للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَخَوَاصُّ النُّفُوسِ لَا يُمْكِنُ التَّكْفِيرُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ كَسْبِهِمْ، وَلَا كُفْرَ بِغَيْرِ مُكْتَسِبٍ. وَأَمَّا اعْتِقَادُهُمْ بِأَنَّ الْكَوَاكِبَ تَفْعَلُ ذَلِكَ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّهَا لَا تَفْعَلُ ذَلِكَ بِهَا، وَإِنَّمَا

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

هَذِهِ الْأُمُورُ كُفْرًا، قَوْلٌ صَحِيحٌ أَيْضًا كَأَكْلِ الْخِنْزِيرِ وَالتَّرَدُّدِ عَلَى الْكَنَائِسِ، وَقَوْلُهُ، وَلَا سِيَّمَا وَتَعَلُّمُهُ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِمُبَاشَرَتِهِ إلَى قَوْلِهِ أَنْ تُذَلِّلَ لِي قَلْبَ فُلَانٍ الْجَبَّارِ يَعْنِي أَنَّ تَعَلُّمَهُ لِتَحْصِيلِ ثَمَرَتِهِ لَا لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَقَاصِدِ وَذَلِكَ صَحِيحٌ مِنْ جِهَةِ اشْتِرَاطِ أَهْلِ السِّحْرِ ذَلِكَ بَلْ الْجَزْمُ بِحُصُولِ الْأَثَرِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْفَخْرُ وَقَوْلُهُ وَاحْتَجُّوا إلَى قَوْلِهِ لَمْ يَأْثَمْ قُلْتُ: تَقُولُ الْمَالِكِيَّةُ بِمُوجِبِ ذَلِكَ، وَلَا يَلْزَمُ مَقْصُودُ الْحَنَفِيَّةِ فَإِنَّ مَا ذَكَرَهُ الْحَنَفِيَّةُ تَعَلُّمُ الْكُفْرِ لَا لِنَفْسِهِ بَلْ لِتَصْحِيحٍ يَقْتَضِيهِ.

قَالَ شِهَابُ الدِّينِ (هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ عَلَى أُصُولِنَا إلَى قَوْلِهِ طَبَائِعُ تِلْكَ الْعَقَاقِيرِ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّكْفِيرُ بِجَمْعِ الْعَقَاقِيرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَفْعَالِ صَحِيحٌ إذَا كَانَ ذَلِكَ الْجَمْعُ وَسَائِرُ تِلْكَ الْأَفْعَالِ غَيْرَ مَقْصُودٍ بِهِ اجْتِلَابُ الْآثَارِ الْمَطْلُوبَةِ مِنْ ذَلِكَ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ مَقْصُودًا بِهَا ذَلِكَ فَهُوَ السِّحْرُ الَّذِي هُوَ كُفْرٌ بِنَفْسِهِ لِتَضَمُّنِهِ اعْتِقَادَ تَأْثِيرِ هَذِهِ الْأُمُورِ أَوْ دَلِيلِ الْكُفْرِ عَلَى مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

قَالَ شِهَابُ الدِّينِ (وَخَوَاصُّ النُّفُوسِ لَا يُمْكِنُ التَّكْفِيرُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ كَسْبِهِمْ، وَلَا كُفْرَ بِغَيْرِ مُكْتَسِبٍ. وَأَمَّا اعْتِقَادُهُمْ بِأَنَّ الْكَوَاكِبَ تَفْعَلُ ذَلِكَ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّهَا لَا تَفْعَلُ ذَلِكَ بِهَا، وَإِنَّمَا

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

وَتَوَقُّفٍ كَمَا فِي الْأَصْلِ.

