للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَحْصُلُ تَحْوِيلُ الْعِتْقِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَعَنْ الْخَامِسِ) أَنَّهُ إذَا مَلَكَ الثُّلُثَ فَقَطْ لَمْ يَحْصُلْ تَنَازُعُ الْعِتْقِ فِي، وَلَا حِرْمَانَ مِنْ تَنَاوُلِهِ لَفْظَ الْعِتْقِ (وَعَنْ السَّادِسِ) أَنَّ الْوَارِثَ لَوْ رَضِيَ بِتَنْفِيذِ عِتْقِ الْجَمِيعِ لَصَحَّ فَهُوَ يَدْخُلُهُ الرِّضَا فَهَذِهِ الْمَبَاحِثُ، وَهَذِهِ الِاخْتِلَافَاتُ وَالِاتِّفَاقَاتُ يَتَخَلَّصُ مِنْهَا الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تَدْخُلُهُ الْقُرْعَةُ، وَمَا لَا تَدْخُلُهُ الْقُرْعَةُ، وَأَنَّ ضَابِطَهُ التَّسَاوِي مَعَ قَبُولِ الرِّضَا بِالنَّقْلِ، وَمَا فُقِدَ فِيهِ أَحَدُ الشَّرْطَيْنِ تَعَذَّرَتْ فِيهِ الْقُرْعَةُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(الْفَرْقُ الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَعْصِيَةِ الَّتِي هِيَ كُفْرٌ وَقَاعِدَةِ مَا لَيْسَ بِكُفْرٍ) :

اعْلَمْ أَنَّ النَّهْيَ يَعْتَمِدُ الْمَفَاسِدَ كَمَا أَنَّ الْأَوَامِرَ تَعْتَمِدُ الْمَصَالِحَ فَأَعْلَى رُتَبِ الْمَفَاسِدِ الْكُفْرُ، وَأَدْنَاهَا الصَّغَائِرُ وَالْكَبَائِرُ مُتَوَسِّطَةٌ بَيْنَ الْمَرْتَبَتَيْنِ، وَأَكْثَرُ الْتِبَاسِ الْكُفْرِ إنَّمَا هُوَ بِالْكَبَائِرِ فَأَعْلَى رُتَبِ الْكَبَائِرِ يَلِيهَا أَدْنَى رُتَبِ الْكُفْرِ، وَأَدْنَى رُتَبِ الْكَبَائِرِ يَلِيهَا أَعْلَى رُتَبِ الصَّغَائِرِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ (الْفَرْقُ الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَعْصِيَةِ الَّتِي هِيَ كُفْرٌ وَقَاعِدَةِ مَا لَيْسَ بِكُفْرٍ إلَى قَوْلِهِ وَالْكَبَائِرُ مُتَوَسِّطَةٌ بَيْنَ الْمَرْتَبَتَيْنِ) :

قُلْتُ: إنْ أَرَادَ الْمَفَاسِدَ بِمُقْتَضَى الشَّرْعِ فَلَا شَكَّ أَنَّ الْكُفْرَ أَعْظَمُ الْمَفَاسِدِ، وَمَا عَدَاهُ تَتَفَاوَتْ رُتَبُهُ. قَالَ: (وَأَكْثَرُ الْتِبَاسِ الْكُفْرِ إنَّمَا هُوَ بِالْكَبَائِرِ إلَى قَوْلِهِ، وَأَدْنَى رُتَبِ الْكَبَائِرِ يَلِيهَا أَعْلَى رُتَبِ الصَّغَائِرِ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ أَكْثَرَ الْتِبَاسِ الْكُفْرِ إنَّمَا

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

وَالشَّافِعِيِّ وَابْنِ حَنْبَلٍ، وَمِنْهَا شَهَادَةُ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تُقْبَلُ مُطْلَقًا، وَقَالَ مَالِكٌ لَا تُقْبَلُ مُطْلَقًا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تُقْبَلُ إلَّا أَنْ تَكُونَ فِي الدَّيْنِ.

لَنَا وُجُوهٌ الْأَوَّلُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ خَصْمٍ وَلَا ظَنِينٍ» الثَّانِي مَا خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُد مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ بَدَوِيٍّ عَلَى حَضَرِيٍّ» لِقِلَّةِ شُهُودِ الْبَدَوِيِّ مَا يَقَعُ فِي الْمِصْرِ الثَّالِثِ الْقِيَاسُ عَلَى مَا أَجْمَعَ الْجُمْهُورُ عَلَيْهِ مِنْ تَأْثِيرِ الْعَدَاوَةِ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ مِثْلُ إجْمَاعِهِمْ عَلَى عَدَمِ تَوْرِيثِ الْقَاتِلِ الْمَقْتُولَ، وَعَلَى تَوْرِيثِ الْمَبْتُوتَةِ فِي الْمَرَضِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ خِلَافٌ، وَاحْتَجُّوا بِظَوَاهِرَ مِنْهَا قَوْله تَعَالَى {شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: ٢٨٢] وقَوْله تَعَالَى {ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: ٢] وَالْفِقْهُ مَعَ مَنْ كَانَتْ الْقَوَاعِدُ وَالنُّصُوصُ مَعَهُ أَظْهَرُ، وَمِنْ أَمْثِلَةِ هَذَا الْقِسْمِ مَنْ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ لِفِسْقِهِ أَوْ كُفْرِهِ أَوْ صِغَرِهِ أَوْ رِقِّهِ ثُمَّ أَدَّاهَا بَعْدَ زَوَالِ هَذِهِ الصِّفَاتِ فَإِنَّهُ يَتَّهِمُ فِي تَنْفِيذِ مَا رُدَّ فِيهِ فَنَحْنُ وَابْنُ حَنْبَلٍ مَنَعْنَاهَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يُقْبَلُ الْكُلُّ إلَّا الْفَاسِقَ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْفَاسِقَ تُسْمَعُ شَهَادَتُهُ ثُمَّ يُنْظَرُ فِي عَدَالَتِهِ فَيَتَحَقَّقُ الرَّدُّ بِالظُّهُورِ عَلَى الْفِسْقِ، وَأُولَئِكَ لَمْ تُسْمَعْ شَهَادَتُهُمْ لِمَا عُلِمَ مِنْ صِفَاتِهِمْ فَلَا يَتَحَقَّقُ الرَّدُّ الْبَاعِثُ عَلَى التُّهْمَةِ، وَلَنَا وُجُوهٌ الْأَوَّلُ شَهَادَةُ الْعَوَائِدِ الثَّانِي أَنَّهُ مَرْوِيٌّ عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.

