للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أنوشروان بذلك، فاستبشر بقدومه، وزاد في بره، ورده إلى بلادهم، وأمره بطول المقام، والتربص بتجارته. ففعل، حتى عرف واستفاض ذكره.

فلم تزل تلك حاله ست سنين، حتى إذا كان في السنة السابعة، أمر الملك أن تصور صورة الرجل في جامٍ من جاماته التي يشرب فيها، وتجعل صورته بإزاء صورة الملك، ويجعل مخاطباً للملك، ومشيراً إليه من بين أهل مملكته، ويدني رأسه من رأس الملك في الصورة كأنه يسر إليه. ثم وهب ذلك الجام لبعض خدمه، وقال له: إن الملوك ترغب في هذا الجام، فإن أردت بيعه، فادفعه إلى فلان إذا خرج نحو بلاد الروم بتجارته، فإنه إن باعه من الملك نفسه نفعك، وإن لم يمكنه بيعه من الملك، باعه من وزيره أو من بعض حامته.

فجاء غلام الملك بالجام ليلاً، وقد وضع الرجل رجله في غرز ركابه، فسأله أن يبيع جامه من الملك، وأن يتخذ بذلك عنده يداً. وكان الملك يقدم ذلك الغلام، وكان من خاص غلمانه وصاحب شرابه. فأجابه إلى ذلك، وأمره بدفع الجام إلى صاحب خزانته، وقال: احفظه! فإذا صرت إلى باب الملك، فليكن فيما أعرضه عليه.

فلما صار إلى ملك الروم، دفع صاحب الخزانة إليه الجام، فعزله فيما يعرض على الملك. فلما دفع الجام في يدي الملك، نظر إليه، ونظر إلى صورة أنوشروان فيه، وإلى صورة الرجل وتركيبه، عضواً عضواً، وجارحةً جارحةً، فقال: أخبرني، هل يصور مع الملك صورة رجل خسيس الأصل؟ قال: لا قال: فهل يصور في آنية الملك صورة لا أصل لها ولا علة؟ قال: لا قال: فهل في دار الملك اثنان يتشابهان

<<  <   >  >>