وَقَالَهُ ابْنُ الشَّاطِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(الْوَصْلُ الثَّانِي) فِي الْأَصْلِ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَذِهِ الْحُجَّةُ أَقَلُّ حُجَّةً فِي الشَّرِيعَةِ بِسَبَبِ أَنَّا لَمْ نَجِدْ مُرَجِّحًا عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ إلَّا الْيَمِينَ فَقُلْنَا بِالتَّرْجِيحِ بِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أُمِرْتُ أَنْ أَقْضِيَ بِالظَّاهِرِ، وَاَللَّهُ مُتَوَلِّي السَّرَائِرِ» ، وَهَذَا قَدْ صَارَ ظَاهِرًا بِالْيَمِينِ فَيُقْضَى بِهِ لِصَاحِبِهِ قَالَ الْأَصْلُ، وَلِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ فِي أَيْدِيهِمَا أَوْ أَقَرَّ الثَّالِثُ بِأَنَّهَا لَا تَعْدُوهُمَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَهُ عَلَى النِّصْفِ أَوْ لَهُ النِّصْفُ بِإِقْرَارِ الثَّالِثِ فَتُدْفَعُ عَنْهُ بِيَمِينِهِ كَمَا تُدْفَعُ يَمِينُ سَائِرِ مَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ فَتَنْدَرِجُ هَذِهِ الْيَمِينُ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» .

وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «شَاهِدَاك أَوْ يَمِينُهُ» لِأَنَّ الْمُرَادَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الْيَمِينُ الدَّافِعَةُ، وَهِيَ هَذِهِ بِعَيْنِهَا، وَلَيْسَتْ هِيَ الْجَالِبَةُ الَّتِي تَقْضِي بِالْمِلْكِ كَمَا اعْتَقَدَ كَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ اهـ كَلَامُ الْأَصْلِ، وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ، وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ وَالْأَصْلُ فِي جَرَيَانِ التَّحَالُفِ وَالتَّفَاسُخِ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي الْأَنْوَاعِ الْمَذْكُورَةِ حَدِيثُ إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ تَحَالَفَا، وَتَفَاسَخَا اهـ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[الْحُجَّةُ الثَّالِثَةُ عَشْرَةَ أَقَرَّ لِغَيْرِهِ بِحَقٍّ أَوْ عَيْنٍ]

(الْبَابُ الثَّانِي عَشَرَ) فِي بَيَانِ حَقِيقَةِ الْإِقْرَارِ وَحُكْمِهِ وَأَرْكَانِهِ فِي تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ حَقِيقَةُ الْإِقْرَارِ الْإِخْبَارُ عَنْ أَمْرٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقٌّ لِلْغَيْرِ وَحُكْمُهُ اللُّزُومُ، وَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ الشَّهَادَةِ قَالَ أَشْهَبُ قَوْلُ كُلِّ أَحَدٍ عَلَى نَفْسِهِ أَوْجَبُ مِنْ دَعْوَاهُ عَلَى غَيْرِهِ.

وَمَنْ لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ صَغِيرٍ، وَشَبَهِهِ لَمْ يَجُزْ شَهَادَتُهُ عَلَى غَيْرِهِ، وَلِلْأَوَّلِ أَرْكَانٌ أَرْبَعَةٌ الصِّيغَةُ وَالْمُقِرُّ وَالْمُقِرُّ لَهُ، وَالْمُقِرُّ بِهِ فَالرُّكْنُ الْأَوَّلُ، وَهِيَ الصِّيغَةُ نَوْعَانِ:

(الْأَوَّلُ) لَفْظٌ يَدُلُّ بِلَا خَفَاءٍ عَلَى تَوَجُّهِ الْحَقِّ قَبْلَ الْمُقِرِّ

(وَالنَّوْعُ الثَّانِي) مَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ الْإِشَارَةِ وَالْكِتَابَةِ وَالسُّكُوتِ فَأَمَّا الْإِشَارَةُ فَمِنْ الْأَبْكَمِ، وَمِنْ الْمَرِيضِ فَإِذَا قِيلَ لِلْمَرِيضِ لِفُلَانٍ عِنْدَك كَذَا فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَنْ نَعَمْ فَهَذَا إقْرَارٌ إذَا فُهِمَ عَنْهُ مُرَادُهُ، وَأَمَّا الْكِتَابَةُ فَهِيَ مِثْلُ أَنْ يَكْتُبَ بِمَحْضَرِ قَوْمٍ، وَيَقُولَ اشْهَدُوا عَلَيَّ بِمَا فِيهِ فَذَلِكَ لَازِمٌ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَقْرَأْهُ عَلَيْهِمْ أَوْ يَكْتُبَ أَوْ عَلَى رِسَالَةٍ لِرَجُلٍ غَائِبٍ بِطَلَاقٍ وَغَيْرُهُ كَذَلِكَ

