للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْوُجُوبَ فَقَدْ تَرَكَ النَّدْبَ فَلَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ الْمَذْهَبَيْنِ، بَلْ هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ فَقَطْ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْ الْوُجُوبَ لَمْ يُجْزِهِ الْمَسْحُ إلَّا بِنِيَّةِ النَّدْبِ فَمَا حَصَلَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَذْهَبَيْنِ، وَكَذَلِكَ الْمَالِكِيُّ إذَا بَسْمَلَ، وَكُلُّ مَوْضِعٍ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى هَذَا النَّحْوِ يُورِدُونَ فِيهِ هَذَا السُّؤَالَ، وَلَيْسَ بِوَارِدٍ بِسَبَبِ أَنَّا نَقُولُ: يُعْتَقَدُ فِي مَسْحِ رَأْسِهِ كُلِّهِ النَّدْبُ عَلَى رَأْيِ الشَّافِعِيِّ وَالْوُجُوبُ عَلَى رَأْيِ مَالِكٍ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ الْجَمْعُ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ فَإِنَّ النَّدْبَ وَالْوُجُوبَ وَالْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ أَضْدَادٌ لَكِنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ إنَّمَا يَمْتَنِعُ إذَا اتَّحَدَ الْمُتَعَلِّقُ مَعَ اتِّحَادِ الْمَحَلِّ أَمَّا اتِّحَادُ الْمَحَلِّ فَقَطْ فَلَا يَمْتَنِعُ الْجَمْعُ؛ لِأَنَّ الصَّدَاقَةَ ضِدُّ الْعَدَاوَةِ، وَالْبِغْضَةُ ضِدُّ الْمَحَبَّةِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَجْتَمِعَ فِي الْقَلْبِ الْعَدَاوَةُ لِلْكَافِرِينَ، وَالصَّدَاقَةُ لِلْمُؤْمِنِينَ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

الْوُجُوبَ فَقَدْ تَرَكَ النَّدْبَ فَلَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ الْمَذْهَبَيْنِ بَلْ هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ فَقَطْ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْ الْوُجُوبَ لَمْ يُجْزِهِ الْمَسْحُ إلَّا بِنِيَّةِ النَّدْبِ فَمَا حَصَلَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَذْهَبَيْنِ، وَكَذَلِكَ الْمَالِكِيُّ إذَا بَسْمَلَ، وَكُلُّ مَوْضِعٍ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى هَذَا النَّحْوِ يُورِدُونَ فِيهِ هَذَا السُّؤَالَ، وَلَيْسَ بِوَارِدٍ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: يُعْتَقَدُ فِي مَسْحِ رَأْسِهِ كُلِّهِ النَّدْبُ عَلَى رَأْيِ الشَّافِعِيِّ وَالْوُجُوبُ عَلَى رَأْيِ مَالِكٍ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ الْجَمْعُ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ النَّدْبِ وَالْوُجُوبِ فَإِنَّ النَّدْبَ وَالْوُجُوبَ وَالْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ أَضْدَادٌ وَلَكِنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ إنَّمَا يَمْتَنِعُ إذَا اتَّحَدَ الْمُتَعَلَّقُ مَعَ اتِّحَادِ الْمَحَلِّ أَمَّا اتِّحَادُ الْمَحَلِّ فَقَطْ فَلَا يَمْتَنِعُ؛ لِأَنَّ الصَّدَاقَةَ ضِدُّ الْعَدَاوَةِ، وَالْبِغْضَةُ ضِدُّ الْمَحَبَّةِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَجْتَمِعَ فِي الْقَلْبِ الْعَدَاوَةُ لِلْكَافِرِينَ وَالصَّدَاقَةُ لِلْمُؤْمِنِينَ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

