للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن حق الملك أن لا يعزيه أحد من حاشيته وحامته وأهل بيته وقرابته. وإنما جعلت التعزية لمن غاب عن المصيبة، أو لمن قارب الملك في العز والسلطان، والبهاء والقدرة. فأما من دون هؤلاء، فينهون عن التعزية أشد النهي.

وفيما يذكر عن عبد الملك بن مروان أنه مات بعض بنيه وهو صغير، فجاءه الوليد فعزاه، فقال: يا بني! مصيبتي فيك أقدح في بدني من مصيبتي بأخيك! ومتى رأيت ابناً عزى أباه؟ قال: يا أمير المؤمنين! أمي أمرتني بذلك! قال: ذاك يا بني أهون علي! وهذا لعمري من مشورة النساء.

[غضب الملك ورضاه]

ومن أخلاق الملك سرعة الغضب، وليس من أخلاقه سرعة الرضى. فأما سرعة الغضب، فإنما تأتي الملك من جهة دوام الطاعة، وذلك لأنه لا يدور في سمعه ما يكره في طول عمره. فإذا ألفت النفس هذا العز الدائم، صار أحد صفاتها. فمتى قرع حس النفس مالا تعرفه في خلقها، نفرت منه نفوراً سريعاً، فظهر الغضب، أنفةً وحميةً.

وأما رضى الملك فبطيء جداً، لأنه شيء تمانعه النفس أن يفعله، وتدفعه عن نفسها، إذ كان في ذلك جنس من أجناس الاستخذاء، وخلق من أخلاق العامة.

<<  <   >  >>