للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عِنْدَ صِدْقِ الْعَزْمِ فَلَا يُمْكِنُنَا تَكْفِيرُهُمْ بِجَمْعِ الْعَقَاقِيرِ، وَلَا بِوَضْعِهَا فِي الْآبَارِ، وَلَا بِاعْتِقَادِهِمْ حُصُولَ تِلْكَ الْآثَارِ عِنْدَ ذَلِكَ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُمْ جَرَّبُوا ذَلِكَ فَوَجَدُوهُ لَا يَنْخَرِمُ عَلَيْهِمْ لِأَجْلِ خَوَاصِّ نُفُوسِهِمْ فَصَارَ ذَلِكَ الِاعْتِقَادُ كَاعْتِقَادِ الْأَطِبَّاءِ حُصُولَ الْآثَارِ عِنْدَ شُرْبِ الْعَقَاقِيرِ لِخَوَاصِّ طَبَائِعَ تِلْكَ الْعَقَاقِيرِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

عِنْدَ صِدْقِ الْعَزْمِ فَلَا يُمْكِنُنَا تَكْفِيرُهُمْ بِجَمْعِ الْعَقَاقِيرِ، وَلَا بِوَضْعِهَا فِي الْآبَارِ، وَلَا بِاعْتِقَادِهِمْ حُصُولَ تِلْكَ الْآثَارِ عِنْدَ ذَلِكَ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُمْ جَرَّبُوا ذَلِكَ فَوَجَدُوهُ لَا يَنْخَرِمُ عَلَيْهِمْ لِأَجْلِ خَوَاصِّ نُفُوسِهِمْ فَصَارَ ذَلِكَ الِاعْتِقَادُ كَاعْتِقَادِ الْأَطِبَّاءِ حُصُولَ الْآثَارِ عِنْدَ شُرْبِ الْعَقَاقِيرِ لِخَوَاصِّ طَبَائِعِ تِلْكَ الْعَقَاقِيرِ وَخَوَاصُّ النُّفُوسِ لَا يُمْكِنُ التَّكْفِيرُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ كَسْبِهِمْ، وَلَا كُفْرَ بِغَيْرِ مُكْتَسِبٍ.

وَأَمَّا اعْتِقَادُهُمْ أَنَّ الْكَوَاكِبَ تَفْعَلُ ذَلِكَ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّهَا لَا تَفْعَلُ، وَلَا رَبَطَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ بِهَا، وَإِنَّمَا جَاءَتْ الْآثَارُ مِنْ خَوَاصِّ نُفُوسِهِمْ الَّتِي رَبَطَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا تِلْكَ الْآثَارِ عِنْدَ ذَلِكَ الِاعْتِقَادِ فَيَكُونُ ذَلِكَ الِاعْتِقَادُ فِي الْكَوَاكِبِ خَطَأً كَمَا إذَا اعْتَقَدَ طَبِيبٌ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْدَعَ فِي الصَّبْرِ وَالسَّقَمُونْيَا عَقْلَ الْبَطْنِ وَقَطْعَ الْإِسْهَالِ فَإِنَّهُ خَطَأٌ، وَأَمَّا تَكْفِيرُهُ بِذَلِكَ فَلَا.

وَإِنْ اعْتَقَدُوا أَنَّ الْكَوَاكِبَ تَفْعَلُ ذَلِكَ وَالشَّيَاطِينَ بِقُدْرَتِهَا لَا بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ قَالَ بَعْضُ عُلَمَاءِ الشَّافِعِيَّةِ هَذَا مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ فِي اسْتِقْلَالِ الْحَيَوَانَاتِ بِقُدْرَتِهَا دُونَ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَكَمَا لَا نُكَفِّرُ الْمُعْتَزِلَةَ بِذَلِكَ لَا نُكَفِّرُ هَؤُلَاءِ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بِأَنَّ الْكَوَاكِبَ مَظِنَّةُ الْعِبَادَةِ فَإِذَا انْضَمَّ إلَى ذَلِكَ اعْتِقَادُ الْقُدْرَةِ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

