للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اسْتَرْسَلَ بِنَفْسِهِ لَمْ يُؤْكَلْ صَيْدُهُ، وَالْبَعِيرُ الشَّارِدُ يَصِيرُ حُكْمُهُ حُكْمَ الصَّيْدِ عَلَى أَصْلِهِمْ، وَإِنْ فَتَحَ قَفَصًا فِيهِ طَائِرٌ فَقَعَدَ الطَّائِرُ سَاعَةً ثُمَّ طَارَ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ طَارَ بِاخْتِيَارِهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ فِي الْآدَمِيِّ لَوْ طَرَحَ نَفْسَهُ فِي الْبِئْرِ لَمْ يُضْمَنْ بِخِلَافِ الْبَهِيمَةِ فَيَلْزَمُهُمْ أَنَّهُ لَوْ نَصَبَ شَبَكَةً فَوَقَعَتْ فِيهَا بَهِيمَةٌ لَمْ يَضْمَنْهَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَخْتَرْ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ لَمْ يَخْتَرْهُ، وَأَمَّا تَعْلِيقُ الْجِنَايَةِ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ فَتَبْطُلُ بِالْعَبْدِ الصَّغِيرِ فَإِنَّهُ تَتَعَلَّقُ الْجِنَايَةُ بِرَقَبَتِهِ مَعَ مُسَاوَاتِهِ لِلدَّابَّةِ فِي الضَّمَانِ، وَعَنْ الثَّالِثِ أَنَّ الْهَدَرَ يَقْتَضِي عَدَمَ الضَّمَانِ مُطْلَقًا.

(مَسْأَلَةٌ) إنْ أُرْسِلَتْ الْمَاشِيَةُ بِالنَّهَارِ لِلرَّعْيِ أَوْ انْفَلَتَتْ فَأَتْلَفَتْ فَلَا ضَمَانَ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهَا مَعَهَا وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى مَنْعِهَا فَلَمْ يَمْنَعْهَا ضَمِنَ وَوَافَقَنَا الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَإِنْ انْفَلَتَتْ بِاللَّيْلِ، وَأَرْسَلَهَا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى مَنْعِهَا ضَمِنَ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الزَّرْعِ وَفِي غَيْرِ الزَّرْعِ اخْتِلَافٌ عِنْدَهُمْ وَقَالُوا يَضْمَنُ أَرْبَابُ الْقِطَطِ الْمُعْتَادَةِ لِلْفَسَادِ لَيْلًا أَفْسَدَتْ أَوْ نَهَارًا، وَإِنْ خَرَجَ الْكَلْبُ مِنْ دَارِهِ فَجَرَحَ ضَمِنَ أَوْ الدَّاخِلُ بِإِذْنٍ فَوَجْهَانِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنٍ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ أَرْسَلَ الطَّيْرَ فَالْتَقَطَتْ حَبَّ الْغَيْرِ لَمْ يَضْمَنْ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا ضَمَانَ فِي الزَّرْعِ لَيْلًا كَانَ أَوْ نَهَارًا.

لَنَا وُجُوهٌ الْأَوَّلُ قَوْله تَعَالَى {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ} [الأنبياء: ٧٨] الْآيَةَ، وَجْهُ الدَّلِيلِ أَنَّ دَاوُد - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَضَى بِتَسْلِيمِ الْغَنَمِ لِأَرْبَابِ الزَّرْعِ قُبَالَةَ زَرْعِهِ وَقَضَى سُلَيْمَانُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِدَفْعِهَا لَهُمْ يَنْتَفِعُونَ بِدَرِّهَا وَنَسْلِهَا وَخَرَاجِهَا حَتَّى يَخْلُفَ الزَّرْعُ وَيَنْبُتَ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا هُوَ سِحْرٌ يَكْفُرُ بِهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ]

الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا هُوَ سِحْرٌ يَكْفُرُ بِهِ، وَبَيْنَ مَا هُوَ قَاعِدَةُ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ) :

