للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بين هذه القتلة وبين الأخرى بعدها بعشرين سنة فرق، غذ كان لا يخاف ثاراً، ولا في الملك وهناً.

[معاقبة أنوشروان للخائن]

وفيما يذكر عن سيرة أنوشروان أن رجلاً من خاص خدمه جنى جناية اطلع عليها أنوشروان، والرجل غافل عنه. وكانت عقوبة تلك الجناية توجب القتل في الشريعة؛ فلم يدر كيف يقتله: لا هو وجد أمراً ظاهراً يقتل بمثله الحكام فيسفك به دمه، ولا قدر على كشف ذنبه لما في ذلك من الوهن على الملك والمملكة، ولا وجد لنفسه عذراً في قتله غيلة، إذ لم يكن ذلك في شرائع دينهم ووراثة سلفهم. فدعا به بعد جنايته بسنةٍ، فاستخلاه وقال: قد حزبني أمر من أسرار ملك الروم، وبي حاجة إلى أن أعلمها، وما أجدني أسكن إلى أحدٍ سكوني إليك إذ حللت من قلبي المحل الذي أنت به. وقد رأيت أن أدفع إليك مالاً لتحمل إلى هناك تجارة وتدخل بلاد الروم فتقيم بها لتجارتك؛ فإذا بعت ما معك، حملت مما في بلادهم من تجارتهم وأقبلت إلي. وفي خلال ذلك تصغي إلى أخبارهم، وتطلع طلع ما بنا حاجة إليه من أمورهم وأسرارهم.

فقال الرجل: أفعل أيها الملك، وأرجو أن أبلغ في ذلك محبة الملك ورضاه.

فأمر له بمالٍ، وتجهز الرجل، وخرج بتجارة؛ فأقام ببلاد الروم، حتى باع واشترى ولقن من كلامهم ولغتهم ما يعرف به مخاطبتهم وبعض أسرار ملكهم. ثم انصرف إلى

<<  <   >  >>