عَلَى كَذَا، وَيَعْتَرِفُ أَوْ تَقُومُ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ كَتَبَهُ أَوْ أَمْلَاهُ فَيَلْزَمُهُ كُلُّ مَا فِيهِ مِنْ طَلَاقٍ وَغَيْرِهِ خَلَا الْحُدُودِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ الْحَدِّ نَعَمْ يُؤْخَذُ بِغُرْمِ السَّرِقَةِ، وَلَا يُحَدُّ أَوْ يَكْتُبَ فِي الْأَرْضِ لِفُلَانٍ عَلَيَّ كَذَا، وَيَقُولُ اشْهَدُوا عَلَيَّ بِهَذَا فَيَلْزَمُهُ فَإِنْ لَمْ يَقُلْ اشْهَدُوا لَمْ يَلْزَمْهُ فِي هَذَا، وَيَلْزَمُهُ مُطْلَقًا إذَا كَتَبَ ذَلِكَ فِي صَحِيفَةٍ أَوْ لَوْحٍ أَوْ خِرْقَةٍ إنْ شَهِدَ أَنَّهُ خَطُّهُ، وَأَمَّا السُّكُوتُ فَكَالْمَيِّتِ تُبَاعُ تَرِكَتُهُ، وَتُقَسَّمُ، وَغَرِيمُهُ حَاضِرٌ سَاكِتٌ لَمْ يَقُمْ فَلَا قِيَامَ لَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ عُذْرٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَكَمَنْ أَتَى إلَى قَوْمٍ فَقَالَ اشْهَدُوا أَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا عَلَى هَذَا الرَّجُلِ، وَالرَّجُلُ سَاكِتٌ، وَلَمْ يَسْأَلْهُ الشُّهُودُ عَنْ شَيْءٍ فَلَمَّا طُولِبَ أَنْكَرَ قَالَ بَلْ يَلْزَمُهُ سُكُوتُهُ.

وَأَمَّا مَنْ سُئِلَ عِنْدَ مَوْتِهِ هَلْ لِأَحَدٍ عِنْدَك شَيْءٌ فَقَالَ لَا قِيلَ لَهُ، وَلَا لِامْرَأَتِك فَقَالَ لَا، وَالْمَرْأَةُ سَاكِتَةٌ، وَهِيَ تَسْمَعُ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنَّهَا تَحْلِفُ أَنَّ حَقَّهَا عَلَيْهِ تُرِيدُ إلَى الْآنَ، وَتَأْخُذُهُ إنْ قَامَتْ لَهَا بِهِ بَيِّنَةٌ، وَلَا يَضُرُّهَا سُكُوتُهَا مِنْ الْمَذْهَبِ لِابْنِ رُشْدٍ وَكَذَا مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ فُلَانٌ السَّاكِنُ فِي مَنْزِلِك لِمَ أَسْكَنْته؟ فَقَالَ أَسْكَنْته بِلَا كِرَاءٍ، وَالسَّاكِنُ يَسْمَعُ، وَلَا يُنْكِرُ، وَلَا يُغَيِّرُ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ الْمَنْزِلَ لَهُ.

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَقْطَعُ بِسُكُوتِهِ دَعْوَاهُ إنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْمَنْزِلَ لَهُ، وَيُحَلَّفُ لِأَنَّهُ يَقُولُ ظَنَنْته يُدَاعِبُهُ

(فَرْعَانِ الْأَوَّلُ) فِي أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُقِرُّ لِقَوْمٍ أَنَّ أَبَاهُمْ أَسْلَفَهُ مَالًا، وَأَنَّهُ قَدْ قَضَاهُ إيَّاهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ أَمَدُ ذَلِكَ قَرِيبًا، وَالزَّمَنُ غَيْرُ مُتَطَاوِلٍ لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ عَلَى الْقَضَاءِ، وَإِنْ تَطَاوَلَ زَمَانُ ذَلِكَ حَلَفَ الْمُقِرُّ وَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، وَلَمْ يُحَدَّ الطُّولُ فَانْظُرْهُ

(الْفَرْعُ الثَّانِي) وَثَائِقُ أَبِي إِسْحَاقَ الْغَرْنَاطِيِّ مَنْ أَقَرَّ لِرَجُلٍ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ عَلَيْهِ بَرِئَ مِنْ الْحُقُوقِ

<<  <  ج: ص:  >  >>