للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى -» .

قَالَ الْبَاجِيَّ: فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِالرُّؤْيَا الصَّالِحَةِ الْمُبَشِّرَةَ وَيُحْتَمَلُ الصَّادِقَةُ مِنْ اللَّهِ - تَعَالَى - وَيُرِيدُ بِالْحُلْمِ مَا يُحْزِنُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْكَاذِبَ يُخَيَّلُ بِهِ لِيَفْرَحَ أَوْ يَحْزَنَ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: يَقُولُ فِي الِاسْتِعَاذَةِ إذَا نَفَثَ عَنْ يَسَارِهِ: أَعُوذُ بِمَنْ اسْتَعَاذَتْ بِهِ مَلَائِكَةُ اللَّهِ وَرُسُلُهُ مِنْ شَرِّ مَا رَأَيْت فِي مَنَامِي هَذَا أَنْ يُصِيبَنِي مِنْهُ شَيْءٌ أَكْرَهُهُ ثُمَّ يَتَحَوَّلَ عَلَى جَانِبِهِ الْآخَرِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: الْفَرْقُ بَيْنَ رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ رُؤْيَا غَيْرِهِمْ إذَا أَخْطَأَ فِي تَأْوِيلِهَا لَا تَخْرُجُ كَمَا أُوِّلَتْ وَرُؤْيَا غَيْرِ الصَّالِحِ لَا يُقَالُ فِيهَا جُزْءٌ مِنْ النُّبُوَّةِ، وَإِنَّمَا يُلْهِمُ اللَّهُ - تَعَالَى - الرَّائِيَ التَّعَوُّذَ إذَا كَانَتْ مِنْ الشَّيْطَانِ أَوْ قَدَّرَ أَنَّهَا لَا تُصِيبُهُ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ اللَّهِ - تَعَالَى - فَإِنَّ شَرَّ الْقَدَرِ قَدْ يَكُونُ وُقُوعُهُ مَوْقُوفًا عَلَى عَدَمِ الدُّعَاءِ

(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ)