فِيهَا دِيَةٌ كَامِلَةٌ، وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فِي الْعَيْنِ خَمْسُونَ مِنْ الْإِبِلِ» وَبِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ» فَجَوَابُهُ حَمْلُ الْحَدِيثَيْنِ عَلَى الْعَيْنِ غَيْرِ الْعَوْرَاءِ؛ لِأَنَّهُمَا عُمُومَانِ مُطْلَقَانِ فِي الْأَحْوَالِ فَيُقَيَّدَانِ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْأَدِلَّةِ، وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِأَنَّ مَا ضُمِنَ بِنِصْفِ الدِّيَةِ وَمَعَهُ نَظِيرُهُ ضُمِنَ بِنِصْفِهَا مُنْفَرِدًا كَالْأُذُنِ وَالْيَدِ فَجَوَابُهُ الْفَرْقُ الْمُتَقَدِّمُ بِانْتِقَالِ قُوَّةِ الْعَيْنِ الْأُولَى بِخِلَافِ الْأُذُنِ وَالْيَدِ، وَلَوْ انْتَقَلَتْ الْقُوَّةُ فِيهِمَا أَيْضًا الْتَزَمْنَاهُ، وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ الْقَوْلُ بِانْتِقَالِ النُّورِ الْبَاصِرِ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْأَوَّلِ نِصْفُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُذْهِبْ نِصْفَ الْمَنْفَعَةِ فَجَوَابُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ اطِّرَاحُ الْأَوَّلِ إذْ لَوْ جَنَى عَلَيْهَا فَاحْوَلَّتَا أَوْ عَمِشَتَا أَوْ نَقَصَ ضَوْءُهُمَا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَقْلُ لِمَا نَقَصَ وَلَا تَنْقُصُ الدِّيَةُ عَمَّنْ جَنَى ثَانِيًا عَلَى قَوْلٍ عِنْدَنَا، وَهَذَا السُّؤَالُ قَوِيٌّ عَلَيْنَا وَكَانَ يَلْزَمُنَا أَنْ نَقْلَعَ بِعَيْنِ الْأَعْوَرِ عَيْنَيْنِ اثْنَيْنِ مِنْ الْجَانِي.

(تَفْرِيعٌ) قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي النَّوَادِرِ: فِيهَا أَيْ فِي عَيْنِ الْأَعْوَرِ أَلْفٌ وَإِنْ أَخَذَ فِي الْأُولَى دِيَتَهَا قَالَهُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ، وَقَالَ أَشْهَبُ: يُسْأَلُ عَنْ السَّمْعِ فَإِنْ كَانَ يَنْتَقِلُ فَكَالْعَيْنَيْنِ وَإِلَّا فَكَالْيَدِ وَإِنْ أُصِيبَ مِنْ كُلٍّ نِصْفُ بَصَرِهَا ثُمَّ أُصِيبَ بَاقِيهِمَا فِي ضَرْبَةٍ فَنِصْفُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ يَنْظُرُ بِهِمَا نِصْفَ نَظَرِهِمَا فَإِنْ أُصِيبَ بَاقِي إحْدَاهُمَا فَرُبْعُ الدِّيَةِ فَإِنْ أُصِيبَ بَعْدَ ذَلِكَ بَقِيَّةُ الْأُخْرَى فَنِصْفُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ أُقِيمَ مَقَامَ نِصْفِ جَمِيعِ بَصَرِهِ فَإِنْ أَخَذَ صَحِيحٌ نِصْفَ دِيَةِ إحْدَاهُمَا ثُمَّ أُصِيبَ بِنِصْفِ الصَّحِيحَةِ فَثُلُثُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ أَذْهَبَ مِنْ جَمِيعِ بَقِيَّةِ بَصَرِهِ ثُلُثَهُ وَإِنْ أُصِيبَ بِبَقِيَّةِ الْمُصَابَةِ فَقَطْ فَرُبْعُ الدِّيَةِ فَإِنْ ذَهَبَ بَاقِيهَا وَالصَّحِيحَةُ بِضَرْبَةٍ فَالدِّيَةُ كَامِلَةً أَوْ الصَّحِيحَةُ وَحْدَهَا فَثُلُثَا الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهَا ثُلُثَا بَصَرِهِ فَإِنْ أُصِيبَ بَقِيَّةُ الْمُصَابَةِ فَنِصْفُ الدِّيَةِ بِخِلَافِ لَوْ أُصِيبَتْ وَالصَّحِيحَةُ بَاقِيَةٌ قَالَهُ أَشْهَبُ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَيْسَ فِيمَا يُصَابُ مِنْ الصَّحِيحَةِ إذَا بَقِيَ مِنْ الْأُولَى شَيْءٌ إلَّا مِنْ حِسَابِ نِصْفِ الدِّيَةِ اهـ.