وَهُوَ أَنَّ أَنْوَاعَ السِّحْرِ أَرْبَعَةٌ: (الْأَوَّلُ) السِّيمْيَاءُ وَهُوَ عِبَارَةٌ عَمَّا يُرَكَّبُ مِنْ خَوَاصَّ أَرْضِيَّةٍ كَدُهْنٍ خَاصٍّ أَوْ مَائِعَاتٍ خَاصَّةٍ أَوْ كَلِمَاتٍ خَاصَّةٍ تُوجِبُ تَخَيُّلَاتٍ خَاصَّةً، وَإِدْرَاكَ الْحَوَاسِّ الْخَمْسِ أَوْ بَعْضِهَا لِحَقَائِقَ خَاصَّةٍ مِنْ الْمَأْكُولَاتِ وَالْمَشْمُومَاتِ وَالْمُبْصَرَاتِ وَالْمَلْمُوسَاتِ وَالْمَسْمُوعَاتِ وَقَدْ يَكُونُ لِذَلِكَ وُجُودٌ حَقِيقِيٌّ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى تِلْكَ الْأَعْيَانِ عِنْدَ تِلْكَ الْمُحَاوَلَاتِ وَقَدْ لَا تَكُونُ لَهُ حَقِيقَةٌ بَلْ تَخَيُّلٌ صِرْفٍ، وَقَدْ يَسْتَوْلِي ذَلِكَ عَلَى الْأَوْهَامِ حَتَّى يَتَخَيَّلَ الْوَهْمُ مُضِيَّ السِّنِينَ الْمُتَدَاوَلَةِ فِي الزَّمَنِ الْيَسِيرِ وَتَكَرُّرَ الْفُصُولِ وَتَخَيُّلَ السِّنِّ وَحُدُوثَ الْأَوْلَادِ وَانْقِضَاءَ الْأَعْمَارِ فِي الْوَقْتِ الْمُتَقَارِبِ مِنْ السَّاعَةِ وَنَحْوِهَا وَيَسْلُبُ الْفِكْرَ الصَّحِيحَ بِالْكُلِّيَّةِ وَتَصِيرُ أَحْوَالُ الْإِنْسَانِ مَعَ تِلْكَ الْمُحَاوَلَاتِ كَحَالَاتِ النَّائِمِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ وَيَخْتَصُّ ذَلِكَ كُلُّهُ بِمَنْ عُمِلَ لَهُ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُعْمَلْ لَهُ فَلَا يَجِدُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ.

قَالَ سَيِّدِي عَبْدُ اللَّهِ الْعَلَوِيُّ فِي شَرْحِ رُشْدِ الْغَافِلِ: وَهَذَا تَخْيِيلٌ لَا حَقِيقَةَ لَهُ بِخِلَافِ مَا يَقَعُ لِبَعْضِ الْأَوْلِيَاءِ فَإِنَّ لَهُ حَقِيقَةً خَرْقًا لِلْعَادَةِ فَقَدْ خَرَجَ بَعْضُهُمْ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَارْتَفَعَ لِأَرْضٍ أُخْرَى سَكَنَ بِهَا وَتَزَوَّجَ وَحَصَلَتْ لَهُ عِدَّةُ أَوْلَادٍ فِي عِدَّةِ بُطُونٍ مِنْ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ قُدِّرَ لَهُ الرُّجُوعُ إلَى ذَلِكَ الْبَلَدِ فَوَجَدَهُمْ يَنْتَظِرُونَهُ فِي تِلْكَ الْجُمُعَةِ بِعَيْنِهَا، وَقَدْ قَرَأَ بَعْضُهُمْ عَشْرَ خِتْمَاتٍ فِي شَوْطٍ وَاحِدٍ مِنْ الطَّوَافِ قِرَاءَةً مُرَتَّلَةً، وَالطَّائِفُ يَسْمَعُ ذَلِكَ، وَالشَّوْطُ الْوَاحِدُ قَدْرُ مَا يُقْرَأُ فِيهِ ثُمُنُ حِزْبٍ مِنْ الْقُرْآنِ وَذَلِكَ كَثِيرٌ جِدًّا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ يُطَوِّلُ الزَّمَانَ لِبَعْضِ النَّاسِ دُونَ بَعْضٍ اهـ بِلَفْظِهِ.

(النَّوْعُ الثَّانِي) الْهِيمْيَاءُ وَهِيَ عِبَارَةٌ عَمَّا تَقَدَّمَ مُضَافًا لِلْآثَارِ السَّمَاوِيَّةِ مِنْ الِاتِّصَالَاتِ الْفَلَكِيَّةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَحْوَالِ الْأَفْلَاكِ فَيَحْدُثُ جَمِيعُ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فَخَصَّصُوا هَذَا النَّوْعَ بِهَذَا الِاسْمِ تَمْيِيزًا بَيْنَ الْحَقَائِقِ.

(النَّوْعُ الثَّالِثُ) بَعْضُ خَوَاصِّ الْحَقَائِقِ أَيْ الذَّوَاتِ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ وَالنَّبَاتَاتِ وَغَيْرِهِمَا الْمُغَيِّرَةِ لِأَحْوَالِ النُّفُوسِ كَأَخْذِ سَبْعَةِ أَحْجَارٍ فَيُرْجَمُ بِهَا نَوْعٌ مِنْ الْكِلَابِ الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَعَضَّ مَا يُرْمَى بِهِ مِنْ الْأَحْجَارِ فَإِذَا عَضَّهَا كُلَّهَا لُقِطَتْ وَطُرِحَتْ فِي مَاءٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ ظَهَرَتْ فِيهِ آثَارٌ عَجِيبَةٌ خَاصَّةٌ نَصَّ عَلَيْهَا السَّحَرَةُ وَكَجَمْعِ مُشْطِ بِتَثْلِيثِ الْمِيمِ، وَمُشَاطَةٍ بِضَمِّ الْمِيمِ وَتَخْفِيفِ الشِّينِ أَيْ مَا سَقَطَ مِنْ الشَّعْرِ أَوْ الْكَتَّانِ عِنْدَ الْمَشْطِ وَوِعَاءِ طَلْعِ الذَّكَرِ مِنْ النَّخْلِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْعَقَاقِيرِ وَجَعْلِهَا فِي الْأَنْهَارِ وَالْآبَارِ أَوْ زِيرِ الْمَاءِ أَوْ فِي قُبُورِ الْمَوْتَى أَوْ فِي بَابٍ يُفْتَحُ إلَى الْمَشْرِقِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْبِقَاعِ وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّ الْآثَارَ تَحْدُثُ عِنْدَ تِلْكَ الْأُمُورِ بِخَوَاصِّ نُفُوسِهِمْ الَّتِي طَبَعَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الرَّبْطِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْآثَارِ عِنْدَ صِدْقِ الْعَزْمِ.

(النَّوْعُ الرَّابِعُ) مَا يُحْدِثُ ضَرَرًا مِمَّا لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ مِنْ نَحْوِ رُقَى الْجَاهِلِيَّةِ وَالْهِنْدِ وَغَيْرِهِمْ بَلْ رُبَّمَا كَانَ كُفْرًا فَهَذَا النَّوْعُ مِنْ الرُّقَى يُقَالُ لَهُ السِّحْرُ، وَلَا يُقَالُ عَلَيْهِ لَفْظُ الرُّقَى فَمَتَى وَقَعَتْ أَنْوَاعُ السِّحْرِ الْمَذْكُورَةِ بِمَا هُوَ كُفْرٌ مِنْ أَحَدِ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ.

(الْأَوَّلُ) اعْتِقَادٌ كَاعْتِقَادِ انْفِرَادِ الْكَوَاكِبِ أَوْ بَعْضِهَا بِالرُّبُوبِيَّةِ فَيَقُومُ السَّاحِرُ إذَا أَرَادَ سِحْرَ سُلْطَانٍ لِبُرْجِ الْأَسَدِ قَائِلًا خَاضِعًا مُتَقَرِّبًا لَهُ وَيُنَادِيهِ يَا سَيِّدَاهُ يَا عَظِيمَاهُ أَنْتَ الَّذِي إلَيْك تَدِينُ الْمُلُوكُ وَالْجَبَابِرَةُ وَالْأُسُودُ أَسْأَلُك أَنْ تُذَلِّلَ لِي قَلْبَ فُلَانٍ الْجَبَّارِ.

(وَالثَّانِي) لَفْظٌ كَالسَّبِّ الْمُتَعَلِّقِ بِمَنْ سَبُّهُ كُفْرٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَالْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ.

(وَالثَّالِثُ) فِعْلٌ كَإِهَانَةِ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعْظِيمَهُ مِنْ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَغَيْرِهِ كَانَ ذَلِكَ السِّحْرُ كُفْرًا لَا مِرْيَةَ فِيهِ ضَرُورَةَ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِاعْتِقَادٍ هُوَ كُفْرٌ أَوْ

<<  <  ج: ص:  >  >>