للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الثاني: أنه لا يوجد بين أيدي أهل العلم وطلابه كتاب مطبوع في تخريج كتاب في الفقه الحنبلي كما للمذاهب الأخرى، خذ مثلا كتاب نصب الراية لأحاديث الهداية (١) في الفقه الحنفي، للحافظ جمال الدين الزيلعي، وتلخيص ابن حجر العسقلاني، فرأيت أن من واجبي تجاه إمام السنة، ومن حقه علي أن أقوم بخدمة متواضعة لمذهبه وفقهه، رحمه الله تعالى، وذلك بتخريج هذا الكتاب.

الثالث: أنني توخيت بذلك أن أكون عونا لطلاب العلم والفقه عامة، والحنابلة منهم خاصة، الذين هم - فيما علمت - أقرب الناس إلى السنة على السلوك معنا في طريق الاستقلال الفكري الذي يعرف اليوم ب‍ الفقه المقارن، هذا الفقه الذي لا يعطيه حقه - اليوم - أكثر الباحثين فيه، والمدرسين لمادته في كليات الشريعة المعروفة الآن، فإن من حقه أن لا يستدل فيه بحديث ضعيف لا تقوم به حجة. فترى أحدهم، يعرض لمسألة من مسائله، ويسوق الأقوال المتناقضة فيه، ثم لا يذكر أدلتها التفصيلية، فإذا كان فيها شيء من الأحاديث النبوية حشرها حشرا، دون أن يبين ويميز صحيحها من حسنها، بل ولا قويها من ضعيفها، فيكون من نتيجة ذلك وآثاره السيئة أن تتبلبل أفكار الطلاب وتضطرب آراؤهم في ترجيح قول على قول آخر، ويكون عاقبة ذلك أن يتمكن من قلوبهم الخطأ الشائع: أن الحق يتعدد (٢) بل صرح بعضهم أخيرا فقال: إن هذه الأقوال المتعارضة كلها شرع الله! وأن يزدادوا تمسكا بالحديث الباطل: "اختلاف أمتي رحمة (٣) " وقد تتغلب العصبية المذهبية على أحدهم، وقد يكون هو أستاذ المادة نفسه فيرجح من تلك الأقوال الموافق لمذهبه، وينتصر له بحديث من تلك الأحاديث، وهو لا يدري أنه حديث ضعيف عند أهل الحديث، ونقاده، والمنهج العلمي الصحيح يوجب عليه أن يجري عملية تضعيفه بين تلك الأحاديث المتعارضة، المستدل بها للأقوال المتناقضة، فما كان منها ضعيفا لا تقوم به حجة، تركت جانبا، ولم يجز المعارضة بها، وما كان منها صحيحا أو ثابتا جمع بينها بوجه من وجوه التوفيق المعروفة في علم أصول الفقه وأصول الحديث، وقد أوصلها الحافظ العراقي في حاشيته على علوم الحديث لابن الصلاح إلى أكثر من مائة وجه.


(١) وهو من مطبوعات المكتب الاسلامي.
(٢) انظر مقدمة كتابي صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم.
(٣) انظر كتابي سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة رقم ٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>