للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سَمِعَ الْكَثِيرَ، وَصَنَّفَ، وَهُوَ مِمَّنْ يُضْرَبُ بِحِفْظِهِ الْمَثَلُ.

كَانَ يُمْلِي مِنْ حِفْظِهِ لا مِنْ كِتَابٍ.

وَذَكَرُوا أَنَّهُ كَانَ يَحْفَظُ ثَلاثَ مِائَةِ أَلْفَ بَيْتٍ مِنَ الشَّوَاهِدِ فِي الْقُرْآنِ، وَمَرِضَ فِي زَمَنِ أَبِيهِ فَقَلِقَ أَبُوهُ، وَقَالَ: كَيْفَ لا أَقْلَقُ لِعِلَّةِ مَنْ يَحْفَظُ جَمِيعَ مَا فِي هَذِهِ الصَّنَادِيقِ مِنَ الْكُتُبِ، وَذَكَرُوا أَنَّهُ كَانَ يَحْفَظُ عِشْرِينَ وَمِائَةً مِنْ تَفَاسِيرِ الْقُرْآنِ بِأَسَانِيدِهَا.

وَقَدْ أَمْلَى مِنْ حِفْظِهِ غَرِيبَ الْحَدِيثِ، وَهُوَ خَمْسٌ وَأَرْبَعُونَ أَلْفَ وَرَقَةٍ، وَكِتَابَ شَرْحِ الْكَافِي، وَهُوَ أَلْفُ وَرَقَةٍ، وَكِتَابَ الأَضْدَادِ، أَلْفُ وَرَقَةٍ، وَالْجَاهِلِيَّاتِ، سَبْعُ مِائَةِ وَرَقَةٍ، وَغَيْرَ ذَلِكَ.

وَرَأَى جَارِيَةً تُبَاعُ، فَوَقَعَتْ فِي نَفْسِهِ، فَدَخَلَ إِلَى الرَّاضِي بِاللَّهِ، فَقَالَ: أَيْنَ كُنْتَ؟ فَأَخْبَرَهُ بِرُؤْيَةِ الْجَارِيَةِ فَاشْتَرَاهَا الْخَلِيفَةُ، وَبَعَثَهَا إِلَى مَنْزِلِهِ، فَلَمَّا دَخَلَ رَآهَا فَقَالَ: اصْعَدِي إِلَى فَوْق لأَسْتَبْرِئَكِ، ثُمَّ جَلَسَ يَطْلُبُ مَسْأَلَةً فَاشْتَغَلَ قَلْبُهُ، فَقَالَ لِلْخَادِمِ: امْضِ بِهَا إِلَى النَّخَّاسِ.

فَقَالَتْ: عَرِّفْنِي ذَنْبِي؟ فَقَالَ: مَا لَكِ ذِنْبٌ غَيْرَ أَنَّكِ شَغَلْتِينِي عَنْ عِلْمِي.

فَبَلَغَ ذَلِكَ الرَّاضِي، فَقَالَ: لا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْعِلْمُ فِي قَلْبِ أَحَدٍ أَحْلَى مِنْهُ فِي صَدْرِ هَذَا.

وَكَانَ إِذَا حَضَرَ عِنْدَ الرَّاضِي، شُوِيَتْ لَهُ قَلِيَّةٌ يَابِسَةٌ، وَيَأْكَلُهَا وَلا يَشْرَبُ مَاءً إِلَى الْعَصْرِ، وَلا يَقْرُبُ الْمَاءَ كُلَّ ذَلِكَ لأَجْلِ حِفْظِهِ،

<<  <   >  >>