالْخَشَبَةِ وَالثَّوْبِ وَالْمِصْرَاعَيْنِ، وَلِذَلِكَ يَجُوزُ هَذَا الْقَسْمُ بِالتَّرَاضِي لِأَنَّ لِلْآدَمِيِّ إسْقَاطَ حَقِّهِ بِخِلَافِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فِي إضَاعَةِ الْمَالِ وَغَيْرِهِ، وَمَنَعَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ قَسْمَ مَا فِيهِ ضَرَرٌ أَوْ تَغْيِيرُ نَوْعِ الْمَقْسُومِ.

وَمَنَعَ أَبُو حَنِيفَةَ قَسْمَ الرَّقِيقِ، وَأَجَازَهُ الشَّافِعِيُّ احْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ بِأَنَّ مَنَافِعَهُ مُخْتَلِفَةٌ بِالْعَقْلِ وَالشَّجَاعَةِ وَغَيْرِهِمَا فَلَا يُمْكِنُ فِيهِ التَّعْدِيلُ، وَجَوَابُهُ لَوْ امْتَنَعَ تَعْدِيلُهُ لَامْتَنَعَ بَيْعُهُ وَتَقْوِيمُهُ لِأَنَّهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى مَعْرِفَةِ الْقِيَمِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ دَارَيْنِ فِي الْقَسْمِ، وَإِنْ تَقَارَبَتَا لِأَنَّ الشُّفْعَةَ تَكُونُ فِي إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى فَكَذَلِكَ تَكُونُ الْقِسْمَةُ، وَلِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا يُفْضِي إلَى كَثْرَةِ الْغَرَرِ لِأَنَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الدَّارَيْنِ بِغَيْرِ رِضَاهُ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الشَّرِكَةَ إذَا عَمَّتْ فِيهِمَا، وَالْبَيْعُ عَمَّتْ الشُّفْعَةُ فَنَقِيسُ الْقَسْمَ عَلَى الشُّفْعَةِ فَيَنْقَلِبُ الدَّلِيلُ عَلَيْكُمْ، وَلِأَنَّ اسْتِقْلَالَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِإِحْدَاهُمَا أَتَمُّ فِي الِانْتِفَاعِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِبَعْضِ دَارٍ، وَعَنْ الثَّانِي الْمُعَارَضَةُ، وَالنَّقْضُ بِالِاخْتِلَافِ فِي الدَّارِ الْوَاحِدَةِ بَلْ هَا هُنَا أَوْلَى لِأَنَّا إنَّمَا نَجْمَعُ الْمُتَقَارِبَ، وَهُنَالِكَ نَجْمَعُ الْمُخْتَلِفَ.

(الْفَرْقُ السَّادِسَ عَشَرَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِيهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِيهِ) اعْلَمْ أَنَّ الْأَفْعَالَ قِسْمَانِ مِنْهَا مَا لَا تَحْصُلُ مَصْلَحَتُهُ إلَّا لِلْمُبَاشِرِ فَلَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِيهَا لِفَوَاتِ الْمَصْلَحَةِ بِالتَّوْكِيلِ كَالْعِبَادَةِ فَإِنَّ مَصْلَحَتَهَا الْخُضُوعُ، وَإِظْهَارُ الْعُبُودِيَّةِ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يَلْزَمُ مِنْ خُضُوعِ الْوَكِيلِ خُضُوعُ الْمُوَكِّلِ فَتَفُوتُ الْمَصْلَحَةُ، وَمَصْلَحَةُ الْوَطْءِ وَالْإِعْفَافِ وَتَحْصِيلِ وَلَدٍ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

فِي تَسْلِيمِ نَفْسِهِ (وَالْفَرْقُ) بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ مَا هُنَا مِنْ وَجْهَيْنِ

(الْأَوَّلُ) أَنَّ التَّارِكَ لِلْقَتْلِ وَالْأَكْلِ فِيهِمَا تَارِكٌ لِئَلَّا يَفْعَلَ مُحَرَّمًا، وَهُوَ أَكْلُ الْمَيْتَةِ، وَسَفْكُ الدَّمِ، وَلَيْسَ طَرْحُ الْمَالِ هَا هُنَا إلَّا لِبَقَاءِ الْمَالِ، وَاقْتِنَاؤُهُ لَيْسَ وَاجِبًا فَافْهَمْ.

(الْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّ الْمَالَ مَا وُضِعَ إلَّا لِبَقَاءِ النَّفْسِ، وَلَمْ يُوضَعْ قَتْلُ الْغَيْرِ، وَأَكْلُ الْمَيْتَةِ وَسِيلَةٌ لِذَلِكَ

(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) لَا يَضْمَنُ الطَّارِحُ هُنَا مَا طَرَحَهُ عِنْدَ مَالِكٍ اتِّفَاقًا كَمَا لَا يَضْمَنُ إذَا قَتَلَ الْفَحْلَ بِدَفْعِهِ لِأَنَّهُ كَانَ يَجِبُ عَلَى صَاحِبِهِ قَتْلُهُ صَوْنًا لِلنَّفْسِ فَقَدْ قَامَ عَنْ صَاحِبِهِ بِوَاجِبٍ، وَفِي ضَمَانِ مَالِ الْغَيْرِ إذَا أَكَلَ لِلْمَجَاعَةِ وَعَدَمِ ضَمَانِهِ قَوْلَانِ عِنْدَهُ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَا يَضْمَنُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ السَّفِينَةِ إلَّا الطَّارِحُ إنْ طَرَحَ مَالَ غَيْرِهِ، وَإِنْ طَرَحَ مَالَ نَفْسِهِ فَمُصِيبَةٌ مِنْهُ، وَلَوْ اسْتَدْعَى غَيْرُهُ مِنْهُ ذَلِكَ، وَوَافَقُونَا إذَا قَالَ اقْضِ عَنِّي فَقَضَاهُ، وَفِي اقْتِرَاضِ الْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا الْغَائِبِ وَاقْتِرَاضِ الْوَصِيِّ لِلْيَتِيمِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ مَالِهِ نَظَرًا لَهُ، وَحُجَّتُنَا الْقِيَاسُ عَلَى الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ كَمَا تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ بِجَامِعِ السَّعْيِ فِي الْقِيَامِ عَنْ الْغَيْرِ بِوَاجِبٍ لِأَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ حِفْظُ نُفُوسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ فَمَنْ بَادَرَ مِنْهُمْ قَامَ بِذَلِكَ الْوَاجِبِ، وَحُجَّتُهُمْ أَمْرَانِ (الْأَمْرُ الْأَوَّلُ) أَنَّ السَّلَامَةَ بِالطَّرْحِ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ بِخِلَافِ الصَّائِلِ (الْأَمْرُ الثَّانِي) الْقِيَاسُ عَلَى الْآدَمِيِّينَ وَأَمْوَالِ الْقِنْيَةِ.

(وَالْجَوَابُ عَنْ) الْأَوَّلِ أَنَّهُ يُنْتَقَضُ بِطَعَامِ الْمُضْطَرِّ فَإِنَّ الْمُضْطَرَّ يَضْمَنُ مَعَ احْتِمَالِ هَلَاكِهِ بِمَا أَكَلَ بَلْ يُعْتَمَدُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْعَادَةِ فَقَطْ، وَقَدْ شَهِدَتْ الْعَادَةُ بِأَنَّ ذَلِكَ سَبَبُ السَّلَامَةِ فِيهِمَا مَعَ احْتِمَالِ النَّقِيضِ.

(وَعَنْ الثَّانِي) مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا يُضْمَنُ بِالطَّرْحِ مِنْ السُّفُنِ، وَمَا لَا يُضْمَنُ مَعَ أَنَّ الطُّرْطُوشِيَّ قَالَ الْقِيَاسُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْقِنْيَةِ وَالتِّجَارَةِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ صَوْنُ الْأَمْوَالِ، وَالْكُلُّ يُثْقِلُ السَّفِينَةَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ عَمِلَ مِنْ الْأُجَرَاءِ النِّصْفَ مِمَّا اُسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ عَمِلَ النِّصْفَ لَا يَكُونُ لَهُ النِّصْفُ]

الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ عَمِلَ مِنْ الْأُجَرَاءِ النِّصْفَ مِمَّا اُسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ يَكُونُ لَهُ النِّصْفُ، وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ عَمِلَ النِّصْفَ لَا يَكُونُ لَهُ النِّصْفُ) .

قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الشَّاطِّ مَا خُلَاصَتُهُ هَذَا الْفَرْقُ فَاسِدُ الْوَضْعِ فَاحِشُ الْخَطَأِ بِسَبَبِ بِنَائِهِ عَلَى تَوَهُّمِ الْأَغْبِيَاءِ أَنَّ مَنْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى أَنْ يَحْفِرَ بِئْرًا عَشَرَةً فِي عَشَرَةٍ تَكُونُ مُرَبَّعَةً مِنْ كُلِّ جِهَةٍ عَشَرَةٌ، وَيَكُونُ عُمْقُهَا عَشَرَةٌ أَوْ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ صُنْدُوقًا عَشَرَةً فِي عَشَرَةٍ فَعَمِلَ فِيهِمَا خَمْسَةً فِي خَمْسَةٍ فَقَدْ عَمِلَ النِّصْفَ، وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ إنَّمَا عَمِلَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَعْنِي مَسْأَلَةَ الْبِئْرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>