للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَقْصِدَ إنْ خَرَجَ جَيِّدًا اتَّبَعَهُ أَوْ رَدِيئًا اجْتَنَبَهُ فَهُوَ عَيْنُ الِاسْتِقْسَامِ بِالْأَزْلَامِ الَّذِي وَرَدَ الْقُرْآنُ بِتَحْرِيمِهِ فَيَحْرُمُ، وَمَا رَأَيْته حَكَى فِي ذَلِكَ خِلَافًا، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِسْمِ الَّذِي تَقَدَّمَ الَّذِي هُوَ مُبَاحٌ أَنَّ هَذَا مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَالْأَوَّلُ مُتَعَيِّنٌ لِلْخَيْرِ فَهُوَ يَبْعَثُ عَلَى حُسْنِ الظَّنِّ بِاَللَّهِ - تَعَالَى - فَهُوَ حَسَنٌ؛ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ لِلْخَيْرِ، وَالثَّانِي بِصَدَدِ أَنْ يُبَيِّنَ سُوءَ الظَّنِّ بِاَللَّهِ - تَعَالَى - فَحَرُمَ لِذَلِكَ، وَهُوَ يَحْرُمُ لِسُوءِ الظَّنِّ بِغَيْرِ سَبَبٍ تَقْتَضِيهِ عَادَةٌ فَيَلْحَقُ بِالطِّيَرَةِ فَهَذَا هُوَ تَلْخِيصُ الْفَرْقِ بَيْنَ التَّطَيُّرِ وَالْفَأْلِ الْمُبَاحِ وَالْفَأْلِ الْحَرَامِ

(الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الرُّؤْيَا الَّتِي تَجُوزُ تَعْبِيرُهَا وَقَاعِدَةِ الرُّؤْيَا الَّتِي لَا يَجُوزُ تَعْبِيرُهَا)

قَالَ صَاحِبُ الْقَبَسِ تَقُولُ الْعَرَبُ: رَأَيْت رُؤْيَةً إذَا عَايَنْت بِبَصَرِك، وَرَأَيْت رَأْيًا إذَا اعْتَقَدْت بِقَلْبِك، وَرَأَيْت رُؤْيَا بِالْقَصْرِ إذَا عَايَنْت فِي مَنَامِك، وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ فِي الْيَقَظَةِ.

(قُلْت:) قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} [الإسراء: ٦٠] وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهَا فِي الْيَقَظَةِ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ فِي كِتَابِهِ الْكَبِيرِ: الرُّؤْيَا ثَمَانِيَةُ أَقْسَامٍ سَبْعَةٌ مِنْهَا لَا تُعَبِّرُ، وَوَاحِدَةٌ فَقَطْ تُعَبِّرُ، وَالسَّبْعَةُ أَرْبَعَةٌ مِنْهَا نَشَأَتْ عَنْ الْأَخْلَاطِ الْأَرْبَعَةِ الْغَالِبَةِ عَلَى مِزَاجِ الرَّائِي فَمَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ خَلْطٌ رَأَى مَا يُنَاسِبَهُ فَمَنْ غَلَبَتْ عَلَيْهِ السَّوْدَاءُ رَأَى الْأَلْوَانَ السُّودَ وَالْأَشْيَاءَ الْمُحَرَّقَةَ وَالطُّعُومَ الْحَامِضَةَ؛ لِأَنَّهُ طَعْمُ السَّوْدَاءِ وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِالْأَدِلَّةِ الطِّبِّيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى غَلَبَةِ ذَلِكَ الْخَلْطِ عَلَى ذَلِكَ الرَّائِي، وَمَنْ غَلَبَتْ عَلَيْهِ الصَّفْرَاءُ رَأَى الْأَلْوَانَ الصُّفْرَ وَالطُّعُومَ الْمُرَّةَ وَالسَّمُومَ وَالْحَرُورَ وَالصَّوَاعِقَ وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَمَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الدَّمُ يَرَى الْأَلْوَانَ الْحُمْرَ وَالطُّعُومَ الْحُلْوَةَ وَأَنْوَاعَ الطَّرَبِ؛ لِأَنَّ الدَّمَ مُفْرِحٌ حُلْوٌ، وَالصَّفْرَاءُ مُسَخِّنَةٌ مُرَّةٌ، وَمَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْبَلْغَمُ رَأَى الْأَلْوَانَ الْبِيضَ وَالْأَمْطَارَ وَالْمِيَاهَ وَالثَّلْجَ (الْقِسْمُ الْخَامِسُ) مَا هُوَ مِنْ حَدِيثِ النَّفْسِ وَيُفْهَمُ ذَلِكَ بِجَوَلَانِهِ فِي الْيَقَظَةِ وَكَثْرَةِ الْفِكْرِ فِيهِ فَيَسْتَوْلِي عَلَى النَّفْسِ فَتَتَكَيَّفُ بِهِ فَيَرَاهُ فِي النَّوْمِ (الْقِسْمُ السَّادِسُ) مَا هُوَ مِنْ الشَّيْطَانِ، وَيُعْرَفُ بِكَوْنِهِ فِيهِ حَثٌّ عَلَى أَمْرٍ تُنْكِرُهُ الشَّرِيعَةُ أَوْ بِأَمْرٍ مَعْرُوفٍ جَائِزٍ غَيْرَ أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَمْرٍ مُنْكَرٍ كَمَا إذَا أَمَرَهُ بِالتَّطَوُّعِ بِالْحَجِّ فَتَضِيعُ عَائِلَتُهُ أَوْ يَعُقَّ بِذَلِكَ أَبَوَيْهِ (الْقِسْمُ السَّابِعُ) مَا كَانَ فِيهِ احْتِلَامٌ (الْقِسْمُ الثَّامِنُ) هُوَ الَّذِي يَجُوزُ تَعْبِيرُهُ، وَهُوَ مَا خَرَجَ عَنْ هَذِهِ، وَهُوَ مَا يَنْقُلُهُ مَلَكُ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