قَالَ صَاحِبُ الْقَبَسِ: قَالَ صَالِحٌ الْمُعْتَزِلِيُّ: رُؤْيَا الْمَنَامِ هِيَ رُؤْيَةُ الْعَيْنِ، وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ رُؤْيَةٌ بِعَيْنَيْنِ فِي الْقَلْبِ يُبْصِرُ بِهِمَا، وَأُذُنَيْنِ فِي الْقَلْبِ يَسْمَعُ بِهِمَا، وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ: هِيَ تَخَايِيلُ لَا حَقِيقَةَ لَهَا، وَلَا دَلِيلَ فِيهَا، وَجَرَتْ الْمُعْتَزِلَةُ عَلَى أُصُولِهَا فِي تَخْيِيلِهَا عَلَى الْعَادَةِ فِي إنْكَارِ أُصُولِ الشَّرْعِ فِي الْجِنِّ وَأَحَادِيثِهَا وَالْمَلَائِكَةِ وَكَلَامِهَا، وَأَنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَوْ كَلَّمَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصَوْتٍ لَسَمِعَهُ الْحَاضِرُونَ، وَأَمَّا أَصْحَابُنَا فَلَهُمْ أَقْوَالٌ ثَلَاثَةٌ قَالَ الْقَاضِي: هِيَ خَوَاطِرُ وَاعْتِقَادَاتٌ، وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو بَكْرٍ هِيَ أَوْهَامٌ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْأَوَّلِ، وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ: هِيَ إدْرَاكٌ بِأَجْزَاءٍ لَمْ تَحُلْهَا آفَةُ النَّوْمِ، فَإِذَا رَأَى الرَّائِي أَنَّهُ بِالْمَشْرِقِ، وَهُوَ بِالْمَغْرِبِ أَوْ نَحْوِهِ فَهِيَ أَمْثِلَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ - تَعَالَى - دَلِيلًا عَلَى تِلْكَ الْمَعَانِي كَمَا جُعِلَتْ الْحُرُوفُ وَالْأَصْوَاتُ وَالرُّقُومُ لِلْكِتَابَةِ دَلِيلًا عَلَى الْمَعَانِي فَإِذَا رَأَى اللَّهَ - تَعَالَى - أَوْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهِيَ أَمْثِلَةٌ تُضْرَبُ لَهُ بِقَدْرِ حَالِهِ فَإِنْ كَانَ مُوَحِّدًا رَآهُ حَسَنًا أَوْ مُلْحِدًا رَآهُ قَبِيحًا، وَهُوَ أَحَدُ التَّأْوِيلَيْنِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «رَأَيْت رَبِّي فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ» قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: قَالَ لِي بَعْضُ الْأُمَرَاءِ: رَأَيْت الْبَارِحَةَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَشَدِّ مَا يَكُونُ مِنْ السَّوَادِ فَقُلْت: لَهُ ظَلَمْت الْخَلْقَ وَغَيَّرْت الدِّينَ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَالتَّغْيِيرُ فِيك لَا شَكَّ فِيهِ وَكَانَ مُتَغَيِّرًا عَلَيَّ وَعِنْدَهُ كَاتِبُهُ وَصِهْرُهُ وَوَلَدُهُ فَأَمَّا الْكَاتِبُ فَمَاتَ، وَأَمَّا الْآخَرَانِ فَتَنَصَّرَا وَأَمَّا هُوَ فَكَانَ مُسْتَنِدًا فَجَلَسَ عَلَى نَفْسِهِ وَجَعَلَ يَتَعَذَّرُ، وَكَانَ آخِرُ كَلَامِهِ وَدِدْت أَنْ أَكُونَ حَمِيًّا لِنَخَلَاتٍ أَعِيشُ بِهَا بِالثَّغْرِ قُلْت لَهُ: وَمَا يَنْفَعُك أَنَا أَقْبَلُ أَنَا عُذْرك وَخَرَجْت فَوَاَللَّهِ مَا تَوَقَّفَتْ لِي عِنْدَهُ بَعْدُ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

الْأَسْبَابِ الَّتِي لَيْسَتْ مُطَّرِدَةً مِنْ الْحِمْيَةِ وَإِصْلَاحِ الْبَدَنِ بِمُوَاظَبَةِ عَادَتِهِ فَمَا ظَنُّك بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعَوَائِدِ فَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الْأَبْلَجُ وَالطَّرِيقُ الْأَنْهَجُ اهـ كَلَامُ الْأَصْلِ بِتَهْذِيبٍ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الشَّاطِّ.

قُلْت: وَتَعْرِيفُهُ التَّوَكُّلُ عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي اخْتَارَهُ بِقَوْلِهِ: هُوَ اعْتِمَادُ الْقَلْبِ إلَخْ هُوَ بِمَعْنَى قَوْلِ السَّيِّدِ الْجُرْجَانِيِّ فِي تَعْرِيفَاتِهِ: هُوَ الثِّقَةُ بِمَا عِنْدَ اللَّهِ، وَالْيَأْسُ عَمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ اهـ وَقَوْلُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ الشَّيْخِ زَكَرِيَّا هُوَ الِاعْتِمَادُ عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى - وَقَطْعُ النَّظَرِ عَنْ الْأَسْبَابِ مَعَ تَهْيِئَتِهَا، وَقَوْلُهُ: وَيُقَالُ هُوَ تَرْكُ السَّعْيِ فِيمَا لَا تَسَعُهُ قُوَّةُ الْبَشَرِ، وَأَمَّا قَوْلُ الْأَصْلِ عَلَى مَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ وَغَيْرُهُ بِحَيْثُ يَجْعَلُ التَّوَكُّلَ عَدَمَ الْأَسْبَابِ أَوْ مِنْ شَرْطِهِ عَدَمُ الْأَسْبَابِ فَعَلَى الثَّانِي يُعْرَفُ قَوْلُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا وَيُقَالُ: هُوَ كِلَةُ الْأَمْرِ كُلِّهِ إلَى مَالِكِهِ، وَالتَّعْوِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يُعْرَفُ بِقَوْلِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَيْضًا أَوْ يُقَالُ هُوَ تَرْكُ الْكَسْبِ، وَإِخْلَاءُ الْيَدِ مِنْ الْمَالِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا: وَرُدَّ بِأَنَّ هَذَا تَوَاكُلٌ لَا تَوَكُّلٌ أَفَادَهُ الْعَزِيزِيُّ عَلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَنْ الْعَلْقَمِيِّ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ.