فِي ثُبُوتِ الْحَقِّ بِإِثْبَاتِهِمَا مُقَامَ الشَّاهِدِينَ بِخِلَافِ الْقَسَامَةِ فِي الْخَطَأِ لِأَنَّهُ مَالٌ فَإِذَا أَثْبَتَ أَنَّ شَهَادَةَ الْوَاحِدِ فِي ذَلِكَ لَوْثٌ لَأَنْصَفَ شَهَادَةً تَكْمُلُ بِالْيَمِينِ فَكَذَلِكَ قَدْ يَكُونُ اللَّوْثُ بِغَيْرِ الْعَدْلِ، وَبِاللَّفِيفِ مِنْ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ لِأَنَّهُ لَطْخٌ لَا شَهَادَةٌ، وَالْقَسَامَةُ فِي هَذَا الْبَابِ أَصْلٌ مُخَصَّصٌ لِنَفْسِهِ لَا يَعْتَرِضُ عَلَيْهِ بِغَيْرِهِ عَلَى مَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ بِخِلَافِ سَائِرِ الْحُقُوقِ.

وَالْأَصَحُّ أَنْ لَا تَجِبَ الْقَسَامَةُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا يُرَاقُ دَمُ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ الْعُدُولِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْمَعُونَةِ أَنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَجْعَلُ شَهَادَةَ الْعَبِيدِ وَالصِّبْيَانِ لَوْثًا، وَبِهِ قَالَ ابْنُ رَبِيعَةَ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَهَذَا حُكْمُ الْقَتْلِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْغِيلَةِ أَمَّا قَتْلُ الْغِيلَةِ فَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ إنْ شَهِدَ عَدْلٌ أَنَّهُ قَتَلَهُ غِيلَةً لَمْ يَقْسِمْ مَعَ شَهَادَتِهِ، وَلَا يُقْبَلُ فِي هَذَا إلَّا شَاهِدَانِ نَعَمْ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ رَأَيْت لِيَحْيَى بْنِ عُمَرَ أَنْ يَقْسِمَ مَعَهُ مِنْ الْمُنْتَقَى لِلْبَاجِيِّ اهـ الْمُرَادُ.

(الْوَصْلُ الثَّانِي) فِي التَّبْصِرَةِ صِفَةُ الْقَسَامَةِ أَنْ يَحْلِفَ الْأَوْلِيَاءُ خَمْسِينَ يَمِينًا أَنَّ فُلَانًا قَتَلَ وَلِيَّنَا فُلَانًا أَوْ أَنَّهُ ضَرَبَهُ، وَمِنْ ضَرْبِهِ مَاتَ إنْ كَانَ قَدْ عَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَيَقْتَصِرُ عَلَى قَوْلِهِ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ غَيْرُهُ.

وَقَالَ الْمُغِيرَةُ يَزِيدُ الرَّحْمَنَ الرَّحِيمَ، وَيَحْلِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ، وَفِي غَيْرِهَا بِالْجَامِعِ قِيَاسًا دُبُرَ الصَّلَاةِ بِمَحْضَرِ النَّاسِ، وَيُؤْتَى إلَى الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ مِنْ مَسِيرَةِ عَشَرَةِ أَيَّامٍ، وَإِلَى سَائِرِ الْأَمْصَارِ مِنْ مَسِيرَةِ عَشَرَةِ أَمْيَالٍ، وَيَحْلِفُ فِي الْعَمْدِ مَنْ لَهُ الْقِصَاصُ مِنْ الرِّجَالِ الْمُكَلَّفِينَ، وَفِي الْخَطَأِ الْمُكَلَّفُونَ مِنْ الْوَرَثَةِ رِجَالًا وَنِسَاءً عَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِمْ، وَلَا قَسَامَةَ فِيمَنْ لَيْسَ لَهُ وَارِثٌ إذْ تَحْلِيفُ بَيْتِ الْمَالِ غَيْرُ مُمْكِنٍ، وَلَا قَسَامَةَ إلَّا بِنَسَبٍ أَوْ وَلَاءٍ، وَلَا يَقْسِمُ مِنْ الْقَبِيلَةِ إلَّا مِنْ التَّقِيِّ مَعَهُ فِي نَسَبٍ ثَابِتٍ، وَلَا يَقْسِمُ الْمَوْلَى الْأَسْفَلُ، وَلَكِنْ تُرَدُّ الْأَيْمَانُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيَحْلِفُ خَمْسِينَ يَمِينًا فَإِنْ نَكَلَ سُجِنَ أَبَدًا حَتَّى يَحْلِفَ أَوْ يَمُوتَ اهـ الْمُرَادُ مِنْهَا فَانْظُرْهَا فِي الْأَصْلِ، وَأَيْمَانُ الْقَسَامَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا أَيْضًا مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ اهـ، وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

[الْحُجَّةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ شَهَادَةُ النِّسَاءِ]

(الْبَابُ الْعَاشِرُ) فِي بَيَانِ مَا تَكُونُ فِيهِ الْحُجَّةُ الْحَادِيَةَ عَشَرَ، وَالْخِلَافُ فِي قَبُولِهَا وَدَلِيلُهُ، وَفِيهِ وَصْلَانِ:

(الْوَصْلُ الْأَوَّلُ) فِي التَّبْصِرَةِ الْقَضَاءُ بِقَوْلِ امْرَأَتَيْنِ بِانْفِرَادِهِمَا فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إلَّا النِّسَاءُ كَالْوِلَادَةِ وَالْبَكَارَةِ وَالثُّيُوبَةِ وَالْحَيْضِ وَالْحَمْلِ وَالسِّقْطِ وَالِاسْتِهْلَالِ وَالرَّضَاعِ وَإِرْخَاءِ السُّتُورِ وَعُيُوبِ الْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ، وَفِي كُلِّ مَا تَحْتَ ثِيَابِهِنَّ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ مِمَّا لَا يَحْضُرُهَا الرِّجَالُ، وَلَا يَطَّلِعُونَ عَلَيْهَا أُقِيمَ فِيهَا النِّسَاءُ مُقَامَ الرِّجَالِ لِلضَّرُورَةِ قَالَ وَتَجُوزُ الْقَسَامَةُ مَعَ شَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ فِيمَا تَجُوزُ مَعَهُ الْقَسَامَةُ قَالَ وَأَمَّا شَهَادَتُهُنَّ فِيمَا يَقَعُ بَيْنَهُنَّ فِي الْمَأْتَمِ وَالْحَمَّامِ مِنْ الْجِرَاحِ وَالْقَتْلِ فَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ، وَالْأَصْلُ الْجَوَازُ لِلضَّرُورَةِ كَالصِّبْيَانِ فِيمَا يَقَعُ بَيْنَهُمْ مِنْ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْمُنَاصِفِ وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُونَا عَدْلَيْنِ لِأَنَّهُ مَوْضِعٌ لَا يَحْضُرُهُ الْعُدُولُ، وَرَأْيُ اللَّخْمِيِّ أَنْ يَقْسِمَ مَعَهُمَا فِي الْقَتْلِ ثُمَّ يُقَادَ، وَيَحْلِفَ فِي الْجِرَاحِ ثُمَّ يَقْتَصَّ، قَالَ وَإِنْ عَدَلَ مِنْهُنَّ فِي ذَلِكَ اثْنَتَانِ قَيَّدَ فِي الْقَتْلِ بِغَيْرِ قَسَامَةٍ وَاقْتَصَّ فِي الْجِرَاحِ بِغَيْرِ يَمِينٍ فَنَحَا بِهِنَّ مَنْحَى الرِّجَالِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ بَعْضِهِنَّ عَلَى بَعْضٍ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي لَا يَحْضُرُهَا الرِّجَالُ كَمَا لِحَمَّامِ الْعُرْسِ وَالْمَآتِمِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَلَا تَجُوزُ فِيمَا يَقَعُ بَيْنَهُنَّ مِنْ الْجِرَاحِ وَالْقَتْلِ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَدَمُ ضَرُورَتِهِنَّ إلَى الِاجْتِمَاعِ فِي ذَلِكَ، وَقِيلَ تَجُوزُ لِحَاجَتِهِنَّ إلَى ذَلِكَ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ قَالَ وَلَمْ يَزَلْ النِّسَاءُ يَجْمَعُهُنَّ فِي الْأَعْرَاسِ وَالْمَآتِمِ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَلُمَّ جَرًّا فَإِذَا لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ بَعْضِهِنَّ عَلَى بَعْضٍ ذَهَبَتْ دِمَاؤُهُنَّ، وَفِي الْإِمْلَاءِ عَلَى الْجَلَّابِ الْمُقَيَّدُ عَنْ ابْنِ زَيْدٍ الْبُرْنَاسِيِّ قَالَ وَهَذَا إذَا كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>