(الثَّالِثُ) أَنَّ الْعِلْمَ بِفِسْقِهِمْ لَوْ وَقَعَ قَبْلَ الْأَدَاءِ لَمَا وَقَعَ الْأَدَاءُ، وَإِنَّمَا مَنَعْنَا حَيْثُ وَقَعَ الْأَدَاءُ فَصِفَاتُهُمْ حِينَئِذٍ تَكُونُ مَجْهُولَةً فَسَقَطَ الْفَرْقُ، وَعَكْسُهُ لَوْ حَصَلَ الْبَحْثُ عَنْ الْفِسْقِ قَبْلَ الْأَدَاءِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ إذَا لَمْ تُرَدَّ، وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ شَهَادَةُ أَهْلِ الْبَادِيَةِ إذَا قَصَدُوا فِي التَّحَمُّلِ دُونَ أَهْلِ الْحَاضِرَةِ فَنَحْنُ مَنَعْنَاهَا فِي الْبِيَاعَاتِ وَالنِّكَاحِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِهَا لِأَنَّ الْعُدُولَ إلَيْهِمْ مَعَ إمْكَانِ غَيْرِهِمْ تُهْمَةٌ فِي إبْطَالِ مَا شَهِدُوا بِهِ.

وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ بَدَوِيٍّ عَلَى قَرَوِيٍّ مُطْلَقًا، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ تُقْبَلُ مُطْلَقًا لَنَا، وَجْهَانِ الْأَوَّلُ حَدِيثُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ خَصْمٍ إلَخْ، وَالثَّانِي حَمْلُ حَدِيثِ أَبِي دَاوُد عَلَى مَوْضِعِ التُّهْمَةِ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعُمُومَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ الدَّالَّةِ عَلَى قَبُولِ الشَّهَادَةِ، وَحُجَّتُهُمْ مِنْ وُجُوهٍ الْأَوَّلُ حَمْلُ حَدِيثِ أَبِي دَاوُد عَلَى مَنْ لَمْ تُعْلَمْ عَدَالَتُهُ مِنْ الْأَعْرَابِ قَالُوا: وَهُوَ أَوْلَى لِقِلَّةِ التَّخْصِيصِ حِينَئِذٍ فِي تِلْكَ الْعُمُومَاتِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ جَمْعَنَا أَوْلَى لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِأَجْلِ عَدَمِ الْعَدَالَةِ لَمْ يَكُنْ لِتَخْصِيصِهِ بِصَاحِبِ الْقَرْيَةِ بَلْ لِلتُّهْمَةِ، وَالثَّانِي مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ أَعْرَابِيًّا شَهِدَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى رُؤْيَةِ الْهِلَالِ فَقَبِلَ شَهَادَتَهُ عَلَى النَّاسِ» ، وَجَوَابُهُ أَنَّا نَقْبَلُهُ فِي الْهِلَالِ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا، وَالثَّالِثُ أَنَّ مَنْ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ فِي الْجِرَاحِ قُبِلَتْ فِي غَيْرِهَا كَالْحَضَرِيِّ، وَلِأَنَّ الْجِرَاحَ آكَدُ مِنْ الْمَالِ فَفِي الْمَالِ أَوْلَى، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْجِرَاحَ يَقْصِدُ لَهَا الْخِلْوَاتِ دُونَ الْمُعَامَلَاتِ فَكَانَتْ التُّهْمَةُ فِي الْمُعَامَلَاتِ مَوْجُودَةً دُونَ الْجِرَاحِ هَذَا خُلَاصَةُ مَا قَالَهُ الْأَصْلُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الشَّاطِّ مَعَ زِيَادَةٍ مِنْ بِدَايَةِ الْحَفِيدِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الدَّعْوَى الصَّحِيحَةِ وَقَاعِدَةِ الدَّعْوَى الْبَاطِلَةِ]

(الْفَرْقُ الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ الدَّعْوَى الصَّحِيحَةِ، وَالدَّعْوَى الْبَاطِلَةِ) وَهُوَ أَنَّ الْبَاطِلَةَ مَا كَانَتْ غَيْرَ مُعْتَبَرَةٍ شَرْعًا بِأَنْ اخْتَلَّ مِنْهَا شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِهَا، وَالصَّحِيحَةُ مَا كَانَتْ مُعْتَبَرَةً شَرْعًا بِأَنْ اسْتَوْفَتْ شُرُوطَهَا وَشُرُوطُهَا خَمْسَةٌ:

(الشَّرْطُ الْأَوَّلُ) بَيَانُ الْمُدَّعِي فِيهِ بِأَنْ يَكُونَ مُتَصَوَّرًا فِي ذِهْنِ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالْقَاضِي

<<  <  ج: ص:  >  >>