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ أَسْبَابِ التَّوَارُثِ وَأَجْزَاءِ أَسْبَابِهَا الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ]

(الْفَرْقُ الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ أَسْبَابِ التَّوَارُثِ وَأَجْزَاءِ أَسْبَابِهَا الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ)

وَهُوَ أَنَّ أَسْبَابَ التَّوَارُثِ التَّامَّةِ هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ مَاهِيَّةِ كُلٍّ مِنْ الْقَرَابَةِ وَالْوَلَاءِ وَالنِّكَاحِ بِشَرْطِ شَيْءٍ أَعْنِي خُصُوصَ كَوْنِ الْقَرَابَةِ بُنُوَّةً مَثَلًا وَخُصُوصَ كَوْنِ الْوَلَاءِ عَلَوِيًّا وَخُصُوصَ كَوْنِ النِّكَاحِ زَوْجَةً أَوْ زَوْجًا، وَأَجْزَاؤُهَا الْعَامَّةُ هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ مَاهِيَّةِ كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ بِشَرْطِ لَا شَيْءَ أَعْنِي مُطْلَقَ الْقَرَابَةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ مُطْلَقُ الْقَرَابَةِ، وَمُطْلَقُ الْوَلَاءِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُطْلَقُ الْوَلَاءِ، وَمُطْلَقُ النِّكَاحِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُطْلَقُ النِّكَاحِ، وَأَجْزَاؤُهَا الْخَاصَّةُ هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ مَاهِيَّةِ كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ لَا بِشَرْطِ شَيْءٍ أَيْ مِنْ إطْلَاقٍ أَوْ خُصُوصٍ، وَهِيَ الْمُشْتَرَكَاتُ أَعْنِي قَرَابَةً مَا وَوَلَاءً مَا وَنِكَاحًا مَا، وَهَذِهِ أَخَصُّ مِنْ الْأَجْزَاءِ الْعَامَّةِ، وَأَعَمُّ مِنْ التَّامَّةِ وَهِيَ مُرَادُ الْفَرْضِيِّينَ بِقَوْلِهِمْ: إنَّ أَسْبَابَ التَّوَارُثِ ثَلَاثَةٌ نَسَبٌ وَوَلَاءٌ وَنِكَاحٌ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَمَا تَوَهَّمَهُ الشِّهَابُ مِنْ الْإِشْكَالِ فِي كَلَامِهِمْ هَذَا لَيْسَ كَمَا تَوَهَّمَ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ بَيْنَ أَمْرَيْنِ

(أَحَدُهُمَا) تَعْبِيرُهُمْ عَنْ الْأَسْبَابِ بِلَفْظِ التَّنْكِيرِ

(وَثَانِيهِمَا) : التَّعْبِيرُ عَنْهَا بِلَفْظِ التَّعْرِيفِ فَمَنْ عَبَّرَ مِنْهُمْ بِلَفْظِ التَّنْكِيرِ لَمْ يُرِدْ كُلَّ نَسَبٍ، وَلَا كُلَّ وَلَاءٍ، وَلَا كُلَّ نِكَاحٍ بَلْ أَرَادَ نَسَبًا خَاصًّا وَوَلَاءً خَاصًّا وَنِكَاحًا خَاصًّا، وَلَا نُكْرَ فِي التَّعْبِيرِ بِلَفْظِ النَّكِرَةِ عَنْ مَخْصُوصٍ فَإِنَّ اللَّفْظَ عَلَيْهِ صَادِقٌ وَلَهُ صَالِحٌ وَمَنْ عَبَّرَ مِنْهُمْ بِلَفْظِ التَّعْرِيفِ لَمْ يُرِدْ أَيْضًا كُلَّ نَسَبٍ، وَلَا كُلَّ وَلَاءٍ، وَلَا كُلَّ نِكَاحٍ بَلْ أَرَادَ مَا أَرَادَهُ الْأَوَّلُ وَأَحَالَ الْأَوَّلَ فِي تَقْيِيدِ ذَلِكَ الْمُطْلَقِ عَلَى تَعْيِينِ أَصْنَافِ الْوَارِثِينَ وَالْوَارِثَاتِ وَأَحَالَ الثَّانِي فِي بَيَانِ الْمَعْهُودِ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ عَلَى مَا أَحَالَ عَلَيْهِ الْأَوَّلَ وَذَلِكَ أَنَّ أَسْبَابَ التَّوَارُثِ التَّامَّةِ إجْمَالًا سَبْعَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>