الدَّارِ هُمْ الْأَكْثَرُونَ فِي تِلْكَ الدَّارِ فَهَذَا وَجْهُ مَا كَانَ السَّلَفُ يَعْتَمِدُونَهُ فِي دُخُولِ الزُّهْدِ وَالْوَرَعِ فِي الْمُبَاحَاتِ، وَهُوَ وَجْهُ لُزُومِ الذَّمِّ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْله تَعَالَى {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} [الأحقاف: ٢٠] وَبِهِ يُجْمَعُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ. اهـ. وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ.

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ التَّوَكُّلِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَرْكِ الْأَسْبَابِ]

(الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ التَّوَكُّلِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَرْكِ الْأَسْبَابِ) ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لِكَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ فِي عِلْمِ الرَّقَائِقِ وَهُمَا هَلْ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ تَلَازُمٌ بِحَيْثُ لَا يَصِحُّ التَّوَكُّلُ إلَّا مَعَ تَرْكِ الْأَسْبَابِ وَالِاعْتِمَادِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ مَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي إحْيَاءِ عُلُومِ الدِّينِ وَغَيْرُهُ وَعَلَيْهِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا أَوْ أَنَّهُ مَا بَيْنَ الشَّرْطِ وَالْمَشْرُوطِ أَوْ لَا مُلَازَمَةَ بَيْنَ التَّوَكُّلِ وَتَرْكِ الْأَسْبَابِ، وَلَا هُوَ هُوَ أَيْ بَلْ التَّوَكُّلُ أَعَمُّ مُطْلَقًا مِنْ تَرْكِ الْأَسْبَابِ فَافْهَمْ.

وَهَذَا قَوْلُ آخَرِينَ قَالَ الْأَصْلُ: وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ التَّوَكُّلَ هُوَ اعْتِمَادُ الْقَلْبِ عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى - فِيمَا يَجْلِبُهُ مِنْ خَيْرٍ أَوْ يَدْفَعُهُ مِنْ ضُرٍّ أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مَعَ مُلَابَسَةِ الْأَسْبَابِ أَوْ مَعَ عَدَمِ مُلَابَسَتِهَا نَعَمْ قَالَ الْمُحَقِّقُونَ، وَالْأَحْسَنُ مُلَابَسَةُ الْأَسْبَابِ مَعَ التَّوَكُّلِ لِلْمَنْقُولِ وَالْمَعْقُولِ أَمَّا الْمَنْقُولُ فَإِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - قَدْ أَمَرَ بِمُلَابَسَةِ أَسْبَابٍ بِالِاحْتِيَاطِ وَالْحَذَرِ مِنْ الْكُفَّارِ فِي غَيْرِ مَا مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ الْعَزِيزِ فَمِنْ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [الأنفال: ٦٠] فَأَمَرَ بِالِاسْتِعْدَادِ وَقَدْ أَمَرَ بِاكْتِسَابِ التَّحَرُّزِ مِنْ الشَّيْطَانِ كَمَا يُتَحَرَّزُ مِنْ الْكُفَّارِ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} [فاطر: ٦] أَيْ تَحَرَّزُوا مِنْهُ مَعَ الْأَمْرِ بِالتَّوَكُّلِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [آل عمران: ١٢٢] وَقَدْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُوَ سَيِّدُ الْمُتَوَكِّلِينَ يَطُوفُ عَلَى الْقَبَائِلِ. وَيَقُولُ مَنْ يَعْصِمُنِي حَتَّى أُبَلِّغَ رِسَالَةَ رَبِّي» وَكَانَ لَهُ جَمَاعَةٌ يَحْرُسُونَهُ مِنْ الْعَدُوِّ حَتَّى نَزَلَ قَوْله تَعَالَى {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: ٦٧] وَدَخَلَ مَكَّةَ مُظَاهِرًا بَيْنَ دِرْعَيْنِ مِنْ الْحَدِيدِ فِي كَتِيبَتِهِ الْخَضْرَاءِ وَكَانَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ وَأَكْمَلِ أَحْوَالِهِ مَعَ رَبِّهِ - تَعَالَى - يَدَّخِرُ قُوتَ سَنَةٍ لِعِيَالِهِ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ» أَيْ شُدَّ رُكْبَةَ نَاقَتِك مَعَ ذِرَاعِهَا بِحَبْلٍ وَاعْتَمِدْ عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى - فَإِنَّ عَقْلَهَا لَا يُنَافِي التَّوَكُّلَ قَالَ الْعَزِيزِيُّ عَلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَسَبَبُهُ كَمَا فِي التِّرْمِذِيِّ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْقِلُ نَاقَتِي وَأَتَوَكَّلُ أَوْ أُطْلِقُهَا وَأَتَوَكَّلُ» فَذَكَرَهُ. اهـ.

قَالَ الْأَصْلُ: وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَهُوَ أَنَّ الْمَلِكَ الْعَظِيمَ إذَا كَانَتْ لَهُ جَمَاعَةٌ عَوَّدَهُمْ بِأَيَّامٍ لَا يَحْسُنُ إلَّا فِيهَا وَبِأَمْكِنَةٍ لَا يَدْفَعُ إلَّا فِيهَا وَبِأَبْوَابٍ لَا يَخْرُجُ إلَّا مِنْهَا فَالْأَدَبُ مَعَهُ أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>