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْحَسَدِ وَقَاعِدِ الْغِبْطَةِ]

(الْفَرْقُ السِّتُّونَ وَالْمِائَتَيْنِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْحَسَدِ وَقَاعِدَةِ الْغِبْطَةِ)

وَهُوَ أَنَّ الْقَاعِدَتَيْنِ وَإِنْ اشْتَرَكَتَا فِي أَنَّهُمَا طَلَبٌ مِنْ الْقَلْبِ إلَّا أَنَّ الْحَسَدَ تَمَنِّي زَوَالِ النِّعْمَةِ عَنْ الْغَيْرِ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي الزَّوَاجِرِ وَيَكُونُ حَرَامًا وَفُسُوقًا إنْ كَانَ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا نِعْمَةً أَمَّا إنْ كَانَ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا آلَةَ الْفَسَادِ وَالْإِيذَاءِ كَمَا فِي نِعْمَةِ الْفَاجِرِ فَلَا حُرْمَةَ اهـ قَالَ الْأَصْلُ كَانَ الْمُتَمَنِّي زَوَالَهَا عَنْهُ تَمَنَّى حُصُولَهَا لِنَفْسِهِ أَوْ لَا فَالْحَسَدُ نَوْعَانِ، وَالثَّانِي أَشَرُّهُمَا؛ لِأَنَّهُ طَلَبُ الْمَفْسَدَةِ الصِّرْفَةِ مِنْ غَيْرِ مُعَارِضٍ عَادِيٍّ أَوْ طَبِيعِيٍّ قَالَ: وَدَلِيلُ تَحْرِيمِ الْحَسَدِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ (فَأَمَّا الْكِتَابُ) فَقَوْلُهُ - تَعَالَى -: {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} [الفلق: ٥] وقَوْله تَعَالَى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء: ٥٤] ، وقَوْله تَعَالَى -: {وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النساء: ٣٢] أَيْ لَا تَتَمَنَّوْا زَوَالَهُ بِقَرِينَةِ النَّهْيِ (وَأَمَّا السُّنَّةُ) فَقَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إخْوَانًا وَفِي الزَّوَاجِرِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي النَّهْيِ عَنْ الْحَسَدِ وَأَسْبَابِهِ وَثَمَرَاتِهِ لَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا تَقَاطَعُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إخْوَانًا، وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثَةٍ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ اهـ قَالَ الْأَصْلُ: وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ عَلَى تَحْرِيمِهِ فَقَدْ انْعَقَدَ مِنْ الْأُمَّةِ الْمَعْصُومَةِ قَالَ: وَيُقَالُ: إنَّ الْحَسَدَ أَوَّلُ مَعْصِيَةٍ عُصِيَ اللَّهُ بِهَا فِي الْأَرْضِ حَسَدَ إبْلِيسُ آدَمَ فَلَمْ يَسْجُدْ لَهُ. اهـ.

وَفِي الزَّوَاجِرِ وَمِنْ آفَاتِ الْحَسَدِ أَنَّ فِيهِ سَخَطًا لِقَضَاءِ اللَّهِ - تَعَالَى - إذَا أَنْعَمَ عَلَى الْغَيْرِ بِمَا لَا مَضَرَّةَ عَلَيْك فِيهِ وَشَمَاتَةً بِأَخِيك الْمُسْلِمِ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا} [آل عمران: ١٢٠]

<<  <  ج: ص